“8 مارس”.. بين إنجازات النضال النسوي وتحديات تحقيق المساواة!

في الثامن من مارس من كل عام، يحتفي العالم باليوم العالمي لحقوق النساء، تخليدا لنضالاتهنّ وإبرازًا لدورهنّ في بناء المجتمعات، وهي مناسبة لا تأتي للاحتفاء الفولكلوري فحسب، بل تعكس لحظة تأمل عميقة في مسار طويل من الكفاح، كفاحٌ سطرت من خلاله المرأة اسمها في صفحات المجد، متألقة في مختلف الميادين، من السياسة إلى الاقتصاد، ومن العلوم إلى الفنون. 

في المغرب، ورغم ما تحقق من إنجازات ومكتسبات، يظل هذا اليوم فرصة لمساءلة الواقع، واستقراء التحديات التي مازالت تعترض طريق المرأة، لا سيما في المجتمعات المغاربية التي لا تزال المرأة فيها تصارع من أجل تحقيق أبسط الحقوق، في سبيل التمكين الفعلي والعيش الكريم والاستقلالية عن التبعية الذكورية وتحقيق المساواة الكاملة.

ولا يمكن إنكار التحولات التي شهدتها القضية النسائية في العقود الأخيرة بالمغرب، سواءً من خلال القوانين التي عززت حضورها في الحياة العامة، أو عبر نجاحاتها التي جعلتها رقما صعبا في التنمية الوطنية. 

ولكن، في مقابل هذه المكتسبات؛ ماتزال النساء في مواجهة مع عراقيل كبرى تحول دون تحقيقهنّ لكامل حقوقهن؛ أبرزها استمرار ظاهرة العنف بجميع أشكاله، والتمييز القائم على النوع الاجتماعي، ناهيك عن التحديات الاقتصادية التي تجعل نسبة كبيرة منهن عالقات بين براثن البطالة والفقر.  

مدونة الأسرة.. إصلاح أم جدل بلا أفق؟

من بين المستجدات البارزة التي تشغل الرأي العام المغربي، يأتي الحديث عن تعديل مدونة الأسرة، وهي خطوة يراها كثيرون ضرورية لمواكبة التحولات الاجتماعية وضمان مزيد من الإنصاف للنساء في قضايا مثل الزواج، الطلاق، الحضانة، والولاية الشرعية. لكن رغم الأمل الذي تحمله هذه المراجعة، إلا أن النقاش لا يخلو من التوتر، خاصة بين التيارات المدافعة عن المساواة والتي تتمسك بضرورة إلغاء كل البنود التمييزية، وبين الأصوات المحافظة التي تعتبر هذه التعديلات تهديدا للثوابت الأسرية.  

الكبيرة شاطر، ناشطة سياسية مهتمة بالحقوق النسائية، ترى أن الحركة النسائية المغربية ركزت نضالها منذ نشأتها على تعديل ما بات يسمى آنذاك بـ”مدونة الأحوال الشخصية”، حيث امتد هذا المسار من 1970 إلى 1993، ثم بداية الألفية الجديدة وصولا إلى 2004 و2024، مشيرة إلى أن “المطالب النسائية لا تزال قائمة إلى اليوم، لا سيما تلك التي طرحتها مجموعات نسائية منذ 1944 وعبرت عنها النساء العاملات في 1962”.

وفي تفاعلها مع النقاط المقترحة لتعديل مدونة الأسرة، دعت شاطر إلى “الإقرار الفعلي للمساواة في الولاية القانونية على الأطفال، استنادا إلى الفصل 19 من دستور 2011 والاتفاقيات الدولية التي وقع عليها المغرب”. 

وشددت على “ضرورة رفع سن الزواج إلى 18 سنة دون استثناءات، لافتة إلى أن دراسات النيابة العامة بين 2015 و2018 أثبتت أن الزواج المبكر يؤدي إلى آثار صحية ونفسية كارثية على الفتيات، حيث تتجاوز نسبة المضاعفات الصحية للحمل في هذه الفئة 82 في المائة”.

أما بخصوص الإرث، انتقدت شاطر رفض “المجلس العلمي الأعلى” لمقترح إلغاء التعصيب، معتبرة أنه “اجتهاد فقهي غير منصوص عليه في القرآن، بل هو تأويل متأثر بعادات وتقاليد المجتمعات القديمة التي لم تعد ملائمة للواقع الحالي”.

