“نعيش بالبركة”| نساء الأسواق.. مغربيات تكافحن لإعالة أسرهن

“مزوجة، ولكن بحال إلى ممزوجاش، الراجل كاين، لكن منعولش عليه”، بهذا الوصف وبنبرة حزينة تحكي فاطمة، معاناتها مع زوج يعمل حارسًا للسيارات، لكن لا ترى منه وأبناءها الأربعة أي مساندة مادية، ما دفعها إلى الخروج لانتزاع “طرف ديال الخبز” حسب قولها، ومجابهة متطلبات الحياة في ظل الارتفاع المهول الذي تعرفه الأسعار في المغرب.

“الوقت صعابت بزاف شكون ممكن يعطينا ما ناكلو” تقول فاطمة لـهنَّ”، بابتسامة يائسة، وتلك حقيقة مُرّة انتهت إليها كثيرات من النساء اللائي هزمتهن مصاريف الحياة، فخرجن اضطرارا للبحث عن رمق العيش.

في يوم ماطر تجلس فاطمة، ذات الستين من عمرها، وراء كومة من الخضراوات الورقية “النعناع، القزبرة، الفجل وغيرها”، في “حي التقدم” الشعبي بالعاصمة الرباط، خرجت تبحثعن دخل مادي يسد أفواها تنتظرها في المنزل، إنها واحدة من بين مئات، أو آلاف النساء المغربيات، منهن متزوجات برجال ألم بهم المرض فألزمهم الفراش، وآخرين اختاروا البطالة برغبتهم، ومنهن أرامل، ومطلقات، مكافحات من أجل لقمة العيش الحلال.

في حديثها لـ”لهنَّ”، عن رحلة يومها الشاق من أجل إعالة أسرتها تسرد فاطمة، أنها مع ساعات الفجر الأولى، وفي حلكة الليل الدامس “أخرج من بيتي للقاء بائع الخضراوات الورقية بالجملة، لكي أقتني بعضا منها، وفي كثير من الأحيان أمده بما استطعت من مال إلى حين أنتهي من بيع سلعتي لأكمل له المبلغ، وهكذا يبقى تعاملنا معا مساعدة منه لي ولآخرين، لكي لا يغلق علينا باب الرزق”.

“لا أعود إلى بيتي بعد اقتناء سلعتي، بل أرتكن في المكان الذي اعتدت البيع فيه من أجل تجهيز طاولتي الصغيرة، أقص الخضراوات الورقية، أصففها حزما صغيرة من أجل بيعها بالتقسيط… ليبدأ يومي من ظلمة الفجر إلى ظلمة الليل”، تضيف فاطمة.

“لدي أربعة أبناء كبار، ابنتان وولدان، إحدى بناتي تزوجت وهي مستقرة في مدينة سلا مع زوجها، فيما ابنتي البكر التي درست ونالت شهادة الباكالوريا، توقفت عن الدراسة ولم تجد عملا، لكنها تساعدني بعض الشيء في أمور البيت، والمطبخ، إلى حين تتزوج، أو تحصل على عمل تسندني به بعض الشيء، والولدان تجاوزا العشرين من العمر، لم يكملا دراستهما ولا يشتغلان، وبالتالي، أنا من يقوم بإعالة كل هاته الأفواه في غياب الأب الذي يكتفي بسد مصاريفه الشخصية بدون مد يد المساعدة حتى في أحلك الأوقات”، هكذا تحكي فاطمة بحسرة عن وضع مأساوي لا حيلة لها في إصلاحه، مضيفة، “أقسم بالله وضعي جد متأزم والباعة لي حدايا يخبروك بكلشي… لكن معندي مندير”.

وعن مدى كفاية المال الذي تجنيه لإعالة أسرتها، بعد خصم قيمة البضاعة ودفع ديون بائع الجملة، قالت فاطمة، “في العادي أحصل على ما أحتاجه من بضاعة، أعطي تاجر الجملة بعضا من المال، والبقية بعد بيع البضاعة، هو رجل طيب يتفهم وضعي الذي لا يخفى على أحد في هذا السوق”.

