يوميات حراك “جيل زد”يوم عند الشـرطة:”نعرف أين تأكلين وتجلسين!”

كان التوقيت قبل غروبِ يوم السبت الـ27 سبتمبر، مساءٌ سيشهد واحدًا من أكثر فصول التاريخ المغربي المعاصر صفاءً وصدقًا، “حراكُ GenZ212″، كنت أنا حينها هناك، قبل الموعدِ المحددِ مع شباب الوطن، لنكتب تاريخ الوطن بأنفسنا.

حين جاءت الشرطة وأرغمت الناس على المغادرة، كنتُ أجلس حينئذٍ في حديقة عمومية قريبة من مكان الاحتجاج، عندما جاؤوا إلي رفضت المغادرة، لأني من حقي الجلوس في أي حديقةٍ أشاء.

في الحقيقة، كان من حقي أيضًا المشاركة في المظاهرة، لكنني اعتُقلت قبل أن تبدأ، وفي مكان يُطل على موقع الاحتجاج، وليس في الموقع نفسه!

غادر بعض الأشخاص، لكني أنا وصديقتي بقينا، وعبّرنا عن رفضنا لهذا السلوك غير القانوني، قاموا بدفع صديقتي، أما أنا فلم يُدفع بي، إلى حدود تلك اللحظة!

طلبوا مني بطاقة الهوية، وعندما فتحت حقيبتي لإعطائها لهم، وجدوا بداخلها بعض الكتب والأوراق الشخصية، حاولوا نزعها مني بالقوة، فضممت الحقيبة إلى صدري وقلت لهم مجددًا إن تفتيش الناس عشوائيًا في الأماكن العامة أمر غير قانوني، ساعتها جُنَّ جنونهم فجرّوني وأنا على هذه الوضعية حتى وصلنا إلى سيارة الشرطة، وهناك أخذوا الحقيبة مني ومزقوها أثناء تفتيشها… كنت قد سمحت لهم بتفتيشها عندما وصلنا إلى العربة، ولكنهم اختاروا تمزيقها على أي حال!

اقتادوني مع عشرة أشخاص آخرين، أحدهم كان في طريقه إلى محطة القطار ولم يكن له أي علاقة بالمظاهرة، وظل يكرر ذلك طوال فترة الاحتجاز.

في مركز الشرطة، لم تُوجَّه إليّ أي تهمة؛ سألوني عن معلوماتي الشخصية، بما في ذلك مكان عملي ومكان عمل أو دراسة جميع أفراد عائلتي. ثم قال لي أحدهم أمام الحاضرين، بنبرة عدوانية هادئة: إنه يحب المكان الذي أتناول فيه الطعام عادة، وسألني عن أصدقائي الذين ألتقي بهم.

بقيت هادئة طوال الوقت، رغم أن هذا الجزء الأخير أغضبني، لكنني لم أُظهر أي رد فعل حتى خرجت وأبلغت بعض أعضاء “الجمعية المغربية لحقوق الإنسان” (AMDH)، ومنظمة “ATTAC” بالأمر، لأن ذلك يعني أحد الأمرين: إما أنهم كانوا يستهدفونني منذ البداية واعتقالي كان مبررًا برفضي للتفتيش غير القانوني، أو أنهم يمتلكون مثل هذه المعلومات عن الجميع، وفي كلتا الحالتين؛ نحن نعيش في “دولة بوليسية”.

كان المعتقلون الآخرون يحاولون إقناع الشرطة بأن مطالبهم تتعلق بالصحة والتعليم للجميع، وليست شيئًا يستدعي كل هذا الكم من القمع، لم يتراجع أحد منهم، وأظهروا ضبط النفس والثبات رغم كل محاولات الشرطة لإقناعهم بعدم العودة في اليوم التالي… لكنهم قالوا بوضوح: “من حقنا أن نحتج”، وبالفعل عادوا للاحتجاج في اليوم الموالي.

أحد المحتجين لفت انتباهي؛ كان يحمل علمًا مغربيًا في حقيبته. وبعد إطلاق سراحنا أخرج العلم وقال لي: “كنت أظن أن هذا العلم سيحميني، لكنهم لا يهتمون بمدى حبك لبلدك، هم فقط لا يريدونك أن تتكلم”، وأضاف أنه قرر “ألا يرفع هذا العلم في أي مظاهرة مرة أخرى”.

أما أنا، فمع أنني لم أكن أحمل علمًا، إلا أن ما قاله جعلني أتساءل بجدية عن استراتيجية الدولة! هؤلاء الشباب لا يطلبون سوى الحد الأدنى من الحقوق، وإذا استمر الرد بالعنف أو التجاهل، فإن النظام نفسه هو من يخلق جيلًا لن يطالب بعد ذلك بإصلاحات بسيطة، بل بـ”ثورة”.

كان هناك أيضًا صحفي، اعتُقل معنا، لكنه طلب منّا في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، ألا نذكر اسمه، وسأحترم خصوصيته… كما كان هناك شخص آخر يكرر طوال الوقت أنه كان متوجهًا إلى محطة القطار، لكنه اعتُقل هو الآخر… ولست متأكدة إن كان قد وجد قطارًا أو مكانًا ينام فيه تلك الليلة، أم بات في العراء!

اقرأ أيضا

  • “8 مارس”.. بين إنجازات النضال النسوي وتحديات تحقيق المساواة!