“التعصيب يؤدي إلى ظلم كبير للنساء، حيث يحرم البنات من حقوقهن لصالح أقارب ذكور لا علاقة لهم بمساهمة الأسرة في بناء الثروة”، توضح شاطر.

وأضافت أن عدة دول عربية، مثل تونس وسوريا واليمن والعراق، ألغت التعصيب، كما أن دولا أخرى مثل تركيا أقرت المساواة الكاملة في الإرث، ما ساهم في تقليص النزاعات العائلية حول التركة.

وأشارت إلى أن تمسك البعض بالتعصيب “يعكس عقلية متحجرة، تستند إلى أعراف تجاوزها الزمن، حيث إن الورثة الذكور الذين يستفيدون من التعصيب غالبا لا يساهمون في بناء الثروة العائلية، ومع ذلك يطالبون بنصيبهم منها”. “هذه القضية ليست مجرد مسألة دينية، بل هي قضية عدالة اجتماعية تتطلب اجتهادا فقهيا يراعي تطور المجتمعات”، تؤكد الناشطة المغربية.

وفي سياق متصل، شددت شاطر على ضرورة الاعتراف بحقوق الأطفال في النسب، “عبر اعتماد الاختبارات الجينية كدليل قانوني لإثبات الأبوة”، معتبرة أن “رفض هذه التقنية العلمية يعكس ازدواجية في التفكير، حيث يتم اللجوء إليها في المجالات الطبية المختلفة بينما ترفض حين يتعلق الأمر بحقوق الطفل”، ومؤكدةً على أن “الاعتراف بالنسب هو جزء من المصلحة الفضلى للطفل، التي يجب أن تكون في صلب الإصلاحات القانونية”.

في حديثها لـ”هنَّ”، انتقدت سارة سوجار، المحامية وعضو مجموعة “نساء شابات من أجل الديمقراطية”، رفض المجلس العلمي الأعلى لإجراء الخبرة الجينية لتحديد النسب، معتبرة أن “هذا الموقف يعكس استمرار التمييز ضد النساء العازبات، ويحملهن وحدهن مسؤولية العلاقة الجنسية خارج إطار الزواج، في حين يعفى الرجال من أي التزام قانوني أو أخلاقي تجاه أطفالهم”.

وأكدت سوجار على أن “الخبرة الجينية هي الوسيلة العلمية الأكثر دقة والمعتمدة عالميا لإثبات النسب، وأن تجاهله في هذا السياق يعد إنكارا لحق الطفل في معرفة والده البيولوجي، وهو حق أساسي يجب أن يكون فوق أي اعتبارات أخرى”.

كما أشارت إلى أن “هذا التوجه لا يخدم مصلحة الطفل، بل يكرس وضعية قانونية غير عادلة تجعل النساء العازبات وحدهن في مواجهة تحديات اجتماعية واقتصادية جسيمة، بينما يظل الآباء البيولوجيون بمنأى عن أي مسؤولية”.

وأضافت الناشطة الحقوقية أن “المنظومة القانونية يجب أن تتطور لتواكب التقدم العلمي وتحترم الحقوق الأساسية لجميع الأطراف، خصوصا الأطفال الذين لا يجب أن يدفعوا ثمن قرارات لم يكونوا طرفا فيها”، مشيرة إلى أن “رفض إثبات النسبة بالحمض النووي يكرس الميز ضد النساء العازبات وأطفالهن”.

واعتبرت سوجار أن النقاش الدائر حول مدونة الأسرة هو “نقاش قانوني وتقني إجرائي، على الرغم من أهمية هذا الورش المجتمعي الذي يمس جميع المغاربة نساء ورجالا”، مشددة على ضرورة فتح نقاش فكري فلسفي لتحديد المرجعية التي ستؤطر المدونة. 

“المغرب منذ آخر تعديل في 2004 عرف تحولات عميقة وجوهرية في حياة المغاربة، على مستوى لغتهم وممارستهم ومهنهم وحياتهم، بالإضافة إلى تحولات قيمية كبيرة ومهمة، ويجب أخذ ذلك بعين الاعتبار، وقد أكدت الجمعيات والفعاليات المدنية والمؤسسات الرسمية هذه التحولات بالأرقام”، تضيف سوجار.

