منظمات المجتمع المدني التونسي على تباين أنشطتها الحقوقية والبيئية والأكاديمية والاجتماعية والصحية؛ تتفق على “مبدأ عدم المس من المرسوم 88 لسنة 2011″، المتعلق بتنظيم الجمعيات والاتجاه نحو حسن تطبيقه.
ويصف الجسم الحقوقي أي محاولات لتغيير المرسوم أو تنقيحه ضمن مسار مبرمج، بأنها “منهجية للسلطة الحالية لإضعاف كل الأجسام الوسيطة التي انطلق في تنفيذها مسار 25 جويلية منذ سنة 2021″؛ فبعد المجلس الأعلى للقضاء ومجلس النواب والأحزاب “يأتي اليوم دور منظمات المجتمع المدني”، حسب حقوقيين استشارتهم منصة “هنَّ”.
ورسميا، في وقت مرجح أن تقدم الحكومة مشروعها الخاص بتنظيم الجمعيات والذي يفترض أن يكون له الأولوية في التداول داخل مجلس نواب الشعب، انطلقت لجنة الحقوق والحريات في عقد جلسات الاستماع حول مقترح مشروع القانون الأساسي لتنظيم الجمعيات، الذي تم تقديمه من قبل النائبة فاطمة المسدي، بمعية عشر نواب.
وحسب النسخة الواردة على مكتب المجلس بتاريخ 10 أكتوبر 2023، يحتوي المقترح المقدم، على 26 فصلا موزعًا على أربع أبواب هي، “المبادئ العامة، باب الجمعيات الوطنية، باب الجمعيات الأجنبية وباب في الحل والعقوبات وتنفيذها”.
كما تضمن المقترح جزءًا آخر لشرح الأسباب تم فيه عرض “أسباب وأهداف المشروع والتجارب المقارنة والخطوط العريضة للمقترح”.
وتكشف قراءات لمشروع القانون الأساسي المذكور، أنه في “مجمله مقترح جائر، يمس من مكتسبات حقوق وحريات الشعب التونسي”، ومن شأنه أن “يعود إلى الوراء بالعمل المدني”.
هذا المشروع، الذي لم تتم صياغته بصفة تشاركية مع منظمات المجتمع المدني؛ يعطي سلطة مطلقة للإدارة، وينص على “مبدأ العودة إلى التصريح بشكل مقنع”، كما يمنع التمويل الدولي ويلغي التدرج في العقوبة، فبعد أن كان حل المنظمات أو الجمعيات يقع بعد تنبيه وتعليق ثم حل بإذن وقرار قضائي، ينص المقترح الحالي على “إيقاف عمل الجمعيات من قبل الإدارة”، ويجعل من مسار التقاضي أمام المحكمة الإدارية ثانويًا. كما حمل تضييقًا على نشاط الجمعيات وجعل من السلط المحلية الطرف الترتيبي.
وشملت الاستماعات داخل لجنة الحقوق والحريات، ممثلين عن محكمة المحاسبات ولجنة التحاليل المالية ووزارة الشؤون الاجتماعية، في مقابل استثنائها وتغييبها إلى غاية الآن للإدارات الرسمية المشرفة على منظمات المجتمع المدني داخل رئاسة الحكومة، وهي مصالح التشريع والادارة العامة للجمعيات، ومركز الإفادة والعلاقة مع المجتمع المدني. وتقول زبيدة الصدقاوي مسؤولة مشاريع بـ”مركز الكواكبي للتحولات الديمقراطية”، أن المقترح المقدم “لم يتم إعداده بصفة تشاركية مع المجتمع المدني، كما أنه ليس من المنطقي أن نتجه إلى تنقيح المرسوم 88 في الوقت الذي يصنف ضمن 10 قوانين في العالم”.
وتضيف الصدقاوي، أن “تطبيقاته تشوبها إشكاليات، وكان الأسلم تدارك تلك النقائص في التطبيق، وليس تغيير قانون آخر أقل منه مستوى ليكون تطبيقه أكثر سوءًا وانتهاكًا”.
وشددت على أن “موقف منظمات المجتمع المدني واضح وصريح، بخصوص أي قانون مهما كان الطرف الذي يقدمه؛ وهو تطبيق المرسوم 88 وليس تنقيحه أو تغييره”.
واشارت إلى أن مختلف المبادرات التي تم تداولها منذ 2016، “جاءت للتضييق وضرب مكتسبات منظمات المجتمع المدني، وليس من أجل الانفتاح والمزيد من الحقوق والحريات”.
وبنظرة شاملة، حملت المقترحات وآخرها مشروع النائبة فاطمة المسدي، حسب زبيدة الصدقاوي “منعًا صريحًا للتمويل الدولي، وعدم التدرج في العقوبة وسلطة مطلقة وواسعة للادارة، بما يعكس ضرب تام للعمل الجمعوي”.
وذكرت في نفس السياق أن المقرر الخاص للأمم المتحدة الخاص بحق التجمع والتظاهر السلمي اعتبر أن “المرسوم 88 إرث وطني يجب المحافظة عليه”، مشيرةً إلى أن “مختلف التقييمات الدولية تفيد بأنه مرسوم من أفضل وأحسن المراسيم في العالم”.
كما أن مجموعة العمل المالي في تقييمها لتونس من ناحية تمويل الإرهاب وتبييض الأموال في قطاع المنظمات غير الهادفة للربح، “رأت أنه بتكاثف الجهود بين منظمات المجتمع المدني والطرف الحكومي، تستحق إسناد عدد كامل لتونس”، وفق المتحدثة.
ونبهت في الإطار ذاته إلى أنه في حال تم التوجه نحو “تغيير المرسوم 88 فالدولة التونسية ستنزل إلى القائمة الرمادية وينخفض ترقيمها”. وبالتالي ليس من المنطقي اليوم أن “تتخلى تونس على مرسوم بهذا المستوى من الجودة، لفائدة مقترحات تتجه نحو التضييق أكثر من ضمانها للحقوق والحريات”، تقول زبيدة الصدقاوي.
ومن جهتها، تشدد “الرابطة التونسية للدفاع على حقوق الإنسان”، على “رفضها لمقترح القانون برمته”، ودعت رئاسة الحكومة وهياكلها المعنية بمراقبة منظمات المجتمع المدني إلى “تفعيل المرسوم 88 المنظم لعمل ونشاط الجمعيات”.
وذكرت بوجود مصلحة خاصة صلب رئاسة الحكومة “تعنى بالمجتمع المدني عليها أن تقوم بدورها في مراقبة عمل وتمويلات المنظمات”. وتعتبر أن مقترح القانون المقدم من شأنه أن يكون “الخطوة الأخيرة للقضاء على حرية التعبير وحرية التنظيم في تونس”.
وأشارت في نفس السياق، إلى أن “غالبية المانحين الدوليين الذين يقومون بتمويل منظمات المجتمع المدني التونسي، لهم علاقات تعاون ومشاريع عمل مع الدولة التونسية بمختلف هياكلها”.
وأكدت على أن هذه التمويلات “لا تتجاوز الـ1.5 بالمئة من مجموع التمويلات التي تتحصل عليها الدولة التونسية”.