تظل مشاركة المرأة الموريتانية في الحياة السياسية تحديًا معقدًا، إذ لم يكن تطورها في هذا المجال سلسًا، ومازالت العقبات تحول دون وصولها إلى مناصب قيادية، ترسّخت بفعل الأعراف والقوانين غير المكتوبة.
ورغم الجهود المبذولة من الجهات الرسمية، والمدفوعة بضغط المنظمات الدولية والإقليمية، تبقى هذه التحديات قائمة، حيث تعاني النساء من ضعف التمكين الحقيقي، وانعدام الثقة المجتمعية في قدراتهنَّ السياسية، فضلًا عن اقتصار أدوارهن على مناصب ذات صلاحيات محدودة.
مشاركة نسائية محدودة
تشكل النساء أكثر من نصف سكان موريتانيا، وتمثلن حوالي ثلث أعضاء المجالس الجهوية والبلدية. إلا أن هذا التمثيل، وفقًا للناشطة الحقوقية آمال حميدي، يعكس في كثير من الأحيان محاصصة قبلية أكثر منه مشاركة فعلية، فـ”المرأة الموريتانية حققت تقدمًا في المشهد السياسي، لكنها لا تزال محصورة في أدوار محددة، وغالبًا ما يقتصر هذا التقدم على نساء من طبقات معينة، يتمتعن بفرص تعليمية وعلاقات نافذة، بينما تواجه النساء من الطبقات الأقل حظًا صعوبة كبيرة في الوصول إلى المناصب السياسية والمشاركة الفعالة”.
أما النائبة البرلمانية عن حزب الإنصاف الحاكم، سعداني خيطور، فترى أن الحكومة اتخذت خطوات جريئة نحو تمكين المرأة، لكنها لا تزال غير مكتملة.
وتضيف: “رغم السياسات التي تم تبنيها، إلا أن غياب الاستثمار في تغيير العقليات يظل العائق الأكبر، إذ يتطلب تحقيق تمثيل حقيقي للمرأة العمل على فرض احترام الكوتا، وتوظيف الإعلام والمساجد والمنابر المجتمعية لمحاربة الصور النمطية التي تقلل من كفاءة المرأة”.
حضور سياسي غير متكافئ
شهدت الانتخابات البرلمانية الأخيرة زيادة في عدد النساء المنتخبات، لكن لا تزال نسبة تمثيلهن في البرلمان عند 19.7 بالمائة، وهي نسبة تقل عن الحصة المخصصة لهن بموجب الإصلاحات السابقة.
وتقول النائبة سعداني خيطور، في حديث مع منصة “هنَّ”، أنه “رغم التقدم الذي تحقق، فإن نسبة تمثيل النساء لا تعكس الطموحات الحقيقية، خاصة أننا في زمن تتبنى فيه العديد من الدول مبدأ المناصفة بين الجنسين، بينما نحن لا نزال دون تحقيق أهداف الألفية”.
وتؤكد لـ”هنَّ”، الناشطة الحقوقية آمال حميدي أن هذا التقدم لم يشمل جميع النساء، بل “النساء في المدن الكبرى هن المستفيدات من هذه الفرص، بينما لا تزال النساء الريفيات والكادحات خارج دائرة الاهتمام”.
إقصاء من مراكز القرار
لاتزال المرأة الموريتانية بعيدة عن تولي المناصب السيادية، إذ تقتصر الوزارات التي تشغلها النساء على الشؤون الاجتماعية، المرأة، والتعليم، بينما تظل وزارات الدفاع، الداخلية، والمالية حكرًا على الرجال، ما يثير التساؤل حول مدى قدرة المرأة على التأثير في مستقبل البلد.
وترى سعداني خيطور أن هذه الإشكالية تعود إلى العقلية السائدة، مضيفة، أنه “يجب أن تتحمل الجهات المعنية مسؤوليتها في تنفيذ رؤية رئيس الجمهورية، التي تركز بشكل واضح على تمكين المرأة، خاصة في البعدين السياسي والاقتصادي، باعتبارهما مفتاحًا رئيسيًا لتغيير الصورة النمطية السلبية عن النساء”.
