عاد الجدل بداية العام الجاري في الجزائر بشأن صندوق نفقة الأمهات الحاضنات الذي أعيد تفعليه بعد تجميده منذ ثلاث سنوات، خطوة اعتبرها كثيرون إيجابية لصالح النساء الحاضنات في ظل تزايد أعباء تربية الأطفال والتكفل باحتياجاتهم من ملبس،غذاء وعلاج ، بعد أن يتخلى بعض الأزواج عن مسؤولياتهم تجاه أبنائهم، سواء بسبب العجز المادي أو المماطلة في الدفع. أين يصبح الأطفال ضحايا هذا الوضع. وتشكل النفقة التزاما أساسيا يقع على عاتق الزوج ، كما يعد الامتناع عن دفعها عمدا جريمة يعاقب عليها قانون العقوبات.
ماهو صندوق النفقة؟
هو منظومة قانونية تحوز آليات لتمكين الدولة من التكفل بالأطفال المحضونين ومتابعة طلبات المطلقات بحيث تحل محل المدين بالنفقة (الزوج) في حال تعذر عليه دفعها.
أُنشئ هذا الصندوق في عام 2015 ، ثم أعيد تفعيله بعد أن كان مجمداً منذ عام 2021. كانت وزارة التضامن الوطني والأسرة وقضايا المرأة تشرف على إدارته قبل أن يحول الى وزارة العدل بعد أن تراكمت عليه ديون كبيرة نتيجة ضعف التحصيل .
ويهدف الصندوق إلى حماية الحقوق الأساسية للطفل في حالة طلاق والديه و ضمان العيش الكريم له و لحاضنته ” صندوق النفقة إلتزام أخلاقي وإنساني واجتماعي للدولة للتكفل بالطبقات الهشة والمستضعفة استنادا إلى ما جاء في الدستور الجزائري”. حسب وزير العدل الجزائري رشيد طبي .
و يمنح صندوق النفقة مبلغًا ماليًا يُقدر ب 6000 دينار جزائري لكل طفل أي مايعادل 30 دولار.
التعديل الجديد : تحسينات في سرعة الإجراءات ودعم مباشر للنساء الحاضنات
عرفت التعديل الجديد لقانون النفقة تخفيف إجراءات الاستفادة من المستحقات وإنشاء مكاتب على مستوى المحاكم لتقريبها من المستفيدين, كما سرع آجال الاستفادة لأقصى حد بحيث لا تتعدى 42 يوما من بداية تشكيل ملف الاستفادة إلى غاية الحصول على النفقة.
كما تأسست وزارة العدل كطرف مدني في القضية التي تُرفع لتحصيل أموال النفقة من الطليق المدين الممتنع، الأمر الذي سيعفي الحاضنة من أتعاب التنقل وسداد مستحقات المحامي.
قرار إعادة تفعيل صندوق النفقة ثمنه كثيرون خاصة الفاعلين في الساحة الحقوقية والجمعوية الجزائرية ، حيث قال مشاركون في ندوة نظمتها جمعية “حورية للمرأة الجزائرية” مطلع جوان 2024 ، بعنوان” قانون النفقة في ظل التعديل الجديد”، أن التدابير الجديدة الخاصة بإعادة تفعيل صندوق النفقة خطوات متقدمة، وتصب في مصلحة الحفاظ على كرامة المرأة المطلقة وأطفالها” .
الناشطة الحقوقية نبيلة واضحي، أكدت لمنصة “هن” أن التعديلات الجديدة مهمة، رافضة تسميته بصندوق المطلقات، حيث ترى أن غايته الإنفاق على الأطفال إذ يمكن أن تكون الأم الحاضنة، الأم، الخالة، الجدة، أو العمة وليست والدته بالضرورة.
ويحمل القانون الجديد حسب واضحي الكثير من النقاط الإيجابية تصب في صالح المرأة الجزائرية مثل تسهيل الإجراءات للمرأة الحاضنة أمام المحكمة بتقديم محاضر عدم الدفع والأحكام من أجل تسديد مبالغ مالية عن طريق صندوق النفقة.
من جهتها أشادت فاطمة سعيدي، النائبة البرلمانية السابقة، في مقابلة مع منصة “هن” خلال الندوة ، بالإيجابيات التي جاء بها التعديل الجديد لقانون النفقة، حيث تضمن تحسينات قانونية مهمة مثل تحديد آجال تسليم الأموال وإسناد وصاية صندوق النفقة إلى جهة واحدة هي وزارة العدل بالتنسيق مع الخزينة العمومية، بالإضافة إلى دقة المصطلحات، حيث تم استبدال مصطلح “النفقة” بمصطلح “مبلغ مالي” لمنع التأويلات القانونية، مما يسهم في تسهيل عمل القضاة. كما أشارت إلى أن المواد 16، 17، و18 ضبطت التحصيل المالي من المدانين الذين تراكمت عليهم ديون بسبب عدم دفع النفقة.
