في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي يواجهها المغرب، تبرز قضايا الاحتكار، الريع، والمضاربة في الأسواق كعوامل رئيسية تُساهم في تفاقم الأزمة الاقتصادية، وتهدد القدرة الشرائية للمواطنين.
في هذا السياق، كان للخبيرة الاقتصادية والأستاذة الجامعية عائشة العلوي رأي واضح حول هذه الإشكاليات، حيث شددت في حوارٍ مع منصة “هنَّ” على ضرورة ضبط الأسواق، محاربة الاحتكار، ودعم الفئات المتضررة، خاصة مربي الماشية الذين تأثروا بقرار إلغاء شعيرة النحر لهذا العام.
تناولت العلوي في حديثها أبعاد هذا القرار الملكي، مشيرة إلى أنه ليس مجرد استجابة ظرفية، بل خطوة تعكس رؤية استراتيجية لحماية الأمن الغذائي والحفاظ على السلالات المحلية في ظل الجفاف.
كما تطرقت إلى فشل تجربة استيراد الأضاحي في ضبط الأسعار العام الماضي، مؤكدة على الحاجة إلى سياسات أكثر نجاعة لضمان استقرار الأسواق.
ولم تقتصر العلوي على قضية الأضاحي فقط، بل ناقشت أيضًا ارتفاع أسعار المواد الغذائية، مثل اللحوم والأسماك، ووصفت المضاربة والاحتكار بأنهما من أخطر التهديدات التي تواجه الاقتصاد المغربي.
كما سلطت الضوء على أزمة “السردين” التي أثارت جدلًا واسعًا، داعية إلى ضرورة مراقبة سلاسل التوزيع وتشديد العقوبات على الوسطاء والمضاربين.
وفيما يلي نص الحوار الذي أجريناه مع عائشة العلوي، حيث تسلط الضوء على مختلف جوانب هذه المواضيع:
1. للمرة الثالثة في تاريخ المغرب المعاصر، يتم إلغاء شعيرة النحر في عيد الأضحى. هل يأتي هذا القرار مراعاةً للقدرة الشرائية للمغاربة أم بسبب نقص المواشي؟
يأتي القرار الملكي بإلغاء شعيرة النحر في سياق التخفيف من الأعباء الاقتصادية والاجتماعية على المواطنين، حيث يحرص الملك، بصفته أميرًا المؤمنين، على رفع الحرج عن الأسر المغربية ذات الدخل المحدود في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد.
من الناحية الاقتصادية، يهدف القرار إلى حماية القطيع الوطني من التراجع الحاد في أعداده، خاصة السلالات المحلية الأكثر تكيفًا مع المناخ المغربي، مما يسهم في استدامة قطاع تربية المواشي وتعزيز الأمن الغذائي. كما يراعي الحفاظ على مصدر رزق مربي الماشية، الذين يواجهون صعوبات كبيرة بسبب انخفاض أعداد رؤوس الأغنام والأبقار والماعز، مما قد يؤثر على استمرارية نشاطهم الفلاحي والتجاري.
2. المغرب مهدد بالجفاف الدائم مستقبلاً. هل هذا يعني أن المملكة ستلغي العيد بشكل نهائي أم أن القرار ظرفي؟
استقبل المغاربة القرار الملكي بإلغاء شعيرة النحر هذه السنة بارتياح كبير، إدراكًا منهم لحكمة القرار الذي يتناسب مع الظروف الصعبة التي تعيشها البلاد.
لكن لا بد من التأكيد على أن المقاصد الدينية للعيد لم تُلغَ. هذا القرار يدفعنا إلى إعادة التفكير في كيفية ترسيخ القيم الدينية في مختلف الشعائر، مثل الصيام والحج، حيث أصبح التركيز منصبًّا على الجوانب الاستهلاكية، بينما تُهمَل الأبعاد الروحانية والأخلاقية والتضامنية التي تشكل جوهر الدين الإسلامي.
أما بالنسبة لسؤالكم، فإن أمير المؤمنين، الملك محمد السادس، لم يصرّح بأن هذا الإلغاء نهائي، إذ لا يمكن لأحد أن “يحرّم ما أحل الله أو يحل ما حرّم الله”. وشعيرة النحر تظل سنة إسلامية باقية، لكن للملك، بصفته أمير المؤمنين، صلاحية اتخاذ مثل هذا القرار عندما تقتضي الظروف الصعبة ذلك، حفاظًا على مصلحة المواطنين وحماية الموارد الوطنية.
3. بعض مربي الماشية (الكسابة) يصرحون بأن الإعلان عن إلغاء هذه الشعيرة جاء متأخرًا. ألم يكن من الأفضل الإعلان عن ذلك قبل شهور، خاصة وأن معطيات الجفاف وتراجع أعداد الخرفان كانت معروفة؟
من حيث توقيت الإعلان، يمكن القول إنه جاء في مرحلة مناسبة، حيث لا يزال يفصلنا عن عيد الأضحى أكثر من أربعة أشهر، ما يمنح مربي الماشية الوقت الكافي للتصرف في القطيع المتوفر حاليًا واتخاذ القرارات المناسبة. كما أن هذا التوقيت يساعد في تفادي ذبح إناث المواشي، مما يساهم في الحفاظ على القدرة الإنتاجية للقطيع واستدامة قطاع تربية الماشية.
