البحث عن الاستقرار في بيت دافئ؛ بعيدا عن استغلال الإخوة الذكور المتزوجين؛ كان سببًا دفع كوثر، البالغة من العمر 40 سنة، إلى القبول بزواج الفاتحة. كذلك غياب الحب والاهتمام العائلي، كانا أساسيين لهذا الاختيار، الذي سيكون له ما بعده على المستوى العائلي بالنسبة لها، خصوصا وأنها لم تكمل تعليمها، ولم تستطع العمل بعد وفاة والدها بشكل قانوني، سوى بعض المحاولات في مؤسسات تعليمية؛ مرةً مربية، ومرة مساعدة بدون عقد عمل ولا وثائق قانونية.
بابتسامة تحمل بين طياتها حزن سنوات، وأسى زمن لم تستطع نسيانه، تتذكر كوثر في سردها تجربتها لمنصة “هنَّ”، أنها كانت تعيش في سلام، وكرامة، تحت ظل والدها الراحل، إلا أن الأمر سيتغير بعد وفاته، “أصبحت بمثابة الخادمة في البيت”، لأنها غير مستقلة اقتصاديا، وبعد توالي السنوات، وزواج إخوتها، “انتقلت للخدمة في بيوتهم”.
تقول كوثر في حديثها لـ”هنَّ”، “الجميع يلومني على قرار ارتباطي، وزواجي بالفاتحة، خصوصا أفراد أسرتي الصغيرة، إلا أنهم لم يتساءلوا يوما، لماذا قررت الاستقلال بذاتي، والخروج من منزل والدي الكبير، لأشتري بيتًا في حي شعبي، والعمل طباخة في مطعم مدرسي، ومساعدة… كنت أبحث عن أي عمل شريف يقيني تجبر زوجات إخوتي، وسخرتي لهم كلما حل ضيوف ببيوتهم، وللتنظيف الكبير للبيت قبيل كل مناسبة… في غياب تأمين إخوتي لمصاريفي اليومية، وصمت والدتي مخافة غضبهم”.
عدم الاستقرار المادي، تضيف كوثر بعينين دامعتين جعلتها تقبل بأول عريس يطرق باب حياتها في الحلال، “تعبي من العمل اليومي في ساعات مبكِرة بدون مردود مادي محترم، جعلني أقبل الزواج من رجل مسن ومتقاعد، لديه زوجة وأبناء، بل وحفدة، على الأقل سأعيش في منزل مستقل، باستقرار مادي محترم…لكن أحلامي تبخرت بعد عشرة سنتين، لسوء حظي كان زوجي عنيف، وبخيل جدا، بل فرض علي هو الآخر الذهاب كل أسبوع لخدمة زوجته المريضة، وأبنائه المستقرين في إحدى البوادي القريبة من المدينة التي كنا نسكن بها”.
وتردف قائلة، “حاولت كثيرا الصبر على حياة لم أكن أتصورها، لكن كثرة الخصام، وتوالي تعنيفي، أمام رفض أسرتي التدخل عجلَا باتخاذ قرار الطلاق… وهذا ما كان، لأعود إلى نقطة البداية، رفضت العودة إلى خدمة أسرتي، وإخوتي عند الطلب… تعرفت على زوجي الحالي، متزوج ولديه أبناء، اقترح عليّ زواج الفاتحة -أمام الله تعالى- خصوصا وأنه يعمل بمؤسسة من المفروض عليه وضع طلب التعدد، وانتظار قبول أو رفض طلبه”.
الهروب من الجحيم إلى النار
هروب كوثر من واقع أتعبها نفسيا، وضعها بين قرارين، الاستمرار في العيش في ظل الأزمة المادية، أو الرضوخ إلى مقترح زواج الفاتحة، خصوصا وأن محمد، كان مثالا للسند، عاشا “قصة حب حقيقية” حسبما تقول كوثر.
“أحببنا بعضنا، بل كانت بيننا خيوط لا متناهية من التفاهم والراحة المتبادلة، لذلك وافقت على طلبه، وهكذا اقتنيت شقة بما جمعته من مال، وأكمل هو الباقي، رتبناها معا بالشكل الذي نريد… ولسنوات نعيش حياة جميلة لا ينغصها سوى رفض إخوتي تقبل الفكرة بشكل مطلق”، تشرح كوثر.
هروب كوثر من واقع أتعبها نفسيا، وضعها بين قرارين، الاستمرار في العيش في ظل الأزمة المادية، أو الرضوخ إلى مقترح زواج الفاتحة، خصوصا وأن محمد، كان مثالا للسند، عاشا “قصة حب حقيقية”
في البداية لم تكن أسرة كوثر على علم بقرار زواجها بالفاتحة، لكن بعد سنتين أخبرت والدتها، وعن طريق الأم علم إخوتها، وبعض أفراد الأسرة بذلك، ومع توالي الشهور تقبلت والدتها وأخواتها الفكرة، إلا أن إخوتها الرجال رفضوا الأمر بشكل مطلق، وأعلنوا القطيعة معها، رافضين دخول زوجها محمد إلى بيت الأسرة إلى حين ترسيم زواجهما.
