انطلقت اليوم 4 مارس أولى جلسات ما بات يعرف بـ”قضية التآمر على امن الدولة” بالمحكمة الابتدائية بتونس العاصمة، وسط غياب للمتهمين الموقوفين الذين اختارت رئاسة المحكمة أن يكون حضورهم عن بعد، معللة قرارها “بوجود خطر حقيقي”، وذلك على خلاف من يتم متابعتهم في حالة سراح حيث يمكنهم حضور الجلسة.
كان الوصول إلى القاعة رقم 6 بالمحكمة الابتدائية في تونس العاصمة صعبًا، حيث امتلأت القاعة بالحضور، من نشطاء سياسيين وحقوقيين وصحفيين وممثلين عن بعثات دبلوماسية، إضافة إلى أكثر من 100 محامٍ ومحامية، من بينهم عميد باريس السابق.
منذ بداية الجلسة، نددت عائلات الموقوفين بغياب ذويهم وإجبارهم على الحضور عن بعد من داخل السجون، ورفعوا شعارات تطالب بمحاكمة حضورية تضمن استقلالية القضاء وعدالته. وسط الفوضى والصخب، استحال سماع القاضي، ما دفعه إلى رفع الجلسة مؤقتًا إلى حين تنظيم إنابات المحامين.
مع استئناف الجلسة، أكد القاضي منع التصوير داخل المحكمة، ورفض طلب المحامين بإحضار مكبر صوت. افتتح العروسي، رئيس فرع تونس للمحامين، مرافعة الدفاع، مشددًا على أن المحاكمة عن بعد، رغم وجود نص قانوني يجيزها، تبقى بدعة لا تحترم شروط المحاكمة العادلة. من جهتها، طالبت المتابعة في الملف الناشطة الحقوقية شيماء عيسى بحضور الموقوفين.
كما أكد العياشي الهمامي المتابع في الملف رفضه تغييب بقية الموقوفين، فيما أبدى رياض الشعيبي استعداده للمحاكمة بشرط احترام معايير العدالة. أما الصحبي عتيق المتابع في حالة سراح والموقوف في قضية أخرى، فقد رفض التوقيع على وثيقة رفض الحضور، معتبرًا أن شهادة نزيلين معه لإثبات ذلك سابقة غير قانونية، في حين كشف السيد الفرجاني أن قرار ختم البحث تضمن مسائل لم يُسأل عنها خلال استجوابه.
بداية القضية
وتعود أطوار القضية إلى شهر فبراير 2023، وتشمل المحاكمة محامين وقيادات حزبية ونشطاء حقوقيين ورجال أعمال، يصل عددهم إلى أكثر من 40 شخصا.
ويواجه جميعهم تهما خطيرة منها تكوين وفاق، والتآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي والانتماء إلى تنظيم إرهابي ومحاولة قتل الرئيس، وتصل العقوبة في الواحدة منها إلى الإعدام.
جلسات عن بعد
قرار مجلس المحكمة بحضور الموقوفين داخل السجن، عن بعد خلال الجلسة الأولى، رافقه جدل واسع تعلق بامكانيات توجه القضاء نحو جعل الجلسة مغلقة وغير علنية وهو ما من شأنه أن “يمس من أركان المحاكمة العادلة”، وفق تعبير حقوقيين استشارهم منصة “هنَّ”.
وشدد أهالي الموقوفين على ضرورة احترام مبدأ الإشهار والشفافية فيما يخص المحاكمة القضائية، ودعوا إلى تغطيتها من طرف جميع وسائل الإعلام العمومية والخاصة باعتبار أهمية ذلك لدى المتهمين، ونظرا إلى أنها قضية رأي عام من حق عموم التونسيين والتونسيات معرفة تفاصيلها.
كما عبرت “الشبكة التونسية للحقوق والحريات”، في بيان لها، عن “رفضها المطلق” محاكمة المتهمين في قضية “التآمر على أمن الدولة في جلسات مغلقة”.
وطالبت في المقابل بجلسة علنية مفتوحة يحضرها الإعلام والمراقبون والمجتمع المدني، مع بث مباشر على القناة الوطنية وذلك “ضمانًا للشفافية”. كما طالبت الشبكة، المتكونة من أحزاب ومنظمات وجمعيات، باحترام كافة ضمانات المحاكمة العادلة وفقًا للمعايير الدولية، التي قالت إنها تشمل حق الدفاع بحضور محامي الدفاع، وإتاحة الفرصة للعائلات لمتابعة الجلسات وتوفير الحق في المواجهة وشفافية الإجراءات القضائية داخل الجلسة.
