بين تخاذل القانون ومبررات المجتمع: صرخة ضد العنف في الجزائر

“هنَّ”| الجزائر- ماجدة زوين: 

لا يزال العنف ضد المرأة متواصلًا بالجزائر، وفي كل مرة تعرف البلاد أحداث جديدة في مناطق مختلفة من جغرافيتها. وتكشف قصص النساء اللاتي تحدثت إليهن “هنَّ”، وتقارير المنظمات الحقوقية، أن أغلب حالات العنف يكون فيها مرتكبوه هم رجال مقربون، ومعظمهم من آباء، إخوة، أو أزواج، يحدث هذا أمام قوانين لا تحمي النساء االمعنفات رغم أن بعضهن قتلن بدافع “الشرف”.

الأب القاتل

من بين الضحايا، رشا زيان، فتاة جزائرية في العشرين من عمرها، عاشت حياة مأساوية ، بدأت كضحية لاعتداء جنسي ، ثم تحول ذلك الحادث إلى كابوس انتهى بمقتلها على يد والدها.

بدأ كل شيء في منزلها العائلي في حسين داي، يوم الثالث والعشرين من فبراير عام 2023، وكان والدها الذي يفترض أن يكون ملاذها الآمن، هو نفسه من أنهى حياتها؛ بثلاث طعنات، اثنتان في ظهرها وواحدة في قلبها، طعناتٌ كانت كفيلة بأن ترديها قتيلة، ليسلّم نفسه للشرطة بعد أن أتم جريمته المروعة.

اعترف الأب القاتل أمام السلطات بما فعله، وأكد أن فكرة الجريمة كانت تلوح في خياله منذ أيام، مبررًا جريمته الشنعاء أن الشخص الذي اتصل به وأراد خطبتها؛ “أخبّره أن تصرّفاتها سيئة”.

والدة الضحية أفصحت للشرطة أن ابنتها “تعرضت  للاعتداء الجنسي من قبل رجل قبل ثلاث سنوات، وأنه وقع في قبضة العدالة”.

قصة رشا زيان ليست مجرد قصة جريمة قتل عادية، بل هي قصة ضحية أزهق روحها من كان يفترض به أن يحميها، في بلد قوانينه لا تحمي النساء اللواتي يعنفن ويقتلن “بدافع الشرف”.

أرقام مخيفة لا تحاكي الواقع

قصة الشابة رشا، التي وثقتها منصة ” فيمنسيد الجزائر”، المتخصصة في إحصاء وتوثيق جرائم قتل النساء، ما هي إلا  قطرة في بحر من قصص قتل وتعنيف النساء، حيث أحصت  المنظمة “228 جريمة في الفترة الممتدة ما بين 2019 و2022″، كما تم “تسجيل 33 جريمة قتل نساء في 2023″، و”14 جريمة” أخرى، إلى حدود اليوم من سنة 2024.

وحسب تقرير للمنظمة، فإن “51 بالمئة من حالات القتل يرتكبها الأزواج أو الأزواج السابقين”،و”37 بالمئة يرتكبها أحد أفراد العائلة”، و”12 بالمئة  يرتكبها أحد معارف الضحية أو أشخاص مجهولين”، أما السواد الأعظم من هذه الجرائم، ف”ترتكب في أماكن مغلقة كالبيوت الزوجية”، وبنسبة 71 بالمئة.

القتل هو آخر حلقة من مسلسل العنف ضد النساء، وهي جريمة يتجاهلها القانون في الجزائر، ويغذيها الصمت الذي هو “شريك في جرائم القتل والعنف بكل أشكاله”،  وفق ما تراه آمال حجاج مؤسِسة “الجريدة النسوية” الجزائرية، في تصريح لمنصة “هن”.

وتضيف حجاج أن الكل مسؤول عن هذه الجرائم “سواء الجهات الرسمية، المؤسسات العمومية، المجتمع وعقليات الأفراد والممارسات”.

وطالبت المتحدثة في تصريحها، بـ”حل جذري للقضاء على العنف”، مؤكدة على “إننا لن نصل إلى حماية حقيقية إلا بالتركيز على التعليم”. 

