القمع والعنف في مشهد حقوقي متدهور.. “أمنستي” تصدر تقريرًا أسودا يكشف واقع النساء المغاربيات حقوقيًا

في تقريرها السنوي لعام 2024، سلّطت منظمة العفو الدولية الضوء على التدهور المقلق لحقوق الإنسان في منطقة المغرب الكبير — والتي تشمل المغرب، الجزائر، تونس، وليبيا — مع توثيق نمط مشترك من القيود المتصاعدة على الحريات، والاعتقالات التعسفية، والقمع المنهجي للاحتجاجات السلمية، في ظل ما وصفته المنظمة بأنه حملة مستمرة لإسكات الأصوات المعارضة، من بينها النساء بشكل خاص.

رغم أن التقرير تناول طيفًا واسعًا من الانتهاكات، فإن قضايا النساء جاءت في صلب هذا المشهد القمعي، حيث يتقاطع التمييز الجندري مع القمع السياسي، والعنصرية، والعنف القائم على النوع الاجتماعي.

وحذّرت منظمة العفو الدولية (أمنستي) من وجود نمط مشترك في منطقة المغرب الكبير يتعلق بـ”الاعتقالات التعسفية” المرتبطة بحرية التعبير، وتصاعد “القيود المفروضة على الاحتجاجات السلمية” بهدف كبح المعارضة، وذلك في تقريرها السنوي الصادر أمس الثلاثاء. 

المغرب: قمع مزدوج ضد النساء 

في المغرب، وثقت المنظمة تفريقًا عنيفًا لاحتجاج نسائي سلمي نُظم في يناير بمدينة العيون، كبرى حواضر الصحراء، حيث خرجت نساء صحراويات للمطالبة بحقوقهن، فقُوبلن بالعنف من قبل قوات الأمن. 

ويشكل هذا الحدث وفق المنظمة، نموذجًا لـِ “قمع مضاعف على أساس الجندر والانتماء الجغرافي والسياسي”. 

وفي السياق الإعلامي، ورغم الإفراج عن بعض الصحفيين بموجب عفو ملكي، فإن العفو الدولية أكدت تعرض بعض الشخصيات — ومن ضمنهن نساء — إلى حملات تشويه ومراقبة رقمية، في مناخ إعلامي مقيد تسيطر فيه الرقابة على ما يُنشر، خاصة عندما تمس القضايا النسائية أو الحقوقية الحساسة.

أما المهاجرات، خصوصًا من إفريقيا جنوب الصحراء، فقد وثّق التقرير تعرضهن للاعتقال العشوائي والترحيل نحو مناطق صحراوية قريبة من الحدود الجزائرية، وسط خطاب عنصري مستمر لا يستثني النساء من الإذلال والانتهاك.

الجزائر: التضييق على الناشطات وقمع التجمعات النسائية

في الجزائر، أشار التقرير إلى استمرار الدولة في استخدام تهم الإرهاب لقمع المعارضة، وهي أداة طالت ناشطات في المجتمع المدني. أُغلقت مساحات العمل النسوي، وتعرضت ناشطات للملاحقة لمجرد مشاركتهن في تجمعات سلمية أو دفاعهن عن قضايا تتعلق بالعنف ضد النساء أو الحريات الفردية.

تونس: الخطاب العنصري والتضييق على الحرية الفنية والنسوية

في تونس، لم تكن النساء في منأى عن سياسة القمع المتصاعدة، خاصة في الشهور التي سبقت الانتخابات الرئاسية. فقد شمل القمع مدافعات عن حقوق الإنسان مثل سهام بن سدرين، وصحفيات وفنانات وناشطات نسويات، ووجهت إليهن اتهامات “زائفة” لتكميم أصواتهن.

وفي السياق الفني، أدين الفنان راشد طنبورة بالسجن بسبب رسم جداري ينتقد السياسات الحكومية تجاه المهاجرين، وهو تعبير فني يتقاطع مع النضال النسوي ضد التمييز والعنصرية الممنهجة التي طالت كذلك نساء مهاجرات، خصوصًا من إفريقيا جنوب الصحراء، واللواتي وصف التقرير معاناتهن بـ”اللاإنسانية”.

