ممنوعات من الإغاثة.. كيف تُستخدم السيادة لقمع النساء والمهاجرات؟

أعلنت السلطات الليبية مؤخرًا عن إغلاق عدد من المنظمات غير الحكومية الدولية (ONG) العاملة في مجال دعم اللاجئين والمهاجرين في ليبيا، من دون تقديم مبررات واضحة أو إجراءات قانونية شفافة. 

ويأتي هذا القرار في وقت حرج، حيث تزداد أوضاع المهاجرين واللاجئين تدهورًا وسط تصاعد العنف، وانعدام الحماية القانونية، وتواطؤ أجهزة الدولة مع شبكات الاتجار بالبشر. 

القرار، الذي طال منظمات تقدم مساعدات إنسانية وصحية وخدمات نفسية وقانونية للفئات الأكثر تهميشًا، يعكس سياسة منهجية تعتمدها السلطات الليبية لقمع العمل المدني وتصفية الفضاء الإنساني، خاصة حين يتعلق الأمر باللاجئين والمهاجرين القادمين من دول جنوب الصحراء، سوريا،  اليمن والسودان.

“للأسف، لم نتلقَّ أي إخطار رسمي في معظم الحالات”، تقول أمل، وهي ناشطة تعمل في إحدى المنظمات المغلقة، موضحة أن بعض المنظمات وجدت أبوابها مغلقة بأوامر أمنية دون سابق إنذار.

السلطات الليبية لم تُقدّم أي توضيحات كافية، وأشارت بعض التصريحات الرسمية إلى “مخالفات إدارية”، أو “أنشطة مشبوهة”، ولكن دون دليل واضح. 

“نشعر أن الإغلاق جاء ضمن حملة أوسع لتقييد عمل المجتمع المدني”، تضيف أمل.

استخدام سياسي للهجوم على المجتمع المدني

تقول الحكومة الليبية بأن هذه المنظمات “تخالف القانون” أو “تعمل مندون ترخيص”، في حين أن معظم هذه المنظمات تعمل بالتنسيق مع وكالات الأمم المتحدة منذ سنوات، وتحظى بتمويل ورقابة دولية. 

وفي الحقيقة، فإن هذا الهجوم الجديد على المنظمات الإنسانية يبدو أنه جزء من استراتيجية لتشتيت الانتباه عن الفشل الحكومي في مكافحة الاتجار بالبشر، بل و”تورط بعض المسؤولين الأمنيين والعسكريين فيه”، وفقًا لتقارير دولية. 

وتشير أمل إلى أن “غياب الرقابة والتضييق على المنظمات الشرعية يفتح المجال للجهات غير القانونية”، مؤكدةً على أن “الكثير من المهاجرات الآن بلا حماية، ما يجعلهنّ أهدافًا سهلة للاستغلال والاتجار بالبشر”.

النساء المهاجرات في قلب العاصفة

يشير الكثير من الحقوقيين الذي استشارتهم “هنَّ” إلى أن أول وأكثر من سيتأثر بإغلاق هذه المنظمات هن النساء، وتحديدًا النساء المهاجرات واللاجئات، حيث يعتمدن على هذه المنظمات للحصول على خدمات طبية خاصة، كالرعاية الإنجابية والدعم النفسي، بالإضافة إلى الحماية من العنف الجنسي، الذي يتعرضن له في مراكز الاحتجاز أو خلال الرحلات القسرية عبر الصحراء والبحر. 

“تأثير القرار مباشر وواضح”، تقول أمل لمنصة “هنَّ”، فـ”المهاجرات فقدن الدعم القانوني، النفسي والطبي، وهناك نساء كن يتلقين علاجًا نفسيًا توقف فجأة، وأخريات فقدن المأوى والحماية وهنّ ضحايا لعنف قائم على النوع الاجتماعي”.

حتى النساء الليبيات لسن بمأمن

لا تقتصر تداعيات هذا القرار على المهاجرات فقط، بل تشمل النساء الليبيات أيضًا. فالعديد من المنظمات الدولية كانت تدير برامج دعم نفسي واجتماعي موجهة لضحايا العنف الأسري، والنساء الناجيات من النزاعات المسلحة، الأرامل والنازحات داخليًا. 

