حوار| المدربة لمياء بومهدي: لاعبات كرة القدم يواجهن أحكامًا مجتمعية قاسية وعليهن الصمود

وهي في بداية مسارها، حين كانت متقدة بالحماس والشغف، لم يكن من السهل عليها أن تسير بثبات وخطى واثقة نحو تحقيق حلمها في ممارسة كرة القدم، لم يكن من السهل أن تواجه الصور النمطية والتقليدية، وتعانق هذا الحلم نحو التألق في إحدى الرياضات الأكثر شعبية في العالم. 

قيل لها إن كرة القدم للرجال فقط، وقيل لها أيضًا إن مكانها الأصلي في بيت زوجها لترعى أطفالها وليس في الملاعب، سمعت وابلا غزيرا من العبارات المحبطة والجارحة، إلا أن ذلك لم يزدها إلا عزيمة وإصرارا لتحقيق المستحيل، ولتثبتَ بجدارة أنها المرأة المناسبة في المكان المناسب.

وبينما كانت في الأمس القريب تواجه نظرات الاحتقار الذكورية والكلام الميزوجيني، بصمود وصبر، تأتي اليوم حاملة ثمرة مثابرتها وجهدها: “كأس دوري أبطال إفريقيا للسيدات”، كأول مدربة عربية وإفريقية تحرز هذا اللقب في تاريخ هذه المنافسات النسوية. غمرت قلبها نشوة الانتصار، لكنها على يقين، في الوقت نفسه، بأن الطريق لا تزال أمامها بطولها لتحقيق المزيد من الانتصارات، لتصبح بذلك نموذجا للمرأة الناجحة التي تكسر قيود المجتمع الذكوري، وتتألق في سماء كرة القدم.

هي المدربة المغربية لمياء بومهدي، مدربة نادي “تي بي مازينبي” الكونغولي، ابنة مدينة برشيد البارة، التي راكمت تجربة هامة كلاعبة كرة قدم في عدد من الفرق المحلية، قبل أن تحترف تدريب المنتخبات الوطنية لأقل من 17 و20 سنة وكذا المنتخب الوطني للكبيرات، عُرفت لمياء باجتهادها وبأسلوبها القيادي في التدريب، كما حرصت طيلة مسيرتها على استقطاب اللاعبات الشابات وإبراز المواهب الجديدة.

في حوارها مع منصة “هنّ”، كشفت لمياء عما ميز تجربتها الكروية، وكيف ساندتها أسرتها لتحقق حلمها، خصوصا والدتها التي سعت إلى تأسيس نادٍ من أجلها حتى تتمكن من ممارسة شغفها، إلى أنها في المقابل تتأسف لبعض الفتيات اللواتي كن يمارسن هذه الرياضة في الخفاء مخافة تعرضهن للعقاب من طرف أولياء أمورهن.

وتنصح المدربة لمياء الفتيات اللواتي يعشقن هذه الرياضة بإطلاق العنان لمواهبهن، ومواجهة الصعاب جميعًا من أجل تحقيق أحلامهن، على اعتبار أن ما يمكن أن يمنعهن من التألق قد يكون نفسه حافزًا نحو الإنجاز.

في ما يلي نص الحوار الكامل مع لمياء بومهدي:

س: ما هو شعورك بعد الفوز بكأس دوري بطلات إفريقيا؟

ج: أنا سعيدة جدًا بتحقيق هذا الفوز مع فريق “تي بي مازيمبي” في دوري أبطال إفريقيا للسيدات. هذا الإنجاز له قيمة خاصة بالنسبة لي، كوني أول امرأة عربية إفريقية تتوج بهذا اللقب.

س: كيف كان إحساسك بعد هزيمة فريق نسوي مغربي في النهائي؟

ج: بالتأكيد، شعرت ببعض الأسف لهزيمة فريق مغربي عريق يمثل بلدي، وما زاد إحساسي بالذنب أيضا أن معظم لاعبات الفريق المغربي كنت قد دربتهن في المنتخبات الوطنية لأقل من 17 و20 سنة. لكن يجب تقبل الأمر واحترام الأقدار التي جمعتنا كخصوم في هذا اللقاء، ومن الواجب في كرة القدم الالتزام بقواعد اللعبة واحترام الفريق الذي أمثله. كرة القدم لعبة مليئة بالتحديات، وبها بالضرورة فائز ومنهزم.

