“النظراء المربون”.. قصص نجاح نسائية تلهم موريتانيا

في ظل التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تواجهها النساء والفتيات في موريتانيا، برزت رابطة النظراء المربون (SOS Pairs Éducateurs) كإحدى المبادرات الرائدة في مجال التمكين والاندماج المجتمعي. 

محمد عالي بلال، نائب رئيس جمعية SOS “النظراء المربون”، في حديثه لـ”هنَّ”، يقول أن “الرابطة لم تكتفِ بطرح برامج تقليدية، بل وضعت خطة متكاملة ترتكز على مقاربات أساسية؛ التعليم، الصحة، والاقتصاد والاجتماع، لتفتح بذلك آفاقاً جديدة أمام مئات الفتيات اللواتي حُرمن من فرص التعليم والعمل والاستقلالية”.

التعليم.. فرصة ثانية لحياة جديدة 

أحد أهم المشاريع التي تقودها الرابطة هو برنامج “مدرسة الفرصة الثانية”، الذي يمنح الفتيات المتسربات من التعليم أو اللواتي لم يلتحقن به أصلاً فرصة جديدة للتعلم والتكوين. وداخل هذا المركز، تتلقى المستفيدات تكوينًا نظريًا وعمليًا في مجالات متعددة تشمل؛ الخياطة والتفصيل، فنون التجميل والعناية الشخصية، المعلوماتية والمهارات الرقمية، وكذلك التنمية الشخصية وبناء الثقة بالنفس. 

ولا يقتصر الأمر على الجانب النظري، إذ تتيح الرابطة للفتيات بعد تسعة أشهر من الدروس الالتحاق بتدريب عملي داخل محلات تجارية متعاونة معها، مما يضمن لهن اكتساب خبرة ميدانية تؤهلهن لدخول سوق العمل بثقة أكبر.

الصحة.. تصحيح المفاهيم وحماية المستقبل 

تضع الرابطة الصحة في صلب اهتماماتها، خصوصًا ما يتعلق بالشابات والمراهقات الأكثر عرضة للمخاطر؛ حيث أطلقت حملات توعية وتحسيس واسعة حول الأمراض المنتقلة جنسيًا، وفيروس نقص المناعة المكتسبة (السيدا)، وفيروسات الكبد، مع تركيز كبير على الصحة الإنجابية.

وتهدف هذه الأنشطة، وفق الرابطة إلى “تصحيح المفاهيم المغلوطة التي تنتشر في المجتمع، وتزويد الفتيات بالمعارف التي تمكنهن من حماية أنفسهن واتخاذ قرارات مسؤولة”.  وتُعتبر مقاربة “التربية عن طريق النظراء”، إحدى أبرز الآليات التي اعتمدتها الرابطة، حيث أثبتت فعاليتها في جعل الرسائل الصحية أكثر قرباً وتقبلاً لدى الشباب.

الاقتصاد والاجتماع.. من الاعتماد إلى الاستقلالية 

إلى جانب التعليم والصحة، تولي الرابطة أهمية بالغة للتمكين الاقتصادي والاجتماعي. فهي توفر تكوينات عملية في، إدارة الأعمال الصغيرة، المهارات الحياتية، التسويق التجاري. كما تدعم مشاريع مبتكرة تقودها الفتيات والشباب، وترافقها حتى ترى النور، عبر توفير التأطير الفني والدعم المادي وربطها بفرص التمويل. ومن بين هذه المشاريع التي تحظى بالدعم، التجارة الصغيرة، الزراعة الحضرية، الصناعات الغذائية، والحرف اليدوية. هذه الأنشطة لا تقتصر على توفير دخل للمستفيدات، بل تعزز استقلاليتهن المالية وتمنحهن موقعاً فاعلاً داخل المجتمع.

التمكين عبر التوعية وبناء القدرات 

تعمل الرابطة أيضًا على تقوية قدرات المستفيدات والمنظمات القاعدية عبر دورات تكوين مستمرة، مع مرافقة نفسية ومعنوية تساعد الفتيات على تجاوز التحديات المرتبطة بالعادات والتقاليد. كما تنشط في مجال التعبئة والمناصرة للدفاع عن قضايا النساء والفتيات، وتشجيع المجتمع على تقبل أدوارهن الجديدة كفاعلات في التنمية المحلية والوطنية.