بالطبع، قد يشكل هذا القرار أزمة بالنسبة للبعض، خاصة أولئك الذين استثمروا مبكرًا في اقتناء المواشي بغرض المضاربة خلال فترة العيد. ومع ذلك، فإن أي قرار مهما كان له جوانب إيجابية وأخرى سلبية. لذلك، يتعين على الجهات المعنية، خاصة في المناطق التي تعتمد على تربية الماشية، اتخاذ إجراءات لدعم المتضررين من القرار، مثل تقديم دعم مالي أو توفير بدائل اقتصادية مناسبة.
4. هل من شأن هذه الخطوة تحقيق التوازن في السنة الفلاحية المتأثرة بظروف الجفاف؟
يهدف القرار إلى حماية الموارد الطبيعية والحيوانية وضمان استدامتها، في إطار رؤية استراتيجية لمواجهة التحديات المناخية وتعزيز الأمن الغذائي. من شأنه أيضًا تخفيف الضغط على المراعي والمياه، مما يساعد في استعادة التوازن البيئي والاقتصادي.
تُعد تربية الماشية جزءًا أساسيًا من الاقتصاد المغربي، لذا فإن حمايتها أمر ضروري لتفادي الاعتماد على الأسواق الخارجية للمواشي. فالاعتماد على الاستيراد كحل سريع قد يكون محفوفًا بالمخاطر، إذ يضعف الاقتصاد الوطني ويجعله عرضة للضغوط الخارجية. وبالتالي، فإن القرار يندرج ضمن سياسة تهدف إلى تعزيز السيادة الفلاحية والحد من التبعية الغذائية.
5. إلى أي حد سيؤثر هذا القرار على الوضع الاقتصادي لمربي الماشية؟
قد يكون للقرار تأثير سلبي على المدى القصير على عائدات مربي الماشية، لكنه يتجاوز الجانب المالي ويركّز على البعد الاجتماعي والأمن الغذائي للمغاربة.
في ظل غياب حلول هيكلية تحمي السلالات المحلية وتدعم الأبحاث لزيادة إنتاجية الماشية، كان لا بد من التدخل لكبح الارتفاع الكبير في أسعار المواشي، التي كانت تتجه نحو مستويات قياسية بعيدة عن متناول الأسر الفقيرة.
وبالتالي، فإن انخفاض أسعار اللحوم قد يعوّض الكسابة جزئيًا من خلال زيادة الطلب، مما يعزز الاستقرار الاجتماعي ويضمن استمرارية النشاط الاقتصادي لمربي الماشية على المدى المتوسط والطويل.
6. ألم يكن من الأجدر بالحكومة وضع حد للمضاربين والسماسرة الذين يلهبون الأسواق برفع الأسعار؟
يجب أن تكون محاربة المضاربات وضبط الأسواق أولوية قصوى لحماية المستهلكين وضمان العدالة الاجتماعية. يتطلب ذلك تشديد الرقابة على الأسواق وفرض عقوبات صارمة على المضاربين، إلى جانب تفعيل آليات مراقبة الأسعار.
للأسف، أصبحت العديد من المنتجات الأساسية تحت سيطرة المضاربين والمحتكرين، مما يزيد من معاناة الأسر المغربية. لو عملت المؤسسات الرقابية بجدية وفعالية، لكانت الأوضاع مختلفة، خاصة في ظل التحديات المناخية والاقتصادية التي تواجه المغرب.
7. فشلت تجربة استيراد الأضاحي العام الماضي في خفض الأسعار. ما السبب في ذلك؟
غياب آليات مراقبة صارمة حال دون استفادة المواطنين من انخفاض الأسعار. بمجرد دخول القطيع المستورد إلى الأسواق، لم يكن هناك تتبع لضمان توجيهه إلى المستهلكين، مما أدى إلى استمرار ارتفاع الأسعار.
هذا الوضع دفع الملك إلى التدخل هذا العام، موجّهًا رسالة واضحة للحكومة بأن الإجراءات السابقة لم تكن في صالح المواطنين.
8. كيف يمكن استعادة عافية القطيع الوطني؟
يجب الاستثمار في البحث العلمي والتكنولوجيا لتطوير سلالات محلية أكثر مقاومة للجفاف، وتحسين إدارة الموارد الطبيعية مثل المياه والمراعي، بما يعزز الإنتاجية بشكل مستدام.
9. ما الخطوات اللازمة لردع المضاربين؟
يجب تعزيز آليات المراقبة، وفرض عقوبات صارمة على المخالفين. كما يمكن إنشاء منصات رسمية لبيع المواشي بأسعار مدعومة، مما يضمن الشفافية ويحد من المضاربات.
10. هل يعود غلاء أسعار اللحوم إلى المضاربات أم لقلة العرض؟
الغلاء ناتج عن عوامل متعددة، منها الجفاف وزيادة الطلب، لكن المضاربات والجشع يفاقمان المشكلة، ما يتطلب تدخلاً حازمًا لضبط الأسواق.
11. ماذا عن أزمة ارتفاع أسعار الأسماك، مثل “السردين”؟
غياب الرقابة على سلسلة التوزيع يؤدي إلى ارتفاع غير مبرر للأسعار. الحل يكمن في تقليل عدد الوسطاء، ودعم الصيادين لبيع منتجاتهم مباشرة للمستهلكين بأسعار عادلة.
12. لماذا لا تفعل الحكومة آلية مراقبة الأسعار لحماية المستهلك؟
في ظل الارتفاع غير المبرر للأسعار، يصبح من الضروري تحديد سقف لبعض المنتجات الأساسية. الاحتكار والريع من أخطر التهديدات التي تواجه الاقتصاد المغربي، مما يستوجب تدابير حازمة لحماية المواطنين وضمان استقرار الأسواق.