س: كيف نجحت في مسيرتك واستطعت التألق في مجال كان في الماضي القريب حكرا على الرجال؟

ج: فرض الذات في عالم تدريب كرة القدم، الذي يهيمن عليه الرجال، لم يكن سهلا علي في بداية المسار، فإذا كان الرجل يبذل جهدًا واحدًا، على المرأة بذل عشرة أضعاف ذلك لتثبت وجودها، لكن، ولله الحمد، أمتلك قوة تحدٍ كبيرة استطعت من خلالها السفر بمفردي نحو الكونغو لرسم مساري الجديد ومواجهة مختلف الصعاب في سبيل تحقيق الحلم. 

س: كيف ابتدأ مسارك كلاعبة في مواجهة النظرة الذكورية التي تطال المرأة وتمنعها من تحقيق أهدافها، خصوصا في مجال ككرة القدم؟

ج: هذا التحدي بدأ منذ الصغر، إذ كنت شغوفة للغاية بلعب كرة القدم، إلا أن المجتمع لم يكن يتقبل فكرة ممارسة الفتاة لهذه الرياضة. لكنني كنت محظوظة رغم ذلك، لأن والدتي كانت أول من دعم حلمي، وتحدت الكلام الذكوري المسيء من أجلي، بل وكانت أول امرأة تؤسس فريقا نسائيا بالمغرب وهو نادي “فتيات برشيد”، حتى أتمكن من ممارسة شغفي بكل حرية. كان الفريق في أوج عطائه سابقا، وحقق نجاحات مهمة، حيث سبق وأن فاز ببطولة شمال إفريقيا. 

س: وماذا عن باقي أفراد أسرتك؟ هل تقبلوا فكرة ممارستك لهذه الرياضة؟

ج: لم تكن أمي هي الوحيدة التي ساندتني، فقد شجعني والدي أيضا وباقي أفراد أسرتي، كنت أنتمي إلى أسرة متعلمة ومثقفة، وهذا ما جعلني أشق طريقي نحو النجاح والتألق. في الوقت نفسه، كان يحز في نفسي أن أرى لاعبات شابات يضطررن للعب كرة القدم خلسة دون معرفة ذويهم بالأمر، وقد عرفت منهن كثيرات طلبن الالتحاق بنادي “فتيات برشيد” منذ أن نشرت والدتي إعلان التأسيس، كن يمارسن شغفهن متخفيات خشية الرفض أو العقاب، وهذا أمر مؤلم.

س: حدثينا عن أبرز العقبات والمشاكل التي عانيت منها كامرأة تمارس كرة القدم في مجتمع ذكوري؟

ج: مع الأسف، العادات والتقاليد والعقليات في مجتمعنا تمثل أكبر عقبة، فكثيرون من ينظرون إلى الفتاة التي تمارس كرة القدم بنظرة احتقار وازدراء، وينعتونها بأبشع النعوت، شخصيا لم أكن أعير ذلك أدنى اهتمام، كنت أسمع الكثير من الألفاظ من قبيل “بلاصتك فالكوزينة”، و”أنت مرا تخلقت لتربية الأبناء ورعاية الزوج”، كان هذا الكلام قاسيا وجارحا، وكنت ولا أزال أجهل السبب من ورائه، لكنني أصررت على الاستمرار والتشبث بأهدافي وعدم المبالاة. عزيمتي وإصراري كانا ضروريين لي من أجل السير قدما في مساري والنجاح والتألق، سواء كلاعبة أو كمدربة، حيث كان عليّ الاجتهاد أكثر من الرجال أنفسهم لإثبات نفسي، وكرة القدم في نهاية المطاف تبقى رياضة كغيرها من الرياضات، ولا تتعلق بالذكور فقط كما يعتقد هؤلاء.

س: هل لديك رسائل لتوجيهها إلى الفتيات اللواتي يطمحن إلى التألق في رياضة كرة القدم؟

ج: رسالتي إلى الفتيات: لا تستسلمن أمام العقبات، ولا تتخلين عن أهدافكن، صحيح أن الطريق لن يكون سهلاً في البداية، لكن بالإصرار يمكن تحقيق الأحلام وتجاوز الصعاب، بصرف النظر عن كلام الناس أو نظرة المجتمع الذكورية، وقد سرت على هذا المنوال خلال تجربتي المتواضعة، وكافحت ووثقت بقدراتي، وأنا الآن أجني ثمار جهودي ولله الحمد.

