لم يستطع الرفض المجتمعي ولا تحركات المعارضة البرلمانية، ولا جبهة الدفاع عن ممارسة حق الإضراب، التي تضم 18 هيئة نقابية وحزبية، مقاومة تمرير مشروع قانون رقم 97.15 المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب.
ف في جلسة عمومية بمجلس النواب، تم التصويت على هذا القانون يوم الثلاثاء 24 ديسمبر 2024 بالأغلبية، رغم الجدل المجتمعي الواسع والاختلافات بين مكونات الحكومة والمعارضة داخل المجلس.
وتم تمرير هذا المشروع رغم الاعتراضات من النقابات وعدد من نواب الأمة، رغم تساؤل البعض عما إذا كانت الحكومة تهدف إلى “فرملة” تحركات المضربين في القطاعات التي تعاني من مشاكل إدارية وقانونية، مثل قطاعات التعليم والصحة والقطاعات الاجتماعية.
وبدلًا من تنظيم هذا الحق الدستوري وحماية المحتجين، يعمد هذا القانون إلى سن فصول قانونية من شأنها أن تزيد من معاناتهم.
مقاربة ضيقة لمعالجة حق أساسي دستوري تنص عليه المواثيق الدولية
فاطمة التامني، النائبة البرلمانية عن “حزب فدرالية اليسار الديمقراطي”، أكدت في تصريح لمنصة “هنَّ” أن هذا القانون “يعكس مقاربة ضيقة في معالجة حق دستوري أساسي، وهو حق الإضراب الذي تحميه المواثيق الدولية. وأضافت أن القانون يقيد الأجيرات والأجراء بشروط تعجيزية وإجراءات إدارية معقدة”.
وأشارت التامني إلى أن “الإضراب حق دستوري، وهو الملاذ الأخير الذي تلجأ إليه الشغيلة للدفاع عن حقوقها المهدورة، وكان من المفترض أن يحمي قانون الإضراب هذه الفئة لانتزاع حقوقها وفق مقاربة حقوقية عادلة”.
وشددت على أن هذا القانون “لا يتماشى مع العديد من الاتفاقيات الدولية مثل اتفاقية 87 التي تنص على حرية العمل النقابي، والتي رغم عدم مصادقة المغرب عليها، إلا أنه ملزم بتطبيقها”.
وأضافت أن القانون “يتجاهل حقوق الشغيلة ويزيد في تضييق الخناق عليها”، مشيرة إلى أن الفصل 288 من القانون الجنائي، الذي يعاقب بالإعدام أو السجن في حال ممارسة الإضراب، لم يُحذف.
كما أكدت على أن الحكومة تستهدف بشكل غير مباشر مصالح اللوبيات وأرباب العمل على حساب الطبقة العاملة.
قانون يضاعف معاناة الأجيرات والعاملات
تُعاني الأجيرات والعاملات ضعف معاناة الأجراء بشكل عام، خاصة في القطاعات غير المهيكلة مثل المصانع الصغيرة وقطاع النسيج والخياطة. حيث تعمل النساء بأجور زهيدة في ظروف قاسية، دون تغطية صحية أو قانونية. كما أن العديد من العاملات في القطاع القروي لا يتمتعن بأي تغطية صحية، حيث وصلت النسبة إلى 98.8 بالمائة، بينما بلغت 53.3 بالمائة في المناطق الحضرية، بحسب تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.
وأوضحت التامني أن الأجيرات يعانين من بطالة مرتفعة، حيث تشير الإحصائيات إلى أن البطالة في صفوف النساء الحاصلات على شهادات تتجاوز ضعف المعدل عند الرجال. كما أن 78.9 بالمائة من النساء العاملات في قطاع النسيج لم يحصلن على عطلة ولادة مؤدى عنها، وأغلبهن يعملن بدون تأمين صحي أو حقوق قانونية كافية.
ضرب ممنهج للحريات النقابية وتراجع عن المكتسبات
ترى فاطمة زوكاغ، المستشارة البرلمانية عن “الكونفدرالية الديمقراطية للشغل”، أن هذا المشروع يعكس “ضربا ممنهجا للحريات النقابية” ويزيد في التضييق على العمال.
واعتبرت أن مشروع القانون “يتعارض مع حقوق العمال ويشجع على التضييق على حق الإضراب”، مؤكدة على أن هذا القانون “سيؤدي إلى تراجع حاد عن المكتسبات التي تحققت لصالح الشغيلة في المغرب، خاصة في ظل ظروف اقتصادية واجتماعية صعبة”.
وأضافت زوكاغ أن النقابات “ستواصل نضالها ضد هذا القانون عبر تنظيم وقفات احتجاجية ومسيرات في مختلف المدن، مستنكرة في الوقت نفسه تفشي التضارب بين مصالح الحكومة واللوبيات”.
ضرورة وضع آليات تفاوضية تضمن الحقوق
خديجة الزومي، النائبة البرلمانية عن حزب “الاستقلال”، أكدت على ضرورة” التوازن بين حقوق الشغيلة وأرباب العمل”، مشددة على أهمية “وضع آليات تفاوضية تضمن الحقوق الأساسية لجميع الأطراف”.
وأشارت النائبة إلى أن دستور 2011 “نص على ضرورة تنظيم حق الإضراب، لكنه في الوقت ذاته يجب أن يكون قانونًا يحمي العمال من الظلم ويُسهّل ممارسة هذا الحق في الظروف الصعبة”.
أكثر من 11 ألف احتجاج في 2023
تجاوز عدد التجمعات والاحتجاجات في المغرب أكثر من 11 ألف تظاهرة في 2023، مما يعكس استمرار “الثقافة المطلبية” في البلاد.
ووفقًا للتقرير السنوي للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، شهدت العديد من المدن احتجاجات للموظفين في مختلف القطاعات، أبرزها قطاع التعليم والصحة، حيث شل الإضراب العديد من الخدمات العامة.
تعارضٌ مع حقوق الإنسان في الإضراب
أكد المجلس الوطني لحقوق الإنسان على ضرورة احترام الحريات النقابية وحماية حق الإضراب، داعيا إلى “حذف العقوبات الجنائية في حال ممارسة الإضراب السلمي”، ومؤكدًا على أن “فرض مثل هذه العقوبات يتعارض مع الحقوق الأساسية للإنسان”. كما شدد على ضرورة “تقنين الإضراب بآليات تحترم حرية العمل لكل الأفراد، دون فرض عقوبات غير متناسبة على الأجراء المضربين”.
وفي المحصلة، يبقى مشروع قانون الإضراب موضوع جدل واسع بين الحكومة والنقابات، وبينهما والعمال، حيث يراه البعض “تهديدًا لحقوق العمال”، وخاصة الأجيرات والعاملات، بينما يعتبره آخرون “خطوة ضرورية لتنظيم هذا الحق الدستوري” بشكل يضمن استمرارية العمل في المرافق العامة.