الانتخابات في موريتانيا لن تحدد القيادة السياسية للبلاد فحسب، بل سيكون لها أيضا القدرة على التأثير بشكل كبير على الاتجاه المستقبلي للتنمية الديمقراطية، والاستقرار الإقليمي، والإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية، بما في ذلك النساء وتأثرهن شبه الغائب في الجمهورية الإسلامية الموريتانية.
ففي موريتانيا، يتنافس ستة مرشحين ضد الرئيس المنتهية صلاحياته محمد ولد الشيخ الغزواني، أهمهم زعيم مكافحة العبودية بيرام بيرام ولد الداه عبيدي، ورئيس حزب تواصل الإسلامي حمادي ولد سيد المختار.
ولد عبيدي جاء في المركز الثاني في الانتخابات الرئاسية التي شهدها عام 2019، في حين أن ولد سيدي المختار هو زعيم المعارضة، ويحظى تشكيله السياسي بأكبر عدد من النواب.
في نظامٍ عسكري، تعود على الانقلابات، يغيب تواجد النساء، اللهم إن كن في حشود الحملات الانتخابية، أو في تأثيث المشهد في الاستقبالات الرسمية، وفق نشطاء استشارتهم منصة “هنَّ”.
ومنذ استقلالها، ظلت موريتانيا تحت حكم تبادل بين انقلاب الحكومات العسكرية والمدنية؛ ففي أوائل التسعينيات، في ظل نظام معاوية ولد سيد أحمد الطايع، تم اعتماد الدستور وتم إضفاء الشرعية على تعدد الأحزاب السياسية.
وفي عام 2005، تعرضت البلاد لانقلاب عسكري أدانه كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية، وبعده جرت عملية ديمقراطية بلغت ذروتها في انتخابات عام 2007، والتي اعتبرها المراقبون الدوليون حرة؛ وفيها فاز فيها سيدي محمد الشيخ عبد الله، الذي تم وأد تجربته في غشت 2008 بانقلاب عسكري قاده الجنرال محمد ولد عبد العزيز، وهو انقلاب لقي إدانة دولية. وفي يوليو 2009، قبل تقدم ولد عبد العزيز إلى صناديق الاقتراع وانتُخب رئيسا.
وفي نوفمبر 2013، أُجريت انتخابات برلمانية؛ عرفت اتهامات بالتزوير ضد حزب نظام الجنرال عزيز، ووفقًا للجنة الانتخابية، حصل حزب “الاتحاد من أجل الجمهورية” (UPR) التابع لعزيز على الأغلبية في البرلمان بـ75 مقعداً، تلاه الإسلاميون من حزب “تواصل” بـ17 مقعداً.
ومثلت هذه أول انتخابات منذ انقلاب غشت 2008، وكانت بمثابة اختبار للانتخابات الرئاسية في يونيو 2014، التي حقق فيها عبد العزيز نصرا واضحا، على الرغم من أنه مهد ليخلفه محمد ولد الغزواني.
المرأة في حكم العسكر
تطورت مشاركة المرأة الموريتانية في المشهد السياسي خلال العقدين الأخيرين، تحت نظامٍ عسكري؛ بعدما كان حضورها خافتا بسبب القوانين المجحفة، إذ ساهم اعتماد نظام ّالكوتا” سنة 2006، من رفع عدد المناصب السياسية التي تشغلها النساء سواء في البرلمان أو في الحكومة أو تسيير الشأن المحلي، لكن هذا المشهد لا يعكس بالضرورة وجود مساواة حقيقية في الفرص بين الجنسين.
ترشح عائشة بنت جدان للإنتخابات الرئاسية سنة 2003 شكل صدمة لدى الموريتانيين، مما يفسر العراقيل الكبيرة التي واجهتها لتحصل على توقيعات 50 مستشارا بلديا لتتمكن من استيفاء شروط الترشح، إذ لم يألف الموريتانيون منافسة المرأة للرجل في الإنتخابات الرئاسية.
