مغربيات ضد فرض الزواج: “الزواج ليس ضرورة بل اختيار” 

“مسكينة ممزوجاش”، جملة تختزل كينونة المرأة في بيت الزوجية، وتبخس قيمة أكثر من ثلاثين سنة من المثابرة، والدراسة من أجل إثبات الذات وتأمين المستقبل.

“مسكينة، هي كلمة قدحية تعاني منها الكثير من الفتيات”، كما تعتبر لبنى، التي تشغل منصبًا مهمًا في مؤسسة عمومية، وتبلغ من العمر 46 سنة، غير متزوجة.

“لا أشعر بأي نقص” 

“من حسن حظي أنني أعيش وسط أسرة متعلمة ولا أعاني من ضغط الزواج بأول رجل يطرق بابنا، لكنني أختنق من تدخل العائلة الكبيرة، والجيران، وبعض من زملائي في العمل.. ممن يؤمنون بأن الزوج غاية أساسية في الحياة”، تقول لبنى في حديث مع “هنَّ”.

وبنبرة تحدي، تعبر لبنى، عن فرض قراراتها على الجميع: “عدم الزواج حتى بلوغي هذا العمر هو خيار شخصي، طموحي أكبر من زوج لا يشعرني بكينونتي، وآدميتي كإنسانة قبل أن أكون أنثى.. لا أتصور أن يجمعني بيت واحد مع رجل لا نتقاسم معًا الثقافة نفسها، والمستوى العلمي نفسه، والمواقف نفسها..، صعب جدًا التأقلم مع زوج لا تجمعني معه نفس الهموم”.

وعن مدى إصرارها على موقفها رغم اقترابها من سن الخمسين، أجابت بضحكة قوية: “نعم تجاوزت الأربعين وعلى أبواب الخمسين، امتلكت المنزل، والسيارة، ورصيدًا في البنك، وعلاقات محترمة، ومكانة مجتمعية مهمة.. أسافر كما يحلو لي، وأتقاسم حياتي مع والدي وإخوتي، وأصدقائي.. ولا أشعر بأي نقص في عدم وجود رجل في حياتي، فلماذا هذا الإصرار من المجتمع على ضرورة بناء الأسرة؟”.

طموحي أكبر من قفص الزوجية 

بدورها، ترى مروة، التي تبلغ من العمر 23 سنة، أن طموحها أكبر من الدخول في “قفص الزوجية” الذي يشكل أولوية لوالدتها وجدتها. تقول في حديثها مع “هنَّ”: “لا أريد الزواج، على الأقل في هذا العمر. الآن طموحي أن أنهي دراستي في الماجستير، ولم لا الدكتوراه، ثم البحث عن عمل يليق بي.. بعدها قد أفكر في الزواج إذا وجدت من يستحقني”.

وأضافت: “الحمد لله والدي مهتم بمستقبلي واستقلالي المادي أولًا، وبالتالي لا يهم ضغط والدتي التي تحاول إحراجي بالحديث عن عروض الزواج من أبناء العائلة”.

وبنبرة خافتة، زادت: “لا أرى نفسي في بيت، أكنس، وأطبخ، وأربي أطفالًا… حتى فكرة الحمل بعيدة عن ذهني، حتى لو تزوجت بعد إتمام دراستي، سأقترح تبني طفل يتعدى عمره ثلاث سنوات، لكي لا يعذبني في تربيته”.

بين الموروث المجتمعي وفرض الذات

رغم أن بعض الفتيات لا زلن يخضعن لأفكار موروثة في المجتمع، خصوصًا غير المتمدرسات واللواتي يعانين من الفقر، فإن الأغلبية، ومن جميع الأعمار، لم تعد غايتهم الأساسية في الحياة هي الارتماء في حضن زوج.

وفي حديث خصت به فاطمة، منصة “هنَّ”، قالت أنها منذ منذ بلوغ الثلاثين من العمر “وحصولي على عمل، كان هم والدتي هو تزويجي لكي تكمل رسالتها حسب قناعاتها. كم عانيت من نظرة نساء العائلة في أي مناسبة جمعتنا، يشعرنني بالدونية لأنني غير متزوجة. وكان من المفترض أن أتزوج كأخريات العائلة، وقد يفوتني قطار الإنجاب. لدرجة صرت أتجنب حضور المناسبات لتفادي هذه الكلمات التي صارت تتعبني نفسيًا”.

وأضافت: “ضغط والدتي وعائلتي القريبة دفعني للزواج من قريب لي، لم أمنح نفسي فرصة التعرف عليه، لأجدني بعد سنة فقط قد غيرت صفة العازبة إلى مطلقة.. ورغم ذلك لا زلت أتلقى نفس الضغوط لإعادة التجربة، دون الالتفات إليهم. اليوم صرت واعية بضرورة اختيار الزوج المناسب، أو الاستمرار في هذه الحياة بدون ‘رجل’”.

