منذ أربعين عامًا، تناضل الناشطات النسويات والجمعيات النسوية الجزائرية، ضد قانون الأسرة الذي صدر في 9 يونيو 1984 وعُدّل في عام 2005، إذ تعتبرن أن هذا القانون “منافي للدستور الجزائري، ولا يحقق المساواة بين الرجال والنساء، بل يكرس التمييز والظلم الاجتماعي عبر مواده”.
ولسنوات عديدة، تكافح الأمهات المطلقات ضد المادة 66 التي تتيح إسقاط حضانة الأطفال إذا تزوجن مرة أخرى، كما تعاني النساء من التعدد في الزواج، وهناك أيضًا من يستغل الثغرات القانونية لتزويج القاصرات.
ويتمتع الأب في الجزائر بحق مغادرة البلاد بحرية مع الطفل، بينما تحتاج الأم إلى تصريح أبوي للسفر مع طفلها إلى الخارج، ويحق للرجل الجزائري الطلاق دون مبرر، بينما يتعين على المرأة تقديم تبريرات للمحكمة.
ويظهر هذا القانون أن مواطنة الرجال تختلف عن مواطنة النساء غير المكتملة، بسبب ما فعله بهن طيلة 40 عاًما قانون الأسرة بالجزائر، وهو ما نتطرق له في هذا الحوار، بمعية الناشطة النسوية أمال حجاج.
أمال حجاج، هي ناشطة نسوية، تناضل من أجل زيادة الوعي والتحسيس حول هذا القانون وضرورة إجراء إصلاحات وتغييرات.
وتسير حجاج رفقة مناضلات أخريات على خطى من سبقوها لهذا الدرب، من الحقوقيات للواتي حققن أولى الانتصارات ضد قانون الأسرة عام 2005.
وفي هذا الحوار مع منصة “هنَّ” تكشف أمال عن موقفها من قانون الأسرة الجزائري، وتتطرق لأهم التعديلات التي طرأت عليه، والحلول المقترحة من أجل قانون يحقق المساواة للمواطنين والمواطنات.
ماجدة: كيف ترين قانون الأسرة اليوم بعد مرور 40 سنة على تشريعه؟
أمال: هو قانون يتعارض مع الدستور الجزائري والاتفاقيات والمواثيق الدولية التي وقعت وصادقت عليها الجزائر؛ فبينما يُِقر الدستور بمبدأ المساواة بين المواطنين والمواطنات ، لا يعترف قانون الأسرة من جهته بهذه المساواة في العديد من مواده.. إنه قانون يتناول مواضيع مهمة جدا في المجتمع الجزائري، لكن مازالت فيه عدة أمور تُنتقد وبحدة، لأنه يكرس امتيازات غير شرعية وهيمنة رجالية على النساء في المساحات الخاصة والعامة، وفيه الكثير من اللامساواة في الزواج والطلاق والولاية على الأطفال وحضانتهم، الميراث وحرية التنقل.
ماجدة: هناك من يرى أن هذا القانون يمثل المجتمع الجزائري المحافظ؟
أرى عكس ذلك تماما، فهذا القانون فيه تناقض تام مع حقيقة المجتمع الجزائري اليوم، المرأة الجزائرية تشارك في اقتصاد البيت، تساعد أفراد العائلة كما تنفق على أولادها إلى غير ذلك. ولا يمكن أن تخضع لقانون مثل هذا، إضافة إلى عدم توافقه مع كم نضالاتنا التاريخية منذ ما قبل الاستقلال إلى غاية اليوم.
إن القانون الذي لا يعترف بالمساواة خاصة في المساحة الخاصة بين الرجال والنساء لا يجب أن يعمل به لأنه سيعرقل تطور وازدهار كل المجتمع ليس فقط النساء.
ماجدة: ما هي أبرز التطورات التي عرفها القانون منذ تأسيسه إلى غاية اليوم ؟
أمال: من المهم أن نذِّكر أن هذا القانون لم يكن موجودًا في الفترة المتراوحة ما بين 1962 حتى عام 1984، وأن هذا القانون، الذي أريد به تنظيم العلاقات والحقوق داخل الأسرة الجزائرية، أنتج في الواقع مشاكل أكثر من تقديمه لحلول، وذلك من خلال ترتيب سلطوي للأدوار الاجتماعية للرجال والنساء باسم القانون.
ويجب أن نذكر أيضًا أن أبرز التغييرات حدثت سنة 2005، حيث بدأنا نلمس بعضًا من المساواة بين الزوجين، خاصة في المساحات العامة، تم إلغاء المادة 39 أو ما ما يسمى بواجب الطاعة التي تعتبر خطوة مهمة جدا، فهذه المادة هي التي كرست للعديد من الممارسات التمييزية بين الرجل والمرأة، من بين أبرز التغييرات أيضا أن الولي أصبح شاهدًا فقط على الزواج بعدما كان هو الذي يعقد زواج ابنته، فقد أصبح دوره إداريًا أكثر منه وليًا شرعيًا، وأيضا تم تحديد إطار لتعدد الزوجات.. مقارنة بقانون 1984 أعطى قانون 2005 الفرصة للمرأة أن تقول لا للتعدد وأن تطلب الطلاق أو التطليق بسبب التعدد.