ليبيا: العنف الجنسي سلاحُ للقمع في مراكز الاحتجاز

في ليبيا، تصدّرت النساء المحتجزات في مراكز الاعتقال مشهد الانتهاكات، حيث أفادت العفو الدولية باستخدام العنف الجنسي، والصعق بالكهرباء، والضرب، والإذلال الجسدي بحق السجينات، في غياب تام للمحاسبة القانونية.

الناشطات والصحفيات، مثل المدونة مريم منصور الورفلي، تعرضن للاعتقال التعسفي بعد محاكمات وصفتها المنظمة بأنها تفتقر إلى المعايير القانونية، في وقت تواصل فيه الميليشيات والجماعات المسلحة ارتكاب انتهاكات بحق النساء دون خوف من الملاحقة.

النساء في قلب المعركة من أجل الحقوق

تجدر الإشارة إلى أن التقرير يكشف بوضوح أن النساء في المغرب الكبير لا يواجهن فقط تحديات تتعلق بحقوق النوع الاجتماعي، بل هنّ في قلب الصراع الأوسع من أجل الحريات الأساسية، ويقعن ضحايا تقاطع قمع الأنظمة؛ سياسيًا، أمنيًا، عنصريًا وجندريًا.

وسواء كنّ ناشطات، صحفيات، مهاجرات، أو مواطنات عاديات، فإن النساء يدفعن ثمناً باهظاً في منطقة تتراجع فيها الحريات بشكل ممنهج، وتُكمم فيها الأصوات الحرة. 

اقرأ أيضا

  • “هِمَمْ”: الصحافية لبنى الفلاح تواجه مضايقات ممنهجة 

    تواجه الصحافية المغربية لبنى الفلاح، مديرة جريدة "الحياة اليومية"، سلسلة من المضايقات والتضييقات المهنية والقضائية، في سياق تبنيها لقضايا المعتقلين السياسيين في المغرب.  ووفقًا لـ"الهيئة المغربية لمساندة المعتقلين السياسيين" (هِمَمْ)، فقد تعرضت الفلاح لعقوبات تأديبية، وتهديدات من جهات رسمية، وحملات تشهير، بالإضافة إلى محاكمتها بسبب مقال لم تنشره، ما يثير مخاوف متزايدة بشأن حرية الصحافة…

    لبنى فلاح|

  • “بنات السياسة”.. سرديات نسائية تحدت السجون وطمس النظام 

    بعد أربعين عاما تعود دليلة محفوظ الناشطة السياسية الى الحديث عن تجربتها السجنية، عبر خوض مغامرة الكتابة ضمن كتاب جماعي لمجموعة من السجينات السياسيات التونسيات: "بنات السياسة" وهو أثر سعت من خلاله مجموعة من الناشطات لتأريخ تجاربهن كنساء تونسيات داخل السجن وتجربة "حركة برسبكتيف " و"العامل التونسي" خلال فترة السبعينات. ويجمع كتاب "بنات السياسة" سردياتٍ…

    ريم بلقاسم|

  • العنف الاقتصادي.. معاناة العاملات المغربيات “استغلالا يشبه العبودية” 

    "بمجرد أن علمت بحملي مجددا، قررت منذ الشهر الأول البحث عن عمل لتأمين كل ما يحتاجه طفلي القادم. أتذكر أن العثور على وظيفة كان أمرا في غاية الصعوبة عندما كنت حاملا فيما مضى بابني الأول، حيث كان أرباب العمل يتجنبون توظيفي بسبب بطني البارز، فهم يرون بلا شك أن الحامل تشكل عبئا على الشركة بسبب…

    عفراء علوي محمدي|

  • حقوق الإنسان بدول شمال إفريقيا في تقرير “امنستي”.. واقع أسود لم تسلم منه النساء 

    قدمت منظمة العفو الدولية، صورة غير جيدة عن الوضع الحقوقي في دول المغرب الكبير، وانتقدت في تقريرها السنوي عن حقوق الإنسان، ما تعيشه الدول المغاربية من انتهاكات لحقوق الإنسان، راسمةً صورةً قاتمة عن حالة بلدان، المغرب، تونس،الجزائر، ليبيا وموريتانيا. ويوثق تقرير المنظمة الدولية غير الحكومية، "بواعث القلق إزاء حقوق الإنسان في العالم خلال عام 2023"،…

