بالتزامن مع النقاش الدائر حول تعديلات مدونة الأسرة، أصدرت وزارة الداخلية المغربية دوريةً عممتها على عدد من القنصليات المغربية في الخارج، وأعلنتها قنصليتَا المغرب في نيويورك ومدريد، تمكن المغربيات من استخراج أو تجديد جواز السفر لفائدة أبنائهن القاصرين دون موافقة قبلية من الأب.
“المرأة المغربية أصبح لها الحق في إنجاز أو تجديد أو سحب جوازات السفر لفائدة أبنائها القاصرين، دون موافقة صريحة مسبقة من الأب، ما لم يكن هناك حكم قضائي يعارض ذلك”، تقول وزارة الداخلية المغربية في دوريتها.
ويأتي هذا القرار بعد سنوات من مطالب الجمعيات النسائية، بمنح النساء الولاية الشرعية على الأبناء مناصفة مع الرجل، خصوصا في ظل الوضع الحالي الذي تواجه فيه النساء المطلقات مشاكل مرتبطة باستصدار الوثائق الإدارية، ومنها جواز السفر، وكذلك الولاية التعليمية وغيرها من الإجراءات.
ورغم أن هذه الخطوة تعتبر مهمة في مسار إرساء المساواة بين الرجل والمرأة في الشؤون المتعلقة بأطفالهما، إلا أن العديد من النساء استقبلتها بفرحة منقوصة، خصوصًا وأن التعديلات التي ستطرأ على مدونة الأسرة لم تحسم بعد، فيما لازالت الولاية الشرعية في يد الأب، وهو من يقرر في كل الشؤون الأطفال.
“خطوة إيجابية”
بالنسبة لسعيدة، وهي سيدة أربعينية تقطن بمدينة الرباط، فهي “خطوة إيجابية، ستأتي بعدها عدة قرارات تنصف المرأة المغربية، ونحن نعلم أن الاصلاح سيكون تدريجي، وكلي أمل في تعديل مدونة الأسرة ومنح الولاية للأم الحاضنة”، تشرح في مكالمة هاتفية مع “هنّ” بعد اطلاعها على القرار.
وتضيف سعيدة، “لا أريد أن تعيش إحدى بناتي التجربة التي عشتها أنا مع والدهن، لقد عشت العشر سنوات الأخيرة بين مكاتب المحامين وجلسات المحكمة، تارة من أجل النفقة، تارة من أجل الموافقة على السفر، وتارة أخرى من أجل الولاية التعليمة… لقد اِستُنزفتْ طاقتي واليوم أحمد الله أن بناتي وصلن سن الرشد وانتهت معاناتي”.
من جهتها، وفي تصريح لـ”هنّ” ترى يسرى الريسوني، محامية في هيئة الرباط أنها “خطوة مهمة ومتقدمة في مسار إصلاح مدونة الأسرة، خاصة وأن مدونة الأسرة لم تعد تتوافق مع التطورات الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها المجتمع والأسرة المغربية”، مشددة على أن “النساء أصبحن قادرات على حمل مسؤولية أطفالهن كاملة دون حضور الأب”.
” من عدم المساواة أنه حين تكون الحضانة عند الأب يمكنه استخراج الوثائق والقيام بجميع الإجراءات بما فيها السفر بأبنائه خارج المغرب دون موافقة الأم، في حين أن الأم التي تسهر وتربي وتعلم يعتبرها القانون غير مؤهلة لحمل هذه المسؤولية”، تشير الريسوني.
وتضيف “لا فرق اليوم بين الرجل والمرأة، فالنساء أصبحن يمارسن نفس المهن التي كانت حكرا على الرجال سابقا ومثال على ذلك أن المرأة أصبحت عدولًا توثق العقود”.
“فرحة منقوصة”
“بعد طلاقي مباشرة، حصلت على حق حضانة أطفالي، لقد تحملت خلال خمس سنوات مسؤولية ثلاثة أطفال لوحدي، بعدما رفضِ والدهم دفع النفقة والقيام بالتزاماته تجاه أطفاله، لكن بمجرد أن أرغب في استصدار أي وثيقة أجده عقبة في طريقي، وأجد نفسي مرغمة على الاتصال به والتوسل إليه للموافقة على إخراج تلك الوثيقة مهما كانت بسيطة، حتى لو كان نقل الأطفال من مدرسةٍ لأخرى”، تحكي فاطمة عبرالهاتف لـ”هنّ”، موضحةً أنها كانت تعاني من ” حرب نفسية أعيشها يوميًا، ولك أكن أفهم كيف يمنح القانون لأب لا يعرف عن أبنائه شيئًا سلطة التحكم في مصيرهم وحياتهم”.
وتعليقًا على هذا القرار، تقول فاطمة أنها عندما قرأتْ القرار فَرِحَتْ به، “لكن فرحتي تظل منقوصة، فماذا سيفعل إبني بجواز السفر إن كان ممنوعا من السفر مع أمه بدون موافقة من والده، وفي حالتي من المستحيل أن أحصل منه على تلك الموافقة”.
“ما أطالب به هو منح النساء الحاضنات الولاية على أطفالنا حتى يعيشوا بهدوء بعيدا عن المحاكم وعن المشاكل”، تضيف فاطمة.
وتعتبر المحامية الريسوني، أن هذا القرار”للأسف، يبقى منقوصا، ويجب أن يتضمن تعديل المدونة السماح للمرأة بالسفر مع أبنائها خارج أرض الوطن دون موافقة النائب الشرعي”.
وضربت المحامية المثل بسيدة مغربية “جاءت لإبنها فرصة للعب كرة القدم خارج المغرب، لكن بسبب المشاكل التي بينها وبين طليقها رفض منحها الموافقة، ما حرم الطفل من تلك الفرصة”.
وتشير الريسوني، إلى أن الأم عندما تريد السفر بأبنائها للخارج ويرفض النائب الشرعي ذك، “تكون مضطرة للجوء إلى المحكمة، والدخول في مسطرة معقدة، إذ يجب أن تقدم طلبا لقاضي المستعجلات، وتترك له السلطة التقديرية من أجل استصدار الإذن بعد التأكد من دواعي السفر وضمان عودة المحضون للمغرب وفقا للمادة 179 من مدونة الأسرة، وهذه المسطرة تقوم بها النساء الواعيات بحقوقهن والمطلعات على القانون”، مشددة على ضرورة “تعديل هذا الإجراء، مرفوقًا بفرض عقوبات على النساء اللائي يهربن بالأطفال خارج المغرب عند عودتهن”.