صماء برتبة سامعة في مجتمع الصم وسامعة برتبة صماء في مجتمع السامعين”، هذا تحكي لـ”هنَّ”، أماني شرميطي عن نفسها مختصرةً حياة الصم ومعاناتهم، وهي فعلا كما تصف، محاورة جيدة، تغني وترقص وتحب الموسيقى، تلعب وتضحك بشراهة، وتتحدث لغة الإشارات باعتبارها فاقدة للسمع منذ صغرها.
التقت منصة “هنَّ”، بأماني في إحدى المقاهي وسط العاصمة تونس، كانت مفعمة بالحياة، وابتسامةٌ صافيةٌ لا تفارق وجهها، تتكلم بوضوح ويستحيل تقريبا أن يدرك محدثها أنها فاقدة للسمع، إذ تعلمت منذ سنوات طفولتها وبعد أن أصيبت بصمم عميق أن تقرأ الكلام على الشفاه قبل أن تسمعه وأن تصغي بروحها لكل كلمة تقال.
“الفضل لأمي”
تبلغ أماني 32 سنة، وهي خريجة هندسة وتشتغل اليوم كرئيسة قسم في “شركة الغاز والكهرباء” التونسية، هي حقيقة قصة نجاح باهرة،
تتحرك بطلتها في جميع الاتجاهات وتأبى الإستسلام، وتخلق في كل مرة من الضعف قوتها وسلاحها، تعشق التحدي وتجديد الانتصارات. عائلتها سندها، وأمها محرك حياتها ومصدر طاقتها، وفق ما تقول لهذه المنصة.
بعيون دامعة تقول أماني، “بفضل أمي أصبحت ما أنا عليه اليوم، سخرت حياتها وجهدها كله طيلة عمرها من أجل نجاحاتي، هي من علمتني أني قادرة على فعل أي شيء، وأن فقدان السمع ليس عائقا أو حاجزًا للوصول إلى أحلامي”.
وتنشط أماني الشرميطي في “الأكاديمية الرياضية والتربوية للصم” بتونس، وهي نائبة رئيسها، وتعمل اليوم بكل جهد على دعم ذوي الإعاقة السمعية، ومساندتهم في مساراتهم التربوية والمهنية.
وتشدد في حديثها لـ”هنَّ”، “نحن فئة تتعرض كثيرا للتنمر ولا تمنحنا الدولة أي تمييز إيجابي نظرا لفقداننا السمع، الجزء الأكبر منا أميٌّ لا يعرف القراءة ولا الكتابة، يعيش معزولًا اجتماعيًا يصعب عليه التواصل مع الآخرين، وتقتصر معارفه على فئة ذوي وذوات الإعاقة السمعية”.
“شخصيا أعتبر أن العائلة هي الداعم الأول لذوي وذوات الإعاقة.. ومن الضروري اليوم أن تشتغل الدولة أكثر على المدارس الدامجة، وأن تمنح ذوي وذوات الإعاقة الفرصة لأن يكونوا في مسارات التعليم العادي وأن يندمجوا في مجتمعاتهم، وأن يكونوا مواطنين ومواطنات فاعلين وفاعلات خارج دائرة الإقصاء والتمييز”، توضح أماني.
وتضيف بيقين تام، وفرح ظاهر على وجهها، “حين يكتب الله لزهرة أن تُزهر داخل صخرة صلبة ستُزهر.. وهكذا جميعُ أمورنا”.
وتصل فئة الأشخاص من ذوي وذوات الإعاقة السمعية إلى حوالي 120 ألف شخص في تونس، وفق أرقام “الجمعية التونسية لمترجمي لغة الإشارات”.
90 بالمائة أميون
وتعتمد هذه الفئة في تواصلها على لغة الإشارة والتواصل الشامل، و90 بالمائة منهم لا يعرفون لا القراءة ولا الكتابة وهم بصدد مواجهة ضعف شديد في اعتماد لغة الإشارة سواء في المؤسسات العامة أو الخاصة.
ويعتبرون من الفئات التي يفترض أن تتلقى وتتمتع بنفس المسار التعليمي لبقية الأطفال داخل المدارس العمومية أو الخاصة، على أساس مبدأ تكافؤ الفرص والحق في التعليم، باعتبارهم أشخاصًا لهم القدرة على اكتساب نفس التحصيل المعرفي لبقية التلاميذ في حالة وفرت الدولة ومؤسساتها التربوية محيط تربوي مهيأ لهم ولطبيعة الإعاقة التي لديهم، وأخذ المعلم عند تقديمه لبرنامجه التعليمي بعين الاعتبار أن أحد تلاميذه من ذوي أو ذوات الإعاقة السمعية.
ويعاني نحو 40 بالمائة من هذه الفئة من إعاقة سمعية عميقة، والبقية تكون لديهم إعاقة سمعية ضعيفة أو يعانون من نقص في السمع بدرجات متفاوتة، ويمثل كبار السن 10 بالمائة منهم من فقدوا السمع نتيجة تقدم العمر، وليسوا في حاجة للغة الإشارات ولا يعتمدونها عموما.
أما البقية ونسبتهم 50 بالمائة، سواء أصيبوا بحادث أو خطا طبي أو ولدوا طبيعيًا حاملين لضعف في السمع، فهم يعتمدون لغة الإشارات لأن الضعف في السمع تدريجيا مع تقدم السن يتحول إلى فقدان سمع عميق، فتكون لغتهم الأساسية هي لغة الإشارة. وتكون هذه الفئة في حاجة إلى منطق لتدعيم قراءة لغة الشفاه، وتعليمهم لغة الإشارة.
ضعف المناهج التعليمية
وتعرف المناهج التعليمية المعتمدة في تونس ضعفًا شديدًا، وتعكس سياسة عامة للدولة التونسية تعامل فيها ذوي وذوات الإعاقة السمعية كمواطنين الدرجة الثانية، حيث يتم انتهاك حقهم في التعليم ويتعرضون للتنمر، والإقصاء من كل مكونات الشأن العام، فالدولة التونسية لا توفر اخصائيين لمساعدة هذه الفئة على الاندماج من منطقين، وإخصائيين اجتماعيين ونفسيين ومختصين في لغة الإشارات أو اعتماد محامل بصرية إلى جانب الكتابة، وهي آلية تعلم موجهة للأطفال المتوحدين وفاقدي السمع بمختلف نسبه العميقة أو النسبية.
ويخلف عدم توفر هذه الآليات آثارًا نفسية لدى الأصم ـ عدم فهم أو عدم القدرة على التواصل ـ وهو ضعف في مناهج التعليم يتسبب في الكثير من المناسبات في توجه الطفل الأصم نحو العنف ويترتب عليه اقصاء وطرد من المدرسة للكثير منهم.