وشددت سوجار على أن “تعديل مدونة الأسرة يجب أن يكون فرصة حقيقية لتحقيق المساواة وضمان حقوق جميع المواطنين، بعيدا عن المقاربات الانتقائية التي تكرس التمييز”.

وأوضحت أن “النقاش حول المدونة لا يجب أن يقتصر على بعض الجوانب السطحية أو القضايا التي يتم اختيارها بناء على اعتبارات سياسية أو أيديولوجية، بل يجب أن يكون نقاشا شاملا، يتناول جذور الإشكالات المجتمعية، وعلى رأسها مكانة المرأة في القانون وفي المجتمع، وإقرار المساواة الحقيقية، وليس مجرد تحسينات جزئية لا تغير من الواقع شيئا”.

“هذا النقاش يقودنا إلى التساؤل حول أي نموذج مواطنة نريد لمستقبل هذا البلد، وأي مجتمع نسعى إلى بنائه؟ هل نطمح إلى مجتمع يقوم على الحقوق والحريات، أم إلى مجتمع تتحكم فيه قيود وثوابت جامدة لا تراعي تعدديته الفعلية؟”، تقود سوجار.

وخلصت الناشطة الحقوقية، إلى أن “التردد في الحسم في المرجعية القانونية التي تستند إليها المدونة يعكس ترددا أكبر في رسم معالم الدولة الديمقراطية التي يطمح إليها الجميع”.

واقع العنف ضد النساء.. أين مكمنُ الخلل؟

خديجة الغامري، قيادية في “الاتحاد المغربي للشغل”، وعضو في “الاتحاد التقدمي لنساء المغرب”، شرحت لـ”هنَّ” واقع العنف الذي تعاني منه النساء في مختلف الأوساط، مشيرة إلى أن “ظاهرة العنف والتحرش ضدهن تعرف انتشارا واسعا، سواء على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي، ‏فالنساء على العموم معرضات لشتى أنواعه سواء في المجتمع أو في البيت أو في الشارع أو في أماكن العمل”. 

وعددت الغامري أسباب هذه الظاهرة في عدة نقاط؛ أبرزها الأسباب القانونية، والتي على رأسها ‏القانون رقم 103.13 المتعلق بمكافحة العنف ضد المرأة، الذي ترى أنه “لا يحترم المعايير الدولية التي يجب اعتمادها في أي تشريع من هذا القبيل، والمتمثلة في الحماية، والوقاية، والتكفل، وجبر الضرر”.

كما سردت الغامري أسباب قانونية أخرى، منها “عدم رفع التحفظات على الاتفاقية الدولية لمناهضة كل أشكال تمييز ضد المرأة CEDAW، وعدم التصديق على الاتفاقية الدولية رقم 190 حول عالم خال من العنف والتحرش، ثم مقتضيات مدونة الاسرة الحالية التي مازالت تُبْقي على النظرة الدونية للمرأة في العديد من مقتضياتها، وأيضا القوانين الشغلية التي يغيب فيها احترام كرامة المرأة وحمايتها من كل أشكال العنف والتحرش”.

أما على المستوى الاجتماعي والثقافي، ترى الغامري أن “سيادة العقلية الذكورية تساهم في تفاقم مظاهر العنف ضد النساء واستمراره، حيث تعتبر هذه العقلية المرأة إنسانا من الدرجة الثانية، مكانه البيت، ووظيفته السهر على الإنجاب وتربية الأطفال، وذلك أيّاً كان مستوى المرأة الدراسي والسوسيو ثقافي، كما تتم تربيتها على أساس أن مكانها الطبيعي هو البيت وتلبية حاجيات الزوج والأسرة”.

‏ونبهت المتحدثة إلى “خطورة الصورة النمطية التي تقدم للمرأة عبر وسائل الإعلام والمناهج التعليمية والتي تزيد من تأزيم الوضع، بالإضافة إلى ‏انتشار الأمية والفقر والبطالة التي تنتشر بشكل مهول وسط النساء”.

‏واعتبرت الناشطة أن كل هذه المؤشرات والأسباب تؤكد على غياب إرادة سياسية للنهوض بواقع المرأة وحمايتها من كل أشكال العنف، خاصة منه الاقتصادي، وكذلك غياب الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، “وهي سمات المجتمعات الذكورية (أنظمة البطريركية)، فالعنف ضد المرأة بالنسبة لهذه المجتمعات وسيلة لتربية المرأة على قبول التقسيم والتراتبية التي تجعلها أقل مرتبة من الرجل”.