ولم تتوقف المطبات التي واجهتها جدان عند شروط ملف الترشح و حمالات السخرية ، بل ذهبت أبعد من ذلك حيث أُصدرت فتوى تدعو الناس لعدم التصويت لها واستبعادها من المنافسة فبالتالي منعها من الفوز.
ماعشته جدان لم يقف حاجزا أمام نساء أخريات للترشح لرئاسة البلاد، ففي انتخابات 2014 قدمت لالة مريم بنت مولاي إدريس ملف ترشحها للانتخابات لتكون ثاني امرأة تترشح لهذا المنصب منافسة خمسة مرشحين من بينهم الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز. ولعل من أبرز مظاهر غياب فكرة المساواة في الفرص بين الجنسين لدى المجتمع الموريتاني هو حصول السيدتين على أقل من 1 في المائة من الأصوات المعبر عنها.
وفي هذا الشأن تقول فاطمة محمد السالك، منسقة فريق المناصرة من أجل المشاركة السياسية للمرأة، في حديث خاص مع منصة “هنّ”، إن “المرأة في موريتانيا لن تكون لديها أي حظوظ للوصول للرئاسة، في المستقبل القريب، مادامت الزعامات التقليدية هي الجناح المسيطر”.
“إذا كان التمييز الإيجابي الذي حصلت عليه المرأة من خلال نظام “الكوتا” بعد مسار نضالي حافل، فرض وجود تمثيلية نسائية في البرلمان والحكومة، إلا أنه لم يساهم بعد في المساواة في الفرص مع الرجل لأنها لا تشمل المناصب السيادية والإدارية ومراكز صنع القرار” تؤكد السالك.
تمثيل ضعيف في مراكز صنع القرار
منسقة حملة النساء في حملة المرشح للرئاسة 2024 أوتوما سوماري، المامة البو أوضحت ل”هنّ” أن الهدف الرئيس من نضال النساء في هذا الصدد، لا ينبغي أن يستهدف الوصول للرئاسة فقط، بل “أن تجد المرأة ذاتها في جميع المناصب الوزارية والإدارية التي تستحقها دون تمييز على أساس النوع”. وتؤكد الناشطة السياسية على أن التمييز على أساس النوع أنتج بناءً مختلاً جعل الرجل يتقدم على المرأة في الإدارة والقيادة، وإن كانت المستويات الأكاديمية متساوية.
وتمثل النساء في موريتانيا 20 في المائة من أعضاء الحكومة، وذلك بحضور 5 وزيرات إضافة إلى مفوضة الأمن الغذائي، بينما تمثل نسبة النساء في البرلمان 20 في المائة من مجموع البرلمانيين، أي 31 برلمانية فقط من أصل 157 برلمانيا.
ولم تشغل المرأة الموريتانية منصبا سياديا سوى مرة واحدة حين عُينت الناها بنت حمدي ولد مكناس وزيرة للخارجيّة لفترة وجيزة عام 2009، فيما غابت النساء بشكل مطلق عن ترأس بقية وزارات السيادة الست منذ تأسيس الدولة سنة 1960.
تناقض الـ”كوتا”
رغم صدور قانون “الكوتا” الذي صادق عليه البرلمان الموريتاني عام 2006 إلا أن مشاركة النساء في صنع القرار مازالت ضعيفة، إذ خلصت دراسة رسمية أعدتها وزارة العمل الاجتماعي بموريتانيا ونشرت نتائجها في مايو العام الماضي، إلى وجود “تناقض” بين مضامين قوانين البلاد الرامية إلى تحقيق التمكين السياسي للنساء وبين تطبيقها على أرض الواقع.
بالمقابل، تعتبر الدراسة أن نظام المحاصصة المعروف بـ”الكوتا”؛ أسهم بشكل كبير في الرفع من عدد المناصب المخصصة للنساء الموريتانيات داخل المؤسسات التمثيلية، فبعد أن كانت النسبة المخصصة لهن في المناصب الانتخابية لا تتجاوز 3 في المائة، وأصبحن اليوم يشكلن 35 في المائة من مجموع موظفي ووكلاء الدولة.