طالبات فاس ينتفضن من أجل تحسين النقل والسكن  

في مشهد يعكس عمق الأزمة التي تعيشها الجامعة المغربية، عرفت مدينة فاس خلال بداية الموسم الجامعي 2025 موجة جديدة من التحركات الطلابية قادتها طالبات الأحياء “الجامعية سايس 1 و3″، إلى جانب  طالبات ينتمين إلى “الاتحاد الوطني لطلبة المغرب” و”النهج الديمقراطي القاعدي”، تنديدا بالأوضاع المزرية التي تعرفها البنية التحتية لمؤسسات السكن الجامعي العمومي. 

وجاءت هذه التحركات كرد فعل على استمرار التهميش وغياب الإصلاحات الموعودة، مقابل تصاعد القمع والتضييق على الحركات الاحتجاجية في مختلف المدن المغربية.

وخرجت الطالبات إلى شوارع مدينة فاس في ليلة السابع من أكتوبر، في حراكٍ مستمر لأيام؛ ليعبرن عن استيائهن من واقع البنية التحتية المتدهورة، والتأخر الدائم في أشغال الترميم، وضعف الطاقة الاستيعابية التي حَرمت عددًا كبيرًا من الطالبات من حقهن في السكن الجامعي، إضافة إلى مشاكل النقل اليومي، وسوء التغذية، والانقطاع المتكرر للماء والكهرباء. 

كما حمّلن إدارة الحيين الحامعيينِ وجماعة فاس وشركة النقل مسؤولية تدهور الأوضاع، مؤكدات على عزيمتهنَ في الاستمرار في النضال دفاعًا عن حقهن في ظروف عيش ودراسة كريمة.

وجاء في بلاغ لـ”الاتحاد الوطني لطلبة المغرب” بالحيين الجامعيين “سايس” واحد و ثلاثة، أن طالبات الأحياء الجامعية “سايس 1 و3 جسّدن مسيرة نضالية إلى جانب رفيقاتهن في النهج الديمقراطي القاعدي، وذلك تنديدًا بالوضع العام الذي يعيش على إيقاعه الشعب المغربي، خاصة القمع الذي تم التعامل به مع مختلف الاحتجاجات الشعبية التي خاضها أبناء الشعب في عدة مدن على أرضية مطالب تتعلق بالصحة والتعليم والحق في العيش الكريم”.

وأضاف البلاغ أن “المسيرة النضالية، التي نظّمت يوم 7 أكتوبر 2025، جاءت أيضًا للتنديد بجملة من الإشكالات التي يعيش على وقعها الحيّان الجامعيان سايس 1 و3، وعلى رأسها أشغال الترميم التي لا يبدو أنها ستنتهي، وتخصيص قدرة استيعابية هزيلة للطالبات الجدد بسبب تأخر الأشغال، وعدم خفض ثمن تذاكر وانخراطات النقل، خصوصًا الخط رقم 31 الرابط بين المركبين الجامعيين ظهر المهراز وسايس، فضلًا عن استمرار إغلاق عدد من المرافق الضرورية داخل الأحياء الجامعية”.

وأشار البلاغ إلى أن الطالبات “عبّرن عن سخطهن من هذه الوضعية الكارثية، مؤكدات استعدادهن لخوض أشكال نضالية تصعيدية في الأيام المقبلة دفاعًا عن حقهن في العيش الكريم والتمدرس في ظروف لائقة”.

كما جاء في البلاغ الثاني الصادر بتاريخ 12 أكتوبر 2025 عن الاتحاد الوطني لطلبة المغرب – الحي الجامعي سايس 3، أن “الطالبات خضن شكلًا نضاليًا جديدًا وذلك وقوفًا على مجموعة من الممارسات التي تهدف إلى إقصائهن من الاستفادة من مكتسباتهن داخل الحي الجامعي”.

وأوضح البلاغ أن “هذه الممارسات تتجلى في الانقطاع المفاجئ للماء، وضعف شبكة الويفي، والبنية المهترئة للمرافق، حيث عبّرت الطالبات عن رفضهن لهذا الاستهداف الممنهج، مجدّدات تأكيدهن على استعدادهن لخوض أشكال نضالية أكثر تصعيدًا مستقبلاً”.

وفي تصريحها ل منصة “هنَّ”، أوضحت عبير، وهي طالبة بكلية الآداب بظهر المهراز وقاطنة بالحي الجامعي “سايس 1″، أنه “في الوقت الذي ترتقي فيه الجامعات الأوروبية وتُعد قاطرة للبحث العلمي والابتكار، مازالت الجامعة المغربية تعاني من واقع مزرٍ ومتدنٍّ جراء السياسات التي ينهجها النظام القائم بالمغرب على قطاع التعليم، شأنه شأن باقي القطاعات الحيوية من صحة وشغل وغيرها”.