ومن مظاهر العنف ضد النساء، حسب الغامري، “تكليف المجتمع المرأة بالأعمال المنزلية الشاقة، بمفردها ودون مشاركة الزوج، الشيء الذي يحد من عطائها ومشاركتها بشكل جيد في المجتمع، سواء على المستوى المهني أو على المستوى الاجتماعي والسياسي”.

وأشارت الغامري إلى أن ذلك “يساهم في تدني مشاركتها في الحياة العامة، ويؤثر على وضعها المهني ويحد من تطورها، ويحول دون استفادتها من التكوين والتكوين المستمر، كما يعيق ترقيها وتبوُّؤُها للمكانة اللائقة بها على مستوى مناصب المسؤوليات الإدارية”. 

وبالإضافة إلى كل هذه السلبيات، أبرزت الغامري أن الأعمال المنزلية غير مرئية ولا تنال أي اعتبار، لأنها غير ذات قيمة، وغير مؤداة عنها، وذلك يظهر جليا في مدونة الأسرة التي لا تعتبر العمل المنزلي ذو قيمة مالية.

تحرش في أماكن العمل

تطرقت الغامري في حديثها لهذه المنصة، إلى مظاهر التحرش في أماكن العمل، مشيرة إلى أن “العديد من النساء المشتغلات على اختلاف انتمائهم السوسيو مهني والثقافي (موظفات، مستخدمات أو عاملات) معرضات للعديد من مظاهر العنف والتحرش، سواء الجسدي أو النفسي أو الاقتصادي أو الجنسي أو الإلكتروني، الذي أصبح يتكاثر بسرعة وبشكل مهول، في غياب التدابير الكفيلة بحمايتهنّ وضمان سلامتهنّ وأمنهنّ”

“العنف والتحرش يشكلان انتهاكا لحقوق الإنسان وتهديدًا لتكافؤ الفرص، كما يؤثر على صحة المرأة النفسية الجسدية والجنسية وعلى كرامتها… العنف والتحرش يحولان دون وصول المرأة لسوق الشغل والاستقرار والتطور فيه، كما أن العنف المنزلي يؤثر على الصحة والسلامة والعمل الإنتاجية”، تضيف الغامري.

واعتبرت أن “النساء المشتغلات الأكثر تعرضا للتحرش هن العاملات في القطاعات الهشة وغير المنظمة… وهذه الفئة تعاني من انتشار التحرشات الجنسية  في غياب الحماية القانونية وغياب المراقبة”.

وأشارت إلى أن “المتحرشُ بها تضطر للكتمان خوفا من فقدان عملها أو من انتقام المتحرش، أو من تعرضها إلى الفضيحة وسط عائلتها، لأن المجتمع يعتبرها دائما هي المسؤولة عما يحصل معها”. 

ومن أجل تجاوز هذا الوضع، ذكَّرت الغامري بإصدار “المؤتمر الوطني للاتحاد التقدمي لنساء المغرب”، مقررا مطلبيا يضم فقرة خاصة بالمطالب المشتركة مع المنظمات النسائية التقدمية، ومن بينها “‏مراجعة وتعديل كل المواد القانونية والتشريعات التي تكرس التمييز تجاه النساء وعلى رأسها مدونة الأسرة، والقانون الجنائي، وملائمتهما مع مقتضيات الدستور والمواثيق والاتفاقيات الدولية، بالإضافة إلى العمل على تفعيل جميع الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب والمتعلقة بحقوق النساء، والتعجيل بالمصادقة على الاتفاقيات المتبقية وخاصة منها الاتفاقية الدولية رقم 190 المتعلقة بعالم شغل خال من العنف والتحرش، واتخاذ الإجراءات الوقائية والاستباقية لحماية النساء من كل أشكال العنف والتميز”.

انتهاكات حقوقية صارخة.. ضرورة التنديد

من جهة أخرى، أكدت سوجار على أن “الـ8 من مارس يجب أن يكون فرصة للوقوف عند الانتهاكات التي ماتزال مستمرة في صفوف النساء، اللواتي يحاربن في الصفوف الأمامية للدفاع عن الديمقراطية والحريات، واللواتي قدن معارك كبيرة في عدد من القضايا”.

