“عبء كبير تتحمله النساء”.. كيف يؤثر نقص المياه على حياة نساء جنوب المغرب؟

براميل وقنينات مياه فارغة مكدسة أمام مدخل البيت، تضعها “زينيبة”، بحماسة تتحدى حرارة شمس الظهيرة، في عربة يدوية ليذهب حفيدها لملئها، لعله يجد ماء يعود به لأسرته المكونة من ستة أشخاص.

يغادر الابن جارّا عربته اليدوية الصدئة، لتذكّره جدته بارتداء قبعته الشمسية لتقيه شمس هذه الأيام الحارة. ثم تقول “زينيبة”: نتمنى أن يجد بعض الماء ليساعدنا في حاجيات المطبخ والمراحيض على الأقل، أما الشرب فتكفي بعض القنينات التي سبق أن أحضرها ابني من أحد الآبار، مياهها “حلوة”.

رحلة البحث عن المياه التي تخوضها “زينيبة” وأسرتها تتشاركها أسر كثيرة من ساكنة دواوير جماعة تيوغزة آيت بعمران بإقليم سيدي إفني. الذين يعانون من إشكالية التزود بالماء الشروب الناتجة عن شح التساقطات المطرية وجفاف جل آبار المنطقة.

رحلة البحث عن مياه “حلوة”

تقودنا زينيبة لبهو منزلها وتقول باللغة الأمازيغية: ماذا سأقول.. رحل الطيبون ورحل معهم كل شيء! لا ماء ولا أكناري (فاكهة التين الشوكي التي تعرف بها المنطقة) ولا أركان ولا أي شيء.. حتى البهائم فلا أحد يستطيع تربيتهم لأنك ستنفق أكثر مما ستكسب.

تجلس المرأة الستينية قرفصاء، وتعدل رداءها الأبيض الذي يسمى “أدّال” وتستمر في حديثها لمنصة “هن” قائلة: يكون الأمر صعبا عندما يتعلق الأمر بأسرة مكونة من عدة أفراد، فمهما أتيت بالماء فلن يكفيك. سابقا كان البئر الذي بجانبنا يغطي احتياجات التنظيف والمطبخ والحمام، أما الشرب فنأتي بها من أحد الآبار البعيدة. 

اليوم معظم آبار المنطقة جفت، تضيف المتحدثة بحسرة، عليك أن تفكر في الماء كل يوم. حفيدي في عطلة الآن وهو من يتكلف بإحضار الماء ولكن في الأيام العادية فإما أنا أو أمه  أو أخته الصغرى من يقوم بذلك.

“هاجس” الماء يرافق النساء في مختلف الأنشطة التي يقمن بها في منازلهن باعتبار أنهن أكثر من يستهلك المياه بحسب ما تقول زينيبة: الرجال يرون أي تصرف بالماء تبذيرا، غير أنهم لا يعرفون أن إعداد طعام نظيف في أوانٍ نظيفة يحتاج توفر المياه ونظافتها.

تستدرك قائلة: نحن لا نبذر الماء، فنحن أكثر من يعي قيمته. لكننا نحتاج توفره في البداية، فكل هذه البراميل لن تكفي إلا ليوم أو يومين ثم سنحتاج لإحضار بعض القطرات من جديد.

يعود حفيد “زينيبة” بعد مدة رفقة صديق له يتعاونان على جر العربة اليدوية المحملة بالمياه. تفتح جدته الباب مبتسمة وتختم حديثها لنا: الحمد لله على كل حال.

الماء عبء تتحمله النساء 

“هن” التقت كذلك بحبيبة التي شرحت لنا الوضع بدوار “دوتوريرت” الذي تنتمي إليه قائلة: لم نشهد هذه الأزمة إلا بعد أن بدأت جمعية الدوار بإيصال الماء للمنازل عبر الصهريج، فلم تصل الساكنة إلى حل يرضي جميع الأطراف.

تتابع حبيبة شارحة: في البداية كان الوضع جيدا، لكن المشاحنات والصراعات هي التي أدت إلى تعطيل هذه المبادرة. إذ أن الماء بدأ ينقطع بدون سبب، ما أدى إلى مشاكل تسببت في انقطاع المياه على الساكنة لمدة طويلة وصلت لخمسة أيام.

وخلال هذه الفترة، تضيف حبيبة، عانت العديد من الأسر جراء هذه الانقطاعات، حيث أن العديد من نساء المنطقة كن مضطرات لقطع مسافات طويلة بحثا عن الماء بشكل يومي، من أجل الحصول على احتياجات أسرهم، ليعدن بكميات تكون غالبا غير كافية، مهما كانت كميتها، لسد احتياجات الأسر الممتدة.

