لطيفة البوحسيني، واحدة من أبرز الأصوات النسائية والحقوقية في المغرب، هي أستاذة التاريخ في “جامعة محمد الخامس” بالرباط، ومتخصصة في التاريخ الاجتماعي، وباحثة في تاريخ النساء والقضايا النسائية.
إلى جانب إسهاماتها العلمية من خلال بحوث ومقالات منشورة على مجلات مغربية ودولية، تمثل هذه الأكاديمية النضال النسائي المغربي من خلال مسارها النضالي الحافل، حيث كانت جزءًا من منظمة “العمل الديمقراطي الشعبي”، وكانت عضوا في هيئة تحرير جريدة “8 مارس”، التي كانت أول جريدة نسائية بالمعنى السياسي للكلمة، كما أنها كانت عضوا مؤسسا لـ”اتحاد العمل النسائي” وقيادية سابقة في “المنظمة المغربية لحقوق الإنسان”.
في هذا الحوار، تتحدث البوحسيني عن حضور النساء في المشهد السياسي المغربي، وتاريخ اهتمام المجتمع بأهمية تمثيلية المرأة في مراكز القرار، هذه التمثيلية ترى البوحسيني أن النقاش حولها لم يبلغ ذروته إلا سنة 2002 مع اعتماد نظام “الكوطا” (الحصص)، وتعزز مع دستور 2011 الذي أسهم في تعزيز المناصفة والمساواة.
كما تؤكد على أن حضور النساءفي المشهد السياسي مازال محتشما من حيث العدد، مشيرة إلى أن وزيرات الحكومة الحالية يتمتعن بكفاءة تقنية عالية، رغم عدم تمتعهن بسيرة سياسية أو ماضٍ حزبي، وهو ما أرجعته لتراجع الحياة الحزبية بالمغرب.
وفي سياق الإصلاحات المرتقبة في مدونة الأسرة، اعتبرت البوحسيني أنه على الرغم من أهمية تعديل القوانين، فإن تغيير الذهنيات أمر ضروري لضمان فعالية هذه القوانين في الواقع، ويتحقق ذلك، بحسب المتحدثة؛ من خلال العديد من المداخل أبرزها الإعلام والمدرسة والحملات التحسيسية والتثقيف. وهو ما يتطلب إرادة سياسية واضحة من أجل التصدي للصور النمطية السلبية عن النساء وتعزيز المساواة بين الجنسين.
وأكدت البوحسيني أن النضال النسائي يجب أن يرتبط بالضرورة بقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان بشكل شامل، معتبرة أن القضية النسائية لا يمكن فصلها عن السياق الاجتماعي العام.
وشددت على أن الخيارات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية للدولة تؤثر على الأوضاع العامة للنساء والرجال، مما يتطلب مراجعات مستمرة وفضاء للتعبير الحر الذي يمكن أن تستثمره المنظمات النسائية لتسمع صوتها وتعبر عن مطالبها.
وفي ما يلي نص الحوار:
س: ارتباطاً بالتعديل الحكومي الأخير حضور المرأة لا يتجاوز الربع في التشكيلة الحكومية الجديدة، كيف تقيمين حضور النساء في المشهد السياسي المغربي عموما؟
ج: لقد بدأ الاهتمام بأهمية الرفع من حضور النساء في المشهد وفي مراكز القرار السياسي عملياً وفعلياً خلال منتصف تسعينيات القرن الماضي، ولكنه عرف أوجه سنة 2002، في سياق النقاش حول اعتماد تدابير وإجراءات من شأنها الرفع من تمثيلية النساء عبر الترافع الذي خاضته الحركة النسائية المغربية، وهي التي أدت في نهاية المطاف إلى اعتماد “الكوطا” في الانتخابات التشريعية لسنة 2002، وسمحت بوصول 35 امرأة إلى المؤسسة التشريعية (البرلمان).