وأضافت عبير أن “الطالب(ة) المغربي(ة) اليوم يعيش تحت رحمة منظومة تعليمية فاشلة تنعدم فيها شروط الجودة والحرية الفكرية، على عكس ما يتبجح به المسؤولون في شعاراتهم الزائفة، والدليل هو الهجوم المستمر على التعليم العمومي عبر سياسات وقوانين تهدف إلى القضاء على مجانيته، آخرها قانون 59.24 الذي تم تمريره بذريعة إصلاح المنظومة التعليمية وضمان شروط التحصيل العلمي، بينما الواقع يكرّس التراجع ويضع الجامعة المغربية في صراع من أجل البقاء بدل أن تكون فضاءً لإنتاج العقول والكفاءات القادرة على بناء المستقبل”.

وتابعت الطالبة حديثها لـ”هنّ”، مؤكدة على أن “معاناة الطلبة تتجدد مع بداية كل موسم جامعي بسبب غياب النقل الجامعي وضعف الأسطول المتوفر ورداءته، وغلاء ثمن التذاكر، وتأخر فتح الأحياء الجامعية الذي يحرم طلبة الروافد من متابعة محاضراتهم، إلى جانب تأخر صرف المنح وعدم تعميمها، ما يدفع الكثيرين إلى الانقطاع عن الدراسة”. 

كما سلطت عبير الضوء على وضعية الطالبات بشكل خاص، وخاصة في الأحياء الجامعية بمدينة فاس، مشيرة إلى أن “الطاقة الاستيعابية المحدودة تؤدي إلى إقصاء عدد كبير من الطالبات من حقهن في السكن الجامعي، وبالتالي حرمانهن من متابعة دراستهن، ناهيك عن البنية التحتية المهترئة التي تهدد سلامتهن بحوادث متكررة بسبب التماسات الكهربائية مع الماء أو انهيار الأسقف، والتي لطالما كادت أن تودي بأرواحهنَ مرارًا وتكرارًا، خاصة في الحيين الجامعيين سايس 1 وسايس 3”. 

وأوضحت أن الطالبات يعانين أيضًا من “غياب المرافق الأساسية كالمقصف والمكتبة والمطبعة والمصحة، وضعف النظافة والصيانة والانقطاع المتكرر للماء والكهرباء وسوء التغذية، فضلًا عن ضعف صبيب الإنترنت.” وأضافت أن “الحي الجامعي الذي يُفترض أن يخفف من أعباء المعيشة أصبح عبئًا نفسيًا وجسديًا على الطالبات”. 

وفي ما يتعلق بمشكل النقل، أكدت عبير أن “طالبات الحي الجامعي سايس 1 اللواتي يدرسن بظهر المهراز يعانين يوميًا بسبب أسطول الخط 31 الذي لا يتجاوز حافلتين فقط، وهو غير كافٍ لاستيعاب العدد الكبير من الطالبات، إضافة إلى تهالك الحافلات وغياب شروط السلامة وغلاء التذاكر وبعد محطة التوقف عن باب الحي، ما يجبرهنَ على الخروج في ساعات مبكرة وفي الظلام، مما يعرضهن للتحرش الجنسي والسرقة بالأسلحة البيضاء”. 

كما تطرقت إلى وضع مطعم الحي الجامعي الذي وصفته بـ”الكارثي”، قائلة: “بدل أن يقدم وجبات متوازنة وصحية بثمن رمزي، يقدم وجبات هزيلة وضعيفة الجودة، تفتقر إلى العناصر الغذائية الأساسية، ولا تراعي المعايير الصحية، ما يسبب أمراضًا مزمنة للطلبة، خاصة على مستوى الجهاز الهضمي”.

وأوضحت أن “تأخر صرف المنح وعدم تعميمها يحرم عددًا كبيرًا من الطالبات من متابعة دراستهن، في ظل أوضاع اجتماعية صعبة ومعاناة طبقية متزايدة”. 

وفي ختام تصريحها، علّقت عبير على أشغال الترميم داخل الحي الجامعي قائلة: “كنا ننتظر أن تفي الإدارة بوعودها في تحسين ظروف العيش داخل الحي، لكننا تفاجأنا بواقع صادم، حيث تبين أن ما يسمونه ترميمًا ليس سوى تخريبًا مقنعًا، وذريعة لإقصاء عدد كبير من الطالبات عبر تقليص الطاقة الاستيعابية وإغلاق أجنحة كاملة، رغم أننا التزمنا بإفراغ الغرف الموسم الماضي في فترة حساسة تزامنت مع الامتحانات”. 