وأحصت مصالح الأمن الجزائري  “1404 حالة تعنيف لنساءٍ من قبل أزواجهن سنة 2022″، فيما ترى الجمعيات النسوية في الجزائر، أنّ هذه الأرقام “لا تعكس الواقع”، حيث أنّ عددًا هائلًا من النساء “لا يُبلّغن عن المجرمين بسبب القرابة  أو الخوف من الانتقام”.

“أخشى ألا يتركني وشأني إلى أن ينتقم لنفسه”

ترملت سامية (اسم مستعار) سنة 2015، هي ضحية من ضحايا العنف ضد النساء، وفي مقابلة مع منصة “هن“، تروي قصتها مع هذا العنف، “في عام 2018 تعرّضت للضرب والجرح والشتم من طرف أحد جيراني الذي يسكنُ فوقي. وقبل هذه الحادثة كانت والدته تزعجني يوميًا، إلّا أنني لم أكن أعيرها اهتماما بحكم أنّها تعاني من اضطرابات عقلية وهي زوجة مؤذن الحي الذي أسكنه”.

“في أحد الأيام قام، ابنها ببناء صهريج للمياه القذرة فوق شرفتي، الأمر الذي استفزني، صعدت لأطلب منه أن يعيد بناء الصهريج أو ينزعه تمًامًا… كان رده أن انهال عليّ بالشتم ثمّ الضرب على رأسي، وفي كلّ جسدي بواسطة خشبةالمكنسة، سقطت في الأرض ورأيتُ الدم ينزف من رأسي، صرتُ أصرخ وأطلب النجدة إلّا أنّ الجيران لم يتدخّلوا”، تتذكر السامية. 

وتضيف أن في تلك الأثناء “شاهدتُ والدته وبيدها مهراس حديدي، كان ابنها سيتركها تضربني به، ولكني من شدّة الخوف نهضت وفررت إلى منزلي”.

شاهد أبناء سامية المشهد، ولهول ما رأوه، “كنتُ أنزف”، صعدوا وصاروا “يتوعّدونه بالقتل، ولحسن الحظ لم يفتح باب المنزل”.

حركت سامية دعوى قضائية ضدّه، وحين توجّهت مباشرة إلى مركز الشرطة، طلبوا منها شهادة طبية من طبيب شرعي، وتقدمت ضده بشكاية.

تمّ القبض على الجار، الذي أنكر كلّ شيء أمام الضبطية القضائية، و”حاول اتهامي بالتلفيق والكذب، وحتى الجيران رفضوا أن يُدلوا بشهادتهم، إلّا أنّ عناصر الأمن صدّقوني وتمّ وضعه تحت النظر إلى غاية مثولنا أمام القضاء” تقول سامية . 

قبل الجلسة طلبت عائلة المتعدي من سامية أن تسحب الدعوى، كما عرضوا عليها المال، لكنها رفضت “فالمال لا يساوي شيئًا أمام الحقرة التي تعرّضت لها”. 

وحكمت عليه المحكمة بالسجن وغرامة مالية، بقي في السجن لبضعة أشهر فقط، وغادره وصارت تراه يوميًا، وتضيف سامية “بحكم أنّ الجاني جاري ويسكنُ فوقي، كنتُ أخاف أن يُكرّر فعلته، أو أن ينتقم مني أو من أطفالي كلّما أقابله، كنتُ أعيش في دوامة من الوساوس، أنتظر حتى أراه وهو يغادر الحي، لاستطيع الخروج لقضاء حاجاتي في الحي.

وتعيش سامية شعور الخوف واللا أمان، لأن معنفها حر طليق، كما حرّك دعوى قضائية ضدّها “لقد قام بتلفيق تهم لا أساس لها من الصحة، بحيث وصلني استدعاء قبل ثلاثة أشهر من طرف قوات الأمن، يقول في شكواه أنّني قمت بشتمه ورمي القاذورات أمام منزله… ورغم مرور سنوات على الحادثة لازالت أتعرّض للتحرّش من طرفه”.

