العنف والسجن والابتزاز والتهجير.. أساليب تقوض مشاركة النساء في الحياة السياسية بتونس

في تونس ما بعد الـ25 يوليو 2021، أصبحت التونسيات تدفعن ثمنًا باهضًا بسبب مشاركتهن في الحياة السياسية والمدنية؛ فبمجرد أن يكون لهنّ ظهور لافت في وسائل الإعلام أو يحضرن في حراكٍ احتجاجي أو وقفات أو تظاهرات؛ إلا ويكنّ عرضةً لحملات تشهيرٍ إلكتروني على مواقع التواصل الاجتماعي، وفي حالات كثيرة تعرضن لتهديدات كبيرة في الفضاءات العامة، وعادةً ما تكون الناشطات الحقوقيات والسياسات أكثر عرضة من غيرهن للعنف والاعتداء بشتى أشكاله اللفظي والمادي والمعنوي. 

خلال السنتين الماضيتين، تعرضت نساء سياسيات لـ”محاكمات غير عادلة وإلى اقتياد إلى مراكز الأمن دون إذن أو ترخيص”، حسب العديد من الهيئات الحقوقية، كما تمت متابعتهن في محاكمات عسكرية، فضلا عن الابتزاز والتهديد وحملات الهرسلة (مفردة بالعامية التونسية أصلها فرنسي تعني التحرش)؛ وهتك الأعراض والسب والشتم وتشويه السمعة؛ وقد تعرضن لذلك بصفة دورية عبر وسائل الاتصال الرسمية والحديثة.

ففي 19 يناير 2023، وعلى إثر تصريح لها، حول تعليمات الرئيس قيس سعيد لقيادات بالجيش، تعرضت الناشطة شيماء عيسى، عضو “جبهة الخلاص”، لمحاكمة عسكرية بجملة من التهم من بينها “تحريض الجيش والتآمر على أمن الدولة، نشر وترويج أخبار وإشاعات كاذبة عبر شبكات وأنظمة معلوماتية بهدف الإضرار بالأمن العام والدفاع الوطني”.

كما تم إيقاف عبير موسي، رئيسة “الحزب الدستوري الحر” في الـ3 من أكتوبر 2023، على خلفية نشرها لفيديو ينقل تفاصيل توجهها إلى القصر الرئاسي لـ”إيداع مطلب تظلم وطعن في قرارات رئيس الجمهورية التونسية المتعلقة بالانتخابات المحلية”. 

واليوم تتابع موسي بتهم “الاعتداء المقصود منه تبديل هيئة الدولة وحمل الناس على مهاجمة بعضهم بعضا بالسلاح وإثارة الهرج والقتل والسلب بالتراب التونسي”.

تعرضت أسرار بن جويرة، رئيسة “جمعية تقاطع”، لحملة من الانتهاكات والمضايقات والهرسلة الإلكترونية وتهديدات طالت حياتها الشخصية، بعدما رفعت في إحدى الوقفات الاحتجاجية؛ لافتةً تتضمن شعارًا ينتقد الرئيس قيس سعيد، كما تم رفع 6 دعاوي قضائية ضدها منهم “هضم جانب موظف عمومي (إهانته)،  والعصيان المدني وخرق قرارات والي تونس”.

وأُطلقت حملة ممنهجة من العنف الإلكتروني والتهديد والتخويف ضد الصحفية وعضو النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين أميرة محمد، بعد تصريحات لها، تطرقت لـ”حجم التهديدات التي يتعرض لها الصحفيون بسبب أداء عملهم وبالتراجع المسجل في مناخ حرية الرأي والتعبير”.

وعلى خلفية حديثها على وضعية السجون في تونس، والانتهاكات التي يتعرض لها المعتقلون السياسيون في قضية المؤامرة، وعملية التنكيل التي مورست عليهم بحرمانهم من أبسط حقوقهم في الصحة والمتابعة الطبية، وجدت المحامية سنية الدهماني نفسها؛ متابعة في قضية على معنى الفصل 24 من المرسوم 54.

المرسوم 54، الذي تتابع به الرئيسة السابقة لنقابة الصحفيين بتونس، هو مرسوم وقعه الرئيس قيس سعيد في سبتمبر 2022، “يهدف إلى مكافحة المعلومات والشائعات الكاذبة على الإنترنت”، وتنص المادة 24 من هذا المرسوم على “السجن لمدة تصل إلى خمس سنوات وغرامة تصل إلى 50 ألف دينار”.

بعد أن زج باسمها في قضية” التآمر على أمن الدولة”، وجدت السياسية والمحامية والناشطة النسوية بشرى بلحاج حميدة، نفسها “مهجرةً قسرًا” في فرنسا، ومحرومة من حقها في العودة إلى بلدها تونس، وفي مواجهة سيل من العنف اللفظي والتشويه.

واعتبرت “منظمة العفو الدولية”، أن قرار السلطات التونسية “توسيع نطاق التحقيق الجنائي في قضية التآمر المزعومة بإضافة أربعة محامين معارضين إلى قائمة المتهمين هو علامة مقلقة للغاية بأنها تخطط لتشديد القمع”.

