من منا لم يشجع فريقه المفضل حد الهوس؟، من منا لم يترجم عشقه الكروي على أرضية الميدان؟، فبين المدرجات، يقشعر البدن في الأجواء الاحتفالية الصاخبة ويرتاح بها الفؤاد، إنها متعة فريدة لا يعرفها إلا عشاق كرة القدم، حماس يستحيل لهتافات عالية أشبه ما تكون بالملحمة، وذلك سحر ذو طابع خاص، يشد إليه الذكور كما الإناث، على قدم المساواة.
إلا أن تنامي مظاهر التضييق ومصادرة حرية المرأة بمواقع التواصل الاجتماعي جعلت فئة عريضة من “الذكوريين” ينتقدون تواجد الفتيات والنساء وسط الجماهير الكروية، من خلال حملة إلكترونية، أطلقوها تحت شعار: “لا للنساء في المدرجات.. شد اختك في الدار”، وهي حملة ذاع صيتها في الآونة الأخيرة، وعم انتشارها في مختلف المجموعات والصفحات، رغم الانتقادات الواسعة التي طالتها من الأوساط الحقوقية المناهضة لجميع أوجه التمييز بين الجنسين.
في محاولة لفهم هذا الميز، ومحاولة احتكار مدرجات الملاعب؛ قامت “هنّ” باستقراء آراء شابات عاشقات لكرة القدم، حاضرات بقوة في مختلف التظاهرات الكروية، ليشجعنَ بكل ما أوتين من طاقة فرقهن المفضلة، وإن كانت المدرجات في بعض الأحيان مكانا محفوفا بالمخاطر، بسبب إمكانية تعرض النساء للمضايقات أو التحرش، أو بسبب أعمال الشغب.
اقتحمت الفتيات بشجاعة وإقدام فضاءً كان في الماضي القريب حكرا على الرجال، بُغيتَ الاستمتاع بمتعة المستديرة، وترجمةً لعشقهنَّ لها وسط الميدان وبين الجماهير، في تحد للصورة النمطية والنظرة المجتمعية التي تواجه النساء، وتأكيدًا منهن بأن الطموح والشغف لا يعرفان حدودًا أو تمييزًا.
ياسمين: “تجربة استثنائية إلى حد ما”
ياسمين، (35 سنة) من فاس، تروي لـ”هنّ” قصتها مع المدرجات قائلة: “كانت أول مرة أحضر فيها مباراة في حياتي سنة 2009، كنت صغيرة السن، أدرس في الثانوية التأهيلية، وكانت تجربتي في البداية متحفظة، حيث كنت أحاول أن أحمي نفسي قدر الإمكان من المضايقات، خصوصا مع ندرة تواجد النساء في الملاعب آنذاك، إلى أن نضجت أكثر واكتسبت ثقة أكبر بنفسي واستوعبت طبيعة الأجواء الكروية وما عدت أخشى شيئا، وبالفعل، لم يصبني أي مكروه طيلة مساري”.
وعن أول مباراة حضرتها وشاهدتها من المدرجات، تحكي ياسمين، والابتسامة تعلو محياها، أنها كانت تجربة ساحرة بجميع المقاييس، “يتعلق الأمر بنهائي دوري كأس العرش الذي جمع بين رشاد البرنوصي والجيش الملكي، كان الملعب ممتلئا عن آخره، وكانت الأجواء حماسية، أتذكر كيف أحسست بقشعريرة جميلة داخل الملعب، إنه إحساس جميل مختلف تماما عن إحساس متابعة المباريات عبر التلفاز”.
اختارت ياسمين تشجيع نادي المغرب الفاسي، بحكم أصولها المنحدرة من العاصمة العلمية، وعشقها لمهارات اللاعبين وتميزهم، “منذ 2009 استمريت بالتواجد في المدرجات لتشجيع فريقي المفضل، ولم تعد المشاهدة عن بعد تستهويني بالكيفية ذاتها، اللهم إن تابعت مباريات الدوري الأوروبي أو الإسباني، ومنذ 2010، بدأت أتنقل إلى مدن أخرى لمتابعة المباريات، وكانت هذه نقطة تحول كبير في مساري كمشجعة”، توضح.
