مريم، هي فتاة تبلغ من العمر الآن 23 عامًا، تم تزويجها عندما كانت قاصرًا، في سن الـ13 سنة بمدينة الدار البيضاء، والطريقة التي تم بها زواجها، بسيطة للغاية؛ كما هو حال الكثيرات في المغرب؛ من خلال الزواج العرفي، وهو ما يسمى “عقد القران” الذي يتم بمجرد قراءة الفاتحة.
الطفلات لا يمتلكن الأهلية للقبول
في زواج مريم ذلك، لم تكن هناك حاجة إلى ورق مكتوب، ولا حاجة إلى كاتب عدل أو ختم رسمي، ليوثق الزواج رسميًا، فقد زُوجت الصبية على سنة الله ورسوله، وأمام شهود، ثم عاش زوجها معها لمدة أسبوع في منزل والديها، ليغادر بعد ذلك للقتال في سوريا.
عند وصوله إلى سوريا، طلب منها أن تتنقب، وترتدي برقعًا يغطي كامل وجه المرأة باستثناء فتحة على مستوى العين، وأن تسافر لتنضم إليه، عبر تركيا.
وفق حكايتها، لمنصة “هن”، لم تكن الفتاة ترغب في السفر إلى سوريا، لكنها غير متعلمة، إذ لم تدرس وعائلتها فقيرة للغاية، فكان طريقها الوحيد للعيش؛ هو الخروج لممارسة الدعارة.
وتقول أمل الأمين منسقة “حملة مكافحة زواج القاصرات بالمغرب” في جمعية “حقوق وعدالة” غير الحكومية، أن هذه الظاهرة هي “تزويجٌ لطفلاتٍ غير بالغات، دون شرط القبول أو الإيجاب، الذي لا يتوفر في قاصر، إذ لا تمتلك الأهلية، ولا حتى القدرة على هذا الزواج، وبالتالي، هذا تزوِيجٌ، وليس زواجًا، فهن طفلات، حسب تعريف اتفاقية الطفل”.
اختراق ثغرات القانون
تمثل مدونة الأسرة، التي جاء بها “العهد الجديد”؛ منذ تولي الملك محمد السادس حكم المغرب، وتمت الموافقة عليها في عام 2004، خطوة كبيرة في مجال حقوق المرأة، حيث تقرر لأول مرة أن يكون سن الزواج هو 18 عاما أو أكثر.
ولكن، مدونة الأسرة، تضمنت ثغراتٍ في ديباجتها، شرَّعت بعض حالات زواج القاصرات “لأسباب قاهرة” كالاغتصاب والحمل، بعد “التحليل الطبي أو التحقيق الاجتماعي”، وكانت الفكرة الأولية هي أن القاصرات لن يفقدن حقوقهن كزوجات، ولكن الاستثناءات التي ينص عليها القانون أصبحت هي القاعدة، في كثير من الحالات، ومن تلك الثغرات اقتيدت الآلاف من الطفلات إلى مذبح الزواج القسري.
فالمادة 16 من “مدونة الأسرة”، تنص على إمكانية توثيق الزواج غير الرسمي على مدى خمس سنوات.
ولكن في عام 2009، تم تمديد هذه المادة لمدة خمس سنوات، وفي عام 2014، لخمس سنوات أخرى. وقد تم استخدامها للتحايل على القانون المتعلق بقضايا تعدد الزوجات وزواج القاصرات.
لقد كانت ثغرة قانونية سمحت للرجال، الذين غالبًا ما يكونون كبارًا في السن، بالزواج من نساء صغيرات جدًا. وهذه هي الطريقة التي يتم بها التسامح مع أفعال الاستغلال الجنسي للأطفال المقنعة في ثوب الزواج، في حين أنها في الواقع كانت انتهاكات قانونية.
ولحسن الحظ، لم يعد يسمح بتمديده منذ فبراير 2019، ولكن هذا لا يعني أن المشكلة اختفت، لأنها ليست قانونية فحسب، بل ثقافية، اقتصادية واجتماعية، حسب رأي حقوقيين استشارتهم “هنّ”.
وتفسر أمل الأمين ذلك ذلك بأنه “سلوك ثقافي في مجتمعنا، طُبِعَ معه دون أن يثير حفيظة الآخرين، وهم يرون طفلة يسلب منها مقعد الدراسة ليستبدل بزواج غير قادرة على رفضه، لعدة عوامل، أهمها العامل الاقتصادي”.