وللتذكير، لم تصل النساء إلى قبة البرلمان للمرة الأولى إلا في الانتخابات التي جرت سنة 1993. ومع دستور 2011 الذي نص على المناصفة والمساواة، تم تعديل قانون الانتخابات وقانون الغرفتين الذي أدى للرفع من الكوطا إلى انتخاب أزيد من 80 برلمانية.
أما على مستوى الحضور في الحكومة، فقد تم تعيين أربع نساء كاتبات دولة لأول مرة سنة 1997 خلال الحكومة الانتقالية التي كان على رأسها الوزير عبد اللطيف الفيلالي، ومنذ ذلك الوقت أصبحنا نلاحظ حضورا مستمرا للنساء حتى وإن كان على العموم حضورا باهتا، حيث كان يتراوح بين اثنين أو أربعة، ليصل إلى سبع وزيرات وكاتبات دولة في حكومة عباس الفاسي سنة 2007. وصار تعيين النساء وزيراتٍ أمرا معتادا حتى وإن ظل عددهن محتشما.
وبالنسبة للحكومة الحالية، منذ سنة 2021 إلى اليوم، تنبغي الإشارة إلى أن الوزيرات يتميزن بكفاءة تقنية في مجالاتهنَّ، حتى وإن كُنّ دون سيرة سياسية سابقة ولا ماضي حزبي، فإنهن يتمتعن بكفاءة تقنية عالية لا يمكن التغاضي عنها أوإنكارها. وهو أمر يهم كذلك العديد من الوزراء من الرجال ويرتبط في عمقه بطبيعة الحكومة الحالية وبالسياق السياسي العام الذي تتسم فيه الحياة الحزبية المغربية بنوع من التراجع.
س: نشهد مؤخرا، إصلاحاً لمدونة الأسرة سيسفر عن مدونة جديدة لتتناسب مع التغيرات التي يشهدها المجتمع المغربي. إلى جانب تعديل القوانين، كيف يمكن المساهمة في تغيير الذهنيات لضمان أجرأة القوانين على أرض الواقع بالشكل الأمثل؟.
ج: أولاً لا ندري هل سيسفر بالضرورة مسار إصلاح المدونة عن نتائج متناسبة مع التغيرات التي يشهدها المجتمع المغربي. لكن بالتأكيد ستتم مراجعة بعض المقتضيات لتأخذ بعين الاعتبار المشاكل المطروحة التي ينبغي تجاوزها من الناحية القانونية وتحديدا من الناحية المسطرية.
لكن فيما يخص قضية المساهمة في تغيير الذهنيات، فطبعا القوانين وحدها لا تكفي، ولكنها تبقى ضرورية، لأنها تتضمن الجوانب الحمائية، بالإضافة إلى ذلك يمكن للقوانين أن يلعب كذلك دورا بيداغوجيا بشكل غير مباشر للمساهمة، إلى جانب مداخل أخرى في تغيير الذهنيات.
إن تغيير الذهنيات، يحتاج إلى اعتماد مداخل متعددة من ضمنها الإعلام والمدرسة والحملات التحسيسية والتثقيف بالنظير. وهذا يتطلب أولا إرادة سياسية واستراتيجية واضحة تتوخى التدخل على كل المستويات.
كما تسعى إلى التنبيه لكل المنزلقات التي تؤدي إلى ترسيخ صورة نمطية عن النساء أوالعلاقات بين الجنسيين أو أي صورة مفادها تأكيد التفوق الذكوري مقابل دونية المرأة، مع اتخاذ ما يلزم من إجراءات تحُدُّ من ذلك دون المس بحرية التعبير.
وفي الحديث عن الإعلام، لابد من التنبيه إلى أن الإعلانات الإشهارية لها أهميتها وتأثيرها. إذ أنه وعلى الرغم من أن هدف الإعلانات الإشهارية هو إشهار المنتجات والبضائع التي تعتمد على الأدوار النمطية وتُسوّق لصورةٍ متناقضة مع واقع التحولات التي مست هذه الأدوار، فإنه حان الوقت بدل ذلك، لاستثمارها بالشكل الذي تساهم فيه في خلخلة هذه الصور.
