سامية إحدى النساء ضحايا العنف الزوجي، كانت تبلغ 19 عاما عندما تم تزويجها من الشاب “الحلم” في قريتها، وهو عامل من التونسيين بالخارج يمتلك سيارةً ومنزلًا، قبل أن يتحول الحلم إلى كابوس، ويحول معه عش الزوجية إلى مكان للتعنيف.
تبذل جهدا في تجميع أنفاسها، فما ستقصه لمنصة “هنَّ “، لم تتمكن من تجاوزه بعد، رغم مرور زمن عليه، تضم يديها وتقول بابتسامة مغتالة: “التحقت به بعد شهرين من زواجنا إلى إحدى الدول الأوروبيّة، ومن هناك بدأت رحلتي مع العنف… لم يكن يعتدي علي لسبب بعينه، فحسب وجهة نظره هو، كان ما يقوم به هو تربيتي على طباعه، وكان الضرب هو أفضل آلية لذلك”.
تنوعت اعتداءات الزوج على سامية، من السب والشتم والتقليل من القيمة إلى الضرب، “حاولت في البداية إيجاد طريق للعودة، غير أنني لم أفلح في ذلك، بل على العكس حفزت من زغبة زوجي في تعنيفي، فقد خالفته وكسرت صورته وحاولت تشويهها”، تقول في روايتها لمعاناتها لـ”هنَّ”.
وتضيف سامية بتنهيدة: “ورغم أن شكواي لأمي لم تجد صدا، بل العكس؛ حثّتني على الصبر وقبول قدري… استسلمت، صبرت وقبلت. وتدريجياً ومع مرور الأيام طبعت مع العنف وتعددت مواعيدي معه على امتداد السبع سنوات التي قضيتها مع زوجي وطليقي الحالي”.
وتختصر سامية التفاصيل وألم استحضار الماضي: “كان يوما كسابقيه، تعرضت خلاله للضرب والتنكيل فقدت اثناءه الوعي، وحين أفقد وجدت نفسي وسط غرفة يعمها السواد، علمت بعدها أني كدت أن ألقى حتفي.. وفقدت بصري فقد قام زوجي بالاعتداء علي باستعمال سكين.. ولكسر تلك الأعين التي تنظر إليه… قام بفقئها”.
عادت سامية إلى تونس، ومرت اليوم سنتين على حادثة الاعتداء الفظيعة التي تعرضت لها، لم يتم الحكم بعد على طليقها في القضية التي تقدمت بها ضده أمام المحاكم التونسية، وباستثناء المرافقة التي وجدتها سامية من قبل عدد من الجمعيات النسوية، لم تجد أي دعم من الهياكل الرسمية المختصة.
وتقول معلقةً على تجربتها: “قصتي هي عنوان للكثير من النساء والأسر.. يعشن تحت الضغط الاجتماعي وهشاشة وضعهنّ الاقتصادي، حيث يصبح الانفصال على المعتدي أمرا صعبًا، ويزداد صعوبةً مع قدوم الأطفال. وتضطر الضحية في كل مرة إلى المواصلة في طريق التعنيف الذي تكون نهايته القتل في الكثير من حالات”.
ترى وفاء فراوس، مديرة فضاء إستقبال النساء ضحايا العنف بجمعية “بيتي”، أن النساء والجمعيات والهياكل المدافعة عنهن، “يواجهون عدة صعوبات أهمها مستويات تطبيق القانون 58 لمناهضة جميع أشكال العنف المسلط على المراة، وخاصة في النقطة الخاصة بإبعاد المعنف على الضحية أو ما يعرف بمطلب الحماية”.
هذا بالاضافة إلى مطلب “توفير استراتيجية مالية للنساء الناجيات مع وضع حد للإفلات من العقاب”، كما تشير فراوس.
