بزيارة بسيطة إلى أيَّ قسم لمنتجات العناية الشخصية في أيها متجر أو مركز تجاري، ستلاحظ أن أسعار المنتجات الموجهة للنساء، والمغلَفة عادة بلون وردي، غالبًا ما تكون أعلى من تلك المخصصة للرجال، رغم أن المزايا والمكونات تكون متشابهة أو متطابقة إلى حد ما. ولكن النساء تدفعن أحيانًا أكثر مقابل نفس السلع لمجرد أن لونها وردي، وتلك ظاهرةٌ أصبحت تعرفُ بـ”الضريبة الوردية”.
ما هي الضريبة الوردية؟
انتشر مصطلح “الضريبة الوردية” لأول مرة في عام 1996 عبر مجلة “فوربس”، التي أظهرت أن النساء في ولاية كاليفورنيا ينفقن بشكل سنوي أكثر من الرجال بمقدار 1351 دولارًا على نفس المنتجات، مثل شفرات الحلاقة، الشامبو، مزيل العرق، والعطور، وغيرها. و لا تقتصر هذه الظاهرة فقط على منتجات العناية الشخصية، بل تمتد أيضًا إلى الملابس، الألعاب، وحتى السيارات، حيث غالبًا ما تُسعر المنتجات الخاصة بالنساء بشكل أعلى، رغم أن التكلفة الفعلية للإنتاج قد لا تكون مختلفة.
وفي المغرب، ومع الارتفاع المستمر في أسعار مختلف المنتجات والخدمات الأساسية، يشكل “عبء الضريبة الوردية” تحديًا إضافيًا للنساء، خاصة ذوات الدخل المحدود أو اللاتي لا يملكن أي مصدر دخل. وفي ظل غياب تشريعات واضحة تهدف إلى تخفيف تكلفة المنتجات الأساسية الموجهة للنساء، تجد العديد من المغربيات أنفسهن مضطرات للبحث عن بدائل أقل تكلفة أو الاستغناء عن بعض المنتجات الضرورية، مما يزيد من معاناتهن اليومية في تلبية احتياجاتهن الأساسية.
الوردي أغلى ثمنًا
منصة “هنَّ” زارت عددًا من المتاجر والمراكز التجارية بالمغرب، لإجراء مقارنة بين بعض المنتجات، حيث عاينت فروقات ملحوظة في أسعار بعض المنتجات الموجهة للرجال والنساء. فعلى سبيل المثال؛ شفرات الحلاقة النسائية التي تباع من قبل شركة معينة، تتراوح أسعارها بين 50 و90 درهمًا (حوالي 5 إلى 9 دولارات) للعبوة التي تحتوي على ثلاث شفرات، بينما نفس الشركة تبيع شفرات الحلاقة الرجالية بثمن يتراوح بين 60 و100 درهم (حوالي 6 إلى 10 دولارات) للعبوة التي تتضمن أربع شفرات، رغم أن الشفرات النسائية تحتوي على مواسٍ أقل.
في ذات البحث، لاحظت “هنَّ” أن مزيلات العرق النسائية، التي تقدمها شركة أخرى، تُباع بأسعار تتراوح بين 30 و50 درهمًا (حوالي 3 إلى 5 دولارات)، بينما مزيلات العرق الرجالية تتراوح أسعارها بين 25 و45 درهمًا (حوالي 2.5 إلى4,5 دولارات). وبالنسبة للشامبو، فإن المنتج الموجه للنساء ضد القشرة يُباع من نفس الشركة بأسعار تتراوح بين 35 و65 درهمًا (حوالي 3,5 إلى 6,5 دولارات) للعبوة 400 مل، بينما الشامبو الموجه للرجال ضد القشرة يُباع لنفس الشركة بأسعار تتراوح بين 30 و60 درهم (حوالي 3 إلى 6 دولارات) لنفس الحجم.
الضريبة الوردية.. تمييز أبوي ورأسمالي
حول هذا الفارق الصارخ في الأسعار، والذي يتشح بجندرية إقتصادية، للناشطة النسوية، منى رحياني رأيٌ، ترى فيه أن “الضرائب الوردية تزيد بشكل مصطنع من تكلفة المنتجات الموجهة للنساء، مما يقلل مباشرة من قدرتهن الشرائية. وهذا يجعل المنتجات الأساسية، مثل مستلزمات النظافة، أقل توفرًا لبعض النساء، خصوصًا اللواتي يعانين من دخل محدود. وفي المغرب، حيث تؤثر الفوارق الاقتصادية على العديد من النساء، تزيد هذه الظاهرة من حدة التمييز المنهجي”.