“بسفري لحضور المباريات خارج فاس، بدأت أواجه مغامرات جديدة ومخاطر أكبر، خصوصا مع صغر سني، وجمعت أول مباراة أحضرها خارج مدينتي المغرب الفاسي بالنادي القنيطري، وبعدها توالت المباريات التي حضرتها، عشت محطات كثيرة لفريقي المفضل، أبرزها الثلاثية التاريخية التي حققها في ظرفية وجيزة، والتي تابعتها بتفاصيلها وحذافيرها، كل شهدت حصول الفريق على لقب كأس العرش في 2016، وأزمة السقوط للقسم الوطني الثاني، والتي على الرغم من حدوثها، واصلت التشجيع والسفر والحضور، وإن كان الجميع قد تخلى عن “الماص” في تلك الفترة، إلا أنه الآن يسير مرة أخرى نحو التفوق بأدائه المشرف في البطولة الاحترافية الحالية”، تسرد ياسمين.
واستحضرت ياسمين كذلك حضورها لـ”الديربي” بين الوداد والرجاء سنة 2010، وعدد من المباريات في البطولة، كما كانت لها فرصة حضور مباراة لبرشلونة في السعودية.
وتحدثت ياسمين عن تجربتها وسط الجماهير الكروية مقارنة بفتيات أخريات: “ما يميز تجربتي عن الأخريات أنها كانت قديمة واستثنائية إلى حد ما، فقد كنت من المشجعات الأوائل، الشيء الذي سهّل عليّ طريق اكتشاف خبايا الملعب منذ فترة من الزمن. كنت أجلس دائما مع الذكور، وكان ومازال يحترمني الجميع. لم يسبق لي أن تعرضت إلى مضايقة أو تحرش، وقد أنشأت علاقات جيدة مع أصدقائي القدامى واستمرت العلاقة إلى يومنا هذا”.
وتؤكد ياسمين على أن لها ذكريات جميلة في المدرجات، بفضل أصدقائها الذين يلتفون حولها وكأنهم يحمونها، كما يرافقونها إلى المنزل إذا تأخرت في عودتها بعد مشاهدة مباراة وحل الليل، “هم جميعا يعرفون أنني أحضر المباريات حبا في الكرة، وليس من أجل التباهي كما يفعل البعض، وهذا ما أكسبني احترامهم وتقديرهم”.
إبتسام.. المدرجات منذ الطفولة
ابتسام، (26 سنة) من الرباط، تتقاسم وياسمين نفس العشق، تقول لـ”هنّ” إن أول مرة ذهبتْ فيها إلى الملعب كانت مع والدتها في سن الـ6 سنوات، من أجل متابعة مباراة للجيش الملكي، “لا أتذكر الفرقة التي لعب الجيش ضدها آنذاك، لكنني أتذكر أنه كان ملعب مولاي عبد الله، المتواجد قرب المكان الذي كبرت وترعرعت فيه، وهو حي يعقوب المنصور، منشأ الألتراس العسكري’، كما أتذكر كذلك أن فريقنا فاز، وقد كانت فرحتي عارمة”.
وبعد سنوات، التحقت ابتسام بـ”‘الألتراس العسكري”، كانت تتابع جميع مباريات الجيش الملكي من الميدان، وتتذكر هذه الشابة جميع اللاعبين القدماء، كما تتذكر حالة الملعب في السابق، حيث كانت المدرجات إسمنتية دون كراسي، وكان المشجعون يجلبون معهم سجادات وحصائر ليفترشوها.
وتتابع ابتسام مباريات الجيش الملكي النسوي كذلك، وتحرص على حضور لقاءاتهنَّ المهمة.
وتحكي ابتسام لهذه المنصة، كيف أن وزارة الرياضة المغربية كانت تسمح للنساء ولوج الملاعب بالمجان في وقت سابق، وذلك بغرض تشجيعهنَّ على حضور المباريات الوطنية، وكانت تستفيد ابتسام من هذا الامتياز لمتابعة مبارياتها المفضلة، لكن سرعان ما تم إلغاء ذلك بعد أن كثر تواجد الإناث في المدرجات.
وبالإضافة إلى الجيش الملكي، تشجع ابتسام الوداد أيضا، وكذلك المنتخب، وتصر على حضور المباريات الهامة، “أحضر مباريات الوداد أيضا، خصوصا مقابلات ‘الديربي’، نفس الشيء بالنسبة لمباريات المنتخب، التي أصبحت تستقطب متفرجين من جميع الألوان، نساءً ورجالا، شبابا ويافعين، عائلات وأطفال… والأجواء في الملعب تكون حماسية واستثنائية”.
وتنفي ابتسام تعرضها للمضايقات أو التحرش في الملاعب، بل على العكس تماما، “أغلب الجماهير تأتي من أجل هدف واحد؛ هو الفرجة والتشجيع. لذا، كثيرا ما أُعامل بلطف، في مباريات الوداد أكون عموما في ‘زون 2’ التي يتواجد فيها نفس الأشخاص في الغالب، وهم يعرفونني ويحترمونني. إضافة إلى ذلك، أشهد في الملاعب نوعا من التضامن والتلاحم بين الحاضرين، خصوصا في شهر رمضان حيث يتقاسم الجميع طعام الإفطار مع بعضهم البعض”.