قانون قاصر عن حماية النساء

مع تنامي ظاهرة العنف وارتفاع حالات قتل النساء، قدّمت جمعيات نسوية وفاعلون وفاعلات في المجتمع المدني الجزائري، مشروع مناصرة لتجريم ظاهرة “الفيمينسيد”، أو جرائم قتل النساء بالجزائر في  مارس 2023، للاعتراف بها على أنها جريمة “على أساس النوع الاجتماعي” في قانون العقوبات.

كما طالبت جمعيات نسوية جزائرية وحقوقيات في  رسالة مفتوحة سنة 2021 بحلول عاجلة وفعالة لمناهضة العنف والوقاية من جرائم القتل، واتخاذ تدابير قانونية رادعة ضد العنف، منها “التعريف الدقيق  لمفاهيم الاغتصاب والعنف، وسنّ أحكام تحمي الشهود من مخاطر الأعمال التعسفية والانتقامية، وإصدار قانون إطار لمكافحة العنف ضد النساء، وإلغاء المادة 326 من قانون العقوبات التي تسمح للمغتصب بالإفلات من العقاب إذا تزوج ضحيته”. 

وبعد معركة طويلة خاضتها جمعيات نسوية جزائرية تم تعديل قانون العقوبات سنة 2015  حيث سُنت العديد من القوانين التي تجرم العنف بجميع أشكاله، لكن مازال يحمل في طياته عدة مواد تخضع النساء، كشرط العفو الذي يسمح للمعتدي بأن يفلت من الملاحقة الجنائية عندما تغفر له الضحية بصفة رسمية. 

وعلى هذا  النحو، تترك النساء الجزائريات  ليلاقين مصيرهن بأنفسهن شيئًا فشيئًا، نظرًا إلى عدم توفر الحماية القانونية الوطنية من المعتدين المحتملين.

مجتمع لا يرحم

فُجع الرأي العام الجزائري بجريمة قتل مروعة في أكتوبر 2020،  راحت ضحيتها الشابة شيماء سعدو، التي وجدت جثة مفحمة، في محطة وقود مهجورة بضواحي مدينة الثنية بومرداس.

 لم تتجاوز شيماء الـ19 من عمرها، ارتقت روحها عُنفًا بعدما تعرضت للاغتصاب والقتل على يد متهم سابق بالتحرش.

المؤلم في القضية أن شيماء؛ قامت بتقديم شكوى ضد الجاني بتهمة محاولة اغتصابها في عام 2016، وتم سجنه بسبب هذه الجريمة. لكن بمجرد خروجه من السجن، قام بالانتقام منها بأبشع الطرق، حيث قتلها ثم حرق جثتها.

لم يرحم المجتمع شيماء بعد موتها، فقد تعرضت لحملة تشكيك في سلوكها وأخلاقها، بدلاً من التضامن والتعاطف معها وإدانة الجاني، كما تعرضت لانتقادات لاذعة وتبرير لما حدث، ومن ذلك مثالا “هي مش محترمة لابسة عريان”، “علاه خارجة في الليل؟”، “كاش مدارتلو مقتلهاش هكذا برك”، “باين مريض ولا كان مقلق”.

وعلى الرغم من ارتفاع الأصوات التي تنادي بحماية النساء في البلاد، تبقى المرأة الجزائرية في رعب وخوف، بين مطرقة مجتمع يبرر العنف والجريمة، وسندان قانون مقصر في حقها ولا يوفر لها الحماية الكاملة.

اقرأ أيضا

  • “أنا مهربة محترفة”.. قصة مهربة تونسية تحدت الصعاب العابرة للحدود 

    أينما توجد حدود، يوجد التهريب، تلك الآلية التي تعد معقدةً إلى حد ما، وعلى الرغم من أنها طريقة خطرة، صعبة وغير أخلاقية للغاية للحصول على الموارد، إلا أنها قد تكون ضرورية في بعض الأوقات والأماكن، حتى يستطع الإنسان العيش في الزمن الصعب.  التهريب بين الحدود، أو العابر للحدود؛ وما يصاحبه من مخاطر وصعوبات، لم يثني…

