“بمجرد أن علمت بحملي مجددا، قررت منذ الشهر الأول البحث عن عمل لتأمين كل ما يحتاجه طفلي القادم. أتذكر أن العثور على وظيفة كان أمرا في غاية الصعوبة عندما كنت حاملا فيما مضى بابني الأول، حيث كان أرباب العمل يتجنبون توظيفي بسبب بطني البارز، فهم يرون بلا شك أن الحامل تشكل عبئا على الشركة بسبب عطلة الأمومة، وربما أيضا بسبب تأثير مسؤوليات الطفل الجديد على أدائها بعد العودة إلى العمل”، بعبارات كلها حسرة ومرارة، تحكي إكرام عن وضعها الحالي لمنصة “هنَّ”.
“شكلٌ من أشكال العبودية”
اليوم، تسارع إكرام الزمن من أجل إيجاد وظيفة قبل أن ينكشف أمر حملها، وتواجه بذلك عنفا صامتا لكنه قاسٍ، تصارع فيه عقلية بائدة تعزز الهشاشة الاقتصادية للمرأة الحامل، لتجعلها تقبع تحت رحمة الزوج المعيل؛ “أحتاج إلى الوظيفة من أجل المال، لتوفير كل ما يحتاجه أطفالي، فراتب زوجي وحده لا يكفي لتغطية العديد من الضروريات. أريد أن ينشأ أبناؤنا في جو أسري هادئ، مليء بالحب والأمان والرعاية، لكن الاستقرار المادي لا يقل أهمية أيضا. لن أكرر خطأ الماضي! علي الإسراع في إيجاد وظيفة قبل أن يبدأ بطني بالانتفاخ، فأواجه من جديد رفض المشغلين”، توضح إكرام.
هذا التمييز الاقتصادي الذي تعاني منه الحوامل من قبيل إكرام لا تسلم منه المتزوجات أيضا، وفدوى واحدةٌ منهنّ: “كثيرا ما أسمع في مقابلات التوظيف عبارات جارحة، مفادها أنني لن أستطيع التوفيق بين وظيفتي وأموري المنزلية والزوجية، كثيرا ما أجد إسمي في لوائح الانتظار، هذا إن وجدته أصلا، بينما تعج اللوائح الرئيسية بأسماء الذكور والإناث العازبات… نحن المتزوجات نبقى على الهامش دائما، لأن المشغلين دائما ما يترددون في توظيفنا، لاعتقادهم أننا غير قادرات على العطاء المهني، وهذه صورة نمطية مبالغ فيها وبعيدة عن الواقع”.
فدوى أم لطفل لم يتجاوز الثالثة من عمره، تحترف مجال الخدمات، لكنها لم تفلح بعد في الالتحاق بوظيفة مناسبة، وإن كانت لا تكف عن اجتياز المقابلات ومباريات التوظيف، تقول لـ”هنَّ”: “اقترح علي مركز للاتصال راتب 4000 درهم شهريا (400 يورو)، وهو مبلغ هزيل رفضته دون تردد، غير أنه برفضي فقدت هذه الفرصة إلى الأبد. أما عن شركات أخرى، فالمشكلة تكمن في أنني أم متزوجة. الجميع يعتقد أنني لن أكون مرنة في العمل من البيت أو خلال الليل أو السفر، لكنني أستطيع القيام بكل ذلك”.
خديجة الرياضي، الناشطة الحقوقية والرئيسة السابقة لـ”الجمعية المغربية لحقوق الإنسان”، اعتبرت في تصريحها لمنصة “هنَّ” أن وضعية النساء داخل الأسرة، وثقل المهام الملقاة على عاتقهن، “لهما تبعات وانعكاسات على حقوقهن في العمل”، مشيرة إلى أن المرأة “تدفع ثمن ذلك من حقوقها الاقتصادية والسياسية بسبب هذا الوضع الأسري غير العادل، في حين أن تلك المهام التي تثقل كاهلها هي مهام اجتماعية يجب أن يتحمل المجتمع بأسره مسؤوليتها”.
وأبرزت الرياضي أن التقسيم التقليدي للأدوار بين الجنسين يحتم على النساء القيام بالأعمال البيتية الشاقة دون أي مقابل، بينما يعفي الرجال من ذلك، وهذا ما تراه الرياضي “شكلا من أشكال العبودية الذي تشترك فيه نساء البادية مع نساء المدن”.