“هذا التضييق استمر لسنوات طويلة ولا يزال، دون وجود إرادة سياسية حقيقية لوقفه، ويشمل الاعتقال، والمتابعات القضائية، إضافة إلى التضييق على الحياة الخاصة، فضلا عن ظاهرة التشهير الممنهجة التي تستهدف النساء المدافعات عن حقوق الإنسان، لا سيما اللواتي كن في الصفوف الأمامية لحملات مناهضة للظلم وانتهاك الحريات”، تقول سوجار لـ”هنَّ”.

ووصفت سوجار ما تواجهه المدافعات عن حقوق الإنسان في المغرب بـ”العنف الممأسس والممنهج”، معتبرةً أنه “يستهدف كينونة النساء، رغم أنه عنفٌ لا يثار في النقاش العام ولا يحظى بالاهتمام الكافي في الأجندة السياسية والحقوقية”.

وهذه الظاهرة أصبحت واقعا ملموسا حسب سوجار، خصوصًا “مع انعدام الإرادة السياسية الحاسمة للتصدي لها، رغم خطورته وآثاره النفسية والاجتماعية والإنسانية على النساء”.

كما اعتبرت سوجار أن “التشهير يعد عنفا نفسيا واجتماعيا، ويؤثر بشكل كبير على الحياة النضالية للنساء المدافعات، حيث يمكن أن يكون له تأثيرات سلبية عميقة على سمعتهن وحريتهنّ في التعبير”.

واستعراضا لمطالبها في هذا الباب، تقول سوجار: “8 مارس في عمقه هو حماية للمدافعات عن حقوق الإنسان، خاصةً للواتي يحملن على عاتقهنّ هذه الرسالة النبيلة. وعلى الدولة أولا أن تحميهن عبر سن قوانين وسياسات، وعبر توفير ضمانات مؤسساتية وإجرائية، وضمانات واقعية تحميهن من الاعتقال والمتابعات ومن التضييق… إضافة إلى ضمان حقهن في التعبير بجميع الأشكال السلمية، بالاحتجاجات والتدوين وممارسة المهن التي ترتبط بحرية التعبير مثل الصحافة. وهذه مجموعة من الأمور التي أصبحت ملحة وأصبحت أولوية، ويجب الحديث عنها في النقاش العام”.

رجعيون ضد المساواة

على صعيد مغاير، انتقدت شاطر الهجوم الممنهج الذي تتعرض له الحركة النسائية من طرف تيارات يمينية متطرفة، معتبرة أن الوضع “يشبه ما حدث في سنة 2004 خلال نقاش تعديل مدونة الأسرة، حيث تم التضييق على مطالب النساء والافتراء عليهن بأساليب التشهير والسب والشتم، وصولا إلى النيل من أعراض الناشطات وأسرهن”. 

الكبيرة شاطر تعتبر أن هذا الأسلوب “ضرب تحت الحزام، يعكس خوف القوى الرجعية من التغيير ومحاولتها تعطيل تحديث المجتمع المغربي، من خلال الإبقاء على تهميش وإقصاء المرأة، ووضعها في خانة ‘الجواري وحور العين’، اللائي خُلقن لخدمة الرجل وطاعته في الدنيا والآخرة، بينما يستمتع هو بملذات الحياة”.

وانتقدت شاطر بلهجة شديدة، ما اعتبرته “حملات منظمة ضد المدافعات عن حقوق النساء، يقودها التيار اليميني الذي يوظف الدين والهوية الوطنية لضرب الحركة النسائية، وكأن الوطنية والإسلام حكر على فئة معينة دون غيرها”.

وأكدت الناشطة على أن “الحركة النسائية تؤمن بالإصلاح انطلاقا من غيرتها على الوطن وسعيها لتمكينهِ من مواكبة التطورات الدولية والاستفادة من الاتفاقيات التي صادق عليها المغرب، لضمان حقوق جميع المواطنين، رجالا ونساء”.

واعتبرت شاطر أن “العداء للمرأة لا يعرقل فقط بناء الدولة العصرية، بل يحرم المجتمع ككل من التطور، بينما تحقيق المواطنة الكاملة للجميع هو السبيل الوحيد لضمان الديمقراطية والمساواة والعدالة الاجتماعية”.

وشددت الناشطة اليسارية على أن “الحركة النسائية اليوم لن تتراجع أمام محاولات التشويه والتضليل، فالمغرب قطع أشواطا مهمة في مجال حقوق النساء، لكنه ما زال بحاجة إلى إصلاحات أعمق لضمان مساواة حقيقية”. 