    Hounna | هنّ|

  • الفيديوهات

  • “لم نتوصل بالدعم”..نساء الحوز يكشفن الوجه الآخر لإهمال ضحايا الزلزال

    يبدو أن بلدة مولاي إبراهيم بإقليم الحوز، جنوب مدينة مراكش، لن تتعافى قريبا من تبعات الزلزال الذي بعثر سبل العيش هناك، خاصة أن أغلب سكان البلدة كانوا يعيشون على نشاط السياحة الداخلية التي يجلبها ضريح مولاي إبراهيم، فالتجارة والإيواء وخدمات أخرى توفرها الساكنة، خاصة نسائها، توقفت اليوم بشكل كلي، ولا أمل يلوح في الأفق لعودة…

  • محاكمة عسكرية للمعارضة التونسية شيماء عيسى

    لم تغلق المحكمة العسكرية بعد، ملف محاكمة شيماء عيسى، المعارضة التونسية والقيادية في جبهة الخلاص الوطني، فقد تم تأجيل جلسة، محاكمتها إلى 10 أكتوبر، القادم.

  • ختان البنات موروث ملطخ بالدم

    تنتشر ظاهرة ختان الإناث بصورة كبيرة في عموم مناطق موريتانيا، إذ تحتل البلاد المرتبة الثامنة عالمياً. ويعتبر ختان البنات موروثاً وتقليداً في المجتمع الموريتاني ويهدف إلى المحافظة على عذرية البنات و"تهذيب شهوتهن" الجنسية، وفقا للمدافعين عنه بينما تشجب فئات اجتماعة أخرى في البلاد هذه الظاهرة.

  • فاطنة بنت الحسين.. أسطورة العيطة وأيقونة الفن الشعبي في المغرب

    ولدت فاطنة بنت الحسين في منتصف الثلاثينات بمنطقة سيدي بنور، التابعة لدكالة، من عائلة قروية محافظة رفضت ولوجها مجال الغناء، نظرا للسمعة السيئة التي كانت ملتصقة بـ"الشيخة" وقتها. انتقلت فاطنة إلى مدينة اليوسفية، وهناك انضمت إلى فرقة "الشيخ المحجوب"، وزوجته "الشيخة العبدية"، لتحصد شهرة واسعة وصل مداها إلى مدينة آسفي، معقل "العيطة الحصباوية"، وبعدها مدينة…

  • ناسجات الحياة.. نساء بالحوز ينسجن الزرابي بين أنقاض الزلزال

    بالقرب من مركز جماعة أسني بإقليم الحوز، اجتمعت أربع نسوة بدوار "أسلدا" ينسجن الزرابي، بحثا عن مورد رزق، في كوخ من القصب ومغطى بالبلاستيك وورق التعليب، بعد أن دمر الزلزال المكان الذي كن يشتغلن فيه، والذي كان مقرًا لـ"جمعية الدوار"، قبل أن يحوله الزلزال إلى أطلال. في البداية، تحديدًا قبل ثلاثة سنوات من جائحة "كورونا"؛…

  • منع مسيرات تضامنية مع فلسطين “دعم لجرائم الإبادة”

    🟠 منعت مسيرات احتجاجية ضد العدوان الإسرائيلي، تخليدا ليوم الأرض الفلسطيني، نهاية الأسبوع الماضي، من طرف قوات الأمن في عدد من المدن المغربية، ما خلف تنديدا واستنكارا واسعينِ من طرف المشاركين في تلك الاحتجاجات.

  • العاملات الفلاحيات هنّ الأكثر تضررا من التغيرات المناخية

    🔶تعاني الدول المغاربية منذ سنوات من الجفاف على مدار السنة ، ما فاقم نسبة الفقر عموما بهذه الدول وخاصة لدى النساء، وفقدت آلاف العاملات في مجال الفلاحة مورد رزقهن.