س: كيف تقرئين واقع الكرة النسوية المغاربية؟

ج: أصبح المغرب نموذجًا يُحتذى به في كرة القدم النسائية خلال السنوات الخمس الماضية، إذ تمكن المنتخب النسوي، سواء فئة أقل من 17 سنة أو فئة أقل من 20 سنة أو فئة الكبيرات، من الحضور في جميع الاستحقاقات الكروية، والفضل في ذلك يعود للعمل الجاد والمتواصل للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، حيث أصبح لدينا دوري محترف، وعقود للاعبات، ورواتب تتيح لهن التركيز على تطوير مستواهن. يمكن القول إن المغرب قطع شوطًا كبيرًا في هذا المجال مقارنة بالدول العربية بشكل عام ودول شمال إفريقيا بشكل خاص، حيث لا يزال مستوى اهتمامها بكرة القدم النسائية ضعيفا، باستثناء بعض الدول التي بدأت مؤخرًا تولي اهتمامًا بالكرة النسائية، مثل مصر الآن، وقد قدم النادي المصري “مسار” أداءً مشرفا في دوري الأبطال الإفريقي.

س: برأيك، هل استطاعت المرأة تحقيق نفس مستوى النجاح في كرة القدم مقارنة بالرجل، أم أن الطريق لا يزال طويلا لتحقيق المساواة الكاملة في هذا المجال؟

ج: لا تزال كرة القدم النسائية حديثة مقارنة بالرجالية، لذا لا يمكن حاليًا المقارنة بينهما. ومع ذلك، حققت النساء تقدمًا كبيرًا، ومن الممكن في المستقبل القريب أن تكون هناك مساواة بين الذكور والإناث على مستوى نسبة الجماهير والمتتبعين، بل إن بعض المباريات النسوية الأوروبية أصبحت تبلغ نسبة حضور ومشاهدة عالية جدا، أذكر على سبيل المثال مباراة المنتخبين الفرنسي والأمريكي في ربع نهائي كأس العالم بفرنسا 2019، والتي بلغت نسبة مشاهدة غير مسبوقة، كما كانت المدرجات ممتلئة عن آخرها. إلى جانب ذلك، بدأت اللاعبات في عدد من الدول تطالبن بالمساواة في الأجور مع اللاعبين الذكور. بكل تفاؤل، أتوقع أن تزيد شعبية كرة القدم النسائية في المستقبلة، خصوصا منها الإفريقية. 

س: هل تطمحين إلى تولي تدريب فريق رجالي لكرة قدم في المستقبل؟ 

ج: أكيد، أطمح إلى تدريب فريق رجالي وكسر الحواجز التقليدية، وقد فكرت كثيرا في الأمر، لأني امرأة تحب التحديات، على الرغم من أن المجتمعات العربية لا تزال غير متقبلة لهذه الفكرة، لكني أؤمن بإمكانية تحقيق ذلك في إفريقيا.

س: هل لديك طموحات مستقبلية الأخرى؟

ج: هدفي الحالي هو قيادة فريقي للمشاركة في كأس العالم للأندية عام 2026، وسأواصل العمل بجد واجتهاد لتحقيق هذا الحلم، مع يقيني أن الله هو المعين.

اقرأ أيضا

  • تحقيق| زواج القاصرات.. تطبيعٌ مجتمعي يخترق ثغرات القانون بالمغرب 

    مريم، هي فتاة تبلغ من العمر الآن 23 عامًا، تم تزويجها عندما كانت قاصرًا، في سن الـ13 سنة بمدينة الدار البيضاء، والطريقة التي تم بها زواجها، بسيطة للغاية؛ كما هو حال الكثيرات في المغرب؛ من خلال الزواج العرفي، وهو ما يسمى "عقد القران" الذي يتم بمجرد قراءة الفاتحة. الطفلات لا يمتلكن الأهلية للقبول   في زواج…

    سعيد المرابط|

  • الخادمات المنزليات.. إستعبادٌ للقاصرات في المغرب 

    رغم دخول قانون يمنع تشغيل خادمات المنازل اللواتي لم يبلغن سن الرشد؛ حيز التنفيذ في أكتوبر من السنة الماضية، إلا أن هذا القانون لم يجد طريقه بعد إلى التطبيق، بحيث لاتزال العديد من الأسر المغربية، تشغل القاصرات المنحدرات من القرى والبوادي، وتلك صورة يصفها الكثير من المدافعين عن حقوق الإنسان بأنها "عبودية حديثة". وجعل هذا…

    Hounna | هنّ|

  • بنات الحسناوي.. من أتون الحرب إلى ربوع الوطن

    الرباط: سامي صبير "أنا ريحانة، وأنا زينب الصغيرة، وأنا أريج الأخت الوسطى"، بهذا التقديم الطفولي افتتحت الطفلات الثلاث حديثهن لمنصة "هوامش"، ليحكين تتمة قصة نجاتهن من ويلات الحرب وعبور الحدود إلى تركيا، ثم الوصول إلى أرض الوطن رفقة الوالدين، في السادس من يونيو الماضي، عقب أمر ملكي، وفقا لرواية الأم، "وفرت إثره القنصلية المغربية باسطنبول…