نظام باترياركي
تؤدي هذه الأعباء المنزلية المرهقة إلى استنزاف وقت النساء وجهدهن، ما يعيق قدرتهن على أداء واجباتهن المهنية بكفاءة، الشيء الذي يدفع العديد من المشغلين إلى التردد في توظيف النساء المتزوجات، باعتبارهن أقل تفرغا للعمل وأقل قدرة على الالتزام بساعات العمل الطويلة، وهو ما يرسخ التمييز ضد المرأة في سوق الشغل.
وتوضح الرياضي أن الأغلبية الساحقة من النساء “يشتغلن ساعات طوالا في أعمال شاقة بالبيت دون مقابل، دون أي تقييم اقتصادي يحفزهن، وكأنهن خلقن للقيام بهذه الأشغال، بينما هذا الوضع هو في الحقيقة نتاج ‘نظام باترياركي’ يستعبد النساء، ونظام رأسمالي يستفيد من هذا النظام الباترياركي ويعمل على استدامته واستمراره”.
وكحلول لتمكين النساء من حقوقهن الاقتصادية ومواجهة البطالة في صفوف المتزوجات والحوامل والأمهات، مع تقليص عبء المشاق المنزلية والسعي إلى المساواة بين الجنسين في أدائها، تدعوا الرياضي المشغلين إلى إنشاء “حضانات ومطاعم في أماكن العمل”، كما طالبت الدولة “بتوفير مغاسل شعبية ونواد مجانية وبجودة مقبولة للأطفال، حتى لا تضطر النساء إلى القيام بعملين مرهقين، داخل البيت وخارجه، من خلال الاعتناء بالأبناء وأمور البيت إلى جانب الوظيفة”.
وترى الرياضي أن “الأنظمة الرأسمالية لا تقبل مثل هذه الحلول، لأنها تريد الإبقاء على النساء في مرتبة دونية، لتستغلها أكثر وتستفيد من عملها المجاني داخل البيت”.
كما طالبت الناشطة النسائية الدولة إلى تغيير العقليات، “حتى يؤمن الجميع بأن المهام المنزلية من مسؤولية الرجال أيضا، مذكرة بالتزام المغرب بمبدأ إقرار المساواة بين الجنسين في هذا الجانب، في إطار المادة الخامسة من اتفاقية سيداو”.
وفي المقابل، تشدد على أن التصديق على اتفاقيات حقوق الإنسان بشكل عام هي واجهةٌ براقة تستعملها الدولة المغربية، “فلا وجود لإرادة سياسية فعلية لاحترام الحقوق، خاصة منها حقوق النساء”.
راتب زهيد
بينما ترفض فدوى الراتب الزهيد، هناك كثيرات يقبلن بأقل منه بكثير، حتى في حدود الحد الأدنى للأجر، أو أقل من ذلك في بعض الحالات، داخل مؤسسات تلجأ إلى تشغيل العاملات بطرق ملتوية، تتحايل بها على القانون ومدونة الشغل، مما يؤدي إلى مصادرة أبسط الحقوق المهنية للنساء.
في شركات “الكابلاج” مثلا حدث ولا حرج عن أجور ضعيفة تتراوح بين 2800 درهم إلى 3100 شهريا (من 280 إلى 310 يورو)، شركات تفضل تشغيل النساء فقط في مناصب دنيا وبمهام شاقة، ويسرى واحدة منهن.
تعمل يسرى بإحدى شركات أسلاك السيارات بالقنيطرة وتواجه وضعا مهنيا مزريا، لذا قررت أن تفتح قلبها لـ”هنَّ” لتبوح بما تعانيه: “أرهقتني ساعات العمل الطويلة في الشركة، مع استراحة يومية لا تتجاوز نصف ساعة. في بعض الأيام، نعمل لأكثر من 12 ساعة، ورغم ذلك لا أجرؤ على الاستقالة، فأنا بحاجة ماسة إلى لهذا المدخول مهما كان زهيدا. تركي لهذه الوظيفة يعني مواجهة البطالة لفترة طويلة، وهذا أمر لا أستطيع تحمله”.
تضيف يسرى: “نسمع الإهانات يوميا. سواء قمنا بالعمل كما يجب أم لا، هناك مراقبون يمرون علينا كل نصف ساعة ليعاينوا ما نقوم به، ولا بد لهم من الحديث معنا بشكل حاط من الكرامة، فقد يتحرشون، وقد يسبون، وقد نسمع منهم كلام بذيئا، وهم رؤساء ذكور بأجور جيدة، أما نحن الإناث فلسنا إلا مرؤوسات بأجر 2900 درهم”.