واستدركت متذكرة شيئا مهما من الحكاية، لتكمل حديثها، “حتى أتغلب بعض الشيء على المصاريف، أحاول كل يوم ادخار مبلغ ولو بسيط من أجل استكمال سومة المنزل الذي أكتريه”.

تصمت فاطمة لحظةَ، تتنهد حسرة، وتكمل حكي قصتها المؤلمة، ” تعرفين، نحن نعيش بالبَركة، أكتري منزلا صغيرا في حي شعبي يسمى حي الرشاد بمبلغ ألف و450 درهما، كلما أديت سومة الكراء لصاحب البيت، أتنفس الصعداء، وأحيانا لا أستطيع ذلك، فينتابني الأرق، هذا بالإضافة إلى المأكل، واللباس… والبقية تعرفينها يا بنتي”.

من مدينة سلا، قول لـ”هنَّ” زهرة، بائعة الخبز أجد أسواق مدينة سلا المحاذية للرباط، “شكون لي غادي يخدم عليا يلا مخدمتش على راسي.. راكي عارفة أوضاعنا”، ثم تبتسم لتخفي ألمها الداخلي، الذي أحيته أسئلة الصحفية، “لماذا تبيعين الخبز؟ هل أنت متزوجة؟ هل لديك أبناء…؟”.

وفي ردٍ حزين ومقتضب، حاولت زهرة، إنهاءه بسرعة، قائلةً “لدي أبناء كبار في السن، كل واحد منهم استقل بنفسه، ولازلت أعيل نفسي بنفسي.. أشتغل وزوجي في بيع الخبز، لكن كل شيء أقوم به بنفسي، أنا من تقوم بعجن الخبز، طهيه وبيعه، فيما يساعدني زوجي في جر العربة، واقتناء السلعة”.

كانت ردود زهرة جد سريعة، تحكي وهي تترنح في مكانها، وضحكتها الساخرة من هذا الوضع لا تفارقها، لم تتفوه بالكثير، لكن القصة واضحة على أسارير وجهها، رغم أن كبريائها منعها من الحديث عن أبناء استقلوا بأنفسهم، تاركين لها حِمل مصاريف لا نهاية لها.

وبسرعة غيرت زهرة حديثها، لتسأل عن الدعم الذي تمنحه الدولة للفقراء، “أين وصل؟… لقد استفاد زوجي منه لمدة شهرين، كان يساعدنا في تسديد ثمن كراء منزلنا لكن لم نعد نستفيد منه”، مضيفةً “هل لديكم أي خبر بخصوص استمرار الدولة في دعم الفقراء، ولو بذلك المبلغ البسيط، فأي مبلغ إضافي بالنسبة لنا هو مهم جدا في تسديد ديوننا، أو إضافته إلى مصاريفنا”.. “تعرفين حنا عندنا الله مستورين به”،  تختم المرأة كلامها منهيةً الحديث.

وبلغة الأرقام، وحسب إحالة ذاتية لـ”المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي”، وهو مؤسسة دستورية مستقلة، يظل الاقتصاد غير المنظم،”ظاهرة مستعصية في المنظومة الاقتصادية المغربية”، ومصدرَ قلق، بحيث “يصل حجمها إلى نحو 30 في المائة من الناتج الدّاخلي الإجمالي” حسب معطيات بنك المغرب لسنة 2018. 

وتذهب تقديرات المؤسسات الوطنية الدولية إلى أن نسبة تتراوح بين 60 و80 في المائة من الساكنة النشيطة المشتغلة بالمغرب “تزاول أنشطة تندرج ضمن الاقتصاد غير المنظم”.

وبخصوص مؤشرات النوع الاجتماعي، وخلال  مباحثات مع ممثلة هيئة الأمم المتحدة للمرأة بالمغرب، ليلى الرحيوي، أكد المندوب السامي للتخطيط، أحمد الحليمي العلمي، في تصريح سابق لـ”وكالة المغرب العربي للأنباء”، على أن القطاع غير المهيكل “حاضر في الاقتصاد الوطني على أساس معطيات محاسبية، حيث غالبا ما تكون النساء من بين الفاعلين الأكثر انخراطا، لكنها تظل الأكثر تضررا جراء ظروف العمل الهشة في هذا النشاط غير المهيكل”.