وهكذا تسببت حملات التشويه والمحاكمات والسجن والتهديد، الذي تعرضت له النساء الناشطات في المجال السياسي والمدني؛ في تراجع حضورهن في الفضاءات العامة، ومواقع القرار والمجالس المنتخبة بتونس.

وتقول مي العبيدي المتحدثة باسم “جمعية تقاطع”، من أجل الحقوق والحريات لمنصة “هنّ”، أنه بعد الـ25 جويلية 2021، جزء من الاعتداءات التي أصبحت تتعرض لها النساء في الفضاء العامة وخاصة منهن الناشطات في المجال المدني أو السياسي، “يتعرضن لها لأنهن نساء أي على أساس نوعهن الاجتماعي”.

وتضيف العبيدي أن “المكاسب التي تحققت بعد الثورة والمتعلقة بالتمثيلية المحترمة للمرأة في الفضاء المدني والسياسي وفي ما يهم التشريع للتناصف في المجالس المنتخبة وقانون مناهضة العنف ضد المرأة؛ تم ضربها جميعها فجأة”.

وتشرح الناشطة ذلك قائلة، “ألغي مبدأ التناصف الأفقي والعمودي وتحول ظهور النساء في وسائل الإعلام أو الفضاءات العامة إلى مصدر لحملات تشويه وعنف وتهديدن على مواقع التواصل الاجتماعي”.

وتشير العبيدي في حديثها لـ”هنَّ”، أن موجة العنف التي تم رصدها من قبل “جمعية تقاطع”، كان لها “الأثر الواضح على حضور النساء، إذ غابت المرأة عن البرامج الحوارية، وتراجع ظهور الناشطات السياسيات في الفضاء العام، وتقلص عدد المشاركات في الانتخابات كمرشحات أو كفائزات”.

واعتبرت أن ذلك يقرأ على مستويين، “تراجع عن المكتسبات وانتشار للعقلية الذكورية وإقصاء النساء من ناحية، وكذلك حالة الخوف التي يمكن أن تصيب عددًا من النساء من ناحية أخرى، ما تتسبب في انسحابهن من المشهد السياسي”.

وبالعودة إلى الى الحالات المرصودة من قبل “جمعية تقاطع” تشير مي العبيدي، إلى أن النساء بما في ذلك الأكاديميات، “يتم استهدافهن أخلاقيا بالسب والقذف في البداية، وبعدها يتم الانتقال إلى حياتهن الشخصية وشكلهن، كما يتم التمادي في العنف ليبلغ التهديد بالاعتداء الجنسي والاغتصاب بشكل مقزز ومهين للمرأة”.

“ولا تستثني العقلية الذكورية الاقصائية للمرأة التي تسيطر على الفضاء السيبراني، أيًا من النساء الناشطات، فقد تم رصد نفس العنف اللفظي على معارضات للسلطة ومرشحات قريبات من السلطة بمجرد تعبيرهن عن آرائهن أو اختلافهن عن الرأي الذكوري الغالب”، تضيف الناشطة.

ويمكن تصنيف ما تتعرض له النساء من اعتداءات، ضمن “الانتهاكات الممنهجة”، حسب توصيف الباحثة والناشطة النسوية جنين تليلي، نظرا لكل المؤشرات التي تشير إلى أن “السلطة السياسية لا تتبنى موقف التناصف ولا حقوق النساء ولا تعزز وجودهن الفعلي في النشاط والفضاء العام، بل بالعكس تتعمد التزام الصمت والغياب أمام جملة الانتهاكات والاعتداءات المسجلة”.

وبينت تليلي في حديثها لـ”هنّ”، أن الدولة التونسية “تراجعت خلال السنتين الماضيتين عن مكتسب مهم جدا حققته الحركة النسوية، وهو التناصف الأفقي والعمودي خلال الانتخابات التشريعية والانتخابات البلدية، الذي مكن المرأة التونسية من تحقيق نسبة حضور في مجلس نواب الشعب بـ36 بالمئة، أي بنحو الثلث في الوقت الذي أدى فقدان هذا المكسب إلى تراجع تمثيليتها في المجلس البرلماني الحالي إلى حدود الـ14 بالمئة”.

ونفس الأمر سجل في الإنتخابات المحلية الأخيرة التي كانت فيها النسبة في حدود الـ12 بالمئة وهي تمثيلية “ستنعكس مباشرة على حضور النساء في المجالس الجهوية وداخل الغرفة الثانية للأقاليم والجهات التي هي بصدد التشكل اليوم”، توضح الباحثة تليلي. 