وتقول رحياني في تصريحها لمنصة “هنَّ”: “الضريبة الوردية هي في الوقت نفسه أداة رأسمالية وانحياز ممنهج. حيث تستغل الشركات الصور النمطية بين الجنسين لتبرير الأسعار المرتفعة للمنتجات النسائية، التي تكون غالبًا مشابهة أو مطابقة للمنتجات الرجالية. لكنها أيضًا انعكاس للمعايير الأبوية المتجذرة، حيث يُعتبر من الطبيعي أن تنفق النساء أكثر من الرجال على مظهرهن أو نظافتهن”.
وعن كيفية الحد من تأثير الضرائب الوردية تعتبر رحياني أن “النسوية يمكن أن تلعب دورًا حاسمًا في توعية النساء بهذه الظاهرة الاقتصادية غير العادلة وفضح هذه الممارسات أمام الشركات والمشرّعين. وفي المغرب، يمكن أن يشمل ذلك حملات توعية، ومبادرات جماعية تشجع النساء على شراء المنتجات المحايدة جنسياً، بالإضافة إلى دعوات لإصلاحات تشريعية تمنع التمييز في الأسعار”.
راتب متوسط تبتلعه الضرائب الوردية
لم يسبق لمريم (29 سنة)، وهي موظفة في إحدى الشركات الخاصة، أن سمعت من قبل بمصطلح “الضريبة الوردية”، ويبدو ذلك جليًا من جوابها: “بصراحة لم يسبق لي أن سمعت بهذا المصطلح. ولكن فعلا المنتجات الموجهة للنساء أعلى سعرا وكذلك احتياجاتهنّ تفوق تلك التي يحتاجها الرجل. بالنسبة لي، راتبي كله يُصرف على هذه المنتجات، ليس ترفا ولكنها ضرورة. وإلا فأنت أمام المجتمع لست أنثى بما يكفي”.
“أعرف أن الشركات التجارية تلجأ إلى العديد من الخدع التسويقية لجعلنا نقتني أكثر. ولكن المجتمع كذلك يفرض علينا هذا. بالعودة لتجربتي، أنا موظفة وعازبة وأساهم في إعالة أسرتي، أجري الشهري فعلا متوسط، ولكن طبيعة عملي تفرض علي، كما لا تفرض على الرجل، أن أكون دائما مرتبة وأنيقة لكي أُعتبر مهنية في نظرهم”، تتابع مريم حديثها شارحةً.
ولا تنكر المتحدثة فكرة أن النساء يشعرن بشعور الراحة والثقة بالنفس، “بعد اقتناء منتجات العناية الشخصية أو اقتناء الملابس. لكن هذا لا يسقط فكرة أن هذه المصاريف تشكل عبئًا على كاهل النساء. وهي ليس كماليات كما يمكن أن يقال. بل حاجيات ضرورية نحتاجها جميعا. فالرجل نفسه الذي يقول أن هذه كماليات، ترينه ينظر لزوجته التي لا دخل لها وبالتالي لا إمكانيات عندها للاهتمام بنفسها على أنها امرأة مهملة”.
الشفرات الرجالية وحفاظات الأطفال للتهرب من الضرائب الوردية
فاطمة الزهراء (23 سنة)، طالبة بسلك الماستر بجامعة محمد الخامس، ترى أن هذه الضرائب الوردية تؤثر بشكل أكبر على النساء ذوات الدخل المنخفض أو اللواتي لا يملكن أي مصدر دخل.
وتقول لـ”هنَّ”: “أنا شخصيا لازلت طالبة، وأعتمد على المنحة الجامعية التي لم تُصرف بعد رغم مرور ثلاثة أشهر على بداية الدراسة. حتى وإن كانت قيمتها محدودة، فالمنحة تساعدني في تغطية حاجياتي الشخصية دون إثقال كاهل والدي”.
وتشرح الشابة في حديثها لـ”هن”: “لأنني أعرف أن أثمنة منتجات الرجال أرخص سعرا من تلك الموجهة للنساء، فإنني أشتري غالبا شفرات الحلاقة ومزيلات العرق الرجالية التي تكون رائحتها مناسبة لي. وبالنسبة للفوط الصحية، فقد اعتدت منذ فترة طويلة، على استخدام حفاظات الأطفال. فهي أقل ثمنا وأكثر فعالية في بعض الأحيان.
تسألها معدة هذا التقرير فتجيب الشابة بشكل واضح أن “شراء علبة فوط صحية، الأرخص سعرًا، والتي يبلغ ثمنها 10 دراهم، يعد عبئا ماليا كبيرا بالنسبة لفتاة من أسرة محدودة الدخل مكونة من أربع إناث”.
وتختم فاطمة الزهراء كلامها مازحة: “أنا كنتسنى ديك 2250 درهم (224 دولار) باش نحقق بيها أحلامي” وتتابع: “لا حل لنا سوى أن نتأقلم ونتعايش… فأمهاتنا وجداتنا لم يكن يسمعن لا بالفوط الصحية ولا ببروتينات العناية بالبشرة”.