وخلصت عبير إلى أن هذا الواقع “يطرح أكثر من سؤال حول جدية الجهات المسؤولة، من جماعة فاس إلى شركة النقل وإدارة الحي الجامعي، ويبقى السؤال الجوهري الذي نطرحه نحن الطالبات: إلى متى سيظل الحي الجامعي عنوانًا للبؤس بدل أن يكون فضاءً للكرامة والمعرفة؟”.

اقرأ أيضا

  • اللاإنجابية.. نساء يتمردن على غريزة الأمومة في مواجهة مع المجتمع

    "لا أتصور نفسي صحبة رضيع طوال الوقت، أتكلف بكل تفاصيل يومه، جهد كبير جدا لا أجدني مستعدة له، بل لست على استعداد لأحمل ثقلا لتسعة أشهر، وأشتغل، وأسافر… لدي طموح أكبر من إنجاب أطفال أهديهم حياتي التي بنيتها بعناء، وجهد"، هكذا بدأت أسماء تفسر قرارها في ما بات يعرف بـ"اللاإنجابية"، وهو قرارٌ طوعي بعدم إنجاء…

    سناء كريم|

    03.12.2024

  • جحيم شركات “الكابلاج”.. بديل للبطالة ينهك صحة المغربيات 

     "صحتي مشات"، تقول صفاء بصوت منهك، يعتريه حزن وحنق كبيران، قبل أن تظهر الشابة ذات الـ29 سنة أوراق الفحوصات والشواهد الطبية التي تؤكد إصابتها بمشاكل في الظهر والعمود الفقري، بعد أربع سنوات من العمل في إحدى الشركات المتخصصة في صناعة الأسلاك الكهربائية، والموجهة لصناعة السيارات بمدينة القنيطرة. الشابة الحاصلة على إجازة في علم الاجتماع، تحكي…

    هاجر اعزة|

    18.07.2024

  • شاهدة على مأساة مليلية| قصة معاناة حواء من السودان إلى المغرب

    بين حوالي ألفي شخص، من المهاجرين واللاجئين الذين كانوا في ذلك اليوم الدامي، كانت هناك سيدتان، هما السودانية حواء 47 سنة، والتشادية مريم 20 سنة. وتمثل قصة حواء، فصلاً من فصول مآسي النساء المهاجرات، والهاربات من أتون الحرب والصراعات التي تعصف بالدول الإفريقية، فهذه المرأة رأت الموت مرتين، مرة في دارفور، ومرة عند سياج مليلية.…

    شادي بخاري|

    23.06.2024

  • أميرة محمد: وضع حرية التعبير في تونس أخطر مما كانت عليه في عهدي بن علي وبورقيبة

    منظمات دولية وجمعيات محلية مستقلة في تونس، تنبه إلى تصاعد  مستوى قمع الإعلام وحرية التعبير، وتعبّر عن تخوفها من المحاكمات القضائية لصحفيين وإعلاميين ومعلقين، بسبب الرأي الذي بدأ منسوب حريته يتناقص في البلاد.  وتأتي هذه المتابعات قبل الانتخابات الرئاسية الأولى، في فترة ما بعد الـ25 جويلية 2021، وفي ظل توجه ممنهج لتقويض القضاء، سجن عشرات…

    ريم بلقاسم|

    11.06.2024

  • العنف الزوجي في تونس.. قصص ضحايا موروثٍ اجتماعيٍّ طبع مع العنف

    سامية إحدى النساء ضحايا العنف الزوجي، كانت تبلغ 19 عاما عندما تم تزويجها من الشاب "الحلم" في قريتها، وهو عامل من التونسيين بالخارج يمتلك سيارةً ومنزلًا، قبل أن يتحول الحلم إلى كابوس، ويحول معه عش الزوجية إلى مكان للتعنيف. تبذل جهدا في تجميع أنفاسها، فما ستقصه لمنصة "هنَّ "، لم تتمكن من تجاوزه بعد، رغم…

    ريم بلقاسم|

    14.10.2024

  •  مطرقة الجريمة وسندان الاتهام.. واقع الناجيات من الاغتصاب في موريتانيا

    في مجتمع يجرّم الكلام عن العنف الجنسي والجسدي ويعتبره وصمة عار، سواء داخل المنزل أو في المحيط الاجتماعي، تواجه الناجيات عقبات كبرى تحول دون حصولهن على حقوقهن. “سأفضح العائلة” تروي فاطمة (اسم مستعار)، وهي شابة موريتانية، قصتها قائلة: “عشت لحظة رعب عندما تعرضت للاغتصاب من قبل ابن خالي الذي كان يقيم معنا في المنزل. بعد…