وفي المقابل، أبرزت ابتسام بامتعاض أن ما لا يروق لها في الملاعب عموما هي “المعاملة السيئة لبعض الشرطيات المكلفات بتفتيش المشجعات”، مشيرة إلى أن “التفتيش يتم في بعض الحالات بطريقة مهينة وسيئة”.
وما يزعج ابتسام كذلك هي النظرة التي يرى بها البعض الإناث المتتابعات للشأن الرياضي عامة والكروي خاصة، وهي نظرة يعلوها الاحتقار والاستهزاء في كثير من الأحيان، حيث يعتبرون أن الفتيات يفتعلن حب الرياضة “وهذا غير صحيح، شخصيا أحب الرياضة منذ صغري، وكرة القدم تعطي الإنسان إحساسا فريدا وجميلا، سواء كان رجلا أو امرأة، وسواء مارسها أو تابعها، وهذا ما يجعل هذه الرياضة عالمية”، حسب قولها.
سولاف.. كرة القدم حمالة للمشاعر
سولاف، (16 سنة)، تسرد في حديثها لـ”هنّ” كيف تعلق قلبها بكرة القدم، وكيف أصبحت تعشق التواجد بالملاعب، “لم أكن أتابع كرة القدم في صغري كثيرا ولم أهتم قط بها، إلا إذا تعلق الأمر بمباريات المنتخب الحاسمة والمصيرية، إلى أن جاءت اللحظة التي أكتشف فيها هذا العالم سنة 2020، في فترة الحجر الصحي جراء انتشار جائحة كورونا، كنت عندها أقبع مع عائلتي وأبناء خالتي في منزل واحد، وكنت ألاحظ أنهم شغوفون بلعب لعبة ‘فيفا’ الإلكترونية، فتعلمتها بسرعة، وبعدها تكون لدي اهتمام صغير لمعرفة عالم الكرة، تطور بعد ذلك إلى عشق وتعلق”.
وتتذكر سولاف أول مباراة شاهدتها من الملعب، والتي كانت للمنتخب المغربي مع نظيره الكنغولي سنة 2022، “كنت فرحة للغاية بحضور هذه المباراة، وأحببت كثيرا الأجواء في المدرجات، كما أحببت التشجيعات وهتافات الجماهير، المشاعر التي أحسست بها آنذاك لم أحس بها أبدا من قبل، كانت فعلا تجربة مميزة”.
ولتعلقها بنادي الوداد الرياضي، كانت سولاف متحمسة لحضور مباراة له مع نادي الأهلي المصري في تصفيات كأس إفريقيا للأندية، إلا أنها قدمت متأخرة ولم تتمكن من دخول الملعب، وتقول أن تلك “كانت المرة الأولى التي ذهبت فيها لمتابعة مباراة للوداد من الملعب لكنني لم أفلح في الدخول، بكيت يومها بحرقة، وعدت أدراجي لأتابع المباراة في المقهى مع رفاقي، لكن سرعان مع انقلبت أحزاني إلى فرحة بالنتيجة، لقد فاز الوداد، وقد كانت مباراة استثنائية”.
وبعد هذه الواقعة، دأبت سولاف على حضور عدد من المباريات من المدرجات، في الدار البيضاء وخارجها، فزاد ولعها بكرة القدم أكثر فأكثر.
وتنتقد سولاف الصورة النمطية التي تلاحق الفتيات اللواتي يعشقن كرة القدم، إذ تؤكد لـ”هنَّ” أنها تعرف فتيات “يعتقدن أن محبات كرة القدم لا يقمن بهذا إلا من أجل لفت انتباه الذكور، أما الفتيان، فيتنمرون، ويطرحون علينا أسئلة محرجة حول معنى التسلل أو أسماء اللاعبين في الفرق… بصراحة، أنا لا تهمني مثل هذه الملاحظات، وسأظل رغما عن هؤلاء أتابع كرة القدم، وسأورث عشقي لها لأبنائي عندما أكبر”.
وتطمح سولاف في المستقبل حضور مباريات عالمية كبرى لفرق ومنتخبات مميزة، “أحلم بحضور مباريات المنتخب البرازيلي في بلده، ومباريات ريال مدريد، ومتابعة مباريات ‘الكلاسيكو’ من الميدان، ومباريات ‘البايرن’… كما أحلم بالتعرف على فرق جديدة صاعدة من مختلف بلدان العالم، والوقوف عند ثقافتها الكروية”.
