تقول إن الكتابة أنقذتها، وتعتبر رواياتها بمثابة “بناتها” اللواتي يحلقن عاليا ويسافرن في هذا العالم الكبير، ليصلن لقرائها من مختلف أنحاء العالم ويلمسن قلوبهم.
هي كريمة أحداد، ابنة مدينة الحسيمة، التي استطاعت أن تصنع لها اسما في عالم الكتابة عبر أعمال استطاعت من خلالها حصد العديد من الجوائز الدولية.
“بنات الصبار”، “حلم تركي” و”المرأة الأخرى” هن بنات كريمة اللًّواتي سعت من خلالهن إلى تقديم وجهة نظر نسائية للعالم. بأسلوب أدبي، محتشد بالقصص، دون مجاملة أو مواربة.
حول أعمالها الأدبية، واختيارها لشخصياتها النسائية والمواضيع التي تتناولها أعمالها، وعن رأيها في المشهد الثقافي بالمغرب وحضور النساء فيه، حاورنا الكاتبة والصحفية المغربية كريمة أحداد.
وفيما يلي نص الحوار كاملا:
في رواياتك الثلاث، النساء دائما هن بطلات الرواية، ومعظمهن قويات ومتحكّمات في مصائرهن على الرغم من التحديات التي تواجههن. لماذا هذا الاختيار؟
لا يمكننا أن ننكر أنّ النساء في العالم عامّة، والعالم الإسلامي خاصّةً، يعانين من إجحاف القوانين وظلم العادات والتقاليد، لكنّ هذا لا يعني أبداً أنهنّ ضعيفات أو سلبيات أو حتى صامتات. رأيتُ في حياتي نساءً قوياتٍ وشجاعات، وشاهدتُ عن قُرب التضامن بين النساء، وكفاحهنّ من أجل البقاء، حتى في أكثر المناطق فقراً وجهلاً وذكورية. أنا أكتب الرواية الواقعية، وذلك يعني أنني أستلهم قصصي وشخصياتي من الواقع حولي. حتى في القصة القصيرة، أستمدّ مادّتي من الأشياء التي رأيتُها والبيئات المتنوّعة التي عِشتُ فيها. لذلك، فإن تقديم شخصياتٍ نسائية قوية أو مكافحة ليس اختياراً بقدر ما هو تجسيدٌ للواقع.
من خلال أعمالك الروائية، تطرقت لمواضيع اجتماعية تمس طابوهات المجتمع المغربي؛ كالمساواة في الإرث، العلاقة مع الوالدين، العلاقات الجنسية وغيرها من المواضيع.. في اعتقادك، كيف يمكن للأدب أن يتحول من جرعة أدبية ماتعة فقط إلى أداة لتغيير الأفكار والذهنيات؟
عندما أتطرّق للمواضيع التي ذكرتِها، فأنا لا أتطرّق لها باعتبارها مواضيع تمسّ طابوهات المجتمع المغربي، بل أطرحُها بوصفِها جزءًا من الواقع. أحبّ الكتابات التي تقدّم تشريحاً دقيقاً للنفسيات انطلاقاً من واقعها وهمومها ومشاكلِها الحقيقية، بدون خوف أو مواربة، ولذلك ربّما أميل، في مواضع كثيرة، إلى الكتابة بأسلوبٍ حادّ ومباشر. ومع أن الأدب لا يقوم بوظائف التعليم والنضال وتقديم الدروس، لكنّه يطرح الأسئلة التي تشغلنا كبشر ـ فالروائي ليس مجرّد قاصّ، إنه مفكّر أيضاً، وعلى الأدب أن يُمتِع ويزعج ويبعث في دواخلنا مشاعر التعاطف، ويساعدنا، من خلال قصص الآخرين، على فهم أنفسنا والعالم من حولنا، وهنا تكمن قدرة الأدب على التغيير.
في روايتك “المرأة الأخرى” كان صعبا على “شهرزاد” أن تحقق حلمها في أن تصبح كاتبة أمام الفساد الثقافي. هل كان سهلا بالنسبة لكريمة أن تحقق حلمها أم أن الوضع كان شبيها بوضع “شهرزاد”؟
تقدّم روايتي الأخيرة “المرأة الأخرى”، من خلال تجربة “شهرزاد”، بعض الصور عن الفساد المستشري في الأوساط الأدبية والثقافية، مثل النفاق، والرداءة، والاعتبارات التجارية في عالم النشر، ونظرة الاحتقار للكاتبات الإناث وكتاباتهنّ… نرى بوضوح كيف يقف هذا الفساد الجاثم على المشهد العامّ في وجه حلمِ “شهرزاد” في أن تصبح كاتبة، وكيف حوّل شغفها إلى إحباط كبير.