وتؤكد أمل على أن “عددًا كبيرًا من النساء فقدن مصدر دخلهنّ، وبعضهن معيلات لعائلات، والأسوأ أن بيئة الأمان والمساحة الآمنة للعمل الحقوقي تقلصت، وهذا يثني الكثيرات عن مواصلة العمل”.

الحاجة إلى مواجهة الخطاب الرسمي

يجب ألا نقبل بتبريرات الحكومة حول “السيادة” و”الترخيص”، فهي ليست سوى واجهة قانونية لتصفية الجهات التي قد تُسبب الإحراج أمام المجتمع الدولي. 

فإذا كانت ليبيا دولة ذات سيادة فعلًا، فعليها حماية المهاجرين والنساء بدلاً من تركهم فريسة للعنف والتجويع والسجن. 

وترى أمل أنه “من الناحية القانونية، هو قرار تعسفي وغير شفاف، ومن الناحية الإنسانية، هو قرار كارثي، لأن هذه المنظمات كانت توفر خدمات أساسية لنساء وفئات مهمشة، خصوصًا في مناطق النزاع والنزوح”.

ويجمع حقوقيون ومتابعون، على أن المطلوب اليوم هو موقف واضح من المجتمع الدولي، ومن المؤسسات النسوية والحقوقية في المنطقة، لمواجهة هذا الانغلاق المدروس، والدفاع عن وجود منظمات تقدم شريان حياة للفئات الأضعف. 

وتختم أمل رسالتها بدعوة واضحة لذلك: “أدعو كل من يعمل في هذا المجال إلى التضامن وعدم الصمت. نحتاج إلى صوت جماعي يضغط من الداخل والخارج. كما أطالب بآليات حماية للعاملين في المجال الحقوقي، خاصة النساء”.

اقرأ أيضا

  • “يمنعن من أن يكن نساءً”.. أساليب “إهانة وإذلال” السجينات في تونس

    رغبة المعتقلة سنية الدهماني، المعلقة الإعلامية التونسية، في الحضور أمام المحكمة وهي تنتعل حذاءً بدل الخفين جوبه بالرفض، كما منعت من مغادرة السجن دون ارتداء اللحاف التقليدي المعروف بـ"السفساري"، حيث أصر أعوان السجون على إخضاعها لتفتيشٍ معمق لجسدها، شمل المناطق الحساسة منه، وبسبب ما استغرقه كل ذلك من زمن، تم إعلامها في النهاية، أنها تأخرت…

    ريم بلقاسم|

  • “هِمَمْ”: الصحافية لبنى الفلاح تواجه مضايقات ممنهجة 

    تواجه الصحافية المغربية لبنى الفلاح، مديرة جريدة "الحياة اليومية"، سلسلة من المضايقات والتضييقات المهنية والقضائية، في سياق تبنيها لقضايا المعتقلين السياسيين في المغرب.  ووفقًا لـ"الهيئة المغربية لمساندة المعتقلين السياسيين" (هِمَمْ)، فقد تعرضت الفلاح لعقوبات تأديبية، وتهديدات من جهات رسمية، وحملات تشهير، بالإضافة إلى محاكمتها بسبب مقال لم تنشره، ما يثير مخاوف متزايدة بشأن حرية الصحافة…

    Hounna | هنّ|

  • “اللغة تحرمنا من حقوقنا”.. الأمازيغيات ومعضلة التواصل في المؤسسات

    بعد ستة أشهر من الانتظار، يصل أخيراً موعد فحص رقية الطبي. غير أن هذا الفحص الروتيني استلزم من ابن رقية، كالعادة، التغيب عن عمله من أجل مرافقة والدته. ليس لدعمها فقط، ولكن أيضاً للعب دور المترجم بين الطبيب ووالدته التي لا تتحدث العربية، والتي تعول كلّياً على ابنها سعيد لفهم ما سيقال لها، أو للتعبير…

    هاجر اعزة|

  • “الجميع اغتصبوني”.. ضحايا الاغتصاب في موريتانيا “عراة أمام القضاء” 

