“وصلتُ إلى مخيم أمبرة سنة 2012، أتذكر ذلك اليوم أكثر مما أتذكر غيره.. غادرنا تمبكتو، في الساعة السادسة صباحًا، وصلنا إلى فصالة (بلدة في جنوب شرق موريتانيا على الحدود مع مالي) حوالي الساعة الخامسة بعد الظهر… كان ذلك الصباح الذي غادرت فيه الوطن، هو بداية رحلتي مع اللجوء”، بهذه الكلمات تبدأ اللاجئة المالية بموريتانيا، مريامة سرد قصة تغريبتها لـ”هنّ”.
تعيش مريامة، ذات الـ22 ربيعا، في مخيم “أمبرة”، منذ سنة 2012، بمعية والدتها وشقيقتيها الصغيرتين، وكانت والدتها هي التي اتخذت قرار مغادرة مالي بسبب الحرب، وهي نفس السنة التي بدأ برنامج الأغذية العالمي، يقدم المساعدة للاجئين الماليين المقيمين في مخيم “أمبرة”، الواقع في منطقة الحوض الشرقي في موريتانيا. ومع عدم قدرتهم على العودة إلى ديارهم، يعيش هؤلاء اللاجئون في مخيم أصبح بحكم الأمر الواقع؛ تجمعًا بشريًا ضخمًا، هو الثاني بعد العاصمة نواكشوط من حيث عدد السكان في موريتانيا.
عندما أظلمت البلاد فعل الحرب، بحثت عائلة مريامة عن بصيص الضوء، فلم تجده إلا في الفرار، عندها قامت الأم بتنظيم رحلة اللجوء من تمبكتو “لي وأخواتي وعمتي” تقول الشابة، ليبقى الوالدان هناك، لأنهم لم يتمكنوا من مرافقتهم، ولا مغادرة المنزل بسبب القتال الدائر في المدينة، و”لحسن الحظ، وصلوا بعد بضعة أسابيع”، توضح مريامة.
هل تتذكرين حياتك في مالي؟، تسألها منصة “هنّ” عبر الهاتف، فتجيب الشابة من الطرف الآخر دون تردد، “نعم بالطبع أتذكرها، وافتقدها جدًا، فحياتي هنا مختلفة كثيرًا عن ما كانت عليه بمالي، هناك كان والدي يعملان؛ والدتي كانت تاجرة، وكان والدي جنديًا، وكنت أنا وأخواتي نذهب إلى المدرسة، وكان لدينا العديد من الأصدقاء الذين لم نعد نسمع عنهم ولا نعرف ماذا حل بهم… الآن كل شيء مختلف”.
تتوقف الشابة المالية مريامة عن الحديث لبرهةً، كأن فيضًا من صور الذكريات الطازجة، والمعشقة بالحنين لوطن طال الغياب عنه؛ مرَّ بذاكرتها، لتتابع، “كانت حياتنا طبيعية هناك، ولا أعرف كيف أشرحها”.
وعن حياتها في المخيم، تقول مريامة لـ”هنّ”، “في البداية عندما وصلنا، كان الأمر صعبًا للغاية، لم نكن منظمين ولم تكن لدينا الخدمات التي لدينا الآن، ولم يكن هناك الكثير من الماء ولا المراحيض… وكان الوضع معقدًا للغاية من حيث النظافة. الآن نحن أفضل بكثير”.
تتلقى مريامة وعائلتها المساعدة من برنامج الأغذية العالمي كل شهر، مثل بقية عشرات الآلاف من اللاجئين في المخيم، والذين تجاوز عددهم الـ100 ألف، “نحن نتلقى المساعدات الغذائية منذ عام 2012”. وتضيف أن تلك المساعدات هي الطريقة الوحيدة للحصول على الطعام إذ “ليس لدينا شيء هنا.. والدتي لا تعمل لأنه لا وجود لوظائف في المنطقة، ونحن نعلم أنه لولا مساعدة برنامج الأغذية العالمي لما تمكنا من تحقيق التقدم”.
ويعمل برنامج الأغذية العالمي مع الحكومة الموريتانية، ووكالات الأمم المتحدة الأخرى والمنظمات غير الحكومية الشريكة لإعادة بعض الحياة الطبيعية لجميع أولئك الذين فروا من الصراع في مالي. وبفضل الدعم الذي تقدمه المفوضية الأوروبية للمساعدات الإنسانية، الولايات المتحدة واليابان وكندا ووزارة التنمية الدولية في المملكة المتحدة (DFID) وإسبانيا والمملكة العربية السعودية، يتلقى اللاجئون المساعدات الغذائية التي يحتاجون إليها.