قضية القرن
وأفادت حياة جزار محامية لدى التعقيب وناشطة حقوقية في تصريحها لمنصة لـ”هنَّ” ، إلى أن عدم علنية ما يعرف بقضية التآمر هو “مسالة منافية للقانون لأن مجلة الاجراءات الجزائية تنص على ضرورة أن تكون كل المحاكمات علنية وهو مبدأ مهم في القانون الجزائي. والاستثناء الوحيد الذي تكون فيه غير علنية عندما يكون المتهم أمني أو له علاقة بالشان الأمني”.
وأوضحت جزار أن القضية هي “قضية حق عام والمتهمين سياسيين معارضين والمبدأ ان يتمتعوا بمحاكمة عادلة، والعلنية أحد مبادئها”، مشيرة إلى أنه “من حق التونسسين والتونسيات أن يطلعوا على جميع تفاصيلها”.
وبينت المحامية لدى التعقيب أن “القضاء منع اليوم المتهمين من حضور الجلسة، وبدل ذلك يقفون في السجون في ظروف نجهلها؛ وهو إجراء تم اعتماده في عدد من القضايا الإرهابية ولم تنجح بالمرة”، ورأت أنه “قرار غير مبرر”.
وذكرت حياة الجزار أن هذه القضية يمكن “تصنيفها كقضية القرن، وعلى غرار بقية القضايا التي سجلها التاريخ خلال عهد بورقيبة وعهد بن علي يجب أن تكون علنية ويتابعها جميع المواطنيين والمواطنات”.
إخفاء الحقائق على المواطنين
بدورها شبهتْ نعيمة الرقيق ناشطة في المجال الحقوقي والسياسي، منع حضور المتهمين في جلسة يوم 4 مارس، “بقرار منع التداول الصادر عن المحكمة والذي يهدف إلى إخفاء الحقائق على المواطنين والمواطنات التونسيين”.
وأفادت أن حجم القضية والتهم المتعلقة بها من، تآمر على أمن عموم التونسيين والتونسيات، والتخابر مع الأجانب؛ “يجعلها قضية كبيرة بتهم ثقيلة للغاية، ومن حق الشعب التونسي أن يعرف مدى صحة هذه الحقائق والتهم عند المكافحة وبعد مرافعات المحامين ولما لا من قام بالوشاية”.
وبينت نعيمة الرقيق، أن جميع قضايا أمن الدولة التي عاشت على وقعها البلاد التونسية في مختلف الحقبات التاريخية “كانت علنية بحضور العائلات وعموم المواطنين”.
“وتماشيا مع أقوال الرئيس أقول الشعب يريد معرفة الحقيقة وحضور المحاكمة”، تقول المتحدثة.
وأضافت أنه من شروط المحاكمة العادلة؛ “العلنية وحضور المتهمين وأنا أطالب وأمام ما أحاط القضية من غموض بأن تكون محاكمة متلفزة يتمكن من خلالها كل التونسيين من معرفة الحقائق”.
جدير بالذكر، أن العلانية في المحاكمة تعد ضمانة مهمة من ضمانات المتهم في الدعوى الجزائية، وحسب المراجع المختصة في القانون تمثل كذلك ضمانة قوية لحسن سير العدالة باعتبارها تشكل عنصرًا من عناصر المحاكمة العادلة.
أما المقصود بعلانية المحاكمة، فهو ليس حضور الخصوم في الدعوى الجزائية من مشتكي ومتهم ومدعي مدني ومسؤول عن الحقوق المدنية ووكلائهم فهذا أمر لا نزاع فيه، وإن قررت المحكمة سرية المحاكمة؛ وإنما المقصود بالعلانية هو أن تعقد المحكمة جلساتها في مكان يستطيع أي فرد من الجمهور دخوله، وحضور إجراءات المحاكمة ومشاهدتها دون قيد ٍ أو شرط إلا ما يقتضيه حفظ النظام في الجلسة . فضلًا عن السماح بنشر مجريات المحاكمة بواسطة طرق النشر المعروفة. كما أن العلانية تقتضي أن تكون المحاكم مفتوحة الأبواب أمام الجمهور، وأن يتاح للصحف الوقوف على مجريات المحاكمات ونشرها.