تتجه اليوم، الفئة الناخبة الجزائرية إلى صناديق الاقتراع لاختيار ممثل الشعب الجزائري، ورئيسًا جديدًا يحكم البلاد لمدة خمس سنوات قادمة، في انتخابات مسبقة، ويخوض هذا الاستحقاق ثلاثة مرشحين، أبرزهم الرئيس الحالي عبد المجيد تبون، الذي صعد إلى سدة الحكم في عام 2019 بعد رحيل بوتفليقة، ويرافقه في هذا السباق كل من يوسف أوشيش عن حزب القوى الاشتراكية، وحساني شريف عبد العالي عن حركة مجتمع السلم.
وتعتبر هذه المرة الثانية التي يتوجه فيها الناخبون لصناديق الاقتراع، منذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية سنة 2019، آو ما عُرفَ بالحراك الشعبي، وهي احتجاجات أجبرت الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة على التنحي عن الحكم، بعد عشرين عاما قضاها في دواليب السلطة.
وتأتي هذه الانتخابات في ظل تعقيدات المشهد السياسي بالبلاد، وتراجع في الوضع الحقوقي، حسب منظمة العفو الدولية، حيث قالت أن السلطات “تواصل قمع الفضاء المدني من خلال مواصلة حملتها القمعية القاسية لحقوق الإنسان بما فيها الحق في حرية التعبير والتجمع السلمي وتكوين الجمعيات”.
النساء والاستحقاق الانتخابي: بين المشاركة والمقاطعة
تقدر الهيئة الناخبة الجزائرية بأكثر من 24 مليون ناخب وناخبة، حيث تقدر نسبة النساء بـ47 بالمائة والرجال 53 بالمائة ، أي ما يقارب 11 مليون ناخبة، يسعى المرشحون لحثهن على الانتخاب وتقديم أصواتهن يوم 7 سبتمبر.
وترى فاطمة سعيدان، قيادية في حركة مجتمع السلم، في تصريح لمنصة “هن“ أن “ما يقارب 11 مليون من الهيئة الناخبة هن نساء، من مجمل 24 مليون مواطن مسجل في القوائم الانتخابية “، مشيرة إلى أن “العزوف عن الانتخابات هو عزوف شامل لا يخص النساء فقط بل الشباب أيضا خاصة أنهم يمثلون ثلث الهيئة الناخبة، وثلثي الكتلة هم فوق سن الأربعين، هذا ما يشكل تحدي كبير للمرشحين والأحزاب الذين خاضوا حملة كبيرة من أجل مواجهة العزوف والتيئييس الموجود”.

وعن إهتمام النساء الجزائريات بهذا الاستحقاق الانتخابي تقول سعيدان “هناك نساء مقبلات وهناك متذمرات من الوضع وهنا من تأملن أن يتغير الوضع ، نحن ندفع بهن لإبداء اصواتهن لان رأي 11 مليون ناخبة مهم ولا يجب أن يهمش في تحديد من يحكم البلاد”.
ليلى مواطنة من ولاية سطيف شرق الجزائر جاءت لحضور التجمع الأخير للمترشح حساني شريف عبد العالي ، حيث ترى فيه فرصة كبيرة للنساء والشابات الجزائريات، تقول لهذه المنصة “جئت لمساندته ودعمه، وأرى فيه الرئيس المناسب، برنامجه ركز كثيرا على الجانب الأسري، الفئات الهشة والمرأة سواء عاملة أو ماكثة في البيت”.
وعن ضرورة التوجه لصناديق الاقتراع من أجل التغيير ترى عايشة السرير طبيبة، أن الوضع الحالي يستلزم التغيير “انتخابات 2019 كانت في ظروف خاصة، كانت في فترة حراك شعبي أسقط الرئيس الراحل، لكن بعد 5 سنوات لم يتغير شيء نفس ممارسات النظام السابق مازالت موجودة، تدهورنا اقتصاديا، زاد التضخم، وتراجع سعر الدينار”.
بين الشك في مصداقية الانتخابات والرغبة في التغيير
مقاطعة الانتخابات فكرة يتبناها الكثير من الجزائريين، حيث بلغت نسبة المشاركة الانتخابات الأخيرة 39،93 بالمائة، فهم يرون أن نفس “الممارسات مازلت موجودة لكن بوجوه جدديدة”.
فريال شلال مواطنة وفاعلة في المجتمع المدني قررت مقاطعة انتخابات 7 سبتمبر، تؤكد أنها “لكوني جزءًا من الطبقة المتوسطة والمجتمع المدني، من المؤكد أن مصير الانتخابات الرئاسية يهمني. الجزائر بلد يتمتع فيه الرئيس بكامل الصلاحيات، لكنني أرفض إعطاء الشرعية لهذا الاقتراع”.
لدي 36 سنة ولم أضع قدمي في أي مركز اقتراع” من قبل، إنه لأمر محزن أن أقول ذلك! لكنني دائماً ما رفضت إعطاء المصداقية لهذا النظام، رغم اهتمامي العميق بالسياسة بشكل عام والسياسة الجزائرية بشكل خاص “.
“ أعتقد أيضاً أنه يجب علينا أن ننظم أنفسنا للمشاركة في هذه السياسة. التغيير لا يمكن أن يأتي إلا من الداخل، من خلال الوعي بكافة الأدوات والآليات والمشكلات والحلول المحتملة. يبقى تحقيق ذلك أمراً صعباً، لكن يجب أن تتركز الجهود المشتركة على كيفية أن نصبح جزءاً من النظام. “
مروى فتاه عشرينية من مدينة وهران صرحت لنا أنها مهتمة من جهة و ليست مهتمة من جهة أخرى
“ انا لست مهتمة بالعملية الانتخابية و لا بالقيام بواجبي وحقي في الانتخاب لسببين: لعدم وجود مصداقية في الانتخابات و لأنه لا توجد ارادة شعبية نحو مترشح محدد، كما انه لا يوجد مرشح كفؤ.

