رغبة المعتقلة سنية الدهماني، المعلقة الإعلامية التونسية، في الحضور أمام المحكمة وهي تنتعل حذاءً بدل الخفين جوبه بالرفض، كما منعت من مغادرة السجن دون ارتداء اللحاف التقليدي المعروف بـ”السفساري”، حيث أصر أعوان السجون على إخضاعها لتفتيشٍ معمق لجسدها، شمل المناطق الحساسة منه، وبسبب ما استغرقه كل ذلك من زمن، تم إعلامها في النهاية، أنها تأخرت عن موعد الجلسة وحرمت بالتالي من حضور أطوار محاكمتها.
حادثة حرمان الدهماني، من حضور جلستها الاخيرة، أثارت اعتراضا نسويًا وحقوقيا عريضا في تونس، جعلت من معاملات السجون محور نقدٍ ونقاشات.
تجبر النساء داخل السجون التونسية على ارتداء “السفساري”، خلال حضورهن أمام هيئة المحكمة، ومن ترفض منهن ذلك، تحرم من حقها في حضور أطوار الجلسات.
ولا تقف الأمور عند ذلك، فبخصوص ملابس النساء خلال فترة إيقافهن، أو قضائهن للعقوبة السجنية؛ ترفض إدارات السجون قبول ألوانٍ بعينها للملابس، وتمنع السجينات من ارتداء السراويل ومن استعمال مواد التنظيف والتجميل.
وتخضع السجينات التونسيات، عند كل زيارة مباشرة مع العائلة أو المحامي؛ إلى تفتيش جسدي معمقٍ ومهين، وتحرم كل من ترفضه من حقها في الزيارة؛ وتعتبره النساء أنه “المعاملة الأكثر إهانة وتنكيلا بهن في فترة العقوبة”.
زكية الضيفاوي، السجينة السابقة على خلفية “أحداث الحوض المنجمي” سنة 2008، هي المرأة الأولى تقريبا في تونس التي فرضت على هيئة المحكمة الحضور دون ارتداء “السفساري”. وكان لهيئة الدفاع آنذاك الدور الكبير في فرض ذلك “وعدم الانصياع لإملاءات إدارة السجن”.
وتقول شيماء عيسى، في تصريحٍ لمنصة “هنَّ” تروي فيه تفاصيلًا عن الفترة التي قضتها داخل سجن النساء بمنوبة، أن على النزيلات داخل السجون التونسية، أن “يمنعن من أن يكن نساءً، وأن يحافظن على إنسانيتهن، وتتعمد الاجراءات التي ينضبط إليها السجن إذلالهنَّ والتنكيل بذواتهن”.
وأشارت عيسى إلى أن “العقوبة السجنية يفترض أن تكون سالبة للحرية وليست سالبة لصفة النساء كإنسان”.
وتعتبر أن “أخطر الممارسات التي تتعرض لها النساء داخل السجن هي التفتيش الجسدي، وهو إجراء منافي للقانون”.
وتضيف أن الهدف من كل تلك الممارسات “هو ضرب قيمة الحرية، وقيمة المواطنة لدى النزيلات”.
وتخلو القوانين المنظمة للمؤسسات السجنية، من أي فصول قانونية تؤطر الاجراءات المذكورة أو تحدد ملابس السجينات.
وكشفت الناشطة الحقوقية والمحامية، نادية الشواشي عن “إجبار الموقوفات والسجينات على ارتداء اللحاف أثناء نقلهن إلى المحكمة، والمثول أمام القضاء”.
وتقول أنه “عُرف تعود أصوله إلى الفترة الإستعمارية، ولا يوجد له أي أثر في نصٍ قانوني يحدد هندام النساء السجينات”.
وارتبط ذلك أساسا بجرائم أخلاقية حين كانت النساء المتهمات بالإخلال الأخلاقي أو بالبغاء يقتدن إلى “دار الجواد”، الفضاء الذي تحبس فيه النساء بطلب من عائلاتهن أو أزواجهن بهدف التأديب. وكن يرتدين اللحاف بهدف عدم الكشف عن وجوههن وتجنيب العائلة الوصم او الفضيحة.
ويعكس تواصل اعتماد إجبارية ارتداء السجينات لـ”السفساري”، عدم القدرة على تجاوز الإرث الاستعماري، الذي اعتبر أن المرأة معرضة للجريمة الجسدية أساسا، ولخص جريمتها فيما هو أخلاقي، وبالتالي لابد من إخفاء الجسد محل الجريمة.
وترى الديناميكية النسوية أن إجبار السجينات على ارتداء لباس “السفساري” هو “من الممارسات المُهينة التي تهدف إلى إذلال السجينات على خلفية آرائهن ومواقفهن ونشاطهن المدني والسياسي”.
وتعتبر نسويات أن “التفتيش الجسدي، وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو المهينة، يتناقض مع تدابير الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب التي صادقت عليها الدولة التونسية وعلى بنودها الملزمة”.
وحمّلت الديناميكية النسوية الدولة مسؤولية “تدهور وضع حقوق الإنسان وحرية التعبير في تونس”، ودعت الإدارة السجنية إلى “احترام المواثيق الدولية وعدم انتهاك الحرمة المعنوية والجسدية للسجينات، والابتعاد عن كل الممارسات المهينة التي تهدف إلى معاقبة السجينات بشكل غير إنساني”.