أعادت حادثة السير المروعة التي وقعت أمس الأحد، على الطريق الرابطة بين أيت بوكماز وأيت بولي، والتي راح ضحيتها عشرة قتلى بينهم طفلة وأغلبهم نساء يشتغلن أستاذات، صور عشرات الحوادث التي تحصد أرواح الأبرياء الذين تمثل النساء السواد الأعظم منهم، بينهن عاملات زراعيات ومواطنات عاديات وأخريات يشتغلن في مهن أخرى.
هذه الحوادث التي تتكرر دائما، لها قصص ومآسٍ لا تختزلها الأرقام الباردة لإحصائيات الضحايا، لكن صداها لا يصل إلى الرأي العام، إلا عندما يتعلق الأمر بعدد كبير من الضحايا والإصابات، ففي يوليوز 2023، اصطدمت حافلة كانت تقل عاملات زراعيات بسيارة نقل خاصة وسيارة أجرة كبيرة، نتجت عنه إصابات متفاوتة الخطورة، نقل على إثرها 28 مصابا، أغلبهم من العاملات الزراعيات، بالقرب من مدينة القنيطرة، وقبل ذلك وقعت حادثة مشابهة في ذات المنطقة سنة 2019.
مشهد من حياة العاملات الزراعيات
أصبحت حوادث السير هذه، جزءًا من يوميات نساء بالمغرب، ومشهد من حياة من لا ظهر لهن ولا سند، فبالإضافة إلى التعب والشقاء في العمل، الذي فرضه بؤس الحال، وقلة ذات اليد، يزداد طين العمل بالمَزارع بلةً بالحوادث المميتة في السيارات غير الآمنة، وجنون السرعة في الطرقات المهترئة.
يوم السبت 29 غشت 2020، على مستوى منطقة “المرس” بالطريق الوطنية الرابطة بين أكادير وتزنيت، كانت التلميذة غزلان بمعية 16 عاملةً زراعية، في سيارة نقل (بيكوب)، في طريقهن إلى إحدى الضيعات الفلاحية، التي كانت تشتغل بها التلميذة غزلان، قبل أن يصعد روحها بعد حادثة سير مأساوية.
في الظروف العادية، مكان التلميذة غزلان هو حجرات الدراسة، بـ”ثانوية الوحدة”، وفي ظروف الفقر التي تعيشها، فإن المكان الذي رمتها فيه الفاقة هو الطريق إلى حقول الزراعة، الذي ماتت فيه.
اختارت غزلان، العمل من أجل توفير حاجياتها من الملابس والكتب قبل الدخول المدرسي، وهكذا اضطرت للاشتغال داخل البيوت البلاستيكية مقابل أجر زهيد، فانتهت حياتها تحت عربة، دأبت أن تستقلها، يوميا، قاطعة عشرات الكيلومترات وسط تكدس أجساد العاملات، وغياب أي تدابير تضمن سلامة التنقل.
تحكي شقيقتها الكبرى خديجة، أنهن كن “16 عاملة في البيكوب”، موضحةً أن سبب الحادثة هو “انفجار العجلة الخلفية للسيارة”.
“ننقل كالبقر في العربات”
هاته النسوة اللائي يعملن في المزارع التي تضخ في جيوب ملاكها ملايين الدراهم، من عرق غزلان، خديجة، ومن معهن، إلا أنهم يشحن كـ”البقر” في عربات غير لائقة للنقل الآدمي، دون حسب أو رقيب، اللهم بعض التضامن والتنديد المناسباتي، الذي يضرب وميضًا كالبرق هنا وهناك.
ففي شهر شتمبر 2020، في إطار حملة “يودا”، التي نظمتها منظمة ” شابات من أجل الديمقراطية”، ونشرت شهادات حية لعاملات زراعيات، في إحداها، تقول أنس موال، وهي عاملة زراعية بمنطقة أكادير، أن العاملات “ننقلن كالبقر في عربات النقل (بيكوب)، بل حتى البقر لا يتجاوزن في حمولته بقرتان أو ثلاثة، أما نحن فأحيانا نصل 50 امرأة”
“حياتنا كلها في خطر، ومع ذلك لا نكترث لتلك الصعوبات ولا المعاناة التي نعيشها، لأننا لا نملك غير ذلك لتوفير لقمة عيش”.
“نزيف الأرواح على الطرق”
هذا الواقع، دفع “المنظمة الديمقراطية للنقل واللوجستيك متعدد الوسائط” و”أرباب ومدربي السياقة ونقل العمال” في فبراير الماضي، إلى المطالبة بـ”إعادة النظر في السياسة المتبعة في السلامة الطرقية والوقاية من حوادث السير على مستوى تخطيط مشاريع البنية التحتية وإدارة تنفيذها وصيانتها، واعتماد الأساليب الحديثة في مجال 2إدارة الطرق، وتحسين السلامة الطرقية وإجراءات الوقاية البيئية والاجتماعية للحد من المنحى التصاعدي للعدد السنوي للقتلى والمصابين بجروح خطيرة، وتكثيف التوعية وتكامل الأدوار المختلفة من مؤسسات الدولة والمجتمع المدني لتلعب دوراً كبيرًا في الحد من نزيف الأرواح على الطرق”.
ودعت الهيئة النقابية التابعة لـ”المنظمة الديمقراطية للشغل”، إلى “منع وتشديد العقوبات على المركبات الغير المرخصة لنقل العمال والعاملات الى المعامل والضيعات الفلاحية وحجزها بشكل نهائي تطبيق القواعد الخاصة بالحدود القصوى للحمولات”.
هذا، وتزهق حوادث السير بالمغرب أرواح قرابة 3500 شخص سنويا ويتعرض ما بين 12 و15 ألف شخص لإصابات خطيرة، علما أن العديد منهم يصبح معاقا، أي بمعدل 10 وفاة و33 إصابة خطيرة يوميا.