نجحت هاجر ميداسي، في التحول من امرأة منقطعة عن الدراسة في سن مبكر؛ إلى واحدة من أكبر فلاحات منطقتها بالجنوب الغربي للبلاد التونسية، وذلك خلال بعض السنوات فقط من العمل في القطاع الفلاحي. فبعد أن مكنها جدها من هبة عبارة عن أرض فلاحية بمنطقتهم الواقعة في إحدى معتمديات ولاية قفصة، قررت أن تشتغل بكل جهدها وأن تثبت لنفسها ولإخوانها الذكور ولأبناء عشيرتها، ولوالدها؛ أنها مثلها مثل الرجال، تؤتمن على الأرض ومن حقها أن تمتع بإرثها كاملا، وهي قادرة على الحفاظ عليه وتطويره.
وبكل ثقة وفخر، تقول هاجر في لقائها بـ”هنَّ”، “سخرت كل وقتي للعمل الفلاحي واشتغلت بكل جهد، اكتسبت الخبرة وفرضت نفسي ولا يوجد مستحيل أو غير ممكن بالنسبة لي في مجال عملي”.
انطلقت هاجر في العمل في المجال الفلاحي منذ سن الثانية عشر تقريبا، تحصلت على هبة الأرض كمكافأة من جدها، ومنذ ذلك الوقت عملت بكل جهد من أجل انجاح مشروعها، ورغم ما واجهته من صعوبات إدارية ومالية وفي علاقة بالعقلية الاجتماعية التي تعتبر أن المرأة غير قادرة على النجاح أو العمل في الفلاحة، سعت إلى دحض تلك الافكار والقول بالنتائج التي وصلت إليها أن “المرأة قادرة على النجاح بل بالعكس من ذلك هي أقدر من الرجال وأكثر منهم إصرارًا وتحملا للصعوبات”.
وتشير هاجر إلى أنها أصبحت اليوم “قدوة للنساء في منطقتي، وتجربتي شجعت العائلات على أن تقوم بتوزيع عادل للإرث بين أبنائها، تظفر منه النساء بنصيب من الأرض وتحافظ في نفس الوقت على العلاقة الأسرية الجيدة بعيدا عن خصومات تقسيم الإرث وحرمان النساء من حقهن”.
قصة النجاح التي تعكسها هاجر تعتبر الاستثناء في السياق التونسي، فمسألة الإرث وحصول النساء على الأرض تبقى نقطة الضعف الواضحة في مجلة الأحوال الشخصية، والمسألة الأكثر إحراجا بالنسبة للسياسيين، وحتى التقدميين ومتبني الفكر الحداثي منهم، على امتداد السنوات الماضية، إذ تواجه النساء في تونس الكثير من الصعوبات والعوائق في حصولهن على حقهن في الأرض وفي الإرث على حد السواء.
وتفيد تقديرات مسح المستغلات الفلاحية لسنة 2017، أن النساء في تونس تمثلن 5 بالمائة فقط من مجموع رؤساء المستغلات الفلاحية، وتملك النساء الفلاحات أقل من 8 بالمائة ن جملة الأراضي الفلاحية. وللرقم عميق الصلة بمسألة الميراث، فنسبة “النساء المقصيات تماما من الإرث في الأراضي الفلاحية أو المتنازلات عن منابتهن لفائدة الورثة الذكور تمثل نسبة 58 بالمائة” حسب نفس المصدر.
ورغم أن النساء يشتغلن في الممتلكات العائلية، ويمارسن النشاط الفلاحي إما كأجيرات أو كُمعينات، ويمثلن أكثر من 70 بالمائة من اليد العاملة الفلاحية المعنية بتوفير الغذاء على المستوى الأسري والوطني، نجد أن نحو 22 بالمائة من النساء الريفيات يواجهن الجوع وسوء التغذية.
دراسة متعلقة بوصول النساء في الوسط الريفي إلى الأرض أو نصيبهن من الإرث، أعدتها “جمعية دعم المبادرات في القطاع الفلاحي” في ديسمبر 2020، تثبت أن النساء اللاتي “حصلن على منابتهن من تركة الأرض، في غالب الحالات تسند إليهن القطع محدودة الخصوبة والإنتاج، أو التي تعتمد الزراعات البعلية في حين يتحصل الإخوة الذكور على الأراضي السقوية والخصبة، وهو ما من شأنه أن يجعل من الصعب على النساء استغلالها بطريقة مباشرة لأنها لا تمثل مصدر رزق فعلي وبالتالي تجد نفسها مجبرة على كرائها أو التفويت فيها في غالب الأحيان بثمن زهيد للورثة الذكور”.
كما أن القيمة المادية للمنابت الخاصة بالنساء، “تجعل من الصعب حصولهن على تمويل (في شكل قروض) من أجل استثمار أرضهن في مشاريع أخرى تكون مصدر رزق وتحسين الوضعية الاقتصادية والمادية للنساء في الريف”، تقول الدراسة.
وتشير نفس الدراسة إلى أن معظم هؤلاء النساء “لم ينجحن في الحصول على نصيبهن من الميراث في الأرض، إلا بعد فترة طويلة (أكثر من 12 سنة وتفوق أحيانا الـ30 عاما) وبعد مطالبة ملحة من جانبهن”.
وخلال كامل هذه المدة، يواصل الورثة الرجال استغلال كامل الأراضي والتمتع بمحصولها، في حين تحرم النساء من نصيبهن في الميراث ومحصوله لسنوات عديدة، وتحرم كذلك من إمكانية الاستثمار وتطوير مشاريع اقتصادية خاصة بهن.
أما بخصوص الضغوطات التي اعترضت هؤلاء النساء للحصول على منابتهن في الإرث، فتبين الدراسة، إنها صادرة أساسا عن الوالدين وهو يشكل “عنفا ناعما” أساسه سلطة الوالدين.
ففي هذا المستوى، واستنادا إلى عديد الشهادات، تكون للأم دور مؤثر في حرمان البنت أو في عدم حصولها على نصيبها العادل من الميراث. وغالبا تعارض بناتها عند مطالبتهن بحقهن في الميراث وتعتبر أن الأبناء الذكور أحق به. فالأم رغم حبها لبناتها، كثيرا ما تقف في صف الأبناء الذكور سواء كانوا على خطأ أو صواب، متى تعلق الأمر بالميراث. استنادا إلى بعض الشهادات، فإن الأم تعبَّرعن تضامنها مع أبنائها من الذكور من خلال التأثير على الأب متى كانت له نية إسناد جزء من التركة للبنات سيما إن كان ذو قيمة هامة.
وتتعرض النساء في إطار مطالبتهن بالحصول على ارثهن، فضلا عن ضغط الوالدين الى ضغوطات أثناء وبعد الحصول على الإرث تكون في شكل الرفض المبطن عبر سياسة التسويف، والتحيل، والضغط من أجل التنازلات وتصل حتى الاعتداء بالعنف.