قبل أسابيع، استفاقت ساكنة جماعة سيدي الزوين، ضواحي مدينة مراكش، على خبر اغتصاب أب لابنته التي تبلغ 16 عاما، بعد أن ضَبطته والدتها؛ التي تعمل في جني المحاصيل الفلاحية، ذات مساء عند عودتها من العمل؛ متلبسا بمضاجعة ابنتهما القاصر.
وبعد أن تم القبض على والدها، صرحت الناجية بأن خالها وأربعة شباب من أبناء جيرانها كانوا أيضا يستغلونها، لقضاء رغباتهم الجنسية بطرق شاذة، مستغلين غياب والدتها أثناء عملها.
وخلال نفس الفترة تقريبا، نقلت تقارير صحفية محلية؛ خبر اختطاف فتاة بالدار البيضاء، لا يتجاوز عمرها 16 ربيعا. خرجت من منزل والدتها نتيجة ظروف صعبة، استغلها سائق دراجة نارية لنقل البضائع، الذي اختطفها ونقلها إلى بيت واحتجزها داخله، وهناك تعرضت للاغتصاب الجماعي، حيث تناوب عدد من المشتبه فيهم على ممارسة الجنس عليها؛ قبل أن يتخلصوا منها بمحاذاة شاطئ ” عين الكديد”.
وفي قرية بامحمد، بإقليم تاونات، نهاية شهر غشت الماضي، انتشر خبر اغتصاب جد وحفيده لحفيدته البالغة 13 عاما، متسببين في حملها. وفي الفترة نفسها وبالإقليم نفسه، تم العثور على فتاة في العشرينيات من عمرها ملقاة في الشارع، ومدرجة في دمائها وقد تم اقتلاع أسنانها باستخدام ملقط للبناء، كما عثر على كدمات متفرقة في أنحاء جسدها بعد أن تم اختطافها والاعتداء عليها.
هذه بعض من قصص الاغتصاب، التي نشرتها وسائل إعلام محلية، عن جرائم اغتصاب تم تسجيلها خلال الفترة الماضية. في غياب معطيات رسمية عن نسب جرائم الاغتصاب بالمغرب. ما يراه متابعون “تطبيعا” مع هذه الجرائم التي لم تعد سوى “أخبارا عرضية لم تعد تصدم الرأي العام وتؤثر فيه”. بينما يرى قانونيون أن “عدم زجرية” القوانين هي ما يجعل هذه الجرائم في تزايد ويسهم في التطبيع معها.
في حاجة لدراسة سوسيولوجية معمقة
في هذا الإطار، ترى خديجة الرباح، العضو المؤسس لـ”الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب”، أننا “نحتاج لدراسة سوسيولوجية معمقة تشمل المجتمع المغربي بكل فئاته، لمعرفة ما إن كان المجتمع يطبَع مع ظاهرة الاغتصاب وتصوراته حول كل من المغتصبة والمغتصب. ولكن انطلاقا من عملنا الميداني في الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، فإننا نرى أن عامة المواطنات والمواطنين يرفضون اغتصاب الطفلات والأطفال. حيث يعتبرون المغتصب جانيا يستحق العقاب”.
وتستدرك الرباح قائلة: أن “العديد من الأسر، لاتزال تتستر على جرائم الاغتصاب التي تتعرض لها فتياتها. خاصة عندما يتعلق الأمر بزنا المحارم كما في حالة طفلة تارودانت. ذلك أن انتشار خبر كهذا بالنسبة للأسرة هو سبب في تشتيت العائلات في نظرهم. بالإضافة لنظرة المجتمع للطفلة المغتصبة وأسرتها، فتقرر أسرة الضحية التستر على الجريمة وطي هذا الملف”.
قوانين “غير متشددة” وتعريف “غير شامل”
يعرف الفصل 486 من القانون الجنائي المغربي، الاغتصاب بـ”مواقعة رجل لامرأة بدون رضاها”، ويعاقب عليه، باعتباره جريمة، بالحبس خمس سنوات في الحد الأدنى
فتيحة اشتاتو، محامية وعضو بـ”فيدرالية رابطة حقوق النساء”، ترى أن “هذا التعريف بعيد كل البعد عن ما تفرضه المعايير الدولية، حيث من الضروري أن يكون التعريف شاملا ومتضمنا لكل أشكال الاعتداءات الجنسية دون تحديد النوع الاجتماعي”.
وتوضح أنه يجب أن يتضمن تعريف الاغتصاب “كل أشكال الاعتداءات بالإكراه على أي جزء من جسد الضحية، بما في ذلك الإيلاج باستخدام الأدوات أو الانتهاكات الجنسية التي تمس الأموات في القبور. كما يجب أن يشمل كذلك الاغتصاب الزوجي”.
