لم يُكلل توجه المشرع التونسي، الذي يهدف إلى إلغاء جميع أشكال التمييز بين الجنسين في مجال العمل، بالنجاح في تحقيق المساواة الفعلية في الأجور بين المرأة والرجل في نفس التصنيف المهني. رغم ذلك، لا يزال التمييز سائدًا في العديد من التخصصات والقطاعات.
وبينما تظهر المؤشرات الرسمية أن النساء يتصدرن عددًا من القطاعات مثل التعليم والصحة والصحافة، إلا أن هذه الأرقام تخفي وراءها اختلالات في العلاقات بين الجنسين. ففي كثير من المؤسسات الإنتاجية، تمثل النساء القاعدة العريضة في الهرم الوظيفي، إلا أن تمثيلهن في القمة يبقى أقلية.
إيمان، خريجة هندسة هيدروليكية، تمثل مثالًا حيًا لهذا الواقع. بعد أن فشلت في الحصول على فرصة عمل في مجال تخصصها، اضطرت للعمل في إحدى منظمات المجتمع المدني المهتمة بالبيئة.
وتقول إيمان لمنصة “هنَّ”: “رغم أن شهادتي مطلوبة في مجالات الأنشطة البترولية والهندسة المائية، فشلت في الحصول على وظيفة بسبب تفضيل معظم الشركات للرجال، أو بسبب التمييز ضد النساء في بعض الفرص التي تُعلن”.
وتضيف: “المساواة بين الجنسين في مجال العمل مجرد وهم، والإحصائيات تكشف عن تراجع فرص النساء في سوق العمل، إذ لا تتجاوز نسبة النساء اللاتي يلجهن سوق العمل 30 بالمائة، رغم أن نسبة الخريجات الجامعيات تقدر بـ70 بالمائة”.
من جانبها، تبرز نجاة العرعاري، مختصة في علم الاجتماع، أن واقع التمييز في قطاعات مهنية مثل الهندسة والبناء والميكانيكا، وهي مجالات تتطلب تواجدًا ميدانيًا، “ممنوعة عن النساء ولا يكون لهن نفس الحظوظ في الحصول على الوظيفة فيها كما الرجال، بينما تُمنح لهن وظائف إدارية دون فرصة للتطور المهني”.
وأضافت العرعاري في تصريح لـ”هنَّ”: “حتى في حال تم تعيينهن، غالبًا ما تقتصر مهامهن على الأعمال الإدارية، مما يحد من فرصهن في تطوير مهاراتهن مقارنة بزملائهن من الرجال”.
وتوضح العرعاري أن النساء يعانين من عقوبات مهنية بسبب التزاماتهن العائلية، “مثل عطلة الولادة والرضاعة، حيث يتم حرمانهن من بعض المكافآت والترقيات التي يحصل عليها الرجال”. كما أن هذا التمييز يؤثر على فرص النساء في تولي المناصب العليا أو اتخاذ القرارات في مؤسساتهن.
ويعد القطاع الفلاحي من أبرز المجالات التي تشهد تمييزًا في الأجور، حيث تمثل النساء حوالي 80 بالمائة من اليد العاملة، ومع ذلك فإن أجورهن أقل بكثير من أجور الرجال. فعلى سبيل المثال، يحصل العامل في موسم جني الزيتون على 35 دينارًا في اليوم، بينما تحصل العاملة على 25 دينارًا فقط.
وأظهرت دراسة أعدها “المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية”، في 12 ولاية؛ أن “93 بالمائة من النساء العاملات في القطاع الفلاحي غير راضيات عن أجورهن ويعبرن عن استيائهن من التمييز”.
ورغم ذلك، “أبدت 15 بالمائة من العينة قبولهن بهذا التمييز”، حسب ذات الدراسة.
المساواة في الأجر بين الجنسين في القطاعات الصناعية هي الأخرى بعيدة عن التحقيق، حيث تعمل النساء في نفس الظروف مثل الرجال، لكنهن يحصلن على أجور أقل ويتم إقصاؤهن من مهام الإدارة والقيادة.
وفيما يتعلق بتقييم مؤشر البنك الدولي للمرأة وأنشطة الأعمال والقانون لعام 2020، فقد أظهرت النتائج أن 70 بالمائة من دول العالم ما زالت تملك قوانين تسهم في تعميق فجوة الأجور بين الجنسين. وتتمتع منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بأدنى درجة تقييم تبلغ 37.5 بالمائة.
ورغم أن القانون التونسي ينص على إلغاء التمييز بين الجنسين في العمل، إلا أن التطبيق الفعلي يبقى غائبًا، فلا يتم تخصيص ميزانيات كافية لتمكين النساء من نفس الفرص أو لتعزيز الرقابة على تنفيذ القوانين. فوفقًا للمجلة التونسية للشغل، لا يجوز التمييز بين الأجر المخصص للمرأة والرجل إذا كانا في نفس التصنيف المهني. ولكن على أرض الواقع، يتم خرق هذه القوانين بشكل مستمر.
كما أن الفصل 19 من القانون الأساسي عدد 58 يعاقب على التمييز الاقتصادي بسبب الجنس، ويشمل ذلك التمييز في الأجر أو في الترقيات. وفي حال تكرار التمييز، تتضاعف العقوبة.
ويبقى التحدي كبيرًا في تحقيق المساواة الحقيقية بين الجنسين في سوق العمل التونسي، وتظل النساء في حاجة إلى سياسات أكثر فاعلية لضمان حقوقهن وتوفير الفرص المتساوية في جميع المجالات.