في مجتمعٍ تتقاطع فيه تحديات الإعاقة مع فجوات النوع الاجتماعي، اختارت لالة كابر الغلاوي أن تكون أكثر من مجرد شاهدة على واقع الإقصاء؛ قررت أن تكون صوتًا، وجسرًا، ومساحةً آمنة. ليست فقط مخرجة وناشطة اجتماعية موريتانية، بل واحدة من النساء القلائل اللواتي وجّهن البوصلة نحو الفئات التي تُركت على هامش النقاش العام، وبالذات مجتمع الصم، وخاصة النساء منه.
لالة كابر لم تكتفِ بالتضامن، بل خاضت تجربة التمكين من الداخل، عبر إنشاء مركز يُعنى بتعليم لغة الإشارة وتكوين مترجمين، والمرافعة من أجل إدماج هذه اللغة في المؤسسات العمومية. في هذا الحوار مع منصة “هنَّ”، تكشف لالة عن رؤيتها للعدالة، النسوية، والتنوع، وتُذكّرنا بأن الحديث عن المساواة يظل ناقصًا ما لم يشمل النساء.
لالة، لو عرّفتِ نفسك للقراء، ماذا تقولين؟
أنا لالة كابر، ناشطة اجتماعية ومترجمة لغة إشارة، أكرّس جهدي لتمكين الأشخاص ذوي الإعاقة السمعية، خاصة في موريتانيا. بدأت رحلتي من دار السينمائيين سنة 2010، واليوم أترأس منظمة “راما” التي تُعنى بتكوين وتشغيل ودمج الصم في المجتمع.
لماذا الصم؟ وما الذي جعل هذه الفئة قضية شخصية بالنسبة لك؟
الصم لأنهم أكثر الفئات تهميشًا وأقلها فهمًا من قبل المجتمع. علاقتي بدأت بإعجاب بلغتهم وثقافتهم، لكنها تحوّلت مع الوقت إلى التزام إنساني عميق بعد أن عشت واقعهم اليومي، وشاهدت كيف أن حاجز اللغة يعزلهم عن الحياة العامة.
ما هو الدور الذي لعبته جمعية الصم أو المركز الذي أنشأتِه؟
نحن نسعى لتعليم لغة الإشارة، وتمكين الصم من حقوقهم في التعليم والعمل والصحة. كما نوفر تدريبًا للمترجمين، ونضغط من أجل الاعتراف بلغة الإشارة كمكون أساسي في مؤسسات الدولة. المركز بات مساحة آمنة للصم، للتعبير والتعلم والمطالبة بالحقوق.
على ضوء أسبوع الأصم العربي، ما هو وضع الصم بموريتانيا خاصة النساء منهم؟
الوضع لا يزال دون الحد الأدنى. النساء الصم يعانين من التهميش المزدوج: كنساء وكصم. فرص التعليم نادرة، والحماية من العنف شبه غائبة، والمجتمع لا يزال بعيدًا عن فهم خصوصياتهنّ وحقوقهنّ الأساسية.
هل ترين في هذه المناسبات، كهذا الأسبوع مثلًا؛ فرصة لإعادة التفكير في شكل المجتمع الذي نريده؟
بكل تأكيد. هذه المناسبات ليست فقط للاحتفال، بل للتفكير العميق، ونحن بحاجة إلى مجتمع يحتضن التنوع، يوفّر بيئة عادلة، ويمنح الجميع صوتًا ومكانًا.
المجتمع الموريتاني، هل هو مجتمع يُقصي من لا يسمع؟ أم مجتمع يَسمع لمن لا يُسمع؟
المجتمع الموريتاني لا يختلف عن باقي المجتمعات العربية، فيه قصور وفجوة في الوعي. لكنه أيضًا مجتمع حيّ، قادر على التغيير، وقد بدأ يفتح أذنه ببطء لمن لا يُسمع. نحتاج فقط للاستمرارية في التوعية.
بصفتك امرأة في المجال الاجتماعي والإعلامي، هل شعرتِ أن جنسكِ كان عائقًا أم قوة؟
الواقع أنه كان الاثنين. في بعض اللحظات شكّل تحديًا، لكن في العمق، كوني امرأة جعلني أكثر فهمًا للحساسية الاجتماعية، وأكثر قربًا من قضايا الهشاشة، وهذا ما شكّل مصدر قوة ورسالة في ذات الوقت.
ماذا عن علاقتك بالحراك النسوي؟
أنا جزء من النضال النسوي، حتى لو لم أكن دائمًا في الصفوف الأولى. أؤمن أن تمكين النساء لا يكتمل دون تمكين المرأة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا.
هل ترين أن نضالك يتقاطع مع قضايا النساء؟
نعم يتقاطع بشكل عميق، النساء يواجهن التمييز من زوايا متعددة، ونضالي هو عن حقوقهن أيضًا؛ في التعليم، والحماية، والتعبير، والتمثيل. لا يمكن الحديث عن عدالة اجتماعية بدون إنصاف هذه النساء.
ما هي رسالتكِ للنساء الناشطات، خاصة في المجتمعات المغاربية؟
أقول لهنَّ لا تنتظرن الإذن لتصنعن التغيير، كُنّ أصواتًا لمن لا صوت له، خصوصًا من النساء ذوات الإعاقة. نحن نحتاجكنّ في كل جبهة، بالكلمة، بالمبادرة، وبالتضامن الحقيقي.