أمينة التوبالي، عضوة ائتلاف “المناصفة دابا”، ترى في تصريحها لـ”هنَّ” أنه لا يمكن التحدث عن “العنف الاقتصادي الذي تعاني منه النساء بالمغرب دون الإشارة إلى مسألة التفاوت في الأجور بين النساء والرجال، خاصة في القطاع الخاص. فالفجوة في الدخل لا تعكس فقط واقع التمييز في سوق الشغل، بل تتجسد أيضا في عراقيل أوسع تعترض تمكين النساء اقتصاديا، مما يحد من استقلاليتهن المالية، ويجعل الكثيرات منهن أكثر عرضة للهشاشة”.
ومن جهتها، تعتبر الرياضي أن “التمييز في الأجر بين الإناث والذكور مقابل نفس العمل لا يزال سائدا، رغم تصديق المغرب على اتفاقية منظمة العمل الدولية التي تحظر هذا التمييز”، مشيرة إلى أن هذا “يعد من أبرز أشكال العنف الاقتصادي ضد النساء المغربيات”.
هذا الوضع ليس معزولا عن السياق العام للمساواة بين الجنسين في المغرب، حيث لا يزال البلد يواجه تحديات كبيرة في هذا المجال. وفي هذا الإطار، تتأسف التوبالي لكون المغرب يحتل المرتبة 137 من أصل 146 دولة في مؤشر المساواة بين الجنسين (GLOBAL GENDER GAP INDEX 2024) الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، بحصوله على تنقيط 0.628، متراجعا بذلك بمركز واحد مقارنة بتصنيف 2023.
وجاء المغرب في الرتبة الثانية مغاربيا والـ12 على مستوى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بينما تتصدر الإمارات العربية المتحدة هذا التصنيف، باحتلال المركز الـ74 عالميا.
قطاعات بلا كرامة
وبالعودة للأوضاع الكارثية للنساء في بعض الأوساط المهنية كما هو الحال بالنسبة ليسرى، تبرز التوبالي أن نسبة تشغيل النساء في قطاعات غير مهيكلة كهذه يتجاوز 70 في المائة، وذلك لأسباب ترتبط بإشكالية تمدرس الفتاة خاصة بالعالم القروي، ما ينتج عنه “تأنيث الفقر”.
وبسبب الوضعية الهشة لهؤلاء العاملات، “يصبحن عرضة للاستغلال والتحرش أحيانا، خاصة وأن غالبيتهن يشتغلن في الحقول الفلاحية أو في المصانع وشركات النظافة، في غياب تام لاحترام بنود مدونة الشغل، والمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب”، توضح الناشطة النسائية.
بدورها، ترى الرياضي أن العدد القليل من النساء اللواتي يعملن في سوق الشغل الآن يتواجد أغلبهن في المجالات الأكثر استغلالا والأقل حماية، كما هو الحال في مجال “الكابلاج” ومعامل التصبير وصناعات النسيج، ثم كذلك في القطاع الفلاحي، الذي أظهرت مآسيه انتفاضة النساء في منطقة “شتوكة آيت باها” قبل أشهر، حيث “فضحن فظاعة الاستغلال الذي يتعرضن له، والتي تأتي بالأشكال الجديدة للعبودية”، وفق تعبيرها.
وتأسفت الرياضي لحال النساء اللواتي يمارسن الفلاحة المعاشية في الأوساط الأسرية دون أجر، حيث يشتغلن في حقوق الأب أو الزوج، ويقمن بعدد من المهام الصعبة، لكنهن لا يستفدن من المدخول الناتج عن عملهن. وعندما يعدن من الحقول إلى بيوتهن، يبدأن عملا آخر لا يقل صعوبة وهو العمل البيتي.
واستحضرت أيضا هشاشة عاملات النظافة اللواتي يستخدمن في الإدارات والشركات والمؤسسات العامة والخاصة، “إلا أنهن يتلقين أجورا يخجل المرء من تسميتها أجورا نظرا لضآلتها”، حسب وصف الرياضي.
وانتهزت الرياضي فرصة الحديث إلى المنصة للتذكير بمئات النساء العاملات بشركة “سيكوميك” في مكناس، اللواتي لا زلن يناضلن منذ سنوات مطالبة بالتعويض، حيث تم طردهن تعسفيا دون أجر، بينما توفي بعضهن بسبب عدم قدرتهن على توفير أدوية الأمراض المزمنة التي يعانين منها، ومنهن اللواتي اشتغلن 20 و30 سنة. لكل هذا وذاك تتساءل الرياضي باستنكار: “هل من عنف اقتصادي أفظع من هذا؟”.
تحرش وطرد
بينما تتجرع نساءٌ عديدات الويلات للحفاظ على عملهن وتتشبثن به، ورغم الظروف الحاطة من الكرامة في كثير من الأحيان، إلا أن شبح البطالة لا يخيف أخرياتٍ اخترن التمرد على الوضع رغم هشاشتهن، منهن رانية، التي عملت في متجر للملابس العصرية، حيث كانت تعاني تحرش المالك بها لأشهر طويلة.