وعلى سبيل المثال، الإعلانات الإشهارية الخاصة بمواد الغسيل والتنظيف التي اعتاد المستشهرون إلصاقها بالمرأة فقط، تحتاج إلى تعديلها لتتجاوز الصورة النمطية التي تُروج لها.
إلى جانب الإعلام يبرز دور المناهج الدراسية في الاضطلاع بدورها لخلخلة الذهنيات وتغييرها. أعطي هنا مثالاً بمادة التاريخ التي من المفروض أن تستثمر كل الإنتاج المعرفي ونتائج الأبحاث العلمية التي من شأنها أن تساهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في خلخلة الصور النمطية السائدة التي تختزل حضور النساء في الفضاءات الخاصة، علما أن التاريخ حافل بنماذج نسائية كان لها حضور في الحياة العامة والحياة السياسية والدبلوماسية، بالإضافة إلى حضورهنّ في المجال الديني، وفي مجال الطب، والشعر والأدب ومختلف مناحي الحياة الثقافية. هذا ناهيك عن مزاولتهنَّ لمهن وحرف كانت تدر عليهن بعض المداخيل التي كانت تسمح لهن بتحمل مسؤولية الإنفاق على أسرهن.
وإلى جانب ذلك، ينبغي كذلك استثمار كل المناسبات التي لها علاقة من قريب أو من بعيد بالقضية النسائية لتنظيم حملات تحسيسية طويلة المدى، وهو الأمر الذي يلاحظ أنه شهد خفوتا في السنوات الأخيرة على العكس ما كان عليه في بداية الألفية.
وأنبه هنا كذلك إلى الخطاب الذي يروجه المسؤولون من مختلف المواقع، من وزراء وسياسيين، والذي من شأنه أن يساهم هوالآخر في تغيير العقليات، كما يمكن أن يساهم في ترسيخ الصورة النمطية الحاطّة من كرامة النساء وقدراتهنّ إذا لم ينتبهوا إلى ما يتفوهون به.
س: أستاذة البوحسيني، سبق لك أن كتبت أن “الخوف من اعتماد مبدأ المساواة هو في عمقه خوف من التفريط في الامتيازات التي يمنحها النظام الذكوري للرجل”. انطلاقاً من هذا، ما الذي يجعل بعض النساء يدافعن عن استمرار هذا النظام؟.
ج: بالنسبة لي الإشكال ليس مرتبطاً بالرجل أو المرأة على وجه التحديد، بل المشكل يكمن في طبيعة النظام الذكوري ومضمونه وقيمه التي يتم تمريرها على حد سواء ومنذ الطفولة للذكور والإناث. فالتنشئة الاجتماعية، تعمل عبر وسائل وطرق ومضامين متنوعة على تمرير وإعادة إنتاج قيم هذا النظام الذكوري القائم على فكرة التفوق الذكوري والتراتبية بين الجنسين. مع مرور الوقت، قد يحصل أن نكتسب وعيا بخطورة هذه المنظومة -أي منظومة الهيمنة الذكورية- كما يمكن ألا نكتسب وعيا بما تخلفه من آثار وما تُرسخه من أفكار وما تسعى إلى بنائه كهُوية، تلك التي نسميها هوية النوع.
ومن المثير أن هذا النظام، وعلى الرغم من أنه في جوهره ليس في صالح النساء، مقابل ما يضمنه من “امتيازات” ذكورية، فهذا لايعني وبشكل أتوماتيكي أن النساء يعين جوهره التمييزي ضدهن، فهذا الأمر يحتاج إلى اكتسابهنّ للوعي وتفطنهنّ لكونه نظامًا يساهم في إقصائهنّ وإبعادهنّ والتقليل من قيمتهنّ واختزالهن في أبعاد جد محددة… إذن الأمر ليس بديهيا ولا سهلا أو بسيطا، ما دامت تتداخل فيه الأبعاد الذهنية والنفسية والمعنوية والرمزية والثقافية.
