الانتخابات الرئاسية التونسية ستكون يوم الـ6 أكتوبر المقبل، لتكون بذلك السباق الرئاسي الثالث ما بعد ثورة الياسمين التي شهدتها البلاد عام 2011، انتخابات سيختار من خلالها التونسيين والتونسيات رئيسا للجمهورية. وهو استحقاق انتخابيّ يأتي في سياق مختلف عن سابقيه، دستور جديد، وشروط ترشح معدلة، وقانون انتخابيّ قابل للتغيير، ومناخ عام يتسم بتراجع واضح في مستوى الحقوق والحريات، يتزامن مع سلسلة إيقافات تطال الجميع، في مختلف المجالات، بينهم صحفيات ومحاميات ونقابيات وناشطات في المجتمع المدني والسياسي.
من أجل قراءة هذا المشهد، تستضيف منصة “هنَّ”، هالة بن يوسف، نائبة رئيس “حزب التكتل” ونائبة رئيس المنظمة “الدولية للمراة الاشتراكية”، وفي هذه المقابلة تقدم رأيها في المناخ السياسي العام، والمحطة الانتخابيّة، وطبيعة الترشحات المسجلة، وتواصل غياب النساء من سباق الرئاسيات.
سيدة هالة بن يوسف، شكرًا لقبول الدعوة… ودعيني أسألك أولا، ما هي قراءتك كناشطة سياسية للسياق العام السياسي اليوم؟
تمر تونس اليوم، بأزمة متعددة الأبعاد تشمل الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية؛ ففي الجانب الاقتصادي، تعاني البلاد من تراجع في النمو الاقتصادي وزيادة في معدلات البطالة والتضخم. أما من الناحية الاجتماعية، فإن هناك تفاقمًا في الفقر والتفاوت الاجتماعي، بالإضافة إلى تحديات كبيرة في قطاع الصحة والتعليم.
وهذا الوضع اتسم بالتقسيم الممنهج للشعب، وتنامي خطاب الكراهية، والرأي الأوحد، والارتداد على الديمقراطية، واللجوء لتعقب المعارضين في غياب رؤية واضحة للخروج من الأزمة، أو بوجود برنامج غير معلن. وصراحة يتم التضحية بالمواطن في سبيل تحقيق توازنات مالية وحلول استعراضية لا أفق لها.
من خلال تقييمك، ماذا كان يجب أن يحدث أمام هذا الوضع؟
حسب تقييمي كان من الضروري اللجوء لتقوية الوحدة الوطنية، أمام الأزمة، وتنمية مناخ حرية التفكير والتعبير، وتناظر الأفكار للوصول لأحسن الحلول المتبناة من الجميع. وأعتبر أن قيس سعيد قد نجح في إرساء نظام يحتكر فيه كل السلط؛ مغتنما الوضعية السياسية السابقة التي اتسمت بالفساد والإنحراف عن مسار الإنتقال الديمقراطي إبان انتخابات 2014، ليشرع في تركيز نظام دكتاتوري سلطوي.
إننا اليوم نجد أنفسنا أمام نظام قسّم التونسيات والتونسيين إلى وطنيين مقابل خونة متآمرين على أمن الدولة، يرتمون في أحضان الخارج، أقصى النظام الحالي بفكره الفاشي التونسيات والتونسيين بالخارج من الحياة السياسية حتى أنه أصبح يعتبرهم مواطنين درجة ثانية.
هل السياق العام السياسي بما ذكرته من تغيير وتناقض، قادر على احتضان محطة في حجم انتخابات الرئاسة؟
الوضع السياسي في تونس اليوم معقد، ويواجه العديد من التحديات التي قد تؤثر على القدرة على إجراء انتخابات رئاسية ناجحة ومستقرة. تونس تعاني من عدم استقرار سياسي مستمر، بما في ذلك التغييرات المتكررة في الحكومات والنزاعات بين الأحزاب السياسية. وهذا قد يؤثر سلبًا على التحضيرات للانتخابات، وعلى ثقة الجمهور في العملية الانتخابية.