وترى شاطر أن “الدولة رغم تبنيها لبعض الإصلاحات، مازالت تتعامل مع هذه القضايا بحذر شديد، وهو ما يتطلب المزيد من الضغط الحقوقي”.

واختتمت لكبيرة شاطر تصريحها بالتأكيد على أن “نضال النساء في المغرب مستمر، رغم كل العراقيل والهجمات، وتحقيق المساواة ليس فقط مطلبا نسائيا، بل هو ضرورة لبناء مجتمع ديمقراطي حداثي قائم على العدالة الاجتماعية والمواطنة الكاملة”.

أمل في التغيير

إن الاحتفال باليوم العالمي للمرأة لا ينبغي أن يكون مجرد طقس سنوي عابر، بل محطة لتجديد العزم على مواصلة العمل من أجل مغرب أكثر عدالة ومساواة. فالرهان اليوم ليس فقط على إصلاح القوانين، بل على تغيير العقليات، وتعزيز ثقافة احترام المرأة وتمكينها من حقوقها كاملة، لأن تحقيق التقدم لن يكون ممكنا دون مشاركة فعلية للنساء في كل مجالات الحياة.  

في النهاية، تظل المرأة المغربية شاهدة على التحولات الكبرى التي يعرفها المجتمع، وساعية إلى انتزاع حقوقها بإصرار، لا كامتيازات ممنوحة، بل كحقوق مشروعة يجب أن تصان.

“نتمنى أن يكون الثامن من مارس مناسبة لتقييم حقيقي لما وصلنا إليه، لكن هذا التقييم لا يجب أن يكون مجرد احتفاء رمزي، بل يجب أن يتناول القضايا الجوهرية المرتبطة بالمساواة والحقوق والحريات، لأن هذه القضايا ليست مجرد ملفات اجتماعية، بل هي في صلب الديمقراطية نفسها”، حسب تعبير سوجار.

اقرأ أيضا

  • روبورتاج| تعليم أبناء المهاجرين في موريتانيا.. حق مكتسب أم حسنةٌ إنسانية؟ 

    مدرسة صغيرة في شمال موريتانيا، تقوم بتقديم دروس مجانية لمئات الأطفال من عشرين دولة إفريقية وصلت عائلاتهم إلى نقطة مدينة نواذيبو الساحلية، والشهيرة بانطلاق قوارب الهجرة إلى أوروبا، تحديدًا جزر الكناري الإسبانية. تتلو مريم دروس الجمع والطرح كما لو كانت ابتهالا دينيا، بينما يشير ثيوفيل ميرلين، مدرس الرياضيات، بمسطرة إلى السبورة، فيما يندفع الأطفال مع…

    ليلى محمد|

  • تزويج القاصرات في تونس.. ظاهرة مستمرة رغم المنع القانوني  

    في كل زاوية من تونس، تكتب آلاف الفتيات قصصًا متشابهة من الألم والخضوع في زيجات قسرية، ورغم القوانين التي تحظر تزويج القاصرات، تظل هذه الظاهرة جزءًا من واقع مرير، حيث تتحول الطفولة إلى مسؤوليات مبكرة، والأحلام إلى ذكريات بعيدة.   ولتزويج القاصرات، قصص إنسانية تعكس معاناة فتيات أجبرن على تحمل أعباء تفوق سنهن. فكيف تستمر هذه…

    ريم بلقاسم|

  • نساء في مواجهة العنف القانوني: أرقام صادمة ومطالب بتعديل القوانين 

    تعيش العديد من النساء في المغرب معاناة يومية من العنف بأنواعه المختلفة، سواء في المنزل أو في محيطهن الاجتماعي. فاطمة، إحدى النساء اللواتي تعرضن للعنف من قبل إخوتها، تروي قصتها المؤلمة لمنصة "هنَّ"، قائلة: “المنزل الذي تركه لنا والدنا أصبح ساحة للاعتداءات النفسية والجسدية". "إخوتي المدمنون على المخدرات يعاملونني كأنني غريبة عنهم، ويقومون بتعنيفي بشكل…

    سناء كريم|

  • مغربيات في وضعية إعاقة.. “نحتاج اِلتفاتة حقيقية غير مناسباتية تحترم ما نعانيه” 