وتوضح فراوس أن “آثار العنف صعبة وترهق النساء، حيث تخلف آثارًا نفسية وعدم توازن وفقدان للثقة بالنفس، مع خوفٍ متواصل وإحساس بالتخلي، وفي بعض الأحيان يتسبب العنف في اضطرابات نفسية لدى الضحية، تصل معه المعنفات في عديد الأحيان إلى خيار الإنتحار وإنهاء مسار الانتهاك الذي تعشنه”.
ورغم المرافقة الشاملة التي توفرها جمعية “بيتي” لضحايا العنف الزوجي، وتكفلها منذ 2016 بمرافقة وإيواء وتكوين 138 امرأة من ضحايا العنف و88 طفل مرافق، تكشف وفاء فراوس أن الخدمات التي يقدمونها تبقى “غير كافية في ظل غياب تام للدولة، التي لا توفر لا تغطية صحية لضحايا العنف ولا مساعدات مالية ولا مسارات ولوج بسيطة وسهلة للعدالة”.
غياب الدولة هذا، حسب ذات المتحدثة، “يجبر النساء في الكثير من الحالات على العودة إلى بيت الزوجية والعيش مع المعتدي”، وبالتالي ورغم المجهودات التي تقوم بها منظمات المجتمع المدني وصدور القانون الأساسي عدد 58، “لا يمكننا الحديث عن مقاومة العنف المسلط على النساء”.
تجدر الإشارة إلى أن أول مسح وطني حول العنف ضد المرأة، صادرٌ عن “المعهد الوطني للإحصاء” بتونس، تم نشره شهر مارس الماضي، كشف أن “42.7 بالمائة من النساء المتزوجات أو المطلقات أو الأرامل قد تعرضن للعنف مرة على الأقل من قبل أزواجهن أو أزواجهن السابقين”.
وفي السياق نفسه، بينت دراسة “المرصد الوطني لمناهظة العنف ضد المرأة”، “محددات العنف الزوجي”، أنّ أكثر أشكال العنف الممارس على الزوجات هو “العنف الجسدي، يليه العنف النفسيّ، وغالبا ما يسلط على الضحايا عنف جسديّ مصحوب بالعنف النفسيّ، كما يُرتكب العنف ضد الزوجات في نهاية اليوم مما يضطر الضحية إلى مغادرة منزل الزوجية ليلا”.
وأظهرت نفس الدراسة أن هناك صعوبات “تعيق إنفاذ القانون الأساسي عدد 58 لسنة 2017 للقضاء على العنف ضد المرأة”، بما يستدعي مزيدًا من دعم آليات ومسالك المتابعة والتنفيذ على المستويين الأمني والقضائي”.
وخلصت المقابلات التي قام بها المرصد مع النساء المعنّفات، إلى أنّ “القائم بالعنف غالبا ما يكرّر فعله، وأنّهن يضطرن للعودة إلى منزل الزوجية بعد تعنيفهنّ والعيش تحت وطأة الإهانة والضرب”.
أمّا بخصوص القائمين بالعنف، فقد بيّنت الدراسة أنّهم يعتبرون “العنف الأسري مسألة خاصة، لا يحق لأحد التدخل فيها ومتمسّكين سلوكياتهم العنيفة، مجسّدين بذلك عقلية الهيمنة الذّكوريّة و موروثا اجتماعيا مطبّعا مع العنف”.
هذا، وتحدد أرقام وزارة “المرأة والأسرة وكبار السن” التونسية، نسبة العنف الزوجي بـ81 بالمائة من مجموع حالات العنف المبلغ عليها عبر الخط الاخضر.
وينتمي 27 بالمائة من النساء المعنفات إلى الفئة العمرية بين 30 و39 سنة، و19 بالمائة منهن ينتمين إلى الفئة العمرية (40-49 سنة)، وحسب المستوى التعليمي فإنّ 18 بالمائة من النساء ضحايا العنف المتصلات بالخط الأخضر؛ لهن مستوى تعليمي جامعي و22 بالمائة منهنّ لهنّ مستوى تعليمي ثانوي، و16 بالمائة إعدادي، وأقلّ من 5 بالمائة من الأميات.