ومن جهتها، فترجع آمال حميدي، هذا التهميش إلى عدة عوامل، منها ضعف الدعم الحزبي للنساء، حيث، تعتبر أن النساء “تُستخدم غالبًا كواجهة لإظهار التزام الأحزاب بالمساواة، دون أن يكون لهن دور حقيقي في اتخاذ القرارات”.
التمييز والتحديات الثقافية والمجتمعية
وتشكل التقاليد الاجتماعية عقبة رئيسية أمام المشاركة السياسية الفعالة للمرأة، إذ يعتبر كثيرون أن السياسة حكر على الرجال، ما يضع النساء أمام عراقيل إضافية، خاصة في المجتمعات الريفية.
وتوضح آمال حميدي أن التقاليد المتجذرة “تجعل من الصعب على النساء تحقيق تقدم سياسي حقيقي”.
وتوضح أن المجتمع الموريتاني “لايزال يحتفظ بعادات تقيد دور المرأة الفاعلة، خاصة في الأرياف، كما أن ضعف التأهيل والدعم يجعل مشاركة العديد من النساء شكلية، دون تمكين حقيقي”.
وإلى جانب العوائق السياسية، تواجه المرأة الموريتانية تحديات طبقية تعيق تقدمها، إذ غالبًا ما يُنظر إلى النساء من طبقات اجتماعية معينة بشك أكبر عند دخولهن السياسة.
وتوضح النائبة سعداني خيطور أن هذا التمييز يعود إلى القوالب النمطية التي تعززها الثقافة المجتمعية.
وتقول لـ”هنَّ”، أن “المجتمع صمم صورة نمطية للمرأة، تجعل من الصعب قبولها في مواقع القرار، سواء داخل الدولة أو حتى ضمن الهياكل الاجتماعية التقليدية مثل القبيلة والأسرة”.
أما آمال حميدي، فترى أن بعض النساء النافذات يساهمن في تعميق هذا التمييز: “النساء اللاتي يصلن إلى المناصب العليا ينتمين غالبًا إلى الطبقة البرجوازية، ما يجعلهن بعيدات عن معاناة المرأة العادية، ولا يتفاعلن مع قضاياها، مما يعيق إيصال صوتها إلى دوائر القرار”.
وتتذكر النائبة سعداني خيطور عن تجربتها الشخصية، أنها واجهتْ تحديات كثيرة “كوني امرأة شابة من طبقة مهمشة، تدافع عن قضايا النساء والمحرومين، لكنني كنتُ مدركة تمامًا للصعوبات التي ستواجهني، خاصة أنني تناولتُ قضايا تُعتبر من المحظورات الاجتماعية”.
“ورغم الحملات الإعلامية التي استهدفتني، سواء من جهات إسلامية أو تقليدية، كنتُ أرى في ذلك تأكيدًا على أنني أسلك الطريق الصحيح، وأن ما أقوم به سيؤدي إلى نتائج إيجابية ولو بعد حين”، تضيف خيطور.
نحو مستقبل أكثر إنصافًا
رغم أن نسبة تمثيل النساء في البرلمان الموريتاني بلغت 20.3 بالمائة، في عام 2023، بفضل نظام “الكوتا”، إلا أن ذلك لا يعكس تمثيلًا عادلًا، حيث لا تزال المناصب الوزارية التي تشغلها النساء محدودة، وغالبًا ما تكون في القطاعات الاجتماعية.
ويبقى التحدي الأكبر هو تغيير العقليات الراسخة التي تحصر أدوار النساء في السياسة ضمن أطر ضيقة، وهو ما يتطلب جهودًا مستمرة من جميع الأطراف لضمان مشاركة سياسية فاعلة تحقق العدالة والمساواة.