!لعل هذا ما يفسر أنه بقدر ما توجد نساء غير واعيات بجوهر المنظومة الذكورية ورافضات لها، يوجد في المقابل رجال يكتسبون وعيا بخطورة هذه المنظومة ويرفضونها يناضلون من أجل إزالتها.
إذن، هذا الوعي، قد يكتسبه بعض الرجال حتى وإن كانت هذه المنظومة تمنحهم بعض الامتيازات، مادية كانت أو رمزية، حيث يدركون ويستوعبون من خلالها المجسد في التراتبية والتمييز القائمان على أساس الجنس، كما يرفضون مختلف أشكال التمييز عموما.
س:لم تكتفي الحركة النسائية بالنضال الكلاسيكي خلال فترة الثمانينات بل اعتمدت عدة وسائل في النضال، من بينها إنشاء جريدة “8 مارس”، والتي كنت ضمن هيئة تحريرها، والتي كانت أول جريدة نسائية بالمعنى السياسي. هلا حدثتنا عن هذه التجربة؟.
ج: صدر أول عدد من جريدة “8 مارس”، في نونبر 1983، وقد كانت مبادرة من مناضلات ينتمين حينها لمنظمة “العمل الديمقراطي الشعبي”، أحد فصائل اليسار المغربي. كما ساهمت في هذه التجربة الكثير من النساء اللواتي لم تكن لهنّ انتماءات لا للمنظمة ولا لتيارات أخرى، من مثقفات وصحفيات وطالبات كن مرتبطات فكريا، إن شئنا القول، بمشروع اليسار عموما. وهو ما يفسر كونهن ساهمن إلى جانب مناضلات منظمة “العمل الديمقراطي الشعبي” في التأسيس لهذه الجريدة وفي نشرها واستمرارها لبعض السنوات.
لقد كانت هذه التجربة نموذجا للصحافة النضالية وليست صحافة بالمعنى الاحترافي المتعارف عليه. لقد كانت أهميتها تكمن في كونها أول تجربة في مجال الصحافة النسائية بالمعنى السياسي للكلمة، حيث كان شعارها هو المساهمة في تأسيس حركة نسائية جماهيرية ديمقراطية تقدمية مستقلة. وكان همها الحقيقي هو العمل على نشر الوعي بالقضية النسائية، ولكن في نفس الوقت، تشجيع بروز أشكال تنظيمية نسائية. في تلك الفترة، لم يكن المغرب يعرف بعد جمعيات نسائية بالمعنى الحقوقي النسائي الذي نعرفه اليوم. كانت هناك جمعيات إحسانية أو جمعيات خدماتية.
ومن خلال تجربتي الشخصية أشير إلى أن الجريدة، إلى جانب نشر المقالات والتغطيات الصحفية الخاصة بالأنشطة النسائية ذات الحمولة الفكرية النسوية، كانت تعتمد أبوابا وصفحات صفحة “نساء دخلن التاريخ” لتقديم نماذج نساء عبر العالم ساهمن في أحداث ومراحل مهمة من التاريخ. وكانت هناك أيضا صفحة مهمة تحت عنوان “دعوني أتكلم” التي كانت تفتح في وجه النساء اللواتي يعانين من المشاكل المرتبطة بالتمييز والعنف ضد النساء.
