فاجأت المحامية والقاضية السابقة، زبيدة عسول؛ الساحة السياسية الجزائرية بترشحها للانتخابات الرئاسية المقبلة المقررة في 7 سبتمبر 2024، وهو قرار اعتبره البعض شجاعا في ظل الانغلاق السياسي الذي تعيشه البلاد منذ سنوات.
ترشح زبيدة عسول، زعيمة حزب “الاتحاد من أجل التغيير والرقي”، حرك المياه الراكدة حول الانتخابات في الجزائر، وسط صمت كبير من طرف الأحزاب التي لم تحرك ساكنا ولم تعلن نيتها للترشح، إلا بعد إعلان الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون؛ عن تقديم الانتخابات الرئاسية بثلاثة أشهر عن موعدها الذي كان مقررا في دجنبر 2024.
وفي ظل الانغلاق السياسي، العادات والتقاليد والصور النمطية عن ولوج النساء لعالم السياسة وتقلد مناصب عليا؛ يبقى السؤال المطروح هنا:
هل الجزائر مع كل ما مرت به من تقلّبات سياسية واجتماعية، مؤهّلة لأن تحكمها امرأة؟ وهل تستطيع زبيدة عسول أن تحقق المفاجأة؟.
من هي زبيدة عسول؟
في شرق الجزائر وبمدينة تبسة، على الحدود مع تونس، أطلقت زبيدة عسول، حواسها الخمسة سنة 1956، وهي محامية وقاضية سابقة، عملت في وزارة العدل الجزائرية، وكانت عضوًا في المجلس الانتقالي (بين عامي 1995 و1997) الذي عقب توقّف المسار الانتخابي خلال تسعينيات القرن الماضي. كما عملت مستشارةً في المحكمة العلیا، لكنھا استقالت منها وتفرغت للمحاماة عام 2004. لتأسس حزب “الاتحاد من أجل التغيير والرقي”، سنة 2012، ولم يحصل على الاعتماد إلا في مارس 2013.
اشتهرت عسول بعضويتها في “حركة مواطنة” المناهضة لترشح الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة لفترة خامسة، كما كانت ضمن لجنة الدفاع عن معتقلي الحراك الشعبي في الجزائر.
المشاركة السياسية للمرأة في الجزائر
ساهم نظام “الكوتا” (المُحاصَّة النسائية)، الذي يُلزم بمبدأ المناصفة في القوائم الحزبية، أي أن يكون نصف المرشحين في القوائم من النساء، في رفع تمثيلها في هذه المجالس من 7 بالمئة إلى 31 بالمئة، ما بوأ الجزائر الرتبة الأولى عربيًا والـ26 عالميًا عام 2017، في مجال التمثيل السياسي للمرأة في البرلمان والمجالس المحلية.
وبعد سلسلة من المكاسب السياسية التي حققتها المرأة الجزائرية على مستوى تواجدها في مؤسسات الدولة الرسمية، وبشكل خاص على مستوى البرلمان، شهدت هذه المكاسب انتكاسة غير مسبوقة في تاريخ المشهد السياسي الجزائري، وذلك بعد سن قانون الانتخابات الجديد الذي أدى إلى تراجع تواجد المرأة في البرلمان، المؤسسة التشريعية الأولى في البلاد.
وبلغت حصة النساء في سابع برلمان تعددي في تاريخ البلاد إلى 34 مقعدًا، وهو ما يمثل 8 بالمئة من إجمالي المقاعد البالغ عددها 407 مقعدًا، بعد أن كانت 145 مقعدًا في برلمان 2012، و120 مقعدًا في برلمان 2017.
ويرى الكاتب أحمد مرواني في مقال سابق، أن موضوع تعزيز مكانة المرأة في المشهد السياسي الجزائري، “لا يمرّ عبر إقرار قوانين لفرضها فرضًا على الجزائريين، بل الأمر يحتاج إلى مسار سياسي طويل، وعمل مجتمعي دائم، ينهي الصورة النمطية السلبية للمرأة، الأمر يتحقق حتمًا من خلال تعزيز النشاط الدائم والمستمر والمتواتر للنساء عبر مختلف الهياكل الحزبية، سواء في المناطق الداخلية، ومنحها الفرصة للوصول إلى مناصب قيادية”.
“ضمن سياق معقد”.. هل نرى امرأة في سدة الحكم؟
تعتبر زبيدة عسول، المرأة الثالثة في الجزائر التي تخوض غمار الاستحقاق الرئاسي، بعد زعيمة حزب “العمال اليساري” لويزة حنون، التي خاضت السباق في ثلاث مناسبات، بالاضافة إلى شلبية محجوبي رئيسة “حركة الشبيبة والديمقراطية”، التي لم تتمكن من جمع التوقيعات اللازمة في انتخابات 1995، وهي الانتخابات التي فاز بها اليمين زروال.
بالجزائر، غالبًا ما يرفض ترشح النساء لمنصب الرئيس، حيث يتعرضن لانتقادات تحكمها معطيات غير مرتبطة تماما بالسياسة، بل هي مرتبطة بالدين والمعتقدات والقواعد الاجتماعية الصارمة التي ترفض ولوج المرأة لعالم السياسية.
وأثرت تجربة لويزة حنون، في عدم القدرة على كسر الصورة النمطية التي ترى أنه لا توجد امرأة قادرة على شغل هذا المنصب في التصوّر والمخيلة الشعبية.