قصص نجاح ملهمة 

تحكي فاتيس لمنصة “هنَّ” أن حياتها تغيرت بالكامل منذ انضمامها للرابطة سنة 2022، حين شاركت لأول مرة في حياتها في دورة تدريبية حول الأمراض المنتقلة جنسياً وفيروس نقص المناعة المكتسبة. 

وتقول، “قبل ذلك، كنت أحمل أفكاراً مغلوطة عن طرق انتقال فيروس السيدا وعن الأشخاص الحاملين له، وكنت أعتقد أن العمل معهم أمر مستحيل. لكن بفضل التكوينات التي تلقيتها، تمكنت من تصحيح هذه المفاهيم، واكتسبت مهارات جديدة وخبرات قيمة”.

بدأت فاتيس كوسيطة مجتمعية ضمن مشروع Passerelle، ثم أصبحت مدربة معتمدة، واليوم تشرف على أنشطة الجمعية في مدينة نواذيبو، حيث تعمل بشكل وثيق مع الفئات الأكثر عرضة للإصابة، وتعبئها بأهمية الوقاية والفحص المبكر. ورغم التحديات التي واجهتها في البداية، تمكنت بدعم الرابطة من تجاوز الصعوبات وأصبحت أكثر ثقة وكفاءة.

رحلة كفاح من التكوين إلى ريادة الأعمال 

تقول فاطمة منت شبو مولاي إسماعيل، إن “اللحظة الفارقة في حياتي كانت عندما تعرفت على الرابطة عبر إحدى صديقاتي”، حيث انضمت إلى مشروع “شباب المستقبل”، وهناك تعلمت مهارات جديدة في التسويق الزراعي ورسم الأهداف وإدارة المشاريع. تم اختيار مشروعها “مسمكة شباب المستقبل”، الذي جهزته الرابطة بالكامل، لتبدأ رحلة جديدة في عالم ريادة الأعمال. 

وتوضح فاطمة لـ”هنَّ”، “صحيح أنني واجهت انتقادات كثيرة، خصوصًا عندما سافرت إلى المغرب للمشاركة في تكوينات، لكنني كنت مصممة على المضي قدمًا، ووجدت دعماً كبيراً من والدي”. 

“اليوم أشعر بالفخر لأنني اخترت أن أواصل طريقي رغم الصعوبات”، تضيف. 

الرياضة بوابة إلى التمكين 

أما لالة، فقد كانت انطلاقتها مختلفة، حيث بدأت رحلتها مع الرابطة عبر تكوين في المجال الرياضي. ومن هناك، تم اختيارها لتصبح ضمن المكونين الرياضيين، قبل أن تتدرج لتصبح مدربة للأطفال، تعمل على تنمية قدراتهم الشخصية والاجتماعية عبر الرياضة.

وتروي لالة أن الرابطة “ساعدتني على مواصلة تعليمي الجامعي، وفتحت لي أبواب المشاركة في دورات تدريبية خارجية بغينيا كوناكري مع منظمة أمريكية شريكة”. وتضيف أنه ورغم صعوبة التوفيق بين الدراسة والعمل، فإن الدعم الذي تلقته من الجمعية “ساعدني على تجاوز هذه العقبات”.

قصص فاتيس وفاطمة ولالة ليست سوى أمثلة من عشرات التجارب التي ولدت من رحم أنشطة رابطة “النظراء المربون”، هذه التجارب تثبت أن الاستثمار في التعليم والصحة والتمكين الاقتصادي والاجتماعي يمكن أن يحدث فارقًا حقيقيًا في حياة النساء والفتيات، ويضعهن على طريق الاستقلالية والمشاركة الفاعلة في التنمية. وبفضل هذه المبادرات، باتت الرابطة نموذجًا يحتذى به في كيفية تحويل التحديات إلى فرص، وصناعة قصص نجاح تلهم مجتمعاً بأكمله. 

