في ربيع عمرها الخامس عشر، فقدت الفتاة المغربية، ريم، طفولتها وخلفت وراءها أحلام الدراسة والصداقة، لتحلّ محلها جحيمٌ من العبودية الجسدية والنفسية تحت مسمى “الزواج الشرعي”.
عُقد قران ريم، في المغرب بـ”زواج الفاتحة”، وفقًا للشريعة الإسلامية، لكن هذا الزواج لم يُصادق عليه قانونيًا في إسبانيا، وبحجة الشرعية الدينية، استغل المتهم – وهو رجل مغربي (44 سنة)– هذا الثغرة، فأجبر الفتاة على الكذب أمام المحيطين بها، مدعية أنها ابنة شقيقه.
وبحسب التحقيقات، عاشت ريم تحت سيطرة تامة؛ تمثلت في أعمال منزلية قسرية، حيث كانت تؤدي كل مهام المنزل للرجل ولعائلته دون مقابل.
بالإضافة إلى استغلال جنسي دائم؛ إذ فرض عليها المتهم تلبية رغباته في أي وقت عنوةً وكأمرٍ حاصل.
ووفق التحقيقات أيضا، عانت ريم من العزل الاجتماعي، فقد مُنعت من التواصل مع أصدقائها أو معلميها، وقيّد حركتها داخل المنزل وخارجه، حتى منعها أحيانًا من الذهاب إلى المدرسة.
كنا أسفرت هذه العلاقة القسرية عن إنجابها طفلاً، ما زاد من تبعاتها النفسية والاجتماعية.
ولم يسلم هذا الواقع من أعين المعلمين؛ إذ لاحظت إدارة المدرسة تراجعًا مفاجئًا في سلوك الطفلة وحضورها، فباشرت التحقيق، ليتم نقلتها فورًا إلى مركز رعاية النساء المعنفات حيث بدأت تتلقّى الحماية والرعاية النفسية.
حكم قضائي رادع
وفي نهاية أبريل المنصرم، دانت محكمة مدينة “كاستيلون” الرجل بأربع تهم رئيسية: الزواج من قاصرٍ دون السادسة عشرة، الاستعباد القسري (إجبار على أعمال منزلية واستغلال جنسي)، العزل الاجتماعي والتهديد، والولادة القسرية لطفلٍ نتيجة العلاقة.
وقضت فيه المحكمة بـ8 سنوات سجن، تليها 5 سنوات مراقبة قضائية، وفرضت عليه غرامة 30 ألف يورو كتعويضٍ للضحية، بالإضافة إلى قرار منعه من الاقتراب منها مسافة أقل من 500 متر.
الآثار النفسية العميقة
وذكر الحكم أن الطفلة عانت من “اضطرابات نفسية حادة، شملت نوبات قلق واكتئاب”، وعانت من “صدماتٍ نفسية أثرت على نموها العاطفي والاجتماعي”، وهو الأمر الذي يستدعي متابعة طويلة الأمد ودعمًا متخصصًا.
ويثير هذا النوع من القضايا تنديدًا واسعًا من قبل منظمات حقوقية دولية، حيث تعتبر منظمة “هيومن رايتس ووتش” في بيان سابق أن تزويج القاصرات “شكل من أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي، وينتهك حقوق الفتيات في التعليم، والصحة، والحماية، والحرية الشخصية”.
كما دعت المنظمة السلطات إلى “تعزيز التدقيق في حالات الزواج غير الموثّق قانونيًا، خاصة تلك التي تتم في سياقات ثقافية أو دينية، لضمان عدم استغلالها لإخفاء أنماط من الاستعباد أو الانتهاك”.
من جانبها، ترى منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) على أن تزويج القاصرات “يؤثر سلبًا على النمو النفسي والعاطفي للفتيات، ويزيد من احتمالات تعرضهن للعنف المنزلي، والفقر، والانقطاع المبكر عن الدراسة”.
وتجدر الإشارة إلى أن حماية الطفلات والفتيات من تزويج القاصرات واستعبادهن مسؤولية مشتركة بين المؤسسات التعليمية، والقضائية، والمجتمع المدني. إذ إن إنصاف الضحايا لا يكتمل بإجراءات عقابية فحسب، بل يتطلب توفير دعم نفسي وقانوني مستدام، ورصدًا دؤوبًا لأي حالات مشابهة، لضمان ألا تضيع طفولةٌ أخرى في صمت العبودية.