    Hounna | هنّ|

  • ختان البنات موروث ملطخ بالدم

    تنتشر ظاهرة ختان الإناث بصورة كبيرة في عموم مناطق موريتانيا، إذ تحتل البلاد المرتبة الثامنة عالمياً. ويعتبر ختان البنات موروثاً وتقليداً في المجتمع الموريتاني ويهدف إلى المحافظة على عذرية البنات و"تهذيب شهوتهن" الجنسية، وفقا للمدافعين عنه بينما تشجب فئات اجتماعة أخرى في البلاد هذه الظاهرة.

    Hounna | هنّ|

  • الفيديوهات

  • “لم نتوصل بالدعم”..نساء الحوز يكشفن الوجه الآخر لإهمال ضحايا الزلزال

    يبدو أن بلدة مولاي إبراهيم بإقليم الحوز، جنوب مدينة مراكش، لن تتعافى قريبا من تبعات الزلزال الذي بعثر سبل العيش هناك، خاصة أن أغلب سكان البلدة كانوا يعيشون على نشاط السياحة الداخلية التي يجلبها ضريح مولاي إبراهيم، فالتجارة والإيواء وخدمات أخرى توفرها الساكنة، خاصة نسائها، توقفت اليوم بشكل كلي، ولا أمل يلوح في الأفق لعودة…

  • محاكمة عسكرية للمعارضة التونسية شيماء عيسى

    لم تغلق المحكمة العسكرية بعد، ملف محاكمة شيماء عيسى، المعارضة التونسية والقيادية في جبهة الخلاص الوطني، فقد تم تأجيل جلسة، محاكمتها إلى 10 أكتوبر، القادم.

  • ختان البنات موروث ملطخ بالدم

    تنتشر ظاهرة ختان الإناث بصورة كبيرة في عموم مناطق موريتانيا، إذ تحتل البلاد المرتبة الثامنة عالمياً. ويعتبر ختان البنات موروثاً وتقليداً في المجتمع الموريتاني ويهدف إلى المحافظة على عذرية البنات و"تهذيب شهوتهن" الجنسية، وفقا للمدافعين عنه بينما تشجب فئات اجتماعة أخرى في البلاد هذه الظاهرة.

  • فاطنة بنت الحسين.. أسطورة العيطة وأيقونة الفن الشعبي في المغرب

    ولدت فاطنة بنت الحسين في منتصف الثلاثينات بمنطقة سيدي بنور، التابعة لدكالة، من عائلة قروية محافظة رفضت ولوجها مجال الغناء، نظرا للسمعة السيئة التي كانت ملتصقة بـ"الشيخة" وقتها. انتقلت فاطنة إلى مدينة اليوسفية، وهناك انضمت إلى فرقة "الشيخ المحجوب"، وزوجته "الشيخة العبدية"، لتحصد شهرة واسعة وصل مداها إلى مدينة آسفي، معقل "العيطة الحصباوية"، وبعدها مدينة…

  • ناسجات الحياة.. نساء بالحوز ينسجن الزرابي بين أنقاض الزلزال

    بالقرب من مركز جماعة أسني بإقليم الحوز، اجتمعت أربع نسوة بدوار "أسلدا" ينسجن الزرابي، بحثا عن مورد رزق، في كوخ من القصب ومغطى بالبلاستيك وورق التعليب، بعد أن دمر الزلزال المكان الذي كن يشتغلن فيه، والذي كان مقرًا لـ"جمعية الدوار"، قبل أن يحوله الزلزال إلى أطلال. في البداية، تحديدًا قبل ثلاثة سنوات من جائحة "كورونا"؛…

  • منع مسيرات تضامنية مع فلسطين “دعم لجرائم الإبادة”

    🟠 منعت مسيرات احتجاجية ضد العدوان الإسرائيلي، تخليدا ليوم الأرض الفلسطيني، نهاية الأسبوع الماضي، من طرف قوات الأمن في عدد من المدن المغربية، ما خلف تنديدا واستنكارا واسعينِ من طرف المشاركين في تلك الاحتجاجات.

  • العاملات الفلاحيات هنّ الأكثر تضررا من التغيرات المناخية

    🔶تعاني الدول المغاربية منذ سنوات من الجفاف على مدار السنة ، ما فاقم نسبة الفقر عموما بهذه الدول وخاصة لدى النساء، وفقدت آلاف العاملات في مجال الفلاحة مورد رزقهن.