    مريم إسحاق إبراهيم|

    23.08.2025

  • من زواج الإكراه إلى جرح الغدر! صرخة امرأة تكشف عجز حماية النساء في المغرب

    ظنت إيمان أن الجحيم انتهى بعد الطلاق، لكنها كانت مخطئة، حيث مازال الوحش يتربص بها أينما حلت وارتحلت، ليقدم على الاعتداء عليها بأبشع صورة باستخدام السلاح الأبيض، أمام المارة في الشارع العام. إيمان ذات الـ26 ربيعًا، حاولت الهروب، لكنها لم تستطع، أمسكت وجهها بكلتا يديها، فاختلط دمعها بدمها، كان الألم فظيعا، فقاومته بعجز واستسلام، وبينما…

    عفراء علوي محمدي|

    08.10.2025

  •  “مواطنون من الدرجة الثانية”.. معاناة ذوات الإعاقة من الوصم والإقصاء في سوق العمل

    "عندما أرسل سيرتي الذاتية إلى الشركة، ينبهر المدير عند رؤيتها لأول وهلة، لكن ما إن يراني شخصيًا حتى يتغير كل شيء. يُطلق كلمات الإعجاب: 'برافو، سنتصل بك قريبًا'، لكن ذلك 'القريبًا' لا يأتي أبدًا، تاركًا خلفه شعورًا مريرًا بالرفض، خاصة عندما ترى علامات ذلك الرفض في نظرات المدير وهو يقلبني منذ دخولي المكتب، ينظر إلى…

    أميمة عدواني|

    11.06.2025

  • الفيديوهات

  • “لم نتوصل بالدعم”..نساء الحوز يكشفن الوجه الآخر لإهمال ضحايا الزلزال

    يبدو أن بلدة مولاي إبراهيم بإقليم الحوز، جنوب مدينة مراكش، لن تتعافى قريبا من تبعات الزلزال الذي بعثر سبل العيش هناك، خاصة أن أغلب سكان البلدة كانوا يعيشون على نشاط السياحة الداخلية التي يجلبها ضريح مولاي إبراهيم، فالتجارة والإيواء وخدمات أخرى توفرها الساكنة، خاصة نسائها، توقفت اليوم بشكل كلي، ولا أمل يلوح في الأفق لعودة…

  • محاكمة عسكرية للمعارضة التونسية شيماء عيسى

    لم تغلق المحكمة العسكرية بعد، ملف محاكمة شيماء عيسى، المعارضة التونسية والقيادية في جبهة الخلاص الوطني، فقد تم تأجيل جلسة، محاكمتها إلى 10 أكتوبر، القادم.

  • ختان البنات موروث ملطخ بالدم

    تنتشر ظاهرة ختان الإناث بصورة كبيرة في عموم مناطق موريتانيا، إذ تحتل البلاد المرتبة الثامنة عالمياً. ويعتبر ختان البنات موروثاً وتقليداً في المجتمع الموريتاني ويهدف إلى المحافظة على عذرية البنات و"تهذيب شهوتهن" الجنسية، وفقا للمدافعين عنه بينما تشجب فئات اجتماعة أخرى في البلاد هذه الظاهرة.

  • فاطنة بنت الحسين.. أسطورة العيطة وأيقونة الفن الشعبي في المغرب

    ولدت فاطنة بنت الحسين في منتصف الثلاثينات بمنطقة سيدي بنور، التابعة لدكالة، من عائلة قروية محافظة رفضت ولوجها مجال الغناء، نظرا للسمعة السيئة التي كانت ملتصقة بـ"الشيخة" وقتها. انتقلت فاطنة إلى مدينة اليوسفية، وهناك انضمت إلى فرقة "الشيخ المحجوب"، وزوجته "الشيخة العبدية"، لتحصد شهرة واسعة وصل مداها إلى مدينة آسفي، معقل "العيطة الحصباوية"، وبعدها مدينة…

  • ناسجات الحياة.. نساء بالحوز ينسجن الزرابي بين أنقاض الزلزال

    بالقرب من مركز جماعة أسني بإقليم الحوز، اجتمعت أربع نسوة بدوار "أسلدا" ينسجن الزرابي، بحثا عن مورد رزق، في كوخ من القصب ومغطى بالبلاستيك وورق التعليب، بعد أن دمر الزلزال المكان الذي كن يشتغلن فيه، والذي كان مقرًا لـ"جمعية الدوار"، قبل أن يحوله الزلزال إلى أطلال. في البداية، تحديدًا قبل ثلاثة سنوات من جائحة "كورونا"؛…