“أن تكوني زوجة سجين سياسي، ليس بالأمر الهين، فما مررت به وأمر به اليوم لا أتمناه لأحد؛ فأنا لم أعد تلك المرأة غير المهتمة كثيرا للسياسة، ولا تستمع في أغلب الأحيان للمستجدات، إلا من خلال أحاديث زوجها عبر الهاتف، أو من خلال نقاشات اللقاءات العائلية، لقد تغيرت حياتي 180 درجة، وأصبح شغلي الشاغل هو ما يتم تناقله من أخبار، معطيات ومعلومات، عن قضية التآمر في وسائل الإعلام، وما يرِدُ في تصريحات الرئيس ومريديه في صفحات التواصل الاجتماعي أو في البرامج الحوارية”، دفعةً واحدة، دون توقف كشلالٍ من اليأس، تقول فايزة راحم هذه الكلمات، التي تبدأ بها الحديث حول الظروف التي تعيشها زوجة عصام الشابي، أحد المعتقلين السياسيين في تونس.
وتضيف راحم، في شهادتها لـ”هنَّ”، أنها فقدت رغبتها في حضور حفلات الزفاف والأعياد والمناسبات، ولم تعد لها نفسية للقاء الصديقات ولا حتى مسامرات الصويحبات، فهي مشغولة بمتابعة “كل ما يقال، بحثا عن كلمة تعطيني أملًا جديدا لخروج زوجي عصام من السجن”.
“مررت بأبشع تجارب حياتي وأكثرها مرارة، بكيت مرات عدة، ولكن وراء كل مرة وكنت أقوى… أنا على يقين أنني سأعود أفضل مما كنت بمجرد رؤية زوجي خارج تلك الأسوار المظلمة والعالية”، تشرح راحم لـ”هنَّ”.
خلال حديثها مع “هنَّ”، تسكت فائزة راحم، زوجة عصام الشابي؛ زعيم “الحزب الجمهوري”، وأحد السياسيين التونسيين الموقوفين في ما بات يعرف بـ”قضية التآمر”؛ لتضيف “حياتي اليوم تتوزع بين الوقفات الاحتجاجية المنددة بسياسة الرئيس وزيارات المساندة ببيتنا، وبين أيام زيارات السجن وتحضيراتها… في الكثير من المرات فقدت الأمل وعاودت التقاطه”.
تتعمق معاناة أسر المعتقلين السياسيين من خلال أسرهم، خصوصًا النساء، اللائي لا يعشن إحساس الخوف من الخارج فقط، بل يحملن مع خوفهنَّ الحنين والرقة في قفف الزيارات، وتلك حكاية أخرى، تلخصها راحم لـ”هنَّ”، “قفة أكل المساجين ومواعيد الزيارات الأسبوعية، تبدأ بقطع طريق نحو السجن مشيا على الأقدام؛ لأنه يمنع على العائلات إيقاف سياراتهم قرب بناية السجن، وحين تنتهي تلك الطريق، تبدأ رحلة الطوابير المتراصة أمام باب السجن، خلال تفتيش القفاف وعند غرف الزيارة، وعادةً ما تطول مدة الانتظار كثيرًا، حين يقع شجار ما بين الزوار ويتدخل أعوان السجون”.
“الجميع سواسية في زيارات السجن، القاضية زوجة سجين وربة البيت زوجة سجين، وجميعنا نقف في طوابير الانتظار سواسية؛ حاملين أكلاتنا المتنوعة، التي طبخناها بكل دقة طبقا للمقاييس والشروط التي يفرضها أمن السجون”، تضيف وابتسامة تعلوا محياها.
رغم صلابتها وتجلدها، إلا أنها لا تخفي خوفها مما تخفيه الأيام القادمة، “أعلم أن الأمر قد يطول أكثر من الخمسة عشر شهرا التي مضت، وعصام الشابي كان يتوقع ما يجري اليوم، ولكن أكثر ما يؤلمني هو أن زوجي اليوم مسجون ظلما، و بصدد خوض إضرابات عن الطعام؛ تنهك صحته وتهدد بقاءه على قيد الحياة في كل مرة”.
ودخل المعارضان السياسيان عصام الشابي وجوهر بن مبارك، في إضراب عن الطعام داخل “سجن المرناقية”، بسبب ما اعتبروه “احتجازًا تعسفيا”، حيث “انقضت الآجال القانونية للإيقاف التحفظي والمحددة بـ14 شهرًا”، في ما بات يعرف بقضية “التآمر على أمن الدولة”.، وسرعان ما التحق بهما البقية في هذا الاضراب عن الطعام.
وتقول دليلة مصدق، محامية وشقيقة السياسي جوهر بن مبارك أن “أخاها ومن معه مروا إلى رب الأمعاء الخاوية، وصحتهم بصدد التدهور يوميا، وإدارة السجن ليست بصدد توفير المتابعة الصحية اللازمة لهم، فبن مبارك مثلا عانى من آلام حادة في الكليتين ورغم ذلك لم يتم عرضه على الطبيب”.
وتجدر الإشارة إلى أن الآجال القانونية للإيقاف التحفظي، تنتهي بالنسبة لجميع السياسيين الموقوفين فيما يعرف بالقضية الأولى المتعلقة بـ”التآمر على أمن الدولة”، والمقدرة بـ14 شهرًا، منتصف الليلة الفاصلة بين الجمعة والسبت 19 و20 أبريل 2024.
ورغم انتهاء المدة القانونية، لم يتم الإفراج عنهم، وهو ما اعتبرته هيئة دفاعهم بأنه “إمعانٌ في الخرق الإجرائي في هذا الملف، واحتجاز قسري للسياسيين الموقوفين”.