“إذ بسبب الفقر لا قدرة للآباء على تحمل مصاريف الطفلات ودراستهن، وبالتالي يتهيأ لهم أن تزويجهن سيغير من السُلم الإجتماعي والوضع الاقتصادي، في حين أن الكثير من الحالات أثبتت أن تلك الطفلات اللاتي تم تزويجهن لتخفيف الحِمل، عدنَ بحمل أكبر بعد تطليقهن وإنجابهن”، تشرح منسقة “حملة مكافحة زواج القاصرات بالمغرب”.
أما العامل الثاني، وفق الأمين، فهو “عامل ثقافي، يكمن في الجهل، بحيث ترى الكثير من الأسر في بناتها مكمنًا للمشاكل، فيُقرر تزويجها للتخلص من عبئها قبل سنة المراهقة”.
فـ”بعض الآباء، لا يعرفون التغييرات الهرمونية التي تطرأ على المراهقين، إناثًا وذكورًا؛ فيقررون تزويج الطفلات للتخلص منهن في تلك السن الحرجة؛ ومن احتمال علاقاتهن الجنسية خارج إطار الزواج المفترضة؛ التي قد ينتج عنها حمل غير مرغوب فيه، ويفرحون بهذا الزواج، معتقدين أنهم أوصلوها لبر الأمان”، تضيف الناشطة الحقوقية.
خطر زواج القاصرات
وعلى المستوى الحقوقي، يذكِّرُ عزيز ادامين في تصريح لـ”هن”، أن “أول لجنة أممية انتبهت لخطر زواج القاصرات كانت اللجنة المعنية بمناهضة التعذيب حيث أشارت أن استعمال القانون المغرب لمفهوم -التغرير بقاصر- هو مفهوم غير سليم لأن العملية اعتداء جنسي واغتصاب”.
وأضاف الخبير الدولي، أن هذه اللجنة في تقريرها الختامي الصادر في دجنبر 2011، أشارت إلى ضرورة “أن يعدل المغرب، دون مزيد من الإبطاء، القانون الجنائي بصفة تضمن عدم إفلات المغتصبين من الملاحقة الجنائية في حالة زواجهم من الضحية” نظرا لأنّ “القانون الوضعي المغربي يتيح لمن يغتصب فتاة قاصرًا إمكانية التنصل من مسؤوليته الجنائية عن طريق الزواج من الضحية. وتعرب اللجنة، في هذا الصدد، عن أسفها لقلة المعلومات المتعلقة بعدد الحالات التي تزوجت فيها الضحية من المغتصِب أو رفضت فيها مثل هذا الزواج”.
وأكدت اللجنة الأممية لمناهضة التعذيب في رسالتها الموجهة للمغرب في يوليوز 2013 في إطار قائمة المسائل موجهة قبل تقديم التقرير الدوري الخامس للمغرب أن “القانون الوضعي المغربي يتيح لمن يغتصب فتاة قاصرًا التنصل من مسؤوليته الجنائية بالزواج من ضحيته. ويرجى أيضاً ذكر التدابير المتخذة لإلغاء هذا القانون”.
كما أن تقرير الفريق العامل المعني بمسألة “التمييز ضد المرأة في القانون والممارسة”، وفي يونيو 2012؛ بعد زيارته للمغرب، حسب تصريح إدامين “لاحظ تواتر زواج القاصرات بشكل كبير، وأن المغرب يستعمل بمفاهيم مجانبة للمنظومة الحقوقية كاعتبار القانون الجنائي المغرب في مادتيه 486 و488 أن الاغتصاب جريمة مخلة بالحياء وليس جريمة ضد الشخص، مذكرا بقضية الطفلة أمينة الفيلالي التي انتحرت بعد أن أجبرت على الزواج بمغتصبها.. ولهذا طالب الفريق المغرب بأن يقوم بمراجعة شاملة لجميع القوانين التي تمس بحقوق النساء والفتيات، بما في ذلك، من بين أمور أخرى، قانون الأسرة، ومنع الزواج المبكر”.
“ممارسة ضارة لا تزال مستمرة”
تبلغ عائشة من العمر 52 عامًا، تزوجت بأكادير وعمرها 15 سنة من رجل يبلغ من العمر 28 سنة، تروي لـ”هن” حكايتها في محادثة فيديو عبر تطبيق التراسل الفوري “واتساب” من هاتف جارتها، “في الليلة الأولى عندما اقترب مني هربت إلى منزل والدي، لكن والدتي وخالتي أعدنني”.