وأنا مهتمة بالانتخابات لأن مصير بلدي و شعبها” سيحدد يوم الانتخاب. وأنا اتألم لما ما ستؤول إليه البلاد، الوضع يسيرمن سيئ جراء هذه المسرحية السياسية“، تعبر الشابة.
وتعتبر مروى المشاركة السياسية “شكلًا من أشكال الوطنية وأمرًا لا مفر منه من أجل التغيير و التقدم، و لكن إن توفرت الشفافية في الانتخابات ولم تبقى نفس الأجهزة السياسية”.
سرور، ناشطة سياسية جزائرية، تؤمن أن الإحباط الناتج عن عدم الثقة في الانتخابات يفوت فرصة تغيير جذري وحقيقي على المدى البعيد من خلال الاستمرارية والمثابرة في المشاركة السياسية، كما ترى أن “الشعب أمام معركة وعي تحتاج إلى تعزيز الثقة بالعملية السياسية وتحفيز النساء على المشاركة الفاعلة باعتبارهن عاملًا حاسمًا في الدفع نحو مستقبل أفضل للمجتمع الجزائري”.
وتضيف سرور أن اهتمام النساء بالاستحقاق الانتخابي “يتزايد بشكل ملحوظ، ولكن بمستويات متفاوتة. فهناك فئة كبيرة من النساء يتابعن الأحداث الانتخابية عن كثب ويعتبرن المشاركة السياسية وسيلة أساسية للتغيير والإصلاح في المجتمع. فالمشاركة الفعالة في الحياة السياسية تُمثل فرصة حقيقية للمرأة لإيصال صوتها والمساهمة في صنع القرار، خصوصًا فيما يتعلق بالقضايا التي تؤثر على حياتنا اليومية مثل حقوق المرأة، التعليم، الصحة، والعدالة الاجتماعية”.
أما بالنسبة للنساء غير المهتمات، فغالبًا ما يرتبط ذلك بالإحباط الناتج عن عدم الثقة في النظام السياسي أو الشعور بعدم وجود تغيير ملموس بعد الانتخابات. يعتقد البعض أن المشاركة في الانتخابات لا تؤدي إلى تحسين الظروف وأن الأصوات لا تؤخذ بعين الاعتبار بشكل جدي.
أحزاب وجمعيات على قدم وساق من أجل مشاركة نسوية في الانتخابات
تجندت الأحزاب السياسية المشاركة في الانتخابات و العديد من الجمعيات والمنظمات من أجل إقناع النساء للتوجه لمراكز الاقتراع والإدلاء بأصواتهن خلال حملة انتخابية امتدّت من 24 أوت إلى غاية 3 سبتمبر .

من أبرز هذه الجمعيات جمعية حورية للمرأة الجزائرية، نشطت هذه الجمعية حملة “صوتي أمانة“ لتوعية النساء بضرورة الانتخاب “الهدف من هذه الحملة رفع وعي المرأة بمسؤوليتها وبضرورة أداء واجبها الانتخابي ،كما عملنا على مساعدتها في الاطلاع على برامج المرشحين حتى تحسن اختيار مرشحها ومن يمثلها” تقول جهاد صياد مديرة الحملة وعضو الجمعية.
فاطمة سعيدان عضو المكتب التنفيذي الوطني لـ”حركة مجتمع السلم” والمديرية الوطنية للحملة الانتخابية للمترشح حساني الشريف، ثمنت المشاركة النسوية في هذه الحملة الانتخابية مشددة على أنهم قاموا “بالكثير من التجمعات النسائية والعمل الجواري، إذ بلغت التجمعات 15 تجمع نسوي عبر مختلف ولايات الوطن خاصة في الأرياف ومناطق الظل وكان هناك تجاوب كبير جدا من المواطنين والمواطنات”.
وتشكل النساء في أغلب التجمعات نصف الحضور حسب سعيدان، “سواء من مناضلات الحركة أو من خارجها وكذلك من محبي ومناصري برنامج الحزب، وهذا لتركيزه على عدة جوانب تهم المرأة وتحمي حقها السياسي، واهمية إعطاء رأيها والترشح والتواجد في مراكز القرار”.
في المحصلة، تتجه الجزائر نحو انتخابات جديدة في ظل مناخ سياسي مضطرب وتعقيدات متعددة. تظل مواقف الناخبين متباينة بين الأمل في التغيير والرغبة في الاستمرار في الإصلاح من الداخل، وبين الشك في مصداقية العملية الانتخابية والمقاطعة كوسيلة للاحتجاج.
ويبقى السؤال الأهم: هل ستكون هذه الانتخابات خطوة نحو مستقبل أفضل، أم إعادة إنتاج للمشهد السياسي القديم؟، القرار بيد الناخبين، ونتائج هذه الانتخابات ستحدد مصير البلاد في السنوات القادمة.