تداعيات قضية الفتاة القاصر ملاك، المتابعة في ما بات يعرف بـ”ملف الابتزاز والتشهير”، تتواصل وسط انتقادات واسعة للإجراءات القانونية التي تم اتخاذها بحقها.
فبعد قرار قاضي الأحداث إيداعها بمركز للرعاية الاجتماعية، تصاعدت أصوات الحقوقيات والحقوقيين الذين استنكروا متابعة طفلة لم تتجاوز الـ15 عامًا بتهم تتطلب مسؤولية جنائية كاملة، معتبرين أن ما يجري يشكل “سابقة خطيرة في التعامل مع القاصرين داخل النظام القضائي”.
وفقًا لما أعلنه جمال لحرور، نائب وكيل الملك، فإن التحقيقات التقنية التي أجرتها الفرقة الوطنية للشرطة القضائية “أظهرت أن الرقم المستخدم في تهديد المشتكية كان قد تم تسجيله في هاتف الفتاة”.
ووفق لحرور، “تم العثور في غرفتها على عدة حاملات شرائح اتصال”، مما عزز فرضية تورطها في القضية.
وأثناء الاستماع إليها في محضر رسمي بحضور ولي أمرها، أكدت أنها كانت “تساعد المشتبه فيه الرئيسي في تفعيل حسابات على تطبيقات التواصل الاجتماعي، دون أن تدرك الأبعاد القانونية لما كانت تقوم به”، يقول نائب وكيل الملك.
وأثار قرار إيداع الفتاة القاصر بمركز الرعاية الاجتماعية؛ استياءً كبيرًا لدى العديد من الحقوقيات والحقوقيين، الذين رأوا فيه “إخلالًا بمبادئ المحاكمة العادلة” المنصوص عليها في القوانين الوطنية والاتفاقيات الدولية.
المحامية نبيلة جلال شددت في تعليق على صفحتها على “فيسبوك”، أن “المادة 40 من اتفاقية حقوق الطفل تؤكد أن احتجاز الأطفال يجب أن يكون استثناءً نادرًا، بينما ينص القانون الجنائي على ضرورة تجنب العقوبات السالبة للحرية للأطفال إلا في الحالات القصوى”.
وأضافت جلال أن “ما حدث مع الفتاة القاصر يثير تساؤلات حول مدى احترام القضاء لمبدأ المصلحة الفضلى للطفل”.
كما أكدت أن انتزاع الطفلة من محيطها المدرسي والاجتماعي، ومتابعتها بتهم خطيرة تتطلب أهلية قانونية كاملة، “يتعارض مع الأسس القانونية والمنطق القضائي الذي يميز بين المسؤولية الجنائية للقاصرين والبالغين”.
من جهة أخرى عبرت “الهيئة المغربية لمساندة المعتقلين السياسيين” (هِمَمْ)، عن قلقها بخصوص “إقدام القاضية المكلفة بالأحداث على اعتقال الطفلة ملاك”.
وشددت “هِمَمْ” على “شجبها اعتقال طفلة قاصر” وسلبها حريتها بتهم وصفتها بالـ”سريالية”، مشيرة الى أن هذا الاعتقال هو “خرق سافر لمقتضيات الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل التي صادق عليها المغرب سنة 1993، وتطالب بتسليمها فورا لأحد أفراد عائلتها في انتظار سراح والديها”.
قضية الطفلة ملاك ستبقى شاهدًا على التحديات التي تواجه النظام القضائي المغربي في التعامل مع القضايا التي تتضمن قاصرين، خاصة عندما تتداخل فيها عوامل تقنية واجتماعية معقدة.
وفي حين أن العدالة تتطلب محاسبة كل من يتورط في أفعال غير قانونية، فإن المصلحة الفضلى للطفل يجب أن تظل محورًا أساسيًا في أي إجراء يتم اتخاذه.
وتفتح هذه القضية الباب أمام نقاش أوسع حول ضرورة مراجعة الإجراءات القانونية المتعلقة بالأطفال، وتعزيز آليات الحماية التي تضمن عدم تعرضهم لصدمات نفسية واجتماعية قد تؤثر على مستقبلهم.
وفي ظل الجدل القائم، يبقى السؤال الأكبر: هل تمثل هذه القضية بداية لتغيير إيجابي في التعامل مع ملفات القاصرين، أم أنها مجرد حلقة جديدة في سلسلة من الإجراءات التي تحتاج إلى إعادة نظر؟