ضغط بعض الأسر على الفتاة للزواج هو اختزال لها في وعاء الإنجاب، لكن الواقع أن المرأة أصبحت تفكر في إثبات الذات والاستقلال المادي أولًا وأخيرًا.

الزواج ليس ضروريا بل اختيار

بشرى المرابطي، الأخصائية النفسية والباحثة في علم النفس الاجتماعي، تؤكد أن الضغط الأسري على الفتاة من أجل الزواج يختلف باختلاف الطبقات والمستويات الثقافية والاجتماعية.

“حاليًا، التوجه السائد، وخاصة في الطبقة المتوسطة والمتعلمة، يتمثل أولًا في تحقيق الفتاة لذاتها. بل أراه التوجه الذي يطغى في مجموعات التواصل الاجتماعي حيث صار الحديث عن تحقيق الذات عاليًا جدًا، لدرجة أعتقد أنه قد يؤدي إلى أوضاع غير متوازنة، رغم أنني أعتبره مسألة طبيعية لأننا في مرحلة انتقالية”، تشدد المرابطي في تصريح لمنصة “هنَّ”: 

وأضافت: “النقاشات النسائية في مجموعات التواصل الاجتماعي تتجه نحو كون السعادة تأتي من الذات وليس من الآخر. لكن من الممكن أن يستمر هذا الأمر لتحقيق اللاتوازن، وهو أمر عادي لأنه يأتي ردًا على الهيمنة الذكورية التي كانت سائدة في الماضي حين كان المجتمع يفرض على الفتيات منذ صغرهن أن المرأة للزواج فقط”.

وتابعت: “من أجل تجاوز تلك الحمولات الثقافية وخلق التوازن الأسري، أقترح تعزيز المستوى التعليمي للشباب بشكل عام، وتعزيز دور الإعلام لتوعية المجتمع. يجب أن تتراجع فكرة أن الزواج هو ضمان استقرار المرأة، كما كانت في العصور الماضية. مع تنامي المستوى التعليمي واتساع قاعدة تعلم الفتيات في المغرب، خاصة في العقدين الماضيين، إضافة إلى تقلد المرأة لمناصب المسؤولية، باتت هناك ثقافة جديدة مفادها أن استقرار الفتاة يتحقق من خلال تعليمها واستقلالها المادي. حتى أن العديد من البرامج باتت تؤكد أن سعادة الفتاة تأتي من داخلها، ومن تحقيق ذاتها، وليس من اعتمادها على شخص آخر”.

رفض الزواج: “ثقافة مهيمنة في الأوساط المتعلمة والميسورة” 

الأخصائية النفسية ترى أن ثقافة رفض الزواج أصبحت مهيمنة في أوساط الشابات، خاصة في الأسر المتعلمة والمثقفة، “في ملاحظاتي اليومية أجد أن الفكرة تتسع يومًا بعد يوم، لدرجة أن لهفة الآباء على تدريس أبنائهم أصبحت مهيمنة، بل صاروا يراهنون على فتياتهم كما يراهنون على أولادهم في تحقيق مسار تعليمي ومهني مميزين. فكرة الزواج كسبيل لاستقرار الفتاة تراجعت في المدن الكبرى، خصوصًا في الفئات المتوسطة والمتعلمة، وبدأت تتسع أيضًا في المدن الصغيرة، بل لها تأثير حتى في بعض البوادي، بالرغم من محدودية الثقافة والدخل”.

وأفادت بأن “الرهانات المستقبلية تتجه نحو التعليم أساسًا، فكلما ارتفع المستوى التعليمي، وكلما تطور الإعلام المسؤول، تراجعت فكرة الزواج للاستقرار على حساب التعليم. إنه مسار تطوري سبقته العديد من الدول المتقدمة التي كانت تشترك معنا في هذه الثقافة الذكورية، مقابل تهميش المرأة. نحن الآن في مرحلة التحاقنا بهذه الدول مع الحفاظ على خصوصيتنا الثقافية المغربية، أي أن الرهان على تعليم الفتيات واستقلالهن وسعادتهن الفردية لا يتعارض مع الزواج، ولكن لا يمكن اعتبار الزواج شرطًا أساسيًا لتحقيق الأمان”.