وتربط اشتاتو بين التعامل “المألوف والعادي” مع قضايا الاغتصاب، مع “عدم تشدد” القوانين، بل إن المحكمة، في الغالب، تمتع المحكومين في قضايا الاغتصاب بظروف تخفيف، خاصة في الحالات التي يتم قي زواج ضحايا الناجيات من العنف بمعنَفيهن.
وأشارت المحامية إلى أن “العقلية الذكورية لا زالت تحكم بعض القضاة الذين يسألون الضحية الماثلة أمامهم عن توقيت خروجها وعن لباسها وقت الحادث، وما إن كانت عذراء أم لا. وهو ما يجعل العقوبة رهينة بوضعية الضحية، ويسهم في الإفلات أو التخفيف من العقاب”.
إلى جانب ذلك، تضيف اشتاتو أن “إشكالية الإثبات تبقى على عاتق الضحايا، إذ على الضحية أن تثبت أن ما تعرضت له لم يكن برضاها. كما يشكل عدم تبليغ الشهود الذين عاينوا العنف، بغض النظر عن نوعه، مشكلا إضافيا يستدعي ضرورة إقرار إلزامية التبليغ”.
منصات التواصل وقضايا الاغتصاب
وبخصوص تفاعل المغاربة مع هذه القضايا، تعتبر الاختصاصية في علم النفس الاجتماعي، بشرى المرابطي، أن “هذه السنة تعد سنة استثنائية في عدم تفاعل المغاربة مع العديد من القضايا ومن بينها قضايا الاغتصاب واغتصاب القصّر والأطفال الصغار، نتيجة أحداث غزة والمآسي الدموية اليومية التي شغلت الرأي العام وحظيت بتفاعل كبير”. وعلى اعتبار أنها سنة استثنائية، تضيف المرابطي، “فلا يمكن أن نبني عليها أي حكم وتقييم”.
وتلاحظ المرابطي، “تراجع وتباين تفاعل الجمعيات الحقوقية مع قضايا التحرش والاغتصاب، ونشير هنا لقضية ‘طفلة تيفلت’، التي تفاعلت معها الجمعيات الحقوقية من خلال الوقفات الاحتجاجية و البيانات التنديدية، وهذا هو المطلوب، وهو ما كان له أهمية بالغة في مسار الحكم. غير أن قضايا أخرى كقضية طفلة أخرى في الجنوب لم تنل مثل هذا التفاعل على الرغم من أهميتها”.
وفيما يخص التبليغ عن هذه الجرائم، اعتبرت المتخصصة في علم النفس الاجتماعي أن هناك تطورا خلال العقدين الماضيين، حيث “لم تكن سابقا الضحية تجرأ على البوح إلا لأمها كاتمة سرها. ثم تطور الأمر لإبلاغ الأسرة ومن ثم تبليغ السلطات لاتخاذ الإجراءات بحق الجاني أو الجناة مهما كانت صلة قرابته بالضحية”.
وترجع المرابطي الفضل في هذا التطور لـ”الإعلام الذي تناول ملفات الاغتصاب وكشف عنها. إلا جانب دور الحركة النسائية الحقوقية التي تساند الضحايا وأسرهم وتشجعهم على التبليغ”. غير أن توفير حماية قانونية لهؤلاء الضحايا، تضيف المرابطي، “يبقى مسألة أساسية لتشجيع الضحايا على التبليغ”.
وتشدد المتخصصة ذاتها على أهمية التتبع النفسي للضحايا، باعتباره “وسيلة لتشجيعهن على التبليغ. ذلك أن أسر عديدة لا تشجع فتياتها على التبليغ، مخافة الأضرار النفسية التي تلحق بها نتيجة نظرة المحيط الإجتماعي”.
ولهذا، فالتكفل النفسي بالضحايا “يبقى على عاتق الدولة وضمن اختصاصها من أجل حماية المعتدى عليهن في مثل هذه الجرائم”، تؤكد المتحدثة.
وأشارت المرابطي إلى أن”مواقع التواصل الاجتماعي لعبت دورا هاما في تشكيل رأي عام بخصوص العديد من الأحداث والقضايا، وتسهم في الضغط على أجهزة الدولة للقيام بالمتعين عليها”.
وتخلص إلى أن “الإخبار بشكل عام، سواء من خلال وسائل التواصل الاجتماعي أو من خلال وسائل الإعلام الكلاسيكية، يسهم في تغيير الوقائع ويشكل رأي عاما قويا قادرا على الضغط وإثارة الانتباه لهذه القضايا”.