ويمكن القول بأن الجريدة شكلت من جهة وسيلة لنشر الوعي بالقضية النسائية، ومن جهة أخرى فضاء لالتئام وتجميع نخبة من النساء المهتمات بالقضية النسائية واللواتي لم يكن لهن مجال للتعبير حينها. انطلاقا من تجربتي، وكنت وقتها طالبة، كانت الشابات مستعدات للانخراط في تجربة نضالية، فكانت مبادرة الجريدة فرصة مواتية التحقن بها وأطلقن عملا في لجان سميت “مجموعات جريدة 8 مارس” سمحت لهنّ بتنظيم لقاءات وندوات وساهمت كذلك في تكوينهن الذاتي، الذي سيؤهلهن ليصبحن فيما بعد أطرا نسائية نضالية لعبن أدوارا مهمة في التجربة النسوية المغربية.
س: كيف ترين الجيل الجديد من الحركة النسائية التي بدأت بالتبلور خلال السنوات الماضية، سواء المرتبط بالحركة النسائية “التقليدية” أو غيرها من التعبيرات النسوية الأخرى؟.
ج: بالنسبة للجيل الجديد من الحركة النسائية بدأ يتبلور عمليا مع “حركة عشرين فبراير” (2011)، حيث كانت فرصة لعدد من الشابات اللاتي انخرطن في نضالات الحركة للمطالبة بالديموقراطية ومناهضة الفساد، وربط ذلك بالنضال من أجل القضية النسائية. كانت فرصة لضخ الدماء في شرايين النضال النسوي وخصوصا اعتماد نهج التقاطعية التي تضع القضية النسائية في قلب القضية الديمقراطية، وهو أمر بالغ الأهمية في سياق مثل السياق المغربي.
نحن اليوم أمام حركة نسائية متنوعة، تضم شابات مرتبطا بمشروع اليسار، وهناك شابات يعتبرن أنفسهن ديمقراطيات دون الارتباط التنظيمي مع أي حزب كان، إضافة إلى بعض الشابات اللواتي يمكن اعتبارهنّ ليبراليات يناضلن من أجل إصلاح القوانين وخلخلة الصور النمطية. وأعطي هنا نموذج حركة “خارجة عن القانون” التي يتمثل هدفها المركزي والأساسي في الاشتغال على كل ما يتعلق بالبنية الذكورية ومناهضة كافة أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي.
وهناك أيضا نموذج حركة “خميسة” التي جعلت النضال ضد استغلال وتوظيف النظام السياسي المغربي للقضية النسائية لضرب الحريات العامة همها الأساسي. هذا ناهيك عن أعداد من الجمعيات المحلية التي تشتغل على قضايا التنمية المحلية مع هدف أساسي هو إشكاليات العدالة المجالية وتكافؤ الفرص.
كما يمكن الإشارة لوجود نساء من داخل الحركات الإسلامية، سواء حزب “العدالة والتنمية”، عبر “منتدى الزهراء”، أو مناضلات جماعة “العدل والإحسان” اللواتي يطوّرن خطاباً يُقرُّ أولا بوجودمظلومية، مع اقتراح مداخل لتجاوزها.
إذن، نحن أمام تنوع وتعدد في التعبيرات النسوية للجيل الجديد، يتأكد معها استمرار النضال من أجل القضية النسائية، علما أن السمة العامة لمختلف النضالات، وبسبب التضييق على الحريات العامة، هي نوع من الفتور.
س: تعتبرين أن النضال النسائي يجب أن يكون دائماً مرتبطاً بالقضايا الديمقراطية وقضايا حقوق الإنسان في شموليتها. ما دوافع هذا الاختيار؟.
ج: شخصيا أعتبر أن النضال النسائي ينبغي أن يكون مرتبطا بقضية الديمقراطية وحقوق الإنسان في شموليتها، لأن القضية النسائية غير معزولة عن سياقها. القضية النسائية والنساء لسن خارج سياقهنّ الاجتماعي العام. طبعا تكمن الجدوى من ظهور منظمات نسائية في كونها تطور أدوات واستراتيجيات تهتم بشكل دقيق ومفصل بالقضية النسائية، لكن في تصورها وفي تأطيرها لهذه القضية تضعها ضمن النضالات العامة التي يكون هدفها هو توفير البيئة الديمقراطية الضرورية لمختلف القضايا.