ولكن عسول، لا تتفق مع هذا الكلام، حيث قالت خلال الندوة الصحفية لإعلان ترشحها، “أعلم ما سيقال من كلام أن المرأة لا تصلح أن تكون رئيسة في الجزائر، هذا غير صحيح بالنسبة لي، الشعب يبحث عن سياسي نزيه يحمل مشروع للبلاد بغض النظر عن جنسه، لدينا الكاهنة قائدة جيوش، لالة فاطمة نسومر والمجاهدات العظيمات اللواتي قهرن المستعمر الفرنسي، المرأة الجزائرية كانت حاضرة في معركة تحرير البلاد”.
وتضيف المحامية، “يستدلون بتجربة لويزة حنون وفشلها في الوصول إلى منصب الرئيس ونتائجها المتواضعة، لقد قامت بدورها كسياسية، وهي لم تفشل لوحدها هناك المئات من الرجال الذين فشلوا، لكنهم يركزون على فشل المرأة التي برأيي لا تملك الدعم والامكانيات التي يمتلكها الرجل الذي يترشح لمنصب الرئيس” .
“خلال تجربتي كقاضية لم يهتم الناس لجنسي، ما يهمهم هو الثقة والنزاهة والكفاءة”، توضح عسول، رافضة ربط جنس المرأة بقدراتها؛ من خلال مسيرتها المهنية في سلك القضاء.
وعن فرص عسول في الفوز، ترى أستاذة العلوم السياسية، زهور أوعمارة، أن “الانتخابات الرئاسية الجزائرية لعام 2024 ستكون ضمن سياق معقد، وأن تقييم فرص فوزها يظل مرهونًا بمدى قدرتها على التنقل في هذا السياق السياسي المعقد، والاستجابة بشكل فعال لتطورات الوضع السياسي بالجزائر، في بيئة تسيطر عليها الهيمنة السياسية لطرف واحد”.
زبيدة عسول.. مرشحة للمعارضة أم حليفة للنظام؟
نفت عسول الاتهامات الموجهة إليه أنها حليفة للنظام، أو أن تكون أرنب سباق، إذ تؤكد المحامية التي عارضت بشدة انتخابات 2019، التي فاز بها الرئيس عبد المجيد تبون؛ على أن قرارها “ليس وليد صفقة سياسية مع السلطة، النظام ليس بحاجتي من أجل منحه الشرعية “.
وناشدت عسول، “الملايين من المواطنين الذين خرجوا في الحراك من أجل التغيير، ويأملون في وضع أحسن للبلاد أن يشاركوا في هذه الانتخابات الرئاسية لإنها فرصة للتغيير الجذري”.
وأكدت على أنه “لا نستطيع ربح نظام بالجلوس في المنزل، لقد حاولنا مع المقاطعة التي أفقدتنا مكتسباتنا و لم تثمر فلنحاول إذن مع المشاركة”.
ويرى متابعون للوضع السياسي في الجزائر، أن إعلان زبيدة عسول لترشحها نابع من قناعة سياسية بضرورة مغالبة السلطة، فـ”ترشح عسول انطلاقا من موقفها النقدي للسلطة، يوضح وجود قناعة سياسية لديها، ولدى قطاع من مؤيديها بضرورة مغالبة السلطة بأي وسيلة سياسية ممكنة، على الرغم من أن الرهانات تبدو ضيقة في هذا المجال”، يقول الصحافي الجزائري، عثمان لحياني لمنصة “هنَّ”.
وتباينت ردود الفعل على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد ترشح عسول، إذ يرى بعض رواد المنصات الاجتماعية؛ ضرورة منح الفرصة لعسول وانتخابها، معتبرين أن ترشحها “فرصة للتغيير الجذري في المشهد السياسي”، فيما يرفض البعض الآخر فكرة ترشحها، ويرى أنه “إضفاء للشرعية على الانتخابات المقبلة وأن عسول حليفة للنظام”.
ترشح عسول، مهما كانت خلفياته؛ يعتبر خطوة هامة نحو تعزيز المشاركة السياسية للنساء، ويمثل تحديًا للتقاليد وتعزيزًا لدور المرأة في المشهد السياسي الجزائري، حيث يعتبر ائتلاف algerian” feminists”، في تصريح لمنصة “هنَّ” أن “وجود امرأة مرشحة أولى في الانتخابات المقبلة له رمزية قوية”.
ويشير الائتلاف إلى أن عسول “لم تعبر بوضوح عن رأيها في العديد من القضايا النسوية والعديد من القوانين المجحفة في حق المرأة الجزائرية”.
جدير بالذكر، أن ستة أشهر هي ما يفصلنا عن انتخابات رئاسية مسبقة، لم يعلن الرئيس عبد المجيد تبون بعد عن نية ترشحه لعهدة ثانية، أم أنه سيترك المجال للتداول على السلطة، رغم أن المعطيات تشيرعكس ذلك، في ظل خروج أحزاب الموالاة لدعم الرئيس من أجل الترشح، وعدم توافق المعارضة الجزائرية على مرشح توافقي، وبين هذا وذلك، يطرح الشارع الجزائري السؤال التالي، هل ستتمكن عسول من المنافسة على المنصب وتخلق المفاجأة لتتولى سدة الحكم؟.