في حوار مع منصة “هنَّ”، تسلط زينب عبد الوفي، العدل الموثقة باستئنافية المحمدية والحاصلة على الدكتوراه في الدراسات الإسلامية، الضوء على التحديات التي تواجه النساء في مهنة التوثيق العدلي.
تتحدث عن العقبات التي اعترضت المرأة عند دخولها هذا المجال، وأبرزها بعض العقليات الذكورية التي رفضت وجودها، سواء داخل المهنة نفسها أو في المجتمع عمومًا.
كما تناقش التعديلات القانونية المقترحة، ومدى تحقيقها لطموحات العدول، إضافة إلى موقع المرأة داخل أجهزة الهيئة الوطنية للعدول.
لماذا اخترتِ مهنة العدل؟
لم أختر المهنة بقدر ما اختارتني الظروف لها. فبعد إصدار الملك محمد السادس قراره عام 2018 بالسماح للمرأة بممارسة التوثيق العدلي، قدمتُ ملفي كغيري من الدكاترة الباحثين عن فرصة عمل. كنت حينها أستاذة مساعدة بجامعة محمد الخامس في الرباط، وبعد تعييني، التحقت بالمهنة.
قرار السماح للمرأة بمزاولة مهنة العدل لاقى بعض الرفض المجتمعي… ألم تخشي من هذه التجربة؟
المرأة المغربية أثبتت كفاءتها في مختلف الميادين، فهي تتمتع بتكوين علمي رفيع وجرأة تجعلها قادرة على خوض غمار أي مهنة. التوثيق العدلي كان بالفعل تجربة جديدة، لأنه ظل لقرون حكرًا على الرجال. لكن النساء المغربيات دخلن المهنة بإرادة وحزم، من مختلف المستويات العلمية، من الإجازة إلى الدكتوراه، وتمكنَّ من ترك بصمة واضحة إلى جانب زميلاتهن في المهن القضائية الحرة مثل المحاماة والتوثيق العصري.
رابطة علماء المغرب العربي أصدرت فتوى ببطلان عقود الزواج التي توثقها النساء. ما تعليقك؟
صحيح، هناك اختلافات فقهية حول المسألة، لكن في المغرب، الجهة الوحيدة المخولة بإصدار الفتاوى الرسمية هي المجلس العلمي الأعلى، الذي يترأسه الملك، وفتاواه ملزمة لجميع المواطنين. المجلس أقر بجواز ممارسة المرأة لمهنة العدل، بما في ذلك توثيق عقود الزواج، وبالتالي لا مجال للجدل بعد هذا القرار الرسمي.
ما هي المشاكل التي تواجه المرأة العدل؟
أبرز التحديات هي إثبات الذات في مهنة اعتاد المجتمع أن يراها حكرًا على الرجال. حضور المرأة في عملية توثيق الزواج ما زال يثير الجدل بين رافض ومؤيد، مما يفرض علينا مضاعفة الجهود لكسب ثقة المجتمع.
إضافةً إلى ذلك، هناك بعض العدول الذكور الذين يرفضون العمل مع المرأة العدل أو مشاركتها مكاتبهم، مستندين إلى اجتهادات فقهية لا تعترف بدور المرأة في هذا المجال. ورغم أن هذه المواقف ليست منتشرة على نطاق واسع، إلا أنها شكلت عائقًا أمام العديد من الزميلات، خاصة في بداياتهن.
كما أن الأزمة الاقتصادية زادت من صعوبة ممارسة المهنة، إذ إن مصاريف كراء المكاتب، وتجهيزها وفق معايير الرقمنة، إضافة إلى المصاريف الإدارية، تشكل عبئًا ماليًا كبيرًا، في ظل أتعاب العدول الموثقين التي ما زالت غير متناسبة مع هذه التكاليف.
بعد تأنيث مهنة العدول، أصبحت امرأتان تقومان بكتابة العقود والشهادة. هل يكفي أن تقوم امرأة واحدة بذلك؟
نعم، من الناحية العملية، يمكن للمرأة العدل أن تحرر العقود بمفردها، خاصة في العقود غير المتعلقة بالأحوال الشخصية. لكن الجدل لا يزال قائمًا بشأن عقود الزواج والطلاق، رغم أن هذا الجدل بدأ في التراجع. ما يهمنا في النهاية هو أن نقدم للأزواج المعلومات القانونية الصحيحة ونساعدهم على بناء أسرة متماسكة.
هل أنصف مشروع قانون العدول المرأة العدل؟
للأسف، التعديلات المقترحة لم ترقَ إلى مستوى تطلعات العدول، رجالًا ونساءً. جميع المهن القضائية الحرة التابعة لوزارة العدل حصلت على مكتسبات، باستثناء العدول، الذين كانوا ينتظرون قانونًا يواكب تطورات المهنة ويحقق الإصلاحات اللازمة.
المسودة الحالية تتضمن تراجعات مقارنة بالقانون 16.03، ولا تعكس المكانة التي يجب أن تحظى بها مهنة التوثيق العدلي. لذلك، هناك غضب كبير داخل صفوف العدول، خاصة أن القانون لم ينصف المرأة العدل مقارنة بزميلاتها في المهن القانونية الأخرى، مثل المحاميات والموثقات.
ما هو موقع المرأة داخل أجهزة الهيئة الوطنية للعدل؟
حاليًا، لا تتمتع المرأة العدل بأي تمثيل فعلي داخل الهيئة الوطنية للعدول أو المجالس الجهوية، باستثناء حقها في التصويت. لا تزال العقلية التقليدية تسيطر على مسار الانتخابات واختيار القيادة، مما يقلل من فرص النساء في تولي مناصب المسؤولية. يجب إعادة النظر في هذا الوضع لضمان مشاركة عادلة للمرأة في إدارة شؤون المهنة.
في الآونة الأخيرة، التحق عدد كبير من الدكاترة بمهنة العدول. ما هي الإضافة النوعية التي قدموها؟
هناك كفاءات علمية عالية في المهنة، لكن للأسف، هذه الطاقات غير مستغلة بالشكل الأمثل. لا توجد مراكز بحث متخصصة في تطوير العمل التوثيقي، ولا جمعيات مهنية قوية تعنى بتكوين العدول الجدد أو تطوير الممارسة.
رغم جهود بعض الأساتذة العدول في الارتقاء بالمهنة، فإن العدد محدود مقارنة بالفئة الكبيرة من الدكاترة الذين التحقوا بهذا المجال. كما أن الحضور الإعلامي والعلمي للعدول ما زال ضعيفًا مقارنة بالمحامين والموثقين العصريين، وهو أمر يحتاج إلى معالجة.
هل تتوقعين أن يكون للمرأة العدل دور مهم في مدونة الأسرة الجديدة، مثل الوساطة أو الطلاق الاتفاقي؟
من بين المستجدات المطروحة في مدونة الأسرة، هناك تعزيز دور الوساطة الأسرية، وهو مجال مهم يمكن أن تساهم فيه المرأة العدل بشكل فعال. حضرتُ عدة دورات تكوينية في هذا المجال، وأرى أن الوساطة الأسرية تلعب دورًا كبيرًا في حل النزاعات الزوجية وتأهيل الأسر.
يجب أن تبدأ الوساطة من لحظة إبرام عقد الزواج، لأن هذا العقد هو شهادة أمام الله، كما قال تعالى: “إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان”… وهدفنا أن نساعد الأزواج على تأسيس حياة زوجية متينة، قائمة على القيم الدينية والأخلاقية السليمة.