لقد أبانت التجارب الإنسانية التي كان لها سبق في هذا المجال، أن الديمقراطية هي شرط ضروري حتى وإن لم يكن كافيا- من أجل التقدم في تحقيق مكتسبات للقضية النسائية. فهذا الشرط يتيح فضاء للحريات العامة الذي يسمح بالانتظام في إطار منظمات. فلا يمكن تصور وتأسيس منظمة نسائية في سياق يمنع حرية التعبير ويمنع الحريات بشكل عام. ومن جهة أخرى، فإن إقامة نظام ديمقراطي وبناء دولة الحق والقانون وفصل السلط واعتماد قضاء مستقل، يؤثر على أوضاع النساء والرجال معا عبر الاختيارات والبرامج والسياسات العمومية التي تتطلب تقويما ومراجعة مستمرة. ونتصور أن هذه المراجعات تحتاج إلى فضاء التعبير الحر الذي يمكن أن تستثمره المنظمات النسائية لتُسمع صوتها وتعبر عن مطالبها.
إذن الاختيارات الكبرى التي تعتمدها الدولة اقتصادياً واجتماعيا وسياسياً وثقافياً وإعلامياً وتعليمياً إلى غير ذلك، هي اختيارات عامة، وبالتالي المدخل الذي تقترحه حركة نسائية أو منظمات نسائية لا يمكن أن ينعزل عن الاختيارات الكبرى.
لا نتصور نضالا نسويا غير مهتم بمضامين السياسات العمومية والقوانين والتشريعات، كما أن هذه الأخيرة مرتبطة بطبيعة النظام السياسي الذي يسمح بالنقاش ويسمح بإمكانية الاختيار ضمن اختيارات متعددة، ويتعلق الأمر بوضوح بالنظام الديمقراطي. أما الأنظمة الاستبدادية الفاشية المنغلقة، فهي لا تخدم إلا مصالح الأوليغارشيات التي لا تهمها إلا مصالحها بعيدا عما يعتمل في المجتمع من ديناميات متنوعة ومتعددة.
س: تصرّين دائماً على أن التشبث بالأمل والتفاؤل من أجل تحقيق الانتصارات والوصول إلى مغربٍ أفضل، من أين تستمدّين هذا الأمل؟.
ج: في الحقيقة أنا مثلي مثل كل البشر يصيبني أحيانا الإحباط وتصيبني خيبات الأمل، ولكن سرعان ما أنتبه أنه ليس لنا خيارإلا أن نتشبث بالأمل لتغيير واقع حالنا وأوضاعنا. أنا لست من البشر الذي يختزل حياته بشكل أناني في راحته الشخصية الفردية وخلاصِهِ الفردي، اخترت مبكرا النضال والانخراط في إطارات جماعية وحقوقية نسوية وسياسية، إيمانا مني أن ما لا يأتي بالنضال يأتي بالمزيد من النضال وأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. انخرطت كذلك إيمانا مني بأننا مع بعض قادرون على تغيير واقع حالنا والنهوض بأوضاعنا.
اخترت طريقا، وآمنت ألا معنى لحياتنا إلا بالإيمان بأن غدا سيكون أفضل، وليكون كذلك ينبغي أن نعمل وننخرط ونناضل كلٌ بطريقته، ولكن بالنسبة لي لن يحدث التغيير إلا بالانخراط، والانخراط يتطلب بطبيعة الحال أن يتمسك الإنسان بالأمل، أما إذا كان محبطا يائسا فهو لن يتمكن بطبيعة الحال من إحداث أي تغيير، لا بالنسبة للجماعة التي ينتمي إليها ولا حتى بالنسبة له هو كفرد. الأمل هو طريقة لتجديد القدرة على منح الحياة معنى، دون ذلك نسقط في اللا معنى، وهو ما أرفضه.