“المندوبية السامية للتخطيط”، وهي مؤسسة رسمية كشفت أيضا في تقرير لها أن “نسبة الأسر التي تعيلها نساء في المغرب وصلت إلى 17 في المائة خلال عام 2022 من مجموع 8 ملايين و823 ألف أسرة، حيث ما يقارب مليون ونصف منها تعيلها امرأة”.

وأظهر التقرير أن الأرامل تتصدرن نسبة النساء ربات الأسر لعام 2022، حيث تصل إلى 54.6 في المائة، تليها المتزوجات بنسبة 23.7 في المائة ثم المطلقات بـ12.8 في المائة، والعازبات بـ8.9 في المائة.

اقرأ أيضا

  • العاملات الفلاحيات هنّ الأكثر تضررا من التغيرات المناخية

    🔶تعاني الدول المغاربية منذ سنوات من الجفاف على مدار السنة ، ما فاقم نسبة الفقر عموما بهذه الدول وخاصة لدى النساء، وفقدت آلاف العاملات في مجال الفلاحة مورد رزقهن.

    |

  • تحديًا للفقر والبطالة.. نساء يؤنثن عمل الذكور بتونس

    لايزال إدماج المرأة التونسية في سوق العمل ناقص للغاية، رغم أن حضور النساء في تونس موجود في كل المجالات وفي كل المهن; محاميات، طبيبات، معلمات وغيرها من المهن، لكنهن لا يشكلن سوى 30 بالمائة في سوق العمل، على الرغم من أنهن الأفضل تعليمًا بالبلاد، فهن يشكلن الأغلبية في التعليم، خاصة التعليم الجامعي، حيث يبلغ عدد…

    ريم بلقاسم|

  • الفيديوهات

  • فاطنة بنت الحسين.. أسطورة العيطة وأيقونة الفن الشعبي في المغرب

    ولدت فاطنة بنت الحسين في منتصف الثلاثينات بمنطقة سيدي بنور، التابعة لدكالة، من عائلة قروية محافظة رفضت ولوجها مجال الغناء، نظرا للسمعة السيئة التي كانت ملتصقة بـ"الشيخة" وقتها. انتقلت فاطنة إلى مدينة اليوسفية، وهناك انضمت إلى فرقة "الشيخ المحجوب"، وزوجته "الشيخة العبدية"، لتحصد شهرة واسعة وصل مداها إلى مدينة آسفي، معقل "العيطة الحصباوية"، وبعدها مدينة…

  • ناسجات الحياة.. نساء بالحوز ينسجن الزرابي بين أنقاض الزلزال

    بالقرب من مركز جماعة أسني بإقليم الحوز، اجتمعت أربع نسوة بدوار "أسلدا" ينسجن الزرابي، بحثا عن مورد رزق، في كوخ من القصب ومغطى بالبلاستيك وورق التعليب، بعد أن دمر الزلزال المكان الذي كن يشتغلن فيه، والذي كان مقرًا لـ"جمعية الدوار"، قبل أن يحوله الزلزال إلى أطلال. في البداية، تحديدًا قبل ثلاثة سنوات من جائحة "كورونا"؛…

  • منع مسيرات تضامنية مع فلسطين “دعم لجرائم الإبادة”

    🟠 منعت مسيرات احتجاجية ضد العدوان الإسرائيلي، تخليدا ليوم الأرض الفلسطيني، نهاية الأسبوع الماضي، من طرف قوات الأمن في عدد من المدن المغربية، ما خلف تنديدا واستنكارا واسعينِ من طرف المشاركين في تلك الاحتجاجات.

  • العاملات الفلاحيات هنّ الأكثر تضررا من التغيرات المناخية

    🔶تعاني الدول المغاربية منذ سنوات من الجفاف على مدار السنة ، ما فاقم نسبة الفقر عموما بهذه الدول وخاصة لدى النساء، وفقدت آلاف العاملات في مجال الفلاحة مورد رزقهن.