ماجدة: هناك من يرى أن تعديلات 2005 تؤكد النية الجيدة للحكومة من أجل تكريس المساواة، ما رأيك؟ وكيف تقيمين عمل المؤسسات الحكومية في هذا المجال؟
أمال: التغييرات ليست بالكبيرة وليست طفيفة أيضًا، لكنها تبقى مهمة والعديد من المواد لابد أن تتغير، أما عمل مؤسسات الدولة أراه بطيء جدا، فمنذ سنة 2020 والجمعيات النسوية تعمل على إلغاء الفقرة الأولى من المادة 66 من القانون، قدمنا مناصرة للسلطات المعنية، المجلس الإسلامي الأعلى تكلم، النساء المعنيات نظمن أنفسهن وتكلمن حول الموضوع، ولكن لم يتغير شيء… 4 سنوات من أجل تغيير مادة!، عمل مؤسسات الدولة يجب أن يكون بسرعة المجتمع واحتياجاته.
ماجدة: هناك نسويات ينادين بالإلغاء وأخريات بالإصلاحات، فما هي الإصلاحات والتغييرات الأساسية التي ترينها ضرورية؟
أنا شخصيا لا أرى أن هناك شقاقًا بين المطلبين، لأنه إذا قمنا بالإصلاحات وتحولت إلى قوانين مدنية متساوية، فإننا سنخرج من مفهوم قانون الأسرة إلى قانونٍ مدنيٍّ.
فمثلا الفقرة الأول من المادة 66 يجب أن تلغى، فهي تنص على أنه (يسقط حق الحاضنة بالزواج بغير قريب محرم، وبالتنازل ما لم يضر بمصلحة المحضون)، أيضا الميراث وقضية ما يسمى بالعصب أو الحاجب، هناك مئات النساء يكافحن من أجل استعادة ميراثهن، فقط لأنهن ليس لديهن أبناء ذكور أو إخوة، ولهذا ننادي بالمساواة التامة في الميراث.
لا يمكن اعتبار المرأة نصف مواطنة في الوقت الذي تدفع فيه الضرائب بالطريقة التي يدفعها الرجل، لكن عندما نصل للميراث نقول لها لك فقط النصف.. لذلك أدعوا لقراءات حديثة تراعي حقيقة المجتمع واحتياجات الرجال والنساء كمواطنين ومواطنات كاملي وكاملات الحقوق والواجبات.
ماجدة: ماهي الجهود التي تقوم بها الجمعيات النسوية لتعزيز الوعي بضرورة إلغاء أو تعديل قانون الأسرة؟
أمال: الجمعيات النسوية في الجزائر بجميع توجهاتها تطالب بالمساواة، وقانون الأسرة الحالي لا يتماشى مع مبدأ المساواة؛ لأن المساواة يجب أن تكون في إطار حقوق مدنية متساوية، ولذلك يجب سن قانون مدني يحمي كل مواطنة ومواطن، بحيث لا تخضع مواطنتهم لمواطنة شخص آخر، لذلك نسعى لتكثيف الحملات التحسيسية، وهناك مناصرات قدمت، مواقف وبيانات سياسية، محاولات لدفع تيارات سياسية لتقديم برامج تتطرق لقانون الأسرة.. ومن جانبنا نحن الحركة النسوية الجزائرية ينقصنا الكثير من العمل المنظم الذي يقترح بديلًا واضحًا ومحددًا، ينقصنا المطلب الواضح لبديل عن هذا القانون… يجب سن قانون مدني يحدد وبدقة حقوق الرجال والنساء كمواطنين ومواطنات.
ماجدة: ما هي التحديات الشخصية التي واجهتها كناشطة نسوية في نضالك ضد قانون الأسرة؟
أمال: من التحديات التي واجهتني، كانت البدايات، عندما التحقت بالحركة النسوية كان المطلب مبهم وجب التعمق فيه أكثر، قمت بالعديد من القراءات والكتابات والبحث في الأرشيف حول الموضوع، لأن تاريخنا غير مكتوب بطريقة كافية للأسف، وواجهت صعوبة كبيرة جدا من أجل تكوين نظرة وموقف سياسي واضح حول المطلب.
ماجدة: وهل هناك صعوبات أكبر من ذلك؟
أمال: الصعوبة الأكبر في نظري هي الإمكانيات المحدودة، السنة الماضية قمنا في مؤسسة الجريدة النسوية، بحملة توعوية عبر عدة مدن نظمنا فيها تدريبات وورشات، من أجل تعميم الفهم حول خروقات قانون الأسرة، وتكلمنا مع نساء من قرى صغيرة ومدن كبيرة في الشمال والجنوب.. ولكن الإمكانيات تبقى محدودة، فنحن كجمعية لسنا في تواصل قوي مع المؤسسات وصناع القرار، واليوم أجدني أكلم نفسي قائلةً: أن التحدي الكبير بالنسبة لي هو كيف للعمل الذي نقوم به أن يُناقش ويُستقبل من طرف صناع القرار.