في قاعة امتحان جامعية، حيث يُفترض أن تُقاس قدرات الطلبة لا مدى صمتهم، وقعت حادثة جعلت من مرام الجبري، طالبة بالسنة الثالثة بـ”كلية العلوم القانونية والاقتصادية والتصرف” بمدينة جندوبة (أقصى الشمال الغربي)، ضحية مزدوجة؛ أولًا للتحرّش داخل مؤسسة تعليمية، وثانيًا لمحاولة إسكاتها قانونيًا من خلال شكاية بالتشهير والثلب تقدم بها الأستاذ الذي اتهمته، أمام فرقة الشرطة العدلية بجندوبة، ضدها وضد بعض زملائها.
من شهادة على “السطوش” إلى استدعاء أمني
بدأت القصة كما روتها مرام في شهادة نشرتها على فيسبوك: “دخلت نعدي، كيف الناس الكل. مركّزة، نحاول نخلي تعبي يبان. لكن الأستاذ سبقني… سبقني بالخوف. كتب رقم تليفونو في ورقة صغيرة، ومدّها لي في السطوش”.
“حسّيت روحي تحت المجهر، تحت التهديد. خرجت من الامتحان موش خايفة من النقطة، بل مرتعشة من خوف موش عادي”، تقول الطالبة مرام في رسالتها.
انتشرت شهادتها بسرعة على مواقع التواصل، وأثارت موجة تضامن واسعة من الطلبة والناشطين. غير أن الردّ الرسمي لم يكن بفتح تحقيق إداري في سلوك الأستاذ، بل تحرّك قضائي ضد مرام وزملائها بتهمة “الثلب والتشهير”، لا بموجب المرسوم 54 كما اعتُقد أولاً، بل في إطار القانون الجزائي العادي.
من ضحية إلى متهمة
وفق ما أكده نشطاء ونقابيون، فإن الأستاذ المشتكى به هو من تقدم بشكوى، معتبرًا أن ما نشرته الطالبة يسيء إليه ويشوّه سمعته، ما فتح الباب لاستدعاء مرام للتحقيق، وسط استغراب واسع من تحويل مجرى القضية: من التركيز على محتوى الشكوى الأصلية (التحرّش)، إلى محاكمة من أطلقت صوتها.
“مرام ما كانتش تحكي كان على روحها، كانت تحكي بصوت كل طالبة خافت وسكتت. واليوم، يتحاول صوتها إلى تهمة؟”، هكذا علّق أحد زملائها.
هل الجريمة هي التشهير أم الكلام عنه؟
قضية مرام تعيد فتح النقاش الحساس حول كيفية تعامل المؤسسات التربوية والأمنية مع شكاوى التحرش، خاصة حين يكون المتهم في موقع سلطة. فرغم أن القوانين التونسية تجرّم التحرش الجنسي، فإن آليات الحماية والشكاوى تبقى في كثير من الحالات معطّلة أو موجهة ضد الضحية نفسها، خصوصًا إذا لجأت للفضاء الرقمي لتروي قصتها.
“الاتحاد العام لطلبة تونس” أكد دعمه لمرام، واعتبر أن القضية “تكشف عن تطبيع خطير مع ثقافة الصمت والتحرش داخل الجامعات”.
أكثر من امتحان.. معركة على الحق في الأمان والكلام
مرام اليوم ليست فقط طالبة تواجه أستاذًا، بل مواطنة تواجه نظامًا يجعل من التبليغ تهمة، ومن الشهادة عبئًا قانونيًا.
كتبت: “وجودي في الاتحاد موش شرف، بل التزام باش نكون صوت البنات اللي سكتوا”، وهي تدفع اليوم ثمن هذا الالتزام في شكل استدعاءات وتحقيقات.
هذه القضية، بقدر ما تبدو “فردية”، تعكس واقعًا أوسع تعيشه عديد النساء في تونس، حيث ترى الناشطات النسويات اللاتي حدثتهنّ منصة “هنَّ” أن المرأة حين “تكون صادقة لا يعني أنها ستكون محمية، بل قد ستكون مهددة… فقط لأنها قالت الحقيقة”.