وبحسب تقرير حديث للأمم المتحدة، فإن النساء والفتيات يتحملن العبء الأكبر لأزمة المياه، معتبرا أن النساء أكثر عرضة لتحمل مسؤولية تأمين المياه للمنازل، فيما يتضاعف احتمال أن تقع هذه المسؤولية على الفتيات أكثر من الفتيان.

وإلى جانب قلة التساقطات، فإن حبيبة ترى أن “الإنسان” هو السبب المباشر لهذه الإشكالية: المفروض أن تبقى هذه المياه للشرب والاستعمال المنزلي فقط، لكن أصحاب الأراضي الفلاحية يستعملون هذه المياه في السقي ويبذرونها ويضيعون بذلك حق المساكين في الوصول لمياه نظيفة صالحة للشرب.

تشير حبيبة للبراميل والقنينات المتراصة بمدخل البيت قائلة: البارحة ملئت هذه البراميل بعد استئناف التزود مجددا.. هذا هو الوضع الآن، نملئ هذه البراميل على أمل أن تكفينا للأيام الثلاثة القادمة إلى حين استئناف التزود مجددا.

تتابع الشابة التي تعمل أستاذة للتعليم الأولي قائلة: ما يشغلني الآن هو اقتراب الدخول المدرسي وانطلاق المعاناة المستمرة مع التلاميذ الذين يحتاجون الدخول للمراحيض في كل مرة لكننا لا نتوفر على مياه في المراحيض.

“خوفا من التبذير.. أوبخ ولا أستحم”

تبدي نورة (17 سنة) تذمرها من قلة الموارد المائية قائلة: “نحن النساء والفتيات أكثر من يتضرر من نقص الماء، فنحن من يتولي مهمة إحضاره من الآبار ونحن من يتكلف بكل الأعمال المنزلية المتطلبة لتوفر الماء”.

وتضيف التلميذة بالسنة الثانية بكالوريا: “في عز هذا الصيف الذي نعيشه الآن، أن تستحمي يوميا هو أمر يكاد يكون مستحيلا، فحتى الاستعمالات الضرورية للمياه أوبّخ بسببها من طرف أبي أو جدي الذين لا يدركون احتياجاتنا في فترة كفترة الدورة الشهرية”.

تتابع نورة حديثها مع “هن” موضحة: “في فترة الدورة الشهرية، تحتاج المرأة للاستحمام والاعتناء بنظافتها الشخصية، لكن الموضوع يكون صعبا في حالة انقطاع الماء أو حتى في الأيام العادية حيث يكون الماء قليلا.” 

ويشهد المغرب أزمة مياه غير مسبوقة خلال السنوات الأخيرة نتيجة التغير المناخي وتوالي سنوات الجفاف. ما أدى إلى تصاعد دعوات عاجلة لإيجاد حلول فعالة للأزمة.

ومن أبرز هذه الدعوات، الخطاب الذي ألقاه الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لعيد العرش الذي دعا من خلاله إلى اتخاذ جميع الإجراءات الاستعجالية والمبتكرة لتجنب الخصاص في الماء، خاصة على مستوى العديد من المناطق بالعالم القروي.

اقرأ أيضا

  •  الزواج السري في موريتانيا| بين أباء جاحدين وسماسرة رابحين: النساء ضحايا تائهات

    تحول الزواج السري خلال السنوات القليلة الماضية، من زواج غير مُعلن إلى ظاهرة مستشرية في موريتانيا، حيث أصبح لهذا الزواج ما يشبه الشبكات المنظمة، لها قيادات ومنسقين وسماسرة؛ منتشرين في عموم البلاد، دون أي اعتبار لما يترتب عليه هذا الزواج من مشكلات اجتماعية ونفسية وقانونية. وكان للزواج السري في موريتانيا، وقع الفضيحة للمرأة بالدرجة الأولى،…

    نور عبدالدائم|

  • مديرة مطعم سياحي.. “دوسة” امراة تونسية تكسر نمطية المهن وجنس العمل 

    سندس امراة تونسية، تشتغل مديرة بأحد المطاعم السياحية وسط العاصمة تونس، يبدأ دوام عملها على الساعة الخامسة مساءً، ويتواصل إلى غاية الساعات الأولى من الصباح.  وطيلة الثماني أو التسع ساعات التي تشتغلها، تبقى "دوسة"؛ كما يَستحبُ أصدقاؤها أن ينادونها؛ محافظةً على ابتسامتها المعهودة وعلى الحفاوة في استقبال كل زائر جديد. تتنقل كل فترة كالفراشة في…

    ريم بلقاسم|

  • “طليقي يتهرب من دفع النفقة”.. هل يحمي قانون النفقة الجديد “المحضونين” في الجزائر؟