    في موريتانيا، يمكن أن تعتبر ضحية الاغتصاب "زانية"، أقامت علاقات جنسية خارج إطار الزواج، أو عار وفضيحة للضحية وعائلتها، مما يترك هؤلاء النساء ضحايا الاغتصاب أو الاعتداء الجنسي يواجهن وضعا معقدا، يتمثل في الإبلاغ عن المعتدين عليهن من عدمه، نظرا لأنه قد ينتهي بهن الأمر إلى السجن أو فقدان حقوقهن وكرامتهن المنتهكة، كما ترى منظمات…

    Hounna | هنّ|

  • الفيديوهات

  • “لم نتوصل بالدعم”..نساء الحوز يكشفن الوجه الآخر لإهمال ضحايا الزلزال

    يبدو أن بلدة مولاي إبراهيم بإقليم الحوز، جنوب مدينة مراكش، لن تتعافى قريبا من تبعات الزلزال الذي بعثر سبل العيش هناك، خاصة أن أغلب سكان البلدة كانوا يعيشون على نشاط السياحة الداخلية التي يجلبها ضريح مولاي إبراهيم، فالتجارة والإيواء وخدمات أخرى توفرها الساكنة، خاصة نسائها، توقفت اليوم بشكل كلي، ولا أمل يلوح في الأفق لعودة…

  • محاكمة عسكرية للمعارضة التونسية شيماء عيسى

    لم تغلق المحكمة العسكرية بعد، ملف محاكمة شيماء عيسى، المعارضة التونسية والقيادية في جبهة الخلاص الوطني، فقد تم تأجيل جلسة، محاكمتها إلى 10 أكتوبر، القادم.

  • ختان البنات موروث ملطخ بالدم

    تنتشر ظاهرة ختان الإناث بصورة كبيرة في عموم مناطق موريتانيا، إذ تحتل البلاد المرتبة الثامنة عالمياً. ويعتبر ختان البنات موروثاً وتقليداً في المجتمع الموريتاني ويهدف إلى المحافظة على عذرية البنات و"تهذيب شهوتهن" الجنسية، وفقا للمدافعين عنه بينما تشجب فئات اجتماعة أخرى في البلاد هذه الظاهرة.

  • فاطنة بنت الحسين.. أسطورة العيطة وأيقونة الفن الشعبي في المغرب

    ولدت فاطنة بنت الحسين في منتصف الثلاثينات بمنطقة سيدي بنور، التابعة لدكالة، من عائلة قروية محافظة رفضت ولوجها مجال الغناء، نظرا للسمعة السيئة التي كانت ملتصقة بـ"الشيخة" وقتها. انتقلت فاطنة إلى مدينة اليوسفية، وهناك انضمت إلى فرقة "الشيخ المحجوب"، وزوجته "الشيخة العبدية"، لتحصد شهرة واسعة وصل مداها إلى مدينة آسفي، معقل "العيطة الحصباوية"، وبعدها مدينة…

  • ناسجات الحياة.. نساء بالحوز ينسجن الزرابي بين أنقاض الزلزال

    بالقرب من مركز جماعة أسني بإقليم الحوز، اجتمعت أربع نسوة بدوار "أسلدا" ينسجن الزرابي، بحثا عن مورد رزق، في كوخ من القصب ومغطى بالبلاستيك وورق التعليب، بعد أن دمر الزلزال المكان الذي كن يشتغلن فيه، والذي كان مقرًا لـ"جمعية الدوار"، قبل أن يحوله الزلزال إلى أطلال. في البداية، تحديدًا قبل ثلاثة سنوات من جائحة "كورونا"؛…

  • منع مسيرات تضامنية مع فلسطين “دعم لجرائم الإبادة”

    🟠 منعت مسيرات احتجاجية ضد العدوان الإسرائيلي، تخليدا ليوم الأرض الفلسطيني، نهاية الأسبوع الماضي، من طرف قوات الأمن في عدد من المدن المغربية، ما خلف تنديدا واستنكارا واسعينِ من طرف المشاركين في تلك الاحتجاجات.

  • العاملات الفلاحيات هنّ الأكثر تضررا من التغيرات المناخية

    🔶تعاني الدول المغاربية منذ سنوات من الجفاف على مدار السنة ، ما فاقم نسبة الفقر عموما بهذه الدول وخاصة لدى النساء، وفقدت آلاف العاملات في مجال الفلاحة مورد رزقهن.