بابتسامة مرسومةٍ على محياها، ووسط الضجيج الذي لا ينقطع، لا تمل السالكة ذات الـ50 سنةً من تسويق “حوتها” بالطريقة ذاتها وغيرها، وهي تقول للزبائن في سوق نواكشوط الشعبي الشهير بسوق “الديوك”: “سمكي ممتاز” محاولةً أن تقنع زبونا، فتارةً تنجح، وكثيرا لا تفلح في ذلك.
قبل 28 سنةً، رمى “الفقر والعوز”، السالكة إلى أن تصبح “انجاية”، “حتى لا يجوع ويعرى أبنائي الستة وزوجي المقعد”، حسب تعبيرها لـ”هنّ”.
وهكذا وجدت السالكة نفسها، “المعيلة الوحيدة لعائلتها وسط ظروف صعبة”، كما تقول.
الربح والخسارة.. لقمة في جنح الظلام!
في حي “الترحيل” الفقير، بالضاحية الجنوبية لنواكشوط ، تقطن السالكة، وفي بيتها، تمضي الليل كله وهي تعد الدقائق والساعات منتظرةً أن تصل الساعة الخامسة فجرا، فهو “الوقت المفضل”، لها لتصحو وتلملم “أشياءها”، لتنطلق في رحلتها الشاقة بحثا عن لقمة العيش الشريفة على ضفاف الأطلسي.
إلى هناك، تصل السالكة باكرا، تساوم هذا وتحاجج تلك، فـ”النقود التي اقترضتُها اليوم لشراء السمك محدودة”، توضح السيدة، مشيرةً إلى أن مديونيتها “وصلت إلى 200 ألف أوقية”، وإما أن تبتاع سمكها فتدفع بعد البيع، وإلا فإن الحل الأكثر مرارة هو “معاودة الاقتراض”، وبهذا تزداد المديونية إن وافق مُقترضها.
وتمضي السالكة 6 ساعات صباحًا بميناء الصيد في نواكشوط، بحثا عن السمك، لتنطلق بعد عملية الشراء، في رحلة البيع. وتقول لـ”هنّ”، “أشتري ما بين 20 إلى 50 كلغ من السمك يوميا، وبمختلف أشكاله حتى أضمن جلب أكبر عدد من الزبائن”.
جلب الزبائن، لهذه الأم التي تعيل نفسها وعائلتها، يتطلب توفير مبلغ معتبر من المال “يتراوح بين 30 ألف إلى 40 ألف أوقية موريتانية”.
وتشكو السالكة “غلاء سعر كيلو السمك الذي يستنزف ما لديها من المال”، مشيرةً إلى أنه “لدينا ضعف في الطلب وأنا أخسر بعض الأحيان عشرات الكيلوغرامات من السمك فاضطر إلى بيعه بأقل من سعر الشراء الأصلي، وهي عملية أخسر فيها، لكنني لن استسلم، فليس لي خيار آخر إلا العمل، حتى أضمن لقمة العيش”.
معيشة خطرة
في سوق “الديوك” القديم هذا، تعرض السالكة بضاعتها من الأسماك على مدار اليوم، ولكن العمل فيه باكرا له خطورته، حيث “عرضني مرارًا للخطر، وفي الأسبوع الماضي، هاجمتني أنا وصديقتيّ عصابة تحمل أسلحة بيضاء، لكن الله سلم”.
وتضيف السالكة، “أكرهتني ظروفي على العمل في هذا السوق، رغم أنه خطر للغاية في بعض الأوقات، وكذلك تفرض علينا البلدية يوميا دفع 100 أوقية لمن هم على قارعة الطريق و5000 آلاف لمن هم بداخل السوق، وإلم ندفع سيتم طردنا خارج أسوار السوق”.
ومنذ عقدين من الزمن ، يتبضع كثير من الموريتانيين من هذا السوق، الذي يطلقون عليه “سوق الديوك” (مفردة حسانية تعني الدجاج هنا في موريتانيا)، نظرا لضمه عدد كبيرًا من الدواجن التي تباع في وسطه، إلى جانب عشرات النسوة اللائي يسمينَ “انجايات” (بائعات السمك)، اللواتي تحمل كل منهن قصة وراء تواجدها بالسوق.
وتجدر الإشارة إلى أنه في بداية العام 2020 أنشأت الحكومة الموريتانية، “المندوبية العامة للتضامن الوطني ومكافحة الإقصاء” المعروفة بـ”التآزر”، بميزانية وصلت إلى 200 مليار أوقية من أجل أن تعنى بتقديم المساعدة الاجتماعية “للعائلات الموريتانية المعوزة”.
وتنفي السالكة “استفادتها منها”، وتقول إنه سبق وأن “تسجلت في الوكالة مرات عديدة لكن بدون جدوى”.
وفي ظل عدم وجود إحصائيات رسمية بأعداد “نجايات” يؤكد حال السوق تزايد أعدادهن، ويعود ذلك إلى عدة أمور منها الاقتصادي والاجتماعي، كانتشار الطلاق، وعدم تحمل الأزواج لمسؤولياتهم أو عجزهم عن المساعدة.
أما اقتصاديا فيعود الأمر إلى “غياب الدعم الحكومي للمواطنين الأكثر هشاشة اجتماعية، وانعدام التقسيم العادل للثروة”، حسب رأي حقوقيين استشارتهم “هنَّ”.