بعد سنوات من الانتظار، حصلت المرأة الجزائرية العاملة على تمديد إجازة الأمومة، حيث زادت مدتها إلى خمسة أشهر بدلًا من ثلاثة أشهر ونصف، وقد اعتبرت العديد من الجمعيات النسوية هذا القرار خطوة إيجابية نحو تعزيز حقوق المرأة العاملة.
يأتي هذا القرار بعد نقاشات طويلة حول مسودة قانون تقدّمت بها “وزارة العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي”، بهدف تعديل التشريعات المتعلقة بإجازة الأمومة، بما يضمن حماية أفضل للأطفال الرضع ودعماً للأمهات العاملات حديثي الولادة.
لم يكن هذا القرار وليد اللحظة، فقد مرّ بمحاولات عديدة لتحريكه من الجمود. ففي سنة 2013، عملت المنظمات النسوية على إعداد ميثاق المرأة العاملة، الذي تمت المصادقة عليه من قبل الحكومة، وتضمن عدة مقترحات جوهرية، من بينها تمديد إجازة الأمومة إلى 18 أسبوعًا، بالإضافة إلى منح إجازة أمومة للنساء اللواتي يستقبلن أطفالًا في إطار الكفالة، فضلًا عن اقتراحات أخرى مثل تمديد ساعات الرضاعة وتخفيف ساعات العمل للآباء الذين لديهم أطفال من ذوي الإعاقة.
ورغم المصادقة على الميثاق، لم يتم تطبيقه على أرض الواقع، حيث أشارت المحامية والمناضلة نادية آيت زاي في لقاء اعلامي إلى أن “غياب الإرادة السياسية والمناخ السياسي آنذاك حالا دون تنفيذ هذه الإصلاحات”.
أما على المستوى البرلماني، فتشير النائبة فاطمة سعيدي، في تصريح لـ”هنّ”، إلى أن اقتراح تمديد عطلة الأمومة “قُدم لأول مرة من قبل النائبة سليمة بلقميش، ممثلة عن حركة مجتمع السلم، لكنه قوبل بالرفض من قبل الحكومة آنذاك، بحجة عدم توفر الموارد المالية اللازمة”.
ومع ذلك، تضيف المتحدثة، “أُعيد طرح المقترح خلال العهدة الحالية، من طرف النائبة فريدة غمرة، التي تقدّمت بمشروع قانون جديد لتمديد عطلة الأمومة، ليتم قبوله أخيرًا، بعد الأخذ بعين الاعتبار عدة عوامل ضرورية تدعم هذا التمديد”.
تمديد عطلة الأمومة.. خطوة للأمام لكنها ليست كافية
تقول الناشطة النسوية امال حجاج في تصريحها لـ”هنَّ” أن هذه الخطوة مهمة ومع ذلك لا يزال من الضروري انتظار صدور القانون.
“في البداية، كان التركيز منصبًا على قانون يشمل فقط الأمهات اللواتي ينجبن أطفالًا من ذوي الإعاقة. ومن المؤكد أن الاهتمام بحقوق الطفل أمر مهم، لكن الأهم هو تعزيز دور المرأة العاملة وتقديم التسهيلات اللازمة لها”، تضيف امال حجاج.
وعرجت حجاج في حديثها على ضرورة أن تشمل القوانين الأب عبر استحداث عطلة الأبوة، “ما يتيح لكلا الوالدين فرصة استقبال المولود الجديد والتفرغ لأدوارهما الأبوية، والمساهمة في كسر القوالب النمطية التي تحصر مسؤولية التربية ورعاية الأطفال بالمرأة وحدها”.
من جهتها ،ترى المحامية عايشة زميت في تصريح لـ”هنَّ” أن هذا القرار “يمثل خطوة مهمة نحو دعم الأمهات العاملات وتوفير بيئة عمل مرنة تراعي التحديات التي تواجههن، إلا أنه لا يزال يتطلب مجهودًا أكبر لضمان بيئة عمل داعمة”.
وتضيف أن تحسين البنية التحتية، مثل تقريب دور الحضانة من أماكن العمل، “يمكن أن يساهم بشكل فعّال في تعزيز الإنتاجية وتوفير بيئة أكثر ملاءمة للأمهات، وهي تجربة أثبتت نجاحها في بعض المؤسسات”.
وتعتبر زميت أن هذه القوانين “قد تواجه فجوات قانونية وتعقيدات إدارية في آليات تطبيقها، مما قد يحدّ من استفادة النساء منها عمليًا، ما يستدعي مواصلة الجهود لضمان تنفيذها الفعلي دون عراقيل”.