اقرأ أيضا

  • اللاإنجابية.. نساء يتمردن على غريزة الأمومة في مواجهة مع المجتمع

    "لا أتصور نفسي صحبة رضيع طوال الوقت، أتكلف بكل تفاصيل يومه، جهد كبير جدا لا أجدني مستعدة له، بل لست على استعداد لأحمل ثقلا لتسعة أشهر، وأشتغل، وأسافر… لدي طموح أكبر من إنجاب أطفال أهديهم حياتي التي بنيتها بعناء، وجهد"، هكذا بدأت أسماء تفسر قرارها في ما بات يعرف بـ"اللاإنجابية"، وهو قرارٌ طوعي بعدم إنجاء…

    سناء كريم|

    03.12.2024

  • جحيم شركات “الكابلاج”.. بديل للبطالة ينهك صحة المغربيات 

     "صحتي مشات"، تقول صفاء بصوت منهك، يعتريه حزن وحنق كبيران، قبل أن تظهر الشابة ذات الـ29 سنة أوراق الفحوصات والشواهد الطبية التي تؤكد إصابتها بمشاكل في الظهر والعمود الفقري، بعد أربع سنوات من العمل في إحدى الشركات المتخصصة في صناعة الأسلاك الكهربائية، والموجهة لصناعة السيارات بمدينة القنيطرة. الشابة الحاصلة على إجازة في علم الاجتماع، تحكي…

    هاجر اعزة|

    18.07.2024

  • شاهدة على مأساة مليلية| قصة معاناة حواء من السودان إلى المغرب

    بين حوالي ألفي شخص، من المهاجرين واللاجئين الذين كانوا في ذلك اليوم الدامي، كانت هناك سيدتان، هما السودانية حواء 47 سنة، والتشادية مريم 20 سنة. وتمثل قصة حواء، فصلاً من فصول مآسي النساء المهاجرات، والهاربات من أتون الحرب والصراعات التي تعصف بالدول الإفريقية، فهذه المرأة رأت الموت مرتين، مرة في دارفور، ومرة عند سياج مليلية.…

    شادي بخاري|

    23.06.2024

  • أميرة محمد: وضع حرية التعبير في تونس أخطر مما كانت عليه في عهدي بن علي وبورقيبة

    منظمات دولية وجمعيات محلية مستقلة في تونس، تنبه إلى تصاعد  مستوى قمع الإعلام وحرية التعبير، وتعبّر عن تخوفها من المحاكمات القضائية لصحفيين وإعلاميين ومعلقين، بسبب الرأي الذي بدأ منسوب حريته يتناقص في البلاد.  وتأتي هذه المتابعات قبل الانتخابات الرئاسية الأولى، في فترة ما بعد الـ25 جويلية 2021، وفي ظل توجه ممنهج لتقويض القضاء، سجن عشرات…

    ريم بلقاسم|

    11.06.2024

  • “الصحة الجنسية ليست ترفًا”.. موريتانيات يكسرن التابو في رحلة التوعية والمواجهة 

    في زوايا الهامش، حيث تهمس المعاناة بصوت خافت، تولد البطولات الهادئة، هناك، في أحياء نواكشوط، تتقدم نساء موريتانيا الصفوف في معركة غير متكافئة ضد الصمت، والتقاليد، والخوف. سالكة احميدة وأمل حميدي، وجهان للوعي والجرأة، إمرأتان تقاومان الممارسات التي تُكبّل النساء منذ الطفولة، مؤمنتان أن التغيير يبدأ بكلمة، ويتعزز بقصة، ويستمر بإصرار. هما نموذجان من العمل…

    مريم إسحاق إبراهيم|

    31.07.2025

  • “هِمَم”: آلة القضاء تُلاحق الصحافيات في المغرب وسط صمت رسمي وتضامن باهت

    رصد تقرير جديد صادر عن الهيئة المغربية لمساندة المعتقلين السياسيين “هِمَم”، واقعًا مقلقًا لحرية الصحافة في المغرب، لاسيما في ما يتعلق بوضعية الصحافيات، اللواتي وجدن أنفسهن، حسب التقرير، في مواجهة “آلة قضائية متشددة”، وسط صمت رسمي وتضامن حقوقي وحقوقي محدود ومحتشم. وأكدت الهيئة في تقريرها الصادر صباح اليوم الخميس، أن عددًا من الصحافيات المستقلات يُواجهن…