ومع ذلك، لفتت سعيدي إلى أن هذا التعديل، رغم ما يحمله من نقاط إيجابية، لا يخلو من بعض الثغرات القانونية. أبرزها تتعلق بعدم انسجام المادة 75 من قانون الأسرة مع المواد المعدلة، حيث تنص المادة على أن المستفيدين من النفقة هم الأطفال القصر، بينما تحتاج الفتاة إلى نفقة والدها حتى تنتقل إلى بيت زوجها، كما يتوجب على الأب الاستمرار في الإنفاق على الابن الذي لا يزال طالبًا ويحتاج من ينفق عليه.
و تشير أرقام بيان السياسة العامة لسنة 2022 أن ” أكثر من 5455 امرأة حاضنة وأكثر من 8832 طفل استفادوا من الصندوق” .
التهرب من دفع النفقة …قصة لا تنتهي
تجد بعض النساء أنفسهن في أروقة المحاكم لتحصيل النفقة من أجل إعالة أولادهن بعد الطلاق ، حيث سجلت الجزائر زيادة ملحوظة في حالات الطلاق، حيث تشير إحصائيات عام 2022 إلى وقوع 44 ألف حالة طلاق وخلع في النصف الأول من العام، بمعدل 240 حالة يومياً أو 10 حالات في الساعة الواحدة، معظمها ضمن الفئة العمرية بين 28 و35 عاماً.
ليلى(اسم مستعار) أم حاضنة تروي لمنصة “هن” العراقيل التي واجهتها خلال مطالبتها بنفقة اولادها بعد تهرب زوجها من دفعها ” بعد الطلاق بدأت معاناتي مع النفقة حيث تهرب طليقي من الدفع رغم قرارات المحكمة التي كانت لصالحي، عراقيل عديدة واجهتها منها المصاريف الكثيرة خاصة القضائية، الحاضنة غير الميسورة من المستحيل أن تطالب بحقوقها خاصة في ظل تدني قيمة المنحة حيث تقدر النفقة الغذائية بخمسة آلاف دينار (ما يعادل 25 دولار) وثمانية آلاف دينار(ما يعادل 50 دولار) بدل الإيجار، مع العلم أن القانون يلزم الطليق بتوفير المسكن لكن المعمول به هو أن المدعي يلجأ مباشرة لبدل الإيجار، دون نسيان التحايل على دفع النفقة، والتوقف عن الدفع بمجرد وصول الأولاد للسن القانونية.
هاجر (اسم مستعار) أم حاضنة لم تلجأ لصندوق النفقة لأنها عاملة ” طليقي تهرب من الدفع لمدة 11 شهرا في فترة الكورونا، رغم أنني كنت متوقفة عن العمل لمدة سنة، لكنه لم يدفع ، ما جعلني أتوجه للجمعيات من أجل مساعدتي ،لدي أربعة أولاد ، استلفت مبلغا من أجل رفع قضية نفقة ، القاضي قام بادانته لكن دون غرامة أو حبس بسبب مكانته الاجتماعية والعلمية”.
وتضيف هاجر ” بعد ست سنوات رفعت قضية مراجعة نفقة ابنتي التي تبلغ من العمر 13 سنة، لكنه تحايل على القانون وأثبت للمحكمة أنه مريض ويحتاج المال وأنني امرأة عاملة أستطيع أن أنفق على ابنتي ،حكمت المحكمة لصالحي لكنه تحايل في الدفع كالعادة”.
توصيات لسد الثغرات
أصدرت الندوة الحقوقية “قانون النفقة في ظل التعديل الجديد”، التي عُقدت في الجزائر العاصمة في 1 جوان 2024 مجموعة من التوصيات لسد الثغرات الموجودة في قانون النفقة أبرزها تحديد المستفيدين و ضبط الفئات التي تستحق النفقة وفق القانون الجديد واستبعاد غير المستحقين، الإشارة إلى تأثير الأجور المحدودة على قدرة المحضون له في تسديد النفقة بانتظام .
كما اقترحت إنشاء هيئة لمتابعة توفر الشروط في المستفيدين من الصندوق وإنشاء آخر تابع لوزارة التضامن للتكفل بالأرامل، الأيتام، زوجات المفقودين والغائبين وأولادهم.
في الختام، على الرغم من أهمية التعديلات التي تم إدخالها على قانون النفقة في الجزائر، إلا أن غياب مشاركة الجمعيات النسوية في سن هذه القوانين يثير تساؤلات حول مدى شمولية هذه التشريعات وفعاليتها. إن عدم إشراك هذه الجمعيات، التي تمتلك خبرة طويلة في الدفاع عن حقوق المرأة وحمايتها، قد يؤدي إلى ثغرات في القوانين الجديدة وعدم تلبيتها لكافة احتياجات النساء الحاضنات. لذلك، يجب أن يكون هناك دور أكبر وأكثر فاعلية لهذه الجمعيات في عملية التشريع لضمان حماية حقوق النساء والأطفال في المجتمع بشكل كامل.