    ريم بلقاسم|

  • الدورة الشهرية خلال رمضان.. “وصمة عار” أم أمر طبيعي ؟

    "كنت أتساءل كل شهر رمضان، لماذا يصوم إخوتي الذكور الشهر كاملا، بينما أنا رمضاني ناقص، وعليّ تعويض تلك الأيام المسروقة من الشهر بعد انتهائه… لم أكن أفهم معنى أن الحائض ممنوعة من الصوم والصلاة"، تستهل فاطمة ذات الـ32 ربيعا والمقيمة في الرباط حديثها لـ"هنّ"، مضيفة "في أول رمضان لي، طلبت مني أمي تناول الطعام في…

    Hounna | هنّ|

  • “لم أكن أعرفني”.. ما لم تحكه النساء عن حملهنَّ

    الحمل هو حالة فسيولوجية للمرأة، تبدأ مع حبلها وتستمر مع نمو الجنين حتى ساعة الولادة. تستمر هذه الفترة حوالي 40 أسبوعًا. ومع ذلك، في ظل ظروف خاصة، يمكن أن تتم الولادة قبل الأجل المتوقع، المعروف باسم الولادة المبكرة، أو بعد الأجل المذكور، ولكن المرأة في خلال فترة حملها تمر بظروف نفسية و تغييرات جسمانية كثيرة،…

    Hounna | هنّ|

  • مختلفٌ عليها.. مكانة المرأة في المجتمع الصحراوي!

    للمرأة مكانة كبيرة في المجتمع الصحراوي، قل نظيرها في المجتمعات العربية، التي توصف بأنها مجتمعات ذكوريّة أبوية، ويذهب البعض إلى وصف المجتمع الصحراوي بـ"المجتمع الأمومي"، بمعنى أن للمرأة فيه سلطة كبيرة،  إذ يساند المرأة ويؤمن بحقوقها كاملة. ولكن هذا الرأي، ليس متفقًا عليه بالإجماع، فالمجتمع الصحراوي، شأنه شأن بقية المجتمعات المغاربية، وهناك من يرى أنه…

    Hounna | هنّ|

  • الفيديوهات

  • فاطنة بنت الحسين.. أسطورة العيطة وأيقونة الفن الشعبي في المغرب

    ولدت فاطنة بنت الحسين في منتصف الثلاثينات بمنطقة سيدي بنور، التابعة لدكالة، من عائلة قروية محافظة رفضت ولوجها مجال الغناء، نظرا للسمعة السيئة التي كانت ملتصقة بـ"الشيخة" وقتها. انتقلت فاطنة إلى مدينة اليوسفية، وهناك انضمت إلى فرقة "الشيخ المحجوب"، وزوجته "الشيخة العبدية"، لتحصد شهرة واسعة وصل مداها إلى مدينة آسفي، معقل "العيطة الحصباوية"، وبعدها مدينة…

  • ناسجات الحياة.. نساء بالحوز ينسجن الزرابي بين أنقاض الزلزال

    بالقرب من مركز جماعة أسني بإقليم الحوز، اجتمعت أربع نسوة بدوار "أسلدا" ينسجن الزرابي، بحثا عن مورد رزق، في كوخ من القصب ومغطى بالبلاستيك وورق التعليب، بعد أن دمر الزلزال المكان الذي كن يشتغلن فيه، والذي كان مقرًا لـ"جمعية الدوار"، قبل أن يحوله الزلزال إلى أطلال. في البداية، تحديدًا قبل ثلاثة سنوات من جائحة "كورونا"؛…

  • منع مسيرات تضامنية مع فلسطين “دعم لجرائم الإبادة”

    🟠 منعت مسيرات احتجاجية ضد العدوان الإسرائيلي، تخليدا ليوم الأرض الفلسطيني، نهاية الأسبوع الماضي، من طرف قوات الأمن في عدد من المدن المغربية، ما خلف تنديدا واستنكارا واسعينِ من طرف المشاركين في تلك الاحتجاجات.

  • العاملات الفلاحيات هنّ الأكثر تضررا من التغيرات المناخية

    🔶تعاني الدول المغاربية منذ سنوات من الجفاف على مدار السنة ، ما فاقم نسبة الفقر عموما بهذه الدول وخاصة لدى النساء، وفقدت آلاف العاملات في مجال الفلاحة مورد رزقهن.