وتضيف وهي تضحك، سخريةً على واقعٍ أسود، “بقيت هي وخالتي ينتظران خلف الباب حتى لا أهرب… لقد قضيت أسبوعًا من البكاء كل ليلة”.
اليوم، لا تزال حالات مثل تلك التي مرت بها عائشة وغيرها، تحدث كل يوم؛ إذ وصلت في العام الماضي 2023، 8452 طلبا مقابل 13652 طلبا في عام 2022، وفق معطيات قدمها رئيس النيابة العامة، الحسن الداكي، خلال افتتاح السنة القضائية الجديدة 2024.
وحسب ذات المصدر، شهد عام 2023 تقديم حوالي “14197 طلبا للحصول على الإذن بزواج قاصر”، تم “رفض 5240 منها”، بينما “تمت الاستجابة إلى 8452 طلبا”.
كما تم خلال سنة 2022 “تسجيل حوالي 20097 طلبا للإذن بهذا الزواج، تم رفض 6445 طلبا منها، والاستجابة لـ13652 طلبا”، ما يعني انخفاضًا في الاستجابة للطلبات بلغت 61 في المائة.
وكشف “المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي”، -وهو هيئة رسمية في المغرب-، أن “تزويج الأطفال، بوصفها ممارسة ضارة تهم الفتيات بالدرجة الأولى، لا تزال مستمرة في بلادنا رغم تحديد سن أهلية الزواج في 18 سنة”.
وضرب المجلس المثل بسنة 2022 حيث تم إبرام حوالي “12 ألف و940 عقد زواج بقاصر”.
وأوضح أن هذا العدد يظل أقل من الرقم الحقيقي، بسبب أن الأرقام الرسمية “لا تأخذ بعين الاعتبار حالات الزواج غير الموثق”، ويقصد (زواج الفاتحة وما شابهه).
الحسن الداكي، خلال افتتاح السنة القضائية الجديدة؛ أشار إلى أن أن “النيابات العامة دأبت على تقديم ملتمسات تروم المطالبة بتفعيل الإجراءين المذكورين معا”، وعرج على عدد الملتمسات المقدمة بهذا الخصوص؛ الذي بلغ 7247 ملتمسا في عام 2023 مقابل 7288 في عام 2022.
وترى أمل الأمين، أن “هذه الاحصائيات غير مضبوطة ولا تعكس الواقع، فهناك زيجات أخرى لا توثق، وتتم بعيدا عن الملتمسات، من قبيل زواج الفاتحة وزواج (الكونطرا) -نوع من زواج المتعة، يوثق بين العريس وأب الطفلة على أنه اعتراف بدين-، وغيرها من الممارسات والتحايلات التي يقوم بها الكثيرون”.
وخلص الداكي، إلى أن الممارسة القضائية مستقرة حاليا في “تحديد سن 17 سنة لمنح الإذن بهذا النوع من الزواج”.
من جهته، يؤكد الخبير في القانون الدولي، عزيز ادامين، أن “القانون الدولي يجرم زواج الأطفال، ولايسمح بذلك مهما كانت الذرائع، ويحدد السن الأدنى للزواج في 18 سنة”.
وقال ادامين في تصريح لمنصة “هنّ”، أن “الهيات الأممية المعنية بحقوق الانسان، سبق لها وأن نبهت المغرب أن تشريعاته الوطنية غير متلائمة مع الاتفاقيات الدولية”.
وضرب الحقوقي المغربي المثل بـ”اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة”، التي طلبت من المغرب؛ في تقريرها الختامي برسم بشأن التقرير الجامع للتقريرين الدوريين الخامس والسادس للمغرب، في يوليوز 2022، “وضع تدابير سياساتية لحظر زيجات الفاتحة التي تهم قاصرات، ولاحظت أنه بموجب التشريعات الحالية، لا يوجد حد أدنى قانوني للسن لا تمكن دونه موافقة سلطة قضائية على الزواج”.
“كما وطالبت اللجنة الأممية المغرب بإلغاء المادة 20 من قانون الأسرة دون إبطاء بحيث لا يسمح بعد الآن بالاستثناءات من الحد الأدنى لسن الزواج”، يضيف ادامين.
“كنتُ ساذجةً”
تزوجت غلانة، عندما كان عمرها 14 عامًا من رجل يبلغ من العمر 28 عامًا، أصبح لديها الآن 41 عامًا وخمسة أطفال، مطلقة منذ “خمس سنوات وأربعة أشهر”، تقول وهي تضحك عبر مكالمة هاتفية من العيون.