وعلى الرغم من حبها لريال مدريد، يبقى ميسي أفضل لاعب بالنسبة لسولاف، وتقول عنه أنه “لاعب ساحر وموهوب، وبالنسبة لي هو يبقى الأفضل في الفترة الحالية”.
“رفض حضور النساء في الملاعب انتكاسة حقوقية”
في سياق حملات رفض تواجد النساء في المدرجات، قالت إيمان غانمي، الناشطة النسوية ورئيسة “منظمة المرأة العاملة والمقاولة بالمغرب”، إن هذه الحملات “لقيت موجة من الاستنكار في مختلف الأوساط المجتمعية وخاصة الحقوقية منها، حيث تُصوّر حضور النساء بالملاعب على أنه سلوك غير مقبول، بل وتستخدم ضدهن أساليب تشويهية وتحريضية”.
وأفادت، في تصريحها لمنصة “هنّ”، أن هذه الحملة “ساهمت في تفشي رسائل سلبية وانتقادات لاذعة على وسائل التواصل الاجتماعي، إلى جانب تصاعد المضايقات اللفظية والجسدية التي تتعرض لها النساء في الملاعب، ما يثير القلق حول حقوق النساء في المشاركة بحرية في الحياة الرياضية، ويعيد طرح قضايا أمان النساء في الأماكن العامة، وضرورة حمايتهنَّ من أي شكل من أشكال العنف أو التمييز”.
“يصبح من الضروري اتخاذ موقف حاسم للدفاع عن حق النساء في حضور الأنشطة الرياضية دون خوف، وضمان بيئة آمنة ومحترمة في الملاعب تتيح للمشجعات متابعة شغفهنَّ بالرياضة دون أي مضايقات”، تضيف غانمي.
وعبرت الناشطة النسوية عن قلقها البالغ إزاء الحملة التي تستهدف المشجعات والنساء اللواتي يحضرن المباريات الكروية من المدرجات بالمغرب، مؤكدة على أن هذه الهجمة “لا تمثل فقط انتهاكًا لحقوق المرأة في المشاركة المجتمعية والرياضية، بل تثير الحاجة إلى نقاش جاد حول مسؤولية المجتمع ومؤسساته في ضمان بيئة آمنة وشاملة للجميع”.
وأكدت على أهمية “تعزيز الحماية الأمنية في الملاعب وتوفير الظروف الملائمة التي تضمن لكل مشجعة حقها في حضور المباريات دون خوف من التعرض للمضايقات أو العنف أو التحرش”.
“يجب أن تكون الملاعب الرياضية فضاءً آمنًا ومرحبًا بالجميع، وأن تتخذ التدابير اللازمة، بما في ذلك زيادة التوعية المجتمعية ووضع آليات واضحة للحد من أي تجاوزات”، توضح الناشطة.
وزادت “إن تمكين النساء من ممارسة حقهن في تشجيع الرياضة والحضور بالملاعب يتطلب التزامًا واضحًا من السلطات الرياضية والمؤسسات الأمنية والمجتمع ككل؛ بحيث يصبح الملعب مكانًا يعزز روح الانتماء والمساواة بين الجنسين، ويجسد قيم الاحترام المتبادل”.
وسجلت أن تقييم وتحليل هذه الظاهرة “يتطلب تبني مقاربة سايكو-سوسيولوجية لتطوير البنيات الثقافية والمؤسسية والحقوقية الحداثية بالمغرب، بعد التراكم الذي تعرفه البلاد بفضل جهود تكريس المساواة بين الجنسين ودعم حقوق المرأة وتعزيز حضورها في مختلف المجالات”.
ومع ذلك، ترى غانمي أن بعض الفئات في المجتمع غير قادرة على استيعاب هذا التحول، وهو “ما يظهر في سلوكيات عدوانية أو مناهضة لوجود النساء في أماكن لم يكن تواجدهنَّ فيها شائعًا في الماضي”، مشيرةً إلى أن هذه السلوكيات “تترجم صراعًا داخليًا يعكس بُعدًا نفسيًا واجتماعيًا عند بعض الأفراد، ممزوجًا بنظرة تقليدية تُصعّب عليهم التكيف مع التغيرات الاجتماعية السريعة”.
