تعيش العديد من النساء في المغرب معاناة يومية من العنف بأنواعه المختلفة، سواء في المنزل أو في محيطهن الاجتماعي. فاطمة، إحدى النساء اللواتي تعرضن للعنف من قبل إخوتها، تروي قصتها المؤلمة لمنصة “هنَّ”، قائلة: “المنزل الذي تركه لنا والدنا أصبح ساحة للاعتداءات النفسية والجسدية”.
“إخوتي المدمنون على المخدرات يعاملونني كأنني غريبة عنهم، ويقومون بتعنيفي بشكل مستمر”، تضيف فاطمة، مشيرة إلى أنه ورغم محاولاتها للتواصل مع رجال الأمن، فإن الوضع لم يتحسن.
أما مريم، فتتحدث عن سنوات من المعاناة مع زوجها، الذي عاشت معه في ظروف صعبة، لكنها صبرت رغم العنف والتهجم المستمر. مريم، البالغة من العمر 36 عامًا، تعمل في مؤسسة خاصة، وتوجه رسالة للنساء: “لا ترفعن توقعاتكن عاليا، ولا تنتظرن طويلا قبل اتخاذ القرار بالانسحاب من علاقة مسيئة”.
وتحكي مريم، في حديث لمنصة “هنَّ” عن سنوات مرت من عمرها تتمنى لو مُسحت من ذاكرتها: “لم أكن أتصور أن الرجل الذي أحببته، وتزوجته بالرغم من اعتراض أسرتي سيتعامل معي بشكل سيء، ضرب، كلام نابي، وشتم لجميع أفراد أسرتي لأنها لم تقبل به يوما.. بل الأكثر من ذلك كنت أتحمل كل هذا الأذى، وأنا من يصرف على البيت، وحتى على مصاريف سجائره”.
في حاجة لقانون صارم ومدونة منصفة
على الرغم من الجهود التي تبذلها العديد من الجمعيات والمؤسسات لمكافحة العنف ضد النساء، إلا أن الإحصائيات تشير إلى أن العديد من النساء لا يقدمن شكاوى أو تقارير عن العنف الذي يتعرضن له.
تشير نجية تزروت، رئيسة “شبكة الرابطة إنجاد ضد عنف النوع”، إلى أن الأرقام الرسمية حول العنف ضد النساء لا تعكس الواقع الكامل، حيث أن “الكثير من الحالات تظل غير معلنة”.
وتشدد تزروت على أن “هناك حاجة ماسة لإصلاح شامل للقانون الجنائي، وتقديم مدونة للأسرة أكثر إنصافًا وعدلًا”.
الطرد من بيت الزوجية بعد سنوات من الشقاء
سعاد، واحدة من النساء التي استطعن البوح للجمعيات المعنية، هي أم لولدين أحدهما في وضعية إعاقة، “طردني زوجي من البيت رفقة أولادنا في اليوم الذي كان أحدهم سيجتاز فيه امتحان الباكالوريا، جاء العون القضائي بوثيقة رسمية من أجل تنفيذ الإفراغ لأنتهي وأبنائي في الشارع”.
بألم تحكي سعاد، عن واقع مر عاشته مع زوجها، بعد أن طردها زوجها من المنزل رغم سنوات من العمل الشاق لمساعدته في بناء حياة أفضل.
وتقول سعاد لـ”هنَّ”: “بعد أن تزوج زوجي من امرأة أخرى، طردني أنا وأبنائي من المنزل، رغم أنني كنت أساعده في توفير المال للمنزل”.
وأضافت بحسرة: “قيمة النفقة لا تتجاوز 500 درهم، ولا تكفي حتى لتغطية تكاليف المعيشة، فما بالكم بعلاج ابني المريض؟”.
النساء بين 18 و38 سنة في صدارة المعنفات
كثيرة هي حالات النساء اللواتي يتعرض للعنف بأنواعه؛ الضرب، التغرير بقاصر، العنف الإلكتروني، العنف المعنوي، التعصيب. ولكن معظم المعنفات لا تلجأن إلى الأمن من أجل وضع حل لأزواجهن، أو إخوتهن، أو حتى رؤسائهن، وزملائهن في العمل، وبالتالي فالإحصائيات التي تعلن عنها الجمعيات النسائية، أو المؤسسات الرسمية لا تمثل حقيقة الوضع.
وكشف التقرير السنوي للعنف الخاص بشبكة “نساء متضامنات”، وشبكة “الرابطة إنجاد ضد عنف النوع”، والذي تم الإعلان عنه مؤخرًا، أن” 4535 امرأة تعرضت إلى العنف في الفترة بين 2023، ويونيو 2024″.
فيما سجلت الجمعيات نفسها تعرض “9474 امرأة للعنف في الفترة بين 2021، و2023″، وهي الأرقام المتعلقة بحالات العنف المصرح بها من طرف النساء للمنظمتين المذكورتين.
وأظهرت الإحصائيات أن النساء بين 18 و38 سنة يمثلن 33 بالمائة من ضحايا العنف، وهي الفئة الأكثر تعرضًا للعنف بمختلف أشكاله.
وتعزى هذه الزيادة إلى الضغوطات الاجتماعية والاقتصادية التي تواجهها النساء في هذه المرحلة العمرية، والتي تشمل أعباء العمل والمسؤوليات الأسرية.
كما سجل التقرير ارتفاعًا في العنف ضد النساء في الفئة العمرية بين 39 و48 سنة، حيث تمثل هذه الفئة حوالي 22 بالمائة من الضحايا.
استمرار العنف القانوني ضد المرأة
ورغم الإصلاحات التي شهدتها بعض القوانين، مثل مدونة الأسرة وتعديل القانون الجنائي، إلا أن هناك نقصًا في التنسيق بين هذه القوانين والسياسات العمومية، مما يؤدي إلى استمرار العنف ضد النساء. فالعنف القانوني، الذي يشمل غموض بعض التشريعات وعدم كفايتها، يظل من أبرز التحديات. ورغم أن بعض الأفعال مثل الاغتصاب الزوجي مازالت غير معترف بها قانونيًا، حيث ماتزال العديد من النساء يعانين من تأثيرات هذه التشريعات المعيقة.
توصيات بتعديل القوانين وجرم الاغتصاب الزوجي
أوصت الجمعيات النسائية بتعديل القانون الجنائي ليشمل الاغتصاب الزوجي وتحديد التعريفات القانونية للعنف ضد النساء بشكل أكثر شمولًا، بالإضافة إلى تجريم تزويج الطفلات، وحماية النساء في حالات النزاع أو العنف الذي قد تتغاضى عنه الدولة. كما دعت إلى رفع التجريم عن العلاقات الرضائية بين البالغين خارج إطار الزواج، وتحقيق المزيد من التعديلات في التشريعات لضمان حقوق المرأة في جميع السياقات.
وتبقى الحاجة ملحة لتطوير التشريعات والسياسات العمومية في المغرب بشكل يعكس الواقع الاجتماعي والاقتصادي للنساء، ويضمن حمايتهن من العنف بجميع أشكاله، بما في ذلك العنف القانوني، الذي لا يزال يشكل عقبة رئيسية أمام تحقيق العدالة والمساواة.