“أردت الهروب من منزل والديّ، ولهذا تزوجت… كنت متحمسةً لحفل الزفاف. لكني لم أحتفل به… واخا هكدا كنت فرحانة في الليالي اللولة… كانت سعادة ما نقولكش وأنا أمارس معه الجنس، واخة كنت خايفة”، تصف غلانة لـ”هنّ” لحظات وأيام زواجها الأولى.
وفي حديثها لمنصة “هنَّ”، تؤكد أمل الأمين أن حالات مثل حالة غلانة، عامل آخر منشر بشدة، يكمن في “رغبة بعض الطفلات في الزواج وهن وفرضه على العائلة، وهذا راجع إلى الخوف من النظرة المجتمعية والخوف من العنوسة ووصم البايرة، واللاتي يعتقدن أن ذلك الزواج هو الحل السحري لعيش سن المراهقة بحرية، واستقلالية القرار في الخروج والمكياج كالممثلات في المسلسلات التركية، وهن غير واعيات أن فترة المراهقة عابرة، وهنا يحتجن إلى المرافقة وتفهم الوالدين الذي ينتج عن غيابه مشاكل مستقبلية”.
أما غلانة، فإذا عادت إلى صباها مرة أخرى، فلن تجرفها أمواج المراهقة بحثًا عن نشوة عابرة، إلى زواج مهلك، “سوف أتزوج في هذا العمر، بعد سن الأربعين، أو بعد الثلاثين… بهذه الطريقة فقط يمكنني العثور على الزواج الحقيقي”، كما تلخص تجربتها لـ”هن”، وهي محافظة على ضحكتها، وعندما سألها معد هذا التحقيق عن سر ضحكها، أجابت “أضحك على نفسي، لقد كنت ساذجة!”.
إصلاح مدونة الأسرة: “يجب أن يكون شاملا”
لا جدال حول تدمير زواج القاصرات لحيوات آلاف النساء في المغرب، فينما يطالب الحقوقيون بغلق ثغرات القوانين؛ عبر إصلاح مدونة الأسرة”؛ أمام هذه القضية، لا تزال ضحايا هذا الزواج القسري، تعشن مع ندوبه، بين من دُمرت حياتها وأصبحت تمتهن الدعارة، ومن تحاول رتقَ فتقِ الماضي بتأمين حاضرٍ ومستقبل أفضل لبناتها، حتى لا يعشن نفس المأساة.
ويشدد عزيز ادامين، على أن “إصلاح مدونة الأسرة يجب أن يكون شاملا وليس مجزءًا ووفق فلسفة واضحة، قائمة على الحقوق، وليس خليط من مرجعيات متعددة، وأول الدرب هو تنقية النص القانوني من المفاهيم المعارضة لحقوق الانسان، وتعويضها بمفاهيم لحماية الفرد أولا وأخيرا”.
ويرى أنه يجب البدء بـ”اعتبار زواج الطفلات هو جريمة اغتصاب، فالمجتمع الدولي، ولعدم إحراج عدد الدول كان يسمي زواج الأطفال بالزواج المبكر، ولكن حاليا لم يعد يتسامح مع هذه الجريمة، لكون الأطفال مكانهم المدرسة واللعب وتكوين الذات وليس تحمل مسؤولية تكوين الأسرة”.
و”تتذرع دول، كالمغرب ، بوجود عوائق اجتماعية وثقافية وأيضا اقتصادية تدفع بزواج الأطفال، وهذه الذرائع أصبحت واهية وتتحمل الدولة مسؤولية عن الوضع” يختم الخبير.
أما “المجلس الوطني لحقوق الإنسان”، الهيئة الرسمية المغربية، فأوصى في مذكرته لـ”مراجعة مدونة الأسرة”، بـعدم التوقف عند منع زواج القاصرات، بل “تجريمه وتجريم المشاركة فيه”.
وانتقد المجلس مسطرة زواج الأطفال المنصوص عليها في مدونة الأسرة، التي “تحولت إلى قاعدة”، مشيرًا إلى أن “المحاكم سجلت معدل 25 ألف طلب سنويا تتم الاستجابة لـ46 بالمائة منها”، كما طالب بـ”تثبيت قاعدة تحديد سن الزواج في 18 سنة شمسية كاملة، وذلك لتعزيز الحماية القانونية للطفل في مدونة الأسرة وملاءمتها مع المواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب”.