    "تقدم لي شاب للزواج فطردته والدته من المنزل، رافضة ارتباط ابنها بشابة ’مكفوفة‘ للأسف لازلنا في المغرب نعاني من الوصم الاجتماعي للإعاقة عمومًا، ومن عقليات إقصائية للفتاة في وضعية إعاقة بالخصوص، عكس ما يحدث مع الرجل الذي يعاني من نفس الإعاقة"، تقول لمياء في مستهل حديثها مع منصة "هنَّ". لمياء، سيدة في الأربعينيات من العمر،…

    سناء كريم|

  • الفيديوهات

  • “لم نتوصل بالدعم”..نساء الحوز يكشفن الوجه الآخر لإهمال ضحايا الزلزال

    يبدو أن بلدة مولاي إبراهيم بإقليم الحوز، جنوب مدينة مراكش، لن تتعافى قريبا من تبعات الزلزال الذي بعثر سبل العيش هناك، خاصة أن أغلب سكان البلدة كانوا يعيشون على نشاط السياحة الداخلية التي يجلبها ضريح مولاي إبراهيم، فالتجارة والإيواء وخدمات أخرى توفرها الساكنة، خاصة نسائها، توقفت اليوم بشكل كلي، ولا أمل يلوح في الأفق لعودة…

  • محاكمة عسكرية للمعارضة التونسية شيماء عيسى

    لم تغلق المحكمة العسكرية بعد، ملف محاكمة شيماء عيسى، المعارضة التونسية والقيادية في جبهة الخلاص الوطني، فقد تم تأجيل جلسة، محاكمتها إلى 10 أكتوبر، القادم.

  • ختان البنات موروث ملطخ بالدم

    تنتشر ظاهرة ختان الإناث بصورة كبيرة في عموم مناطق موريتانيا، إذ تحتل البلاد المرتبة الثامنة عالمياً. ويعتبر ختان البنات موروثاً وتقليداً في المجتمع الموريتاني ويهدف إلى المحافظة على عذرية البنات و"تهذيب شهوتهن" الجنسية، وفقا للمدافعين عنه بينما تشجب فئات اجتماعة أخرى في البلاد هذه الظاهرة.

  • فاطنة بنت الحسين.. أسطورة العيطة وأيقونة الفن الشعبي في المغرب

    ولدت فاطنة بنت الحسين في منتصف الثلاثينات بمنطقة سيدي بنور، التابعة لدكالة، من عائلة قروية محافظة رفضت ولوجها مجال الغناء، نظرا للسمعة السيئة التي كانت ملتصقة بـ"الشيخة" وقتها. انتقلت فاطنة إلى مدينة اليوسفية، وهناك انضمت إلى فرقة "الشيخ المحجوب"، وزوجته "الشيخة العبدية"، لتحصد شهرة واسعة وصل مداها إلى مدينة آسفي، معقل "العيطة الحصباوية"، وبعدها مدينة…

  • ناسجات الحياة.. نساء بالحوز ينسجن الزرابي بين أنقاض الزلزال

    بالقرب من مركز جماعة أسني بإقليم الحوز، اجتمعت أربع نسوة بدوار "أسلدا" ينسجن الزرابي، بحثا عن مورد رزق، في كوخ من القصب ومغطى بالبلاستيك وورق التعليب، بعد أن دمر الزلزال المكان الذي كن يشتغلن فيه، والذي كان مقرًا لـ"جمعية الدوار"، قبل أن يحوله الزلزال إلى أطلال. في البداية، تحديدًا قبل ثلاثة سنوات من جائحة "كورونا"؛…

  • منع مسيرات تضامنية مع فلسطين “دعم لجرائم الإبادة”

    🟠 منعت مسيرات احتجاجية ضد العدوان الإسرائيلي، تخليدا ليوم الأرض الفلسطيني، نهاية الأسبوع الماضي، من طرف قوات الأمن في عدد من المدن المغربية، ما خلف تنديدا واستنكارا واسعينِ من طرف المشاركين في تلك الاحتجاجات.

  • العاملات الفلاحيات هنّ الأكثر تضررا من التغيرات المناخية

    🔶تعاني الدول المغاربية منذ سنوات من الجفاف على مدار السنة ، ما فاقم نسبة الفقر عموما بهذه الدول وخاصة لدى النساء، وفقدت آلاف العاملات في مجال الفلاحة مورد رزقهن.