وعن أهمية التمديد ترى النائبة فاطمة سعيدي، أن تمديد عطلة الأمومة “يحقق عدة فوائد فهو يحسن الصحة العامة للأم والطفل، يخفف الأعباء الاقتصادية على العائلات، ويضمن حق الطفل في الرضاعة الطبيعية، مما يعزز مناعته ويحميه من الأمراض”.
وأوضحت أن هناك دوافع صحية قوية لهذا الإجراء، “أبرزها تشجيع الرضاعة الطبيعية، التي تساهم في حماية المرأة من عدة أمراض، أهمها سرطان الثدي، الذي يشكل عبئًا ماليًا كبيرًا على ميزانية الدولة من حيث تكاليف العلاج. بالإضافة إلى ذلك، فإن تعزيز الرضاعة الطبيعية يقلل من الحاجة إلى الحليب الصناعي، الذي يمثل تكلفة إضافية على الأسر”.
قيود القانون 84/27
لاقى هذا القرار ترحيبًا من قبل العديد من التمثيليات النسوية التي اعتبرته تقدماً نحو تحقيق التوازن بين الحياة المهنية والأسرية، إذ رحبت جمعية “حورية للمرأة الجزائرية” بالقرار.
وثمنت الجمعية عبر صفحتها “فيسبوك”، “هذا الإجراء الذي يعزز حقوق المرأة”، معتبرةً أن تمديد عطلة الأمومة “يمثل خطوة استراتيجية نحو تحسين الظروف الاجتماعية والمهنية للمرأة الجزائرية، إذ يمنحها الفرصة لرعاية مولودها في بيئة مناسبة، مما ينعكس إيجاباً على صحتها وصحة الطفل، ويعزز استقرار الأسرة والمجتمع”.
من جهة أخرى، ترى بعض الجمعيات النسوية أن القرار يشكل خطوة إيجابية لكنه مايزال ير كافٍ لضمان حقوق أوسع للنساء، حيث طالبت السلطات الوصية عبر رسالة مفتوحة بتغيير مواد قانونية في قانون العمل تحرم فيه من النساء من تعويضات عطلة الامومة
ودعت المنظمات النسوية الجزائرية في الرسالة المفتوحة التي وجهت إلى وزير العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي في الثامن من مارس ، إلى تعديل المادة 32 من المرسوم التنفيذي رقم 27-84 المؤرخ في 11 فبراير 1984، بما يضمن إنصاف النساء العاملات في الاستفادة من عطلة الأمومة دون قيود تعسفية.
الرسالة التي وقعت عليها شبكة وسيلة أفيف، اللجنة الوطنية الوطنية للمرأة العاملة ، الجريدة النسوية الجزائرية، مجموعة ألجيريان فيمينيست، مبادرة اكتئاب ما بعد الولادة DZ، مبادرة لها بودكاست، مؤسسة أمل وكرامة ، مبادرة ثورة بودكاست، أشارت إلى أن التفسير الحالي للمادة يحرم العديد من النساء، خاصة ذوات العقود المؤقتة أو الأجر اليومي، من حقهن في التعويضات المرتبطة بعطلة الأمومة.
وأوضحت أن مجرد غياب غير مدفوع الأجر أثناء الحمل، حتى بموافقة صاحب العمل، يستخدم كذريعة لحرمانهن من هذا الحق، وهو ما يشكل تمييزًا صارخًا.
وأظهرت الرسالة أن هذا الوضع يتناقض مع القوانين الجزائرية، مثل المادتين 56 و66 من قانون العمل، اللتين لا تعتبران الغياب المؤقت إنهاءً لعلاقة العمل. كما اعتبرت أن تمديد عطلة الأمومة، الذي أعلن عنه رئيس الجمهورية، خطوة إيجابية، لكنها تبقى غير مكتملة دون تصحيح الثغرات القانونية.
ودعت الرسالة إلى مراجعة المادة 32 لضمان حق جميع النساء العاملات في عطلة أمومة مؤمّنة، مشددة على أن حرمان المرأة من هذا الحق هو عقوبة مزدوجة.
هذا، ويُعتبر تمديد إجازة الأمومة إلى خمسة أشهر بدلًا من ثلاثة أشهر ونصف خطوة مهمة نحو تحسين ظروف المرأة العاملة وتعزيز التوازن بين الحياة المهنية والأسرية.
ومع ذلك، فإن العقبات القانونية، مثل قيود القانون 84/27، لا تزال تشكل تحديًا أمام تحقيق حماية شاملة للأمهات العاملات، خاصة في ظل غياب تعويضات عادلة للعاملات بعقود مؤقتة أو بأجور يومية. لذا، فإن الجهود النسوية لا تزال مستمرة للمطالبة بمزيد من الإصلاحات القانونية التي تضمن حقوقًا أوسع وأكثر إنصافًا للمرأة في سوق العمل الجزائري.