الرباط: سامي صبير
“أنا ريحانة، وأنا زينب الصغيرة، وأنا أريج الأخت الوسطى”، بهذا التقديم الطفولي افتتحت الطفلات الثلاث حديثهن لمنصة “هوامش”، ليحكين تتمة قصة نجاتهن من ويلات الحرب وعبور الحدود إلى تركيا، ثم الوصول إلى أرض الوطن رفقة الوالدين، في السادس من يونيو الماضي، عقب أمر ملكي، وفقا لرواية الأم، “وفرت إثره القنصلية المغربية باسطنبول رخص مرور لكل أفراد أسرة الحسناوي”.
على مقعد في الرصيف المطل على ضفاف وادي أبي رقراق، جلست إلهام تراقب بناتها يستمتعن لأول مرة باللعب في فضاء عام دون خوف، ولم تمنع حرارة الصيف الطفلة ريحانة وشقيقتيها من الركض وإطلاق العنان لضحكاتهن، بساحة صومعة حسان بالرباط، فمثل هذا الجو الطفولي لم يكن مسموحا لهن بعيشه طيلة 9 سنوات، قضينها ما بين تهديد الموت في حرب سوريا، والعيش متخفيات فوق الأراضي التركية.
منصة “هوامش” التقت إلهام، زوجة الزبير الحسناوي، وأم الطفلات الثلاث، من أجل سرد نهاية حكاية طبعتها بشاعة الحرب، وبداية تفاصيل قصة جديدة عنوانها رحلة البحث عن الاندماج.
العودة إلى أرض الوطن
بعد أزيد من أربع سنوات، قضتها أسرة الحسناوي بصفة غير نظامية على الأراضي التركية، استطاعت الأسرة الحصول على موافقة للسفر إلى المغرب خلال الأسبوع الأول من شهر يونيو الماضي، عقب استجابة السلطات المغربية لنداءات من أجل إنقاذ الطفلات الثلاث من الوضع الصعب الذي كن يعشنه، وخصوصا بعد بلوغ ريحانة تسع سنوات دون أن تتمكن من ولوج المدرسة.
وتقول الطفلة ريحانة “لم يكن مسموحا لي بالخروج للعب أو الذهاب إلى المدرسة والتعرف على أصدقاء”، بسبب وضعهن غير النظامي، اضطرت الطفلات الثلاث إلى العيش متخفيات طيلة فترة إقامتهن في تركيا.
وولدت ريحانة سنة 2015، بعد نحو عام من سفر والدتها إلى سوريا، وبعدها ولدت أريج سنة 2017، ثم ولدت زينب في خضم اشتداد الحرب، ومحاولات عديدة لوالديها لإيجاد طريق للهروب والعودة إلى أرض الوطن، وذلك بعدما ذاقت الأسرة الأمرين بسبب الأمراض وسوء التغذية، في ظل غياب الأدوية وانعدام التجهيزات في المستشفيات، وشبح الموت الذي ظل يطاردهم، منذ أن شرعت “جبهة النصرة” في اعتقال وتصفية الشباب الذين ظهرت عليهم علامات الشك في أفكار الجماعة ومشروعها، كحال الزبير.
بعد عدة محاولات فاشلة، نجح الزبير وأسرته في عبور الحدود السورية – التركية سرا، سنة 2019، وبدأت رحلة أخرى للوصول إلى القنصلية المغربية في إسطنبول، من أجل تقديم طلب السماح للأسرة بالعودة إلى المغرب، تقول إلهام “كان الأمر صعبا، فالوصول إلى إسطنبول يتطلب السفر لمدة 17 ساعة دون أن توقفك الشرطة التركية، والحل الوحيد هو المخاطرة والاستعانة بعصابات التهريب”.
في البداية رُفِض طلب الترحيل، بالنظر إلى أن الطفلات الثلاث لا يتوفرن على عقود ازدياد أو وثائق إثبات الهوية، تقول إلهام “أعلمتنا القنصلية في أول الأمر بأنه لن يُسمح للطفلات بمرافقتي وزوجي إلى المغرب، لأنهن لا يتوفرن على وثائق، فقضينا أربع سنوات في انتظار إعادة النظر في قرار ترحيلنا”.
وتقول الطفلة ريحانة “لم يكن مسموحا لي بالخروج للعب أو الذهاب إلى المدرسة والتعرف على أصدقاء”، بسبب وضعهن غير النظامي، اضطرت الطفلات الثلاث إلى العيش متخفيات طيلة فترة إقامتهن في تركيا.
لم تكن السنوات الأربع التي قضاها أفراد الأسرة في تركيا أفضل حالا من الجحيم الذي عاشوه خلال تواجدهم في سوريا، وذلك بسبب وضعهم كمهاجرين غير نظاميين داخل الأراضي التركية، وعدم توفر الطفلات الثلاث على وثائق ثبوتية، مما حرمهن من خدمات الرعاية الصحية والتمدرس، وأغلق الباب أمام قبول طلب ترحيلهن برفقة الوالدين إلى المغرب.
ووفق مصطفى الحسناوي عم الطفلات الثلاث، “لم تصل بعد النهاية السعيدة للقصة، ولكن الجزء الأكبر والأصعب قد انتهى”، مضيفا أن “عودة الزوبير وزوجته رفقة بناته الثلاث كان حدثا استثنائيا، من ناحية التعامل مع الملف، نظرا لكونه شائكا وأيضا استثنائيا على مستوى التدخلات التي عرفها على مختلف المستويات”.