وهكذا انتقلت كوثر من حياة اعتبرتها جحيما، إلى وضع كأنه نار حارقة بسبب نبذ إخوتها لها، وعدم اعترافهم بزواج وهمي تم بقراءة الفاتحة بين أطراف القران دون توثيقه رسميا.
طابو منتشر
ليست هناك أرقام، أو دراسات مباشرة عن زواج الفاتحة بين النساء البالغات، فالجدل المتجدد في المغرب لازال متجها نحو تزويج الطفلات القاصرات بالفاتحة، بين مطالب الإبقاء عليه على اعتبار أن الزواج في الشريعة الإسلامية؛ لا يشترط فيها إلى رضا الطرفين والإشهاد، ومطالب توقيفه بشكل نهائي على اعتبار أنه يفقد المرأة بالخصوص كل حقوقها القانونية، في حالة وفاة الزوج، أو حين يقرر التخلي عنها، ويزداد الأمر صعوبة حين تتوج العلاقة بأطفال.
هذه الظاهرة التي بدأت في التسلل مؤخرا بين نساء المغرب، تتعلق بعقد القران بالفاتحة بالنسبة للبالغات سن الرشد، بدعوى الحب، أو الفقر، هروبا من قيود التعدد، والخوف من تشتيت الأسر، أو حتى الحياة بدون قيود رسمية.
زواج الفاتحة المتعلق بالنساء البالغات، لم يحظى بعد بالبحث والدراسة الكافيان، إلا أنه صار يفرض نفسه بشكل كبير في السنوات الأخيرة في المغرب، في ظل التكتم الرسمي وغير الرسمي.
وهكذا انتقلت كوثر من حياة اعتبرتها جحيما، إلى وضع كأنه نار حارقة بسبب نبذ إخوتها لها، وعدم اعترافهم بزواج وهمي تم بقراءة الفاتحة بين أطراف القران دون توثيقه رسميا.
وكشف مصدر قضائي لمنصة “هنَّ” أن زواج الفاتحة بالنسبة للمرأة البالغة سن الرشد، “كان من أسباب توقيف دعاوى ثبوت الزوجية، بعد تمديد
وأفاد المصدر، أن “حالات عديدة لجأت إلى دعوى ثبوت الزوجية، بالمدن الكبرى، ومن طرف أشخاص مثقفين، وبالغين. في حين كان التوجه الحقيقي للمشرع هو ترسيم الزيجات التي لم يستطع أصحابها ذلك بسبب الفقر، أو السكن في مناطق نائية”.
لذلك يضيف المتحدث “قامت وزارة العدل بجولات متعددة لتلك المناطق، وكان يتم بناء خيام بالأسواق الأسبوعية، من أجل تحقيق ذلك الهدف، فيما تتكلف السلطات بتبليغ ساكنة تلك المناطق بهذه الخطوة من أجل الحضور وتوثيق الزيجات… لكن مع توالي السنوات حادت الفكرة عن أهدافها وفلسفتها”.
وتضيف الباحثة، أنه في أحيان كثيرة، “يكون الهدف من اختيار زواج الفاتحة، هو المتعة المحددة في الزمن، لا سيما في صفوف الرجال المتزوجين الذين يختارون نساء مستقلات ماديا، لا تكلفهم شيئا
تهرب من المسؤولية
فتيحة، امرأة مثقفة، تعمل في مؤسسة محترمة، ولديها مدخول مادي محترم، سيارة، وشقة خاصة، ولكنها لم تتوقع أن وضعها الاقتصادي المريح، كان سببا في عرض عدد من الرجال الزواج منها، “لكن بالفاتحة”، وبمبررات متعددة، كـ”الشراكة مع الزوجة الأصلية في البيت، أو الخوف من تأثر الأبناء في حال قرار التعدد، أو عدم موافقة الزوجة الأولى على التعدد”.
باستغراب تحكي فتيحة لمنصة “هنَّ” عن هذه العروض التي تعتبرها استغلالًا مباشر لها، “وأنا في سن الأربعين، وبعد تحقيقي لذاتي واستقلاليتي، صارت تأتيني عروض غير مفهومة، من رجال متزوجين، يعرضون الزواج بي بالفاتحة، وحين أتساءل لماذا زواج الفاتحة، ولم لا يتم طرح التعدد، أو الانفصال عن الزوجة الأولى مادامت الحياة في البيت صارت جحيما حسب ما يعلنونه، يكون الجواب هو مصلحة الأبناء”.
وتردف فتيحة بضحكة ماكرة قائلة، “صار بعض الرجال هنا في المغرب يعتبرون المرأة المستقلة، والمكتفية ماديا كنز، خصوصا حين تصل الأربعين من العمر فما فوق، فهي فرصة مواتية، لا أولاد، ولا تحمل لأي مسؤولية”.
وترفض فتيحة مثل هذه العروض، وتفضل البقاء وحيدة على الزواج بذلك الشكل، خصوصا وأن معظم المتقدمين تكون نيتهم سيئة، استغلال لوضعها المجتمعي المريح، أو مشاركتها فيه، “بدون قيود، أو مسؤولية”.