ضغط الأسر: “مس بالكرامة” 

من جانبها، أكدت ليلى أميلي، رئيسة جمعية “أيادي حرة”، في تصريح لمنصة “هنَّ” على ضرورة استيعاب ماهية مؤسسة الزواج، وأن الضغط الذي تمارسه بعض الأسر على بناتهن للزواج يشكل مسًا بكرامتهن، “حيث يُعامَلن؛ مهما بلغ مستوى دراستهن أو استطاعتهن تأمين مستقبلهن؛ وكأنهن عبء على الأسرة. في حين ترى الأسر المعوزة في الزواج مخرجًا للفتيات من حالة الفقر والهشاشة”.

وأضافت أميلي أن العديد من الأسر “تُجبر بناتها على الزواج، بغض النظر عن مستواهن الثقافي، بل إن بعض الآباء والإخوة يفرضون الزواج على بناتهم، وعند رفضهن يتعرضن للضغط الشديد”.

وأكدت على أن رفضهن يواجه بالقول: “هل تردن أن تبقين في الأزقة؟… ماذا تريدين، أن تذهبين للدراسة في الكلية؟”. 

وبهذا، يصبح الزواج في مخيلة بعض الأسر، حسب الفاعلة المجتمعية: “وسيلة لحماية الفتاة، وكأنها بدون زواج ستكون عرضة للانحراف والعار، وهو مفهوم خطير يجب أن يتم العمل على تغييره”.

وأوضحت المتحدثة أن من أبرز مطالب الحركات النسائية هو “تعزيز تعليم الأبناء وتوعية الأسر بأن المستقبل يعتمد على تعليم الأبناء وتوجيههم نحو الأفضل. وهذا يتطلب تدخل الجميع في هذا المجال من خلال كل موقع يمكنهم فيه التأثير”.

ومن جانب آخر، تطرقت ليلى أميلي إلى مشكلة هيمنة فكرة إنهاء الفتاة لدراستها بعد حصولها على شهادة الباكالوريا، خصوصًا في المناطق القروية والجبيلية والنائية؛ “وفي هذه المناطق، غالبًا ما تجبر الفتيات على اختيار الزواج كبديل للجلوس في المنزل، وهو ما يضر بمستقبلهن”.

وأكدت على ضرورة حماية هذه الفئة من الفتيات، ومساعدتهن، خاصة اللواتي يطمحن في مواصلة دراستهن وتحقيق ذواتهن.

وخلصت إلى أهمية “توعية الأسر والفتيات بأن مؤسسة الزواج هي اختيار، وليست ضرورة”، مشددة على أن فكرة “إنقاذ الفتاة من العنوسة أو تسميتها بـ’البايرة’ هي أفكار مغلوطة، فرفض الفتاة للزواج يعني ببساطة أنها لم تجد الشخص المناسب لها، أو هو اختيار شخصي”.

وبناءً على ذلك، شددت على ضرورة “زيادة الوعي الاجتماعي بهذا الموضوع، لأن المرأة، مثل الرجل، لها الحق في الزواج أو في رفض الخضوع للأفكار التقليدية، وأن الاستقلال عن هذه الأفكار سيحمي الأسر من الانهيار بسبب الاختيارات غير الموفقة”.

اقرأ أيضا

  • “الحوريات”: بين نجاح كمال داود وصوت سعادة عربان المسلوب

    تحمل باقة من الورد، هادئة وعيناها غارقتان بالدموع. لم تستطع النطق بكلمة واحدة عندما طلبتُ منها تصريحًا حول والدتها، وزيرة الصحة الراحلة زهية شنتوف منتوري، خلال تكريم أقيم في مايو الماضي على شرفها بعد وفاتها عام 2022. شعرتُ بالاستغراب، لكنه تبدد تمامًا عندما سمعت صوتها. بصعوبة بالغة تمكنتُ من فك جملها لفهم ما تقول. فضّلت…

    ماجدة زوين|

  • بدون إذن الأب.. المغرب يمنح الأم حق استصدار جواز سفر الأبناء

    بالتزامن مع النقاش الدائر حول تعديلات مدونة الأسرة، أصدرت وزارة الداخلية المغربية دوريةً عممتها على عدد من القنصليات المغربية في الخارج، وأعلنتها قنصليتَا المغرب في نيويورك ومدريد، تمكن المغربيات من استخراج أو تجديد جواز السفر لفائدة أبنائهن القاصرين دون موافقة قبلية من الأب. "المرأة المغربية أصبح لها الحق في إنجاز أو تجديد أو سحب جوازات…

    Hounna | هنّ|

  • اللاإنجابية.. نساء يتمردن على غريزة الأمومة في مواجهة مع المجتمع

    "لا أتصور نفسي صحبة رضيع طوال الوقت، أتكلف بكل تفاصيل يومه، جهد كبير جدا لا أجدني مستعدة له، بل لست على استعداد لأحمل ثقلا لتسعة أشهر، وأشتغل، وأسافر… لدي طموح أكبر من إنجاب أطفال أهديهم حياتي التي بنيتها بعناء، وجهد"، هكذا بدأت أسماء تفسر قرارها في ما بات يعرف بـ"اللاإنجابية"، وهو قرارٌ طوعي بعدم إنجاء…