هذا من الجانب السياسي، ماذا عن الجانب الاقتصادي؟
الأزمة الاقتصادية تؤثر على مختلف جوانب الحياة في تونس، بما في ذلك السياسة، والظروف الاقتصادية الصعبة قد تزيد من التوترات الاجتماعية، وربما تؤدي إلى احتجاجات واضطرابات قد تعيق إجراء الانتخابات بشكل سلس.
هذا إلى جانب تراجع منسوب الثقة بين المواطنين والمؤسسات الحكومية، وهو أمر قد يؤدي إلى ضعف المشاركة الانتخابية وزيادة الشكوك حول نزاهة العملية الانتخابية. كما أن التحديات الأمنية، بما في ذلك التهديدات الإرهابية، تظل مصدر قلق. هذه القضايا قد تتفاقم خلال فترة الانتخابات، مما يستدعي استعدادات أمنية مكثفة لضمان سلامة العملية الانتخابية.
وفي ضوء هذه العوامل، يمكن القول إن تونس تواجه تحديات كبيرة في تنظيم انتخابات رئاسية ناجحة. ومع ذلك، إذا تمكنت الأطراف السياسية من التوصل إلى توافقات والعمل على تعزيز الثقة بين المواطنين والمؤسسات، بالإضافة إلى توفير الظروف الأمنية اللازمة؛ يمكن تحقيق انتخابات مستقرة نسبيًا.
ما هو تقييمك للترشحات المعلنة حتى الآن؟
حتى الآن، تبدو الترشحات متنوعة، ولكن هناك حاجة ماسة إلى التقييم الجيد للموقف من الانتخابات الرئاسية المزمع تنظيمها خريف هذا العام، سواء من حيث المشاركة أو المعارضة.
فمن أدبيات الأنظمة الشعبوية، ترذيل الحياة السياسية، وشيطنة الأجسام الوسيطة؛ بمنطق التخوين والعمالة للخارج، والنظام الحالي زجّ بالسلطة القضائية في معركة سياسية، مع مترشحين مفترضين للانتخابات الرئاسية، عبر منعهم من الترشح استنادا على قضايا وأحكام الدقيقة 90، كما أن النظام الحالي أصبح هو القاضي والطرف في العملية الانتخابية؛ عبر سن قوانين على المقاس لإقصاء المنافسين. واليوم أكثر من 70 مترشح قام بسحب استمارة التزكيات، 5 بالمائة فقط هم وجوه سياسية تنتمي لعائلات سياسية معروفة، والبقية ترشحات فلكلورية كرتونية نتيجة تفريغ الساحة السياسية.
كيف تفسرين غياب العنصر النسائي عن الترشحات؟
غياب العنصر النسائي عن الترشح للانتخابات الرئاسية في تونس، يمكن تفسيره بعدة عوامل، من أبرزها التحديات الاجتماعية والثقافية التي تواجه النساء في الوصول إلى المناصب القيادية.
كذلك الخوف، فبتواجد نحو الـ30 مواطنة تونسية، من بينهن ناشطات سياسيات وحقوقيات وصحفيات ومحاميات في السجن، بتهم كيدية وادعاءات باطلة؛ ففي سنة 2024 تم سجن إعلامية على معنى المرسوم 54 سيء الذكر، وراينا ملاحقات قضائية لمناضلات نسويات في بتهم كيدية، ما يعني أن مكتسبات المرأة التونسية التي ناضلنا من أجلها، تم ضربها، لجعل المرأة التونسية تعزف عن أي ترشح أو مشاركة في الحياة السياسية.
هل سيكون لكم مرشح للانتخابات الرئاسية على أساس التحالف أو المنطلق الحزبي؟
حسب رأيي، البديل هو تكوين جبهة سياسية واسعة، واضحة المعالم والتصورات، ومؤمنة بمبادئ الثورة ومبادئ دستور 2014، تكون قادرة على خوض حقيقي للمعركة الانتخابية، والتصدي للمساعي الرامية إلى تثبيت نظام استبدادي، بعيد عن هموم الشعب وطموحاته وحقه في المشاركة وصناعة القرار. ومنها يتم الاتفاق حول موقف موحد من الانتخابات؛ سواء بدعم أو تقديم مرشح للانتخابات الرئاسية القادمة.