وتقول فتيحة أن المواطنين في أوروبا “حين يلجؤون إلى الارتباط بدون عقد، تكون نواياهم حقيقية، حيث يكون الحب والسكينة، والبحث عن سند هو السبب الأساسي، وليس استغلال وضع المرأة”.
بدورها، حظت سعاد التي تطلقت مؤخرا، “بعروض مغرية”، حسب قولها وهي تبتسم، ساخرة من وضع جعلها تشعر بـ”الاشمئزاز من أي رجل يأتيني باسم الحب، والإعجاب، فقط ليعرض علي زواج الفاتحة، فيما أشعر أنه يحاول فقط استمالتي للقبول بعلاقة غير شرعية مغلفة بالفاتحة”.
وأنا في سن الأربعين، وبعد تحقيقي لذاتي واستقلاليتي، صارت تأتيني عروض غير مفهومة، من رجال متزوجين، يعرضون الزواج بي بالفاتحة، وحين أتساءل لماذا زواج الفاتحة، ولم لا يتم طرح التعدد، أو الانفصال عن الزوجة الأولى مادامت الحياة في البيت صارت جحيما حسب ما يعلنونه، يكون الجواب هو مصلحة الأبناء
وعن قصتها تحكي سعاد لـ”هنَّ”، أنه سبق لها أن “عشت هذا الموقف مرتين، في الأولى كان اقتراح المعني مبني على أني لن أكلفه ماديا، إذ لدي شقة وسيارة… بل اقترح أن هذا الزواج سيكون سرا بيننا، أمام الله سنعلن أننا زوجان، وهكذا سنعيش في الحلال كما يقول، فيما كان هناك مقترح آخر أن يكتري شقة، ويتكلف بمصاريفي، ويكون الزواج بالفاتحة بحضور أسرتي وفقيه، ويتم الإعلان لكن دون توثيقه لأنه لا يريد مشاكل في بيته، وأيضًا من أجل أطفاله الأربعة”.
بالفاتحة تضيع الحقوق
في تصريح لمنصة “هنَّ”، تعتبر مارية الشرقاوي، كاتبة وباحثة في قضايا المرأة والأسرة، ومن خلال تحليلها لهذه الظواهر الجديدة، أن “هناك مسألة مهمة جدا تتعلق بالقانون المؤطر للزواج، والذي تتضمنه مدونة الأسرة التي تنص على ضرورة وجود عقد زواج لإثبات العلاقة الشرعية بين الرجل والمرأة، وبالتالي فزواج الفاتحة يفتقد لعقد موثق، ولن يترتب عليه أي آثار قانونية مثلما يحدث في عقود الزواج الموثقة”.
وتؤكد الشرقاوي، على أنه ومن خلال الواقع اليومي المعاش “نجد أن زواج الفاتحة لازال منتشرا لأغراض عديدة، والتي تعتبر في العديد من الجوانب رغبة أطراف زواج الفاتحة في التحايل على القانون لأسباب متعددة؛ كتزويج القاصرات في حالة رفض قاضي الأسرة منح الإذن بتزويجهن، أو في حالة عدم حصول الرجل المتزوج على الإذن بالتعدد”.
وتضيف الباحثة، أنه في أحيان كثيرة، “يكون الهدف من اختيار زواج الفاتحة، هو المتعة المحددة في الزمن، لا سيما في صفوف الرجال المتزوجين الذين يختارون نساء مستقلات ماديا، لا تكلفهم شيئا، أو يستغلون نساء فقيرات يرغبن في من يعيلهن، ويكون سندا لهن، فيتم اللجوء إلى زواج الفاتحة للإحساس بالاطمئنان النفسي، وبعدم مخالفة شرع الله، وأن العلاقة بينهما لن تخدش عقيدتهما”.
وتشير إلى أن “عدم استحضار المعنيين للآثار الكارثية الناجمة عن هذا التحايل على القانون، والمتمثلة في عدم قدرتهما على إثبات الزواج خاصة أن المغرب أوقف مسطرة ثبوت الزوجية، وبالتالي تضيع حتما حقوق المرأة خصوصًا عند الطلاق، وتضيع حقوق كلا الطرفين في حالة وفاة أحدهما كالإرث مثلا”.
وأضافت أنه بالرغم من كل سلبيات زواج الفاتحة، “إلا أن هناك من هو مستمر في ممارسته ضاربا عرض الحائط كل الآثار الكارثية التي من الممكن أن تنجم عنه، و أيضا إمكانية متابعتهما حسب القانون الجنائي المغربي بجريمة الفساد، أو الخيانة الزوجية في حق الرجل المتزوج استنادا للفصل 490 من القانون الجنائي”.
وهذا الفصل، الذي ذكرته الباحثة هو واحد من فصول قانون العقوبات المثير للجدل في المغرب، والذي ينص على أن “كل علاقة جنسية بين رجل و امرأة لا تربط بينهما علاقة زوجية تكون جريمة فساد ويعاقب عليها بالحبس من شهر واحد إلى سنة”.