تحكي رانية قصتها لمنصة “هنَّ” قائلة: كان مالك المتجر يحاول التقرب مني وكنت أعلم ذلك، لكنني تظاهرت بالغباء، كان يراسلني كثيرا ويتغزل بي ويمدح شكلي ومظهري. استمر الأمر على هذا الحال لعدة أشهر، فكنت أحاول تجاهله وعدم الاكثرات بما يقول، كنت أجيبه دائما بـ-شكرا أخي- وأغير الموضوع، إلى أن تمادى كثيرا، فبات كلامه يقض مضجعي، لذا كنت أوقفه عند حده من حين لآخر، وأطلب منه بكل أدب، ألا يتلفظ بمثل هذا الحديث مجددا”.
محاولات رانية لم تأتي بأية نتيجة، إلى أن جاء يوم طلب فيه مشغلها، بصريح العبارة، إقامة علاقة عاطفية معها، لحظتها ثارت في وجهه بغضب وقسوة: “لم أتمالك أعصابي حينها، فتحدثت إليه بلهجة شديدة، وطلبت منه أن يتركني وشأني، وأكدت له أنه لا شيء من الممكن أن يجمعنا غير العلاقة المهنية بين العامل والمشغل”. عندها، طلب منها ترك الوظيفة وعدم العودة إلى المتجر، فردت عليه “رزقي لا يتوقف عليك، ثم غادرتُ بصفة نهائية”.
مأساة رانية لم تقف عند هذا الحد، فرغم اشتغالها في المتجر لمدة 3 سنوات، والتصريح بها في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، ما يعطيها صفة أجيرة كاملة الحقوق بعقد دائما، حرمت رانية من راتبها الشهري الأخير وتعويضاتها المستحقة كاملة، خصوصا وأن المشغل لم يحترم مسطرة التسريح الجاري بها العمل في مدونة الشغل، والتخلي عنها بهذه الطريقة يعد طردا تعسفيا.
“طرقت باب مفتش الشغل، فسمع شهادتي، لكنني فضلت ألا أتحدث عن التحرش الذي تعرضت له، عندها أرسل المفتش استدعاء للمعني للمثول في مقابلة ودية بيننا، قصد تحديد المسؤوليات الملقاة على عاتقه وتمكيني من تعويضاتي كاملة، ولكنه لم يستجب، بل ورفض تسلم الوصل بجشع، وهكذا لم يعد بإمكاني الآن سوى تقديم شكاية لدى وكيل الملك، وتنصيب محام لتتبع الملف، وهو ما لا طاقة لي به”.
تعاني رانية ضائقة مالية صعبة، فهي لم تدفع إيجار المنزل الذي تقطن فيه لمدة شهرين، “حكيتُ لصاحبة المنزل عن وضعي وتفهمت، يجدر بي الآن إيجاد عمل جديد حتى أتمكن من دفع ما تراكم علي من ديون والوفاء بالتزاماتي اليومية. أحاول البحث عن فرصة عمل مناسبة، لكن الأمر ليس سهلا، خاصة بعد التجربة القاسية التي مررت بها”.
ورغم ذلك، لا تسمح رانية لليأس بأن يتسلل إليها، فهي مصممة على الوقوف من جديد، وإيجاد مصدر رزق يضمن لها حياة كريمة بعيدا عن أي استغلال أو ظلم: “في كل صباح، أخرج لاستكشاف الفرص المتاحة، أتنقل بين المتاجر والمكاتب، وأسأل المعارف عن أي وظيفة شاغرة. أحيانا، أشعر بالإحباط عندما لا أجد استجابة، لكنني أذكر نفسي بأن الاستسلام ليس حلا”، تضيف قائلة.
وبمجرد الوقوف على قدميها من جديد، تعتزم رانية مقاضاة المسؤول عن معاناتها اليوم، “لن أتنازل عن حقي وتعويضاتي مهما كلفني الثمن، لكنني أحتاج إلى الوقت لاستجماع قواي، وإلى المال لسداد المصاريف القضائية، وعندها سيكون لقائي به في المحكمة”.
امتناع عن التصريح بالاعتداء
في تعليقها على مثل هذه الحالات، قالت الناشطة التوبالي إن الحركة النسائية اليوم “تسجل العديد من حالات العنف الممارس داخل فضاءات العمل على أساس النوع، بالإضافة إلى حالات للتحرش بأشكال مختلفة، ترغم الكثيرات على مغادرة العمل”.