وعلى الرغم من الظروف غير السهلة، تمكنت مريامة، من خلق بيئة مستقرة لنفسها، وقد سمح لها هذا الاستقرار باستئناف دراستها، “العام الماضي أنهيت دراستي وحصلت بالفعل على شهادة الثانوية، لقد استغرق الأمر وقتًا أطول لأني عندما وصلت إلى هنا لم أدرس لبضع سنوات”.
“أريد مواصلة الدراسة، أحلم بأن أكون محامية، وقد تقدمت بالفعل بطلب للحصول على منحة دراسية في جامعة نواكشوط، وأنا أنتظر الرد!” توضح مريامة.
اللاجئون الجدد
منذ 2012، وتدفقات اللاجئين مستمرة نحو مخيم “أمبرة” في موريتانيا؛ بسبب الصراع الدائر في مالي، والذي لا يريد التوقف، إذ تدور الآن حربان في مالي، التمرد الجهادي الذي يمتد من وسط البلاد إلى جميع المناطق تقريبًا، من ناحية، ومن ناحية أخرى، الصراع في الشمال بين القوات المسلحة وجماعات الطوارق المتمردة، والذي شهد فترة من السلام الهش بين عامي 2015 و2023، والذي نشط مرة أخرى في العام الماضي بعد انهيار اتفاقات الجزائر.
حربان تدوران دون شهود دوليين، حيث يمنع وجود وسائل الإعلام، والأمم المتحدة طردت، لكن رغم ذلك تصل أصداء هذه الحروب تصل عبر الفارين من أتونها، والذين يصلون لمخيم “مبرة”، ولكن حظ اللاجئين واللاجئات الجدد ليس كمريامة، فالوضع أصبح متأزمًا جدًا، حيث عبر في العام الماضي، نحو 75 ألف شخص الحدود إلى موريتانيا، البلد المغاربي الفقير الذي يرحب بهم، ولكنه لا يستطيع بمفرده تلبية احتياجاتهم الأساسية.
ومن مكتبها في نواكشوط، تحذر إليزابيث إيستر، ممثلة “المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين”، في موريتانيا، من مخاطر الوضع الذي تعرفه جيدا، “مخيم أمبرة، الذي تم تصميمه لاستيعاب حوالي 70 ألف شخص، يضم الآن 107 ألف لاجئ، 60 بالمئة فقط لديهم إمكانية الوصول إلى مركز صحي، ونقاط المياه تتعرض لضغوط هائلة”.
وترى إيستر أنه من الضروري التصرف في أسرع وقت ممكن، “على الرغم من هشاشة المنطقة، فقد أظهر الشعب الموريتاني كرم الضيافة تجاه اللاجئين الماليين على مر السنين”، ومع ذلك، “نحن بحاجة إلى توجيه دعم المجتمع الدولي الآن قبل أن تتحول الضيافة إلى عداء نظرًا لارتفاع مستويات الفقر والضعف في المنطقة”.
وإذا كان حظ مريامة، أنها نجت من الحرب وما يرافقها دوما من انتهاكات، إلا أن هنالك نساءً أخريات تعرضن لذلك، “تخبرنا قصصهم عن مستويات مثيرة للقلق من العنف، لدينا شهادات كثيرة من نساء تعرضن للاغتصاب”، توضح إيستر.
إحدى المجازر الأكثر شهرة، والتي ليست الوحيدة، وقعت في الفترة ما بين 27 و31 مارس 2022 في بلدة مورا، حيث قام جنود ماليون ومرتزقة روس”بيض يتحدثون لغة غير معروفة”، كما قال الناجون، بـ”بتل حوالي 500 مدني واغتصبوا 58 امرأة وفتاة”، بحسب تقرير نشرته مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان.
ونفى المجلس العسكري الذي يحكم مالي هذه الحقائق، وقال إن “القتلى الوحيدين في مورا كانوا من الإرهابيين”، وكان هذا التقرير هو السبب الذي أدى إلى طرد بعثة الأمم المتحدة من مالي.
جدير بالذكر، أن عدد اللاجئين في مخيم “أمبرة”، لا زال يرتفع، وقال الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، في وقت سابق أن المخيم بات يحتضن 100 ألف شخص (مقابل 60 ألفا، وفق إحصائيات رسمية في 2021)، مضيفا أن ظاهرة الهجرة التي من المحتمل أن تؤدي إلى زعزعة الاستقرار “تقلقه كثيرا”.
وحسب إحصائيات مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، فإن نسبة النساء والأطفال بهذا المخيم “تبلغ 83 بالمئة”، وتقول المفوضية، أنه في ظل اكتظاظ مخيم أمبرة للاجئين، فإن “غالبية الوافدين الجدد يختارون الاستقرار في القرى المجاورة، ما يتطلب من المفوضية تكييف استجابتها مع الاحتياجات داخل المخيم وخارجه”.