“شهرزاد” ليست إلا نموذجاً لمعاناة كثيرٍ من المبدعين الشباب في العالم، فكثيرون لم تُمنَح لهم الفرصة لإبراز أقلامهم وكتاباتهم، وآخرون لم يؤخذوا على محمل الجِدّ نظراً لأنهم أسماء غير معروفة. أظنني كنتُ محظوظة لأنني صادفتُ أشخاصاً شجّعوني واحتضنوا كتاباتي وأنا ما أزال في سنّ صغيرة، منهم كُتّابٌ كبار قرؤوا نصوصي بمحبّة واحترام ولم يتوانَوا عن تقديم آرائهم وملاحظاتهم ودعمهم.
للأسف الشديد، ما يزال البعضُ في المشهد الثقافي، ومنهم ناشرون وكتّاب ونقّاد وصحافيون، ينظرون إلى النساء الكاتبات، وخاصّةً الشاباتِ منهنّ، باستخفاف، ويستصغرون كتاباتهنّ وأفكارهنّ. نحنُ نعيش في مجتمعٍ لا يحترم النساء فكرياً ولا يأخذهنّ على محمل الجدّ حين يتعلّق الأمر بالتفكير وإنتاج أعمال فكرية. وفي عالم الثقافة والأدب، هناك تمييز بين الروائيات الإناث والروائيين الذكور، إذ يُنظَر إلى الروائيين على أنهم روائيون فقط، بينما تُعامَل الروائيات على أنهنّ “نساء” أولاً، قبل أن يكُنّ روائيات.
ارتباطا بالكتابة النسائية، كيف ترين وضع الكاتبات المغربيات وواقع الكتابة النسائية بالمغرب عموما؟
لا أستسيغ عبارة “الكتابة النسائية” ولا أحبّ الفصل بين كتابات النساء وكتابات الرجال. قد تختلف الانشغالات والأسئلة والأساليب والرؤى، لكنّ الأدب يظلّ أدباً فقط، سواء كان مَن كتبه رجلاً أو امرأة. بالنسبة لي، هناك فقط “كتابةٌ جيّدة” و”كتابة رديئة”، وليس “كتابة نسائية” و”كتابة رجالية”.
فازت مؤخرا قصتك القصيرة “شوكة رفيعة تحفر عميقا في قدمي” بالمركز الأول في “جائزة القصص الومضية باللغة العربية”، لتنضاف لقائمة الجوائز التي حصلت عليها في مسيرتك الأدبية. ماذا تعني هذه الجوائز بالنسبة للأديب(ة)؟
الجوائز مهمّة، لأنها تسوّق للأعمال الأدبية، وتوسّع دائرة القرّاء، وتعرّف بالكاتب على مستويات أكبر، وربّما تزيد من مبيعات الكتُب، لكنّها ليست ما يصنع الكاتب. الجوائز تخضع أحياناً لاعتباراتٍ لا علاقة لها بقيمة الأعمال الأدبية، وتحكمها في نهاية المطاف ذائقة لجان التحكيم ورؤاهم الخاصّة، وهذا طبيعيّ جداً. لذلك، أرى أنّ على الكاتب أن يكتب دون أن يفكّر في الجوائز، وحتى إذا حصل على جوائز عليه أن ينساها وهو يكتب.
إلى جانب المعارض واللقاءات الأدبية، مواقع التواصل الاجتماعي ومنتديات القراء، تتيح للكاتب اليوم فرصة الاقتراب من قرائه أكثر. كيف تتفاعلين مع رسائل القراء ومراجعاتهم لأعمالك؟
أتلقى رسائل كثيرة من القرّاء على مواقع التواصل الاجتماعي، وأقرأ التعليقات والمراجعات على موقع غودريدز أحياناً. يسعدني كثيراً أن أتوصّل بانطباعات القرّاء وآرائهم وحتى أسئلتهم. إنّ كلّ قراءة أو مراجعةٍ بالنسبة لي هي بمثابة إعطاء حياة أخرى للكتاب.