واعتبرت أن هذا السلوك التمييزي في الملاعب “يشكل تراجعا واضحا عن المبادئ الثقافية والقيمية التي ترسخت في المغرب عبر التاريخ، حيث كانت المرأة المغربية حاضرة دائمًا في المسارح ودور السينما والحفلات، وساهمت جنبًا إلى جنب مع الرجل في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للمملكة منذ الاستقلال. وقد أثبتت المرأة المغربية كفاءتها في عدة مجالات، مثل الطب والتعليم والمحاماة والأعمال، مما يثير التساؤل عن أسباب هذه العودة إلى الأساليب المتخلفة في التعامل معها عند حضورها للملاعب، والتي تعكس نقصًا في التربية على المواطنة والمساواة”.
وشددت على “ضرورة بلورة سياسات عامة تناهض هذه السلوكيات غير السوية تجاه النساء في الملاعب، والتي لا تتماشى مع ما يكفله القانون من حقوق للمرأة”، معتبرةً أنها “تسيء للمجتمع بأسره ولقيم ‘تمغربيت’ التي تكرم المرأة وتحفظ لها مكانتها في الأسرة والمجتمع”.
كما ترى أن هذه السلوكيات تمثل “تراجعًا مؤسفًا عن التطورات الإيجابية التي عرفها المغرب، وتثير الحاجة الملحة لمعالجتها من جذورها”.
وكحلول لمواجهة الظاهرة، تقترح غانمي “إطلاق حملات إعلامية وتثقيفية لترسيخ ثقافة الاحترام والمساواة، سواء عبر الإعلام التقليدي أو الوسائط التواصلية، وتطوير مناهج التعليم بما يعزز قيم المواطنة واحترام المرأة، وتكثيف دورات التوعية في المؤسسات الحزبية والنقابية والمجتمع المدني، بالإضافة إلى تفعيل وتطبيق العقوبات القانونية ضد المتحرشين في الأماكن العامة، بما فيها الملاعب، لضمان حماية حقوق المشجعات، ثم تعزيز حمايتهن من خلال مقاربة أمنية مشددة”.
وختمت تصريحها بالقول: “إن التصدي لهذه الظاهرة المشينة هو مسؤولية مشتركة بين جميع مكونات المجتمع، من أجل تنقية الأجواء وضمان بيئة رياضية مشجعة ومرحبة. ومع استعداد المغرب لتنظيم ملتقيات رياضية قارية وعالمية، فإن الالتزام بحماية حقوق المشجعات يعكس تطلع المملكة للريادة في مجال الرياضة وقيم التسامح والمساواة التي يعتز بها المجتمع المغربي”.
“سلوك ضار يمس حق المرأة الأساسي في التواجد بالفضاء العام”
تفاعلا مع حملة “لا للنساء في المدرجات”، خرجت عدد من الجمعيات النسائية لاستنكار هذه السلوكات التي اعتبرتها “مساسا بالحقوق والحريات الأساسية للمرأة في التواجد في الفضاء العام”، من بينها “جمعية التحدي للمساواة والمواطنة”، التي اعتبرت أنها “حملة كراهية وتمييز، تمارس من طرف نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي ضد النساء”.
الجمعية، وفي بلاغ اطلعت عليه “هنَّ”، حذرت من “الأثر السلبي لمثل هذه الحملات على حضور المرأة في الفضاءات العامة وعلى الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في المغرب”، كما أبدت قلقها إزاء “عدم اتخاذ مؤسسات الدولة إجراءات حازمة تجاه هذه الممارسات الضارة”.
وأشارت الجمعية إلى أن هذه السلوكات “تهدد بزيادة التمييز ضد النساء، كما تؤثر سلبا على صورة المغرب في الساحة الدولية، وذلك بسبب العقلية الذكورية المتجذرة لدى بعض الأفراد”.
وأكدت الجمعية أن بروز هذه الحملات بشكل متكرر “يعكس ضعف الجهود التوعوية والتحسيسية لدى مؤسسات الدولة المعنية بصون كرامة المرأة وحقوقها”، كما أن “عدم مجابهة الأسباب الحقيقية لبروز هذه الحملات، يؤكد على سيادة و استفحال (العقلية الذكورية) لدى شريحة ملحوظة من المواطنين، الذين لم يستوعبوا أهمية حضور المرأة كفاعلة أساسية في النسيج المجتمعي”.
وخلصت الجمعية في بلاغها إلى أن هذه الحملة “تنطوي على أفعال تمييزية ضد المرأة بسبب جنسها، وهو الأمر المجرم على مستوى اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)”، مشيرةً إلى أن هذه السلوكات “تتعارض مع الدستور المغربي لسنة 2011، والقانون 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، وبمقتضياتٍ أخرى متفرقة بالقانون الجنائي المغربي”.