    Hounna | هنّ|

    19.06.2025

  • حوار| ضحى يحياوي: تضامننا مع غزة واجب إنساني لا يتجزأ 

    منذ بداية العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة، شهدت تونس تحركات احتجاجية واسعة النطاق للتنديد بالمجازر المستمرة ضد الشعب الفلسطيني الأعزل. كانت النساء التونسيات في طليعة هذه الاحتجاجات والمظاهرات المتكررة، ما يؤكد عمق تجذر القضية الفلسطينية في الوعي النسوي التونسي. الاحتجاج من أجل فلسطين ليس مجرد تعاطف إنساني عابر، بل هو امتداد طبيعي لمسيرة طويلة من…

    أميمة عدواني|

    25.07.2025

  • لالة كابر الغلاوي: لا يمكن الحديث عن عدالة اجتماعية بدون إنصاف النساء

    في مجتمعٍ تتقاطع فيه تحديات الإعاقة مع فجوات النوع الاجتماعي، اختارت لالة كابر الغلاوي أن تكون أكثر من مجرد شاهدة على واقع الإقصاء؛ قررت أن تكون صوتًا، وجسرًا، ومساحةً آمنة. ليست فقط مخرجة وناشطة اجتماعية موريتانية، بل واحدة من النساء القلائل اللواتي وجّهن البوصلة نحو الفئات التي تُركت على هامش النقاش العام، وبالذات مجتمع الصم،…

    Hounna | هنّ|

    09.05.2025

  • الفيديوهات

  • “لم نتوصل بالدعم”..نساء الحوز يكشفن الوجه الآخر لإهمال ضحايا الزلزال

    يبدو أن بلدة مولاي إبراهيم بإقليم الحوز، جنوب مدينة مراكش، لن تتعافى قريبا من تبعات الزلزال الذي بعثر سبل العيش هناك، خاصة أن أغلب سكان البلدة كانوا يعيشون على نشاط السياحة الداخلية التي يجلبها ضريح مولاي إبراهيم، فالتجارة والإيواء وخدمات أخرى توفرها الساكنة، خاصة نسائها، توقفت اليوم بشكل كلي، ولا أمل يلوح في الأفق لعودة…

  • محاكمة عسكرية للمعارضة التونسية شيماء عيسى

    لم تغلق المحكمة العسكرية بعد، ملف محاكمة شيماء عيسى، المعارضة التونسية والقيادية في جبهة الخلاص الوطني، فقد تم تأجيل جلسة، محاكمتها إلى 10 أكتوبر، القادم.

  • ختان البنات موروث ملطخ بالدم

    تنتشر ظاهرة ختان الإناث بصورة كبيرة في عموم مناطق موريتانيا، إذ تحتل البلاد المرتبة الثامنة عالمياً. ويعتبر ختان البنات موروثاً وتقليداً في المجتمع الموريتاني ويهدف إلى المحافظة على عذرية البنات و"تهذيب شهوتهن" الجنسية، وفقا للمدافعين عنه بينما تشجب فئات اجتماعة أخرى في البلاد هذه الظاهرة.

  • فاطنة بنت الحسين.. أسطورة العيطة وأيقونة الفن الشعبي في المغرب

    ولدت فاطنة بنت الحسين في منتصف الثلاثينات بمنطقة سيدي بنور، التابعة لدكالة، من عائلة قروية محافظة رفضت ولوجها مجال الغناء، نظرا للسمعة السيئة التي كانت ملتصقة بـ"الشيخة" وقتها. انتقلت فاطنة إلى مدينة اليوسفية، وهناك انضمت إلى فرقة "الشيخ المحجوب"، وزوجته "الشيخة العبدية"، لتحصد شهرة واسعة وصل مداها إلى مدينة آسفي، معقل "العيطة الحصباوية"، وبعدها مدينة…

  • ناسجات الحياة.. نساء بالحوز ينسجن الزرابي بين أنقاض الزلزال

    بالقرب من مركز جماعة أسني بإقليم الحوز، اجتمعت أربع نسوة بدوار "أسلدا" ينسجن الزرابي، بحثا عن مورد رزق، في كوخ من القصب ومغطى بالبلاستيك وورق التعليب، بعد أن دمر الزلزال المكان الذي كن يشتغلن فيه، والذي كان مقرًا لـ"جمعية الدوار"، قبل أن يحوله الزلزال إلى أطلال. في البداية، تحديدًا قبل ثلاثة سنوات من جائحة "كورونا"؛…