    عاد الجدل بداية العام الجاري في الجزائر بشأن صندوق نفقة الأمهات الحاضنات الذي أعيد تفعليه بعد تجميده منذ ثلاث سنوات، خطوة اعتبرها كثيرون إيجابية لصالح النساء الحاضنات في ظل تزايد أعباء تربية الأطفال والتكفل باحتياجاتهم من ملبس،غذاء وعلاج ، بعد أن يتخلى بعض الأزواج عن مسؤولياتهم تجاه أبنائهم، سواء بسبب العجز المادي أو المماطلة في…

    ماجدة زوين|

  • سوق الغزل.. ملاذُ مهمشاتِ مراكش

    خلف أكوام من القفاطن المطرزة والجلالب الملونة المستعملة، تجلس نساء جمعهن شظف العيش، يفترشن الأرض وينتظرن ظهور السائحات الأجنبيات أو المغربيات الباحثات عن ضالتهن في بضاعة عتيقة بعيدا عن غلاء أسعار المحلات الفارهة.  سامي صبير/هوامش بابتسامة خجولة تستقبلنا نعيمة، الأرملة السبعينية، التي تلخص قصتها في حديث لمنصة هوامش، “أمضيت حياتي بكاملها في هذا السوق، كان…

    Hounna | هنّ|

  • الفيديوهات

  • “لم نتوصل بالدعم”..نساء الحوز يكشفن الوجه الآخر لإهمال ضحايا الزلزال

    يبدو أن بلدة مولاي إبراهيم بإقليم الحوز، جنوب مدينة مراكش، لن تتعافى قريبا من تبعات الزلزال الذي بعثر سبل العيش هناك، خاصة أن أغلب سكان البلدة كانوا يعيشون على نشاط السياحة الداخلية التي يجلبها ضريح مولاي إبراهيم، فالتجارة والإيواء وخدمات أخرى توفرها الساكنة، خاصة نسائها، توقفت اليوم بشكل كلي، ولا أمل يلوح في الأفق لعودة…

  • محاكمة عسكرية للمعارضة التونسية شيماء عيسى

    لم تغلق المحكمة العسكرية بعد، ملف محاكمة شيماء عيسى، المعارضة التونسية والقيادية في جبهة الخلاص الوطني، فقد تم تأجيل جلسة، محاكمتها إلى 10 أكتوبر، القادم.

  • ختان البنات موروث ملطخ بالدم

    تنتشر ظاهرة ختان الإناث بصورة كبيرة في عموم مناطق موريتانيا، إذ تحتل البلاد المرتبة الثامنة عالمياً. ويعتبر ختان البنات موروثاً وتقليداً في المجتمع الموريتاني ويهدف إلى المحافظة على عذرية البنات و"تهذيب شهوتهن" الجنسية، وفقا للمدافعين عنه بينما تشجب فئات اجتماعة أخرى في البلاد هذه الظاهرة.

  • فاطنة بنت الحسين.. أسطورة العيطة وأيقونة الفن الشعبي في المغرب

    ولدت فاطنة بنت الحسين في منتصف الثلاثينات بمنطقة سيدي بنور، التابعة لدكالة، من عائلة قروية محافظة رفضت ولوجها مجال الغناء، نظرا للسمعة السيئة التي كانت ملتصقة بـ"الشيخة" وقتها. انتقلت فاطنة إلى مدينة اليوسفية، وهناك انضمت إلى فرقة "الشيخ المحجوب"، وزوجته "الشيخة العبدية"، لتحصد شهرة واسعة وصل مداها إلى مدينة آسفي، معقل "العيطة الحصباوية"، وبعدها مدينة…

  • ناسجات الحياة.. نساء بالحوز ينسجن الزرابي بين أنقاض الزلزال

    بالقرب من مركز جماعة أسني بإقليم الحوز، اجتمعت أربع نسوة بدوار "أسلدا" ينسجن الزرابي، بحثا عن مورد رزق، في كوخ من القصب ومغطى بالبلاستيك وورق التعليب، بعد أن دمر الزلزال المكان الذي كن يشتغلن فيه، والذي كان مقرًا لـ"جمعية الدوار"، قبل أن يحوله الزلزال إلى أطلال. في البداية، تحديدًا قبل ثلاثة سنوات من جائحة "كورونا"؛…

  • منع مسيرات تضامنية مع فلسطين “دعم لجرائم الإبادة”

    🟠 منعت مسيرات احتجاجية ضد العدوان الإسرائيلي، تخليدا ليوم الأرض الفلسطيني، نهاية الأسبوع الماضي، من طرف قوات الأمن في عدد من المدن المغربية، ما خلف تنديدا واستنكارا واسعينِ من طرف المشاركين في تلك الاحتجاجات.

  • العاملات الفلاحيات هنّ الأكثر تضررا من التغيرات المناخية

    🔶تعاني الدول المغاربية منذ سنوات من الجفاف على مدار السنة ، ما فاقم نسبة الفقر عموما بهذه الدول وخاصة لدى النساء، وفقدت آلاف العاملات في مجال الفلاحة مورد رزقهن.