    سناء كريم|

  • “زوج مع وقف المسؤولية”.. هروب الزوج جحيم تعيشه النساء في المغرب 

    "لم أبحث عن زوجي الذي فر هاربا من مسؤولية طفلين صغيرين، ووالدته المريضة بالسكري، لا وقت لي لذلك، فقد انشغلت بالبحث عن قوت يومي لهذه الأفواه المفتوحة، وعن ثمن كراء البيت الذي يأوينا مخافة طردنا منه، ولادي لي مقسحين، أحيانا لا أستطيع أن أوفر لهم أي طعام طيلة اليوم، يبكون منحرقة الجوع، فأشعر بالعجز أمام…

    سناء كريم|

  • الفيديوهات

  • “لم نتوصل بالدعم”..نساء الحوز يكشفن الوجه الآخر لإهمال ضحايا الزلزال

    يبدو أن بلدة مولاي إبراهيم بإقليم الحوز، جنوب مدينة مراكش، لن تتعافى قريبا من تبعات الزلزال الذي بعثر سبل العيش هناك، خاصة أن أغلب سكان البلدة كانوا يعيشون على نشاط السياحة الداخلية التي يجلبها ضريح مولاي إبراهيم، فالتجارة والإيواء وخدمات أخرى توفرها الساكنة، خاصة نسائها، توقفت اليوم بشكل كلي، ولا أمل يلوح في الأفق لعودة…

  • محاكمة عسكرية للمعارضة التونسية شيماء عيسى

    لم تغلق المحكمة العسكرية بعد، ملف محاكمة شيماء عيسى، المعارضة التونسية والقيادية في جبهة الخلاص الوطني، فقد تم تأجيل جلسة، محاكمتها إلى 10 أكتوبر، القادم.

  • ختان البنات موروث ملطخ بالدم

    تنتشر ظاهرة ختان الإناث بصورة كبيرة في عموم مناطق موريتانيا، إذ تحتل البلاد المرتبة الثامنة عالمياً. ويعتبر ختان البنات موروثاً وتقليداً في المجتمع الموريتاني ويهدف إلى المحافظة على عذرية البنات و"تهذيب شهوتهن" الجنسية، وفقا للمدافعين عنه بينما تشجب فئات اجتماعة أخرى في البلاد هذه الظاهرة.

  • فاطنة بنت الحسين.. أسطورة العيطة وأيقونة الفن الشعبي في المغرب

    ولدت فاطنة بنت الحسين في منتصف الثلاثينات بمنطقة سيدي بنور، التابعة لدكالة، من عائلة قروية محافظة رفضت ولوجها مجال الغناء، نظرا للسمعة السيئة التي كانت ملتصقة بـ"الشيخة" وقتها. انتقلت فاطنة إلى مدينة اليوسفية، وهناك انضمت إلى فرقة "الشيخ المحجوب"، وزوجته "الشيخة العبدية"، لتحصد شهرة واسعة وصل مداها إلى مدينة آسفي، معقل "العيطة الحصباوية"، وبعدها مدينة…

  • ناسجات الحياة.. نساء بالحوز ينسجن الزرابي بين أنقاض الزلزال

    بالقرب من مركز جماعة أسني بإقليم الحوز، اجتمعت أربع نسوة بدوار "أسلدا" ينسجن الزرابي، بحثا عن مورد رزق، في كوخ من القصب ومغطى بالبلاستيك وورق التعليب، بعد أن دمر الزلزال المكان الذي كن يشتغلن فيه، والذي كان مقرًا لـ"جمعية الدوار"، قبل أن يحوله الزلزال إلى أطلال. في البداية، تحديدًا قبل ثلاثة سنوات من جائحة "كورونا"؛…

  • منع مسيرات تضامنية مع فلسطين “دعم لجرائم الإبادة”

    🟠 منعت مسيرات احتجاجية ضد العدوان الإسرائيلي، تخليدا ليوم الأرض الفلسطيني، نهاية الأسبوع الماضي، من طرف قوات الأمن في عدد من المدن المغربية، ما خلف تنديدا واستنكارا واسعينِ من طرف المشاركين في تلك الاحتجاجات.

  • العاملات الفلاحيات هنّ الأكثر تضررا من التغيرات المناخية

    🔶تعاني الدول المغاربية منذ سنوات من الجفاف على مدار السنة ، ما فاقم نسبة الفقر عموما بهذه الدول وخاصة لدى النساء، وفقدت آلاف العاملات في مجال الفلاحة مورد رزقهن.