    في الثامن من مارس من كل عام، يحتفي العالم باليوم العالمي لحقوق النساء، تخليدا لنضالاتهنّ وإبرازًا لدورهنّ في بناء المجتمعات، وهي مناسبة لا تأتي للاحتفاء الفولكلوري فحسب، بل تعكس لحظة تأمل عميقة في مسار طويل من الكفاح، كفاحٌ سطرت من خلاله المرأة اسمها في صفحات المجد، متألقة في مختلف الميادين، من السياسة إلى الاقتصاد، ومن…

    عفراء علوي محمدي|

    11.03.2025

  • تزوج قاصرًا واستعبدها لسنوات.. محكمة إسبانية تدين مغربيًا بالسجن 8 سنوات

    في ربيع عمرها الخامس عشر، فقدت الفتاة المغربية، ريم، طفولتها وخلفت وراءها أحلام الدراسة والصداقة، لتحلّ محلها جحيمٌ من العبودية الجسدية والنفسية تحت مسمى “الزواج الشرعي”. عُقد قران ريم، في المغرب بـ"زواج الفاتحة"، وفقًا للشريعة الإسلامية، لكن هذا الزواج لم يُصادق عليه قانونيًا في إسبانيا، وبحجة الشرعية الدينية، استغل المتهم – وهو رجل مغربي (44…

    Hounna | هنّ|

    06.05.2025

  • نساء في مواجهة العنف القانوني: أرقام صادمة ومطالب بتعديل القوانين 

    تعيش العديد من النساء في المغرب معاناة يومية من العنف بأنواعه المختلفة، سواء في المنزل أو في محيطهن الاجتماعي. فاطمة، إحدى النساء اللواتي تعرضن للعنف من قبل إخوتها، تروي قصتها المؤلمة لمنصة "هنَّ"، قائلة: “المنزل الذي تركه لنا والدنا أصبح ساحة للاعتداءات النفسية والجسدية". "إخوتي المدمنون على المخدرات يعاملونني كأنني غريبة عنهم، ويقومون بتعنيفي بشكل…

    سناء كريم|

    18.12.2024

  • شذى الحاج مبارك تدخل في إضراب مفتوح عن الطعام: “جسدي ينهار داخل الزنزانة”

    دخلت الصحفية التونسية شذى الحاج مبارك، المعتقلة في سجن “المسعدين” بسوسة، في إضراب مفتوح عن الطعام منذ يوم الأربعاء 14 ماي 2025، احتجاجًا على ما وصفته بـ”الإهمال الصحي المتعمد” الذي بات يُهدد حياتها داخل السجن، في ظل تدهور حالتها الصحية وغياب أي تجاوب فعلي مع طلباتها المتكررة لتلقي العلاج. وفي رسالة مؤثرة نقلتها شقيقتها توصلت…

    Hounna | هنّ|

    16.05.2025

  • الفيديوهات

  • “لم نتوصل بالدعم”..نساء الحوز يكشفن الوجه الآخر لإهمال ضحايا الزلزال

    يبدو أن بلدة مولاي إبراهيم بإقليم الحوز، جنوب مدينة مراكش، لن تتعافى قريبا من تبعات الزلزال الذي بعثر سبل العيش هناك، خاصة أن أغلب سكان البلدة كانوا يعيشون على نشاط السياحة الداخلية التي يجلبها ضريح مولاي إبراهيم، فالتجارة والإيواء وخدمات أخرى توفرها الساكنة، خاصة نسائها، توقفت اليوم بشكل كلي، ولا أمل يلوح في الأفق لعودة…

  • محاكمة عسكرية للمعارضة التونسية شيماء عيسى

    لم تغلق المحكمة العسكرية بعد، ملف محاكمة شيماء عيسى، المعارضة التونسية والقيادية في جبهة الخلاص الوطني، فقد تم تأجيل جلسة، محاكمتها إلى 10 أكتوبر، القادم.

  • ختان البنات موروث ملطخ بالدم

    تنتشر ظاهرة ختان الإناث بصورة كبيرة في عموم مناطق موريتانيا، إذ تحتل البلاد المرتبة الثامنة عالمياً. ويعتبر ختان البنات موروثاً وتقليداً في المجتمع الموريتاني ويهدف إلى المحافظة على عذرية البنات و"تهذيب شهوتهن" الجنسية، وفقا للمدافعين عنه بينما تشجب فئات اجتماعة أخرى في البلاد هذه الظاهرة.

  • فاطنة بنت الحسين.. أسطورة العيطة وأيقونة الفن الشعبي في المغرب

    ولدت فاطنة بنت الحسين في منتصف الثلاثينات بمنطقة سيدي بنور، التابعة لدكالة، من عائلة قروية محافظة رفضت ولوجها مجال الغناء، نظرا للسمعة السيئة التي كانت ملتصقة بـ"الشيخة" وقتها. انتقلت فاطنة إلى مدينة اليوسفية، وهناك انضمت إلى فرقة "الشيخ المحجوب"، وزوجته "الشيخة العبدية"، لتحصد شهرة واسعة وصل مداها إلى مدينة آسفي، معقل "العيطة الحصباوية"، وبعدها مدينة…

  • ناسجات الحياة.. نساء بالحوز ينسجن الزرابي بين أنقاض الزلزال

    بالقرب من مركز جماعة أسني بإقليم الحوز، اجتمعت أربع نسوة بدوار "أسلدا" ينسجن الزرابي، بحثا عن مورد رزق، في كوخ من القصب ومغطى بالبلاستيك وورق التعليب، بعد أن دمر الزلزال المكان الذي كن يشتغلن فيه، والذي كان مقرًا لـ"جمعية الدوار"، قبل أن يحوله الزلزال إلى أطلال. في البداية، تحديدًا قبل ثلاثة سنوات من جائحة "كورونا"؛…