اقرأ أيضا

  • “الشوارع لهم والبيوت لنا”.. الطريق الصعب للجزائريات نحو السياسة 

    بعد مرور خمس سنوات على اندلاع الثورة الشعبية المعارضة للنظام العسكري الجزائري، المعروفة بـ"الحراك"، والذي كانت المرأة إحدى طلائعه الرئيسية، فقد خرجن وهن على قناعة بأنه لن يكون هناك تغيير حقيقي أو ديمقراطية كاملة دون المساواة بين الجنسين، ولكن منذ فبراير 2019 إلى اليوم، جرت مياه كثيرة تحت جسر "الحراك"، مياه لا تزال المرأة الجزائرية…

    ليلى محمد|

  • هل سيدعم الجزائريون زبيدة عسول لتكون أول امراة تترأس البلاد؟  

     فاجأت المحامية والقاضية السابقة، زبيدة عسول؛ الساحة السياسية الجزائرية بترشحها للانتخابات   الرئاسية المقبلة المقررة في 7 سبتمبر 2024، وهو قرار اعتبره البعض شجاعا في ظل الانغلاق السياسي الذي تعيشه البلاد منذ سنوات. ترشح زبيدة عسول، زعيمة حزب "الاتحاد من أجل التغيير والرقي"، حرك المياه الراكدة حول الانتخابات في الجزائر، وسط صمت كبير من طرف…

    ماجدة زوين|

  • مبادرة نسائية مغربية ضد التطبيع من أجل الوقف الفوري لحرب الإبادة

    منظمات وهيئات نسائية، حقوقية وسياسية مغربية، توجه رسالةً مفتوحة إلى سفراء الولايات المتحدة الأمريكية، بريطانيا، ألمانيا وفرنسا، تحت عنوان "المبادرة النسائية المغربية من أجل الوقف الفوري لحرب الإبادة وضد التطبيع"، حملت هذه الدول "المسؤولية التاريخية أمام البشرية جمعاء كأجيال حاضرة ومستقبلية في هذه الحرب الدموية". وقالت الهيئات النسائية المغربية في رسالتها، أن هذه الدولة التي…

    Hounna | هنّ|

  •  :  إصلاح “مدونة الأسرة”.. الجدل بين المحافظين والحداثيين يقسم المغرب

    مع اقتراب انتهاء المهلة التي أعطاها العاهل المغربي، لتعديل "مدونة الأسرة"، قبل 26 مارس الجاري، يعيش المغرب انقساما بين المحافظين والحداثيين، فصفحة "المدونة كاتسنانا"، على موقع التواصل الاجتماعي "إنستغرام"، والتي ترفع شعار "في انتظار عهد جديد لقانون الأسرة في المغرب"،  لحملة أطلقتها، تظهر تطلعات المنظمات النسوية وجمعيات المجتمع المدني في المغرب، للإصلاح "مدونة الأسرة"، التي…

    Hounna | هنّ|

  • الفيديوهات

  • ختان البنات موروث ملطخ بالدم

    تنتشر ظاهرة ختان الإناث بصورة كبيرة في عموم مناطق موريتانيا، إذ تحتل البلاد المرتبة الثامنة عالمياً. ويعتبر ختان البنات موروثاً وتقليداً في المجتمع الموريتاني ويهدف إلى المحافظة على عذرية البنات و"تهذيب شهوتهن" الجنسية، وفقا للمدافعين عنه بينما تشجب فئات اجتماعة أخرى في البلاد هذه الظاهرة.

  • فاطنة بنت الحسين.. أسطورة العيطة وأيقونة الفن الشعبي في المغرب

    ولدت فاطنة بنت الحسين في منتصف الثلاثينات بمنطقة سيدي بنور، التابعة لدكالة، من عائلة قروية محافظة رفضت ولوجها مجال الغناء، نظرا للسمعة السيئة التي كانت ملتصقة بـ"الشيخة" وقتها. انتقلت فاطنة إلى مدينة اليوسفية، وهناك انضمت إلى فرقة "الشيخ المحجوب"، وزوجته "الشيخة العبدية"، لتحصد شهرة واسعة وصل مداها إلى مدينة آسفي، معقل "العيطة الحصباوية"، وبعدها مدينة…

  • ناسجات الحياة.. نساء بالحوز ينسجن الزرابي بين أنقاض الزلزال

    بالقرب من مركز جماعة أسني بإقليم الحوز، اجتمعت أربع نسوة بدوار "أسلدا" ينسجن الزرابي، بحثا عن مورد رزق، في كوخ من القصب ومغطى بالبلاستيك وورق التعليب، بعد أن دمر الزلزال المكان الذي كن يشتغلن فيه، والذي كان مقرًا لـ"جمعية الدوار"، قبل أن يحوله الزلزال إلى أطلال. في البداية، تحديدًا قبل ثلاثة سنوات من جائحة "كورونا"؛…

  • منع مسيرات تضامنية مع فلسطين “دعم لجرائم الإبادة”

    🟠 منعت مسيرات احتجاجية ضد العدوان الإسرائيلي، تخليدا ليوم الأرض الفلسطيني، نهاية الأسبوع الماضي، من طرف قوات الأمن في عدد من المدن المغربية، ما خلف تنديدا واستنكارا واسعينِ من طرف المشاركين في تلك الاحتجاجات.

  • العاملات الفلاحيات هنّ الأكثر تضررا من التغيرات المناخية

    🔶تعاني الدول المغاربية منذ سنوات من الجفاف على مدار السنة ، ما فاقم نسبة الفقر عموما بهذه الدول وخاصة لدى النساء، وفقدت آلاف العاملات في مجال الفلاحة مورد رزقهن.