وتضيف الهام “بعد عدة نداءات على مواقع التواصل الاجتماعي، وعبر المنابر الإعلامية، ووصول القضية إلى الملك، اتصل قنصل المغرب في إسطنبول بزوجي من أجل إبلاغه بالموافقة على سفرنا إلى المغرب، وبالفعل وصلنا إلى مطار محمد الخامس في الدار البيضاء، حيث تم استقبالنا بشكل جيد إلى درجة أن الطفلات لم يشعرن بأي قلق ولم يلاحِظن أي شيء لحظة توقيف والدهن، وكن مطمئنات حين قلت لهن إنهمأصدقاء والدكن ويريدونه في أمر يرتبط بالعمل”.
وتقول إلهام “من الناحية النفسية لم تعد الفتيات الثلاث يشعرن بالخوف أو القلق كما كان في السابق، وبات بإمكانهن لأول مرة الخروج واللعب بحرية”.
رحلة جديدة: البحث عن الاندماج
العودة إلى أرض الوطن تعني بالنسبة لأسرة الحسناوي بداية رحلة جديدة، موضوعها الاندماج بعيدا عن شبح الموت، الذي ولدت وعاشت فيه الطفلات، وأملا في أن تكون هذه الرحلة أقل معاناة وأيسر في الحصول على الوثائق التي تخول لهن حق التمدرس، تقول إلهام “قدمت حاليا ملفا للمحكمة من أجل الحصول على دفتر الحالة المدنية، على أمل تسريع إنجازه، من أجل تمكين الفتيات من التسجيل في الموسم الدراسي المقبل، لتدارك ما ضاع من عمر البنات”.
ووفق مصطفى الحسناوي عم الطفلات الثلاث، “لم تصل بعد النهاية السعيدة للقصة، ولكن الجزء الأكبر والأصعب قد انتهى”، مضيفا أن “عودة الزوبير وزوجته رفقة بناته الثلاث كان حدثا استثنائيا، من ناحية التعامل مع الملف، نظرا لكونه شائكا وأيضا استثنائيا على مستوى التدخلات التي عرفها على مختلف المستويات”.
وحاليا، تسارع الأسرة الزمن من أجل التمكن من إنجاز الوثائق اللازمة، لضمان الالتحاق بالمدرسة خلال الموسم الدراسي المقبل، وقد حددت محكمة الأسرة بفاس فاتح غشت المقبل موعدا لتزويد والدة الطفلات بالمستجدات، ويضيف مصطفى الحسناوي في تصريح لهوامش “نعول على مختلف المتدخلين لتسريع البت في الملف، أو تمكين الطفلات من التسجيل في المدرسة إلى حين اكتمال الإجراءات المرتبطة بالوثائق، خصوصا وأن كلا من ريحانة وأريج في سن التمدرس”.
ومن جهته أكد عمر أربيب، رئيس فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان مراكش-المنارة، أن “التسجيل في المدرسة والحق في التمدرس لا يمكن أن يمنعه شيء، وبالتالي رغم عدم توفر الأطفال على وثائق إثبات الهوية، فمن حقهم التسجيل إلى حين إنجاز وثائق إثبات الهوية، وهذا الأمر معمول به في جميع المدارس المغربية”.
ويضيف أربيب “في حال رفض مدير مدرسة تسجيلهم فإنه إما تملص من المسؤولية أو جهل بالقانون، لأن من حق الأطفال الالتحاق بالمدرسة، ومتابعة دراستهم، إلى حين إنجاز الحالة المدنية الخاصة بهم، وبالتالي ليس هناك أي مانع أو مبرر لمنع هؤلاء الأطفال من حقهم في التمدرس”.
وتنص المادة 39 من اتفاقية حقوق الطفل على أن “الدول الأطراف تتخذ كل التدابير المناسبة، لتشجيع التأهيل النفسي، وإعادة الإدماج الاجتماعي للطفل الذي وقع ضحية النزاعات المسلحة”.
وسبق وأوضح تيد شيبان، المدير الإقليمي لـ”اليونيسف” في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أن “تصميم هؤلاء الأطفال والشباب على التعلم، والتغلب على الصعاب، وبناء مستقبل أفضل أمر يستحق التقدير”.
وكان تقرير لمنظمة “هيومن رايتس ووتش”، قد أكد على أن الأشخاص العائدين من بؤر التوتر “يندمجون بنجاح في بلدانهم الأصلية. وعلى الحكومات إزالة أي حواجز تحول دون إعادة الإدماج الفعال، وضمان ألا تسبب سياساتها الخاصة بالعودة ضررا لا داعي له لمواطنيها من الأطفال”.
وأضاف التقرير “أنه على الرغم من سنوات الاحتجاز في ظروف تهدد الحياة، دون ما يكفي من المياه والطعام الطازج والرعاية الصحية، وقلة التعليم أو انعدامه كليا، يبدو أن العديد من الأطفال يتأقلمون جيدا ويحققون أداء حسنا في المدارس”.
*ينشر هذا التقرير نقلاً عن منصة “هوامش“