وأبرزت التوبالي أن النساء اللواتي يعانين من العنف أو التحرش في أماكن العمل “يجدن أنفسهن في وضعية صعبة تمنعهن من التبليغ عن الجريمة التي يتعرضن لها، خوفا من أحكام المجتمع الذي يلوم المرأة المعنفة دائما”.
وأضافت أن هذا اللوم يتجسد في عبارات كثيرة مثل “هذا بسبب لباسك” أو “تصرفاتك كلامك أغراه”، بينما يستثنى الرجل من أي شبهات.
وأوضحت التوبالي أن “بعض النساء المتزوجات يخشين من ردود فعل أفراد أسرهن، خاصة الإخوة أو الأب، مما يدفعهن إلى مغادرة العمل بدلا من التبليغ عن التحرش، خصوصا إذا كان هذا الفعل متكررا”.
وأوردت متأسفة أن “غالبية النساء اللواتي يتعرضن للتحرش عموما، سواء في الوسط المهني أو خارجه، يفضلن الصمت، وأن أكثر حالات التحرش والعنف المسكوت عنها تحدث في الفضاءات المغلقة، ما يصعب معه إيجاد شهود وإثبات الجرم لتقديم الشكوى”.
وأشارت الناشطة إلى أن النقابات العمالية يسيطر عليها الرجال، ولا يوجد تمثيل نسائي داخلها إلا نادرا، “ما يصعب على النساء المعنفات اللجوء إلى المكاتب النقابية العمالية لحل هذه المشاكل”.
“أما المعامل والمصانع، فهي في الغالب لا تتوفر أصلا على نقابات، ولا يوجد وسيط يمكن مخاطبته”، تضيف التوبالي.
وأكدت المتحدثة نفسها أنه “في حالة توفر المرأة على ضمان اجتماعي وحماية اجتماعية، يمكنها التوجه إلى مندوب الشغل وتتبع المسطرة القانونية، لكن حين تغيب هذه الحماية، تصبح الظروف أكثر قسوة، ويصبح من الصعب استرجاع الحقوق، خاصة في حالة العمل الموسمي أو غير المهيكل، حيث لا يوجد عقد يضمن حقوقها المهنية”.
وأضافت أن “النساء العاملات في مثل هذه الظروف يقبلن بشروط عمل قاسية، تفتقر إلى أدنى مقومات الكرامة الإنسانية والحقوق الأساسية، كما تمارس عليهن الضغوط إلى درجة اضطرارهن للتنازل عن حقوقهن وحتى عن وظائفهن، فقط لتجنب المشاكل”.
وفي ختام حديثها، دعت التوبالي إلى “ضرورة إعادة النظر في القوانين المجحفة التي تعرقل تمكين النساء من حقوقهن الاقتصادية، وتصعب عليهن التصريح بالعنف الذي يتعرضن إيه في أوساط العمل وخارجها”.
كما طالبت بتعديل بعض بنود قانون العنف ضد النساء 103.13 ليشمل جميع أنواع العنف في الفضاءات العامة وكذا الرقمية، ليساهم في حماية شاملة وحقيقية للنساء.
إقصاء وتهميش
من جهتها، أبرزت الرياضي أن “أكبر عنف اقتصادي ضد النساء هو إقصاؤهن من سوق الشغل، حيث أن 20 بالمائة فقط هي نسبة النشاط الاقتصادي، يضم المشتغلات والباحثات عن عمل، مقابل 71 بالمائة وسط الرجال”.
وترى الرياضي أن مظاهر العنف كالذي تعانيه يسرى، أو الذي مرت منه رانية، بالإضافة إلى أشكال أخرى من العنف تواجهها النساء داخل أماكن للعمل أو أثناء التنقل إليه في الشارع، “تعد من الأسباب الرئيسية لتراجع نسبة نشاطهن الاقتصادي”. وذلك ما أشار إليه المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي المغربي في أحد تقاريره السنوية، عندما قدم تحليلا لظاهرة “رجوع النساء إلى البيوت”.
وتوضح الرياضي عبارة “رجوع النساء إلى البيوت” قائلة: “وضع النساء في سوق الشغل كان أفضل قبل 20 سنة، ونسبة النشاط الاقتصادي وسط النساء المغربيات هي من أكثر النسب انخفاضا في العالم”.
“كيف يمكن الحديث عن أي حق من حقوق النساء وهن لا يتوفرن على دخل؟ بمعنى غير مستقلات ماديا؟ وحياتهن رهينة بغيرهن؟ هذا يفضح زيف كل شعارات الحداثة والديمقراطية بالبلاد!”، تخلص الرياضي.