السُّمْنَةُ، مفهوم جعل كتلة المرأة مرادفًا لثراء الأهل، وشرطًا للزواج في موريتانيا، فهي معيار للجمال لدى المجتمع الموريتاني، وعلى الرغم من خفوتِ التسمين القسري التقليدي، المعروف محليًا بـ”لَبْلُوحْ” أو “اَلتًّبْلَاحْ”، والذي تدرجه الكثير من المنظمات الحقوقية في خانة “العنف ضد المرأة”، إلا أن بعض الشابات تقمن بممارسات جديدة من أجل الوصول لهذا “المثل الأعلى” من جسد المرأة، تتمثل في اللجوء إلى عقاقير وأقراص طبية، بعضها غير صالح للإستعمال الآدمي، ورغم خطورة ذلك عليهن، إلا أنهن يعتبرن أن السمنة تزيد المرأة جمالًا، تجعلها محط إعجاب الرجال وترفع من حظها في الزواج.
حجم الحب من حجم المرأة
“لم يكن وزني يمثل مشكلة على الإطلاق عندما كنت أدرس في المغرب، ولكن في كل مرة كنت أعود في إجازة إلى موريتانيا، كانت عمتي تجبرني على تناول الطعام، فهناك اعتبروني نحيفة. ويقولون للزوار أنني مريضة لتبرير وزني… فلكي أكون جميلة، عليّ أن أزيد وزني”، بهذه الكلمات تشرح الظاهرة، الشابة الموريتانية أسماء.
ومثل أسماء ذات الـ28 عاما، تتعرض العديد من الشابات الموريتانيات، لضغوط مستمرة لزيادة الوزن ليس فقط من صديقاتهن وعائلاتهن، ولكن أيضًا من الغرباء في الشارع.
وترى هذه الفئة -التي تشكل 70 بالمائة من سكان الجمهورية الإسلامية الموريتانية، خاصة شريحة البيض الذين يشكلون نخبة السلطة-، أن “بدانة الإناث هي معيار الجمال”، وهي من الأشكال المهيبة، التي يمتدحها الشعر الموريتاني، في مرادفة للجمال الأنثوي والغنى والصحة الجيدة.
وترتبط زيادة الوزن أيضًا ارتباطًا وثيقًا بمسألة الزواج، ففي الماضي، كان يتم إرسال الفتيات، لا تصل أعمار بعضهن عشرسنوات، إلى البادية لإطعامهن قسرًا لعدة أشهر بكميات هائلة من حليب الإبل والعصيدة، حتى يسمن، ولطالما فقدت البنات بسرعة مظهرهن الطفولي، وبالتالي أصبح بإمكانهن الزواج.
وعلى الرغم من أن هذا التسمين القسري التقليدي بدأ يختفي تدريجيًا، إلا أنه لا يزال يُمارس، خاصة في البوادي والمناطق القروية. ولا يزال يؤثر على حوالي 40 بالمائة من الشابات، بحسب تصريح الشابة أسماء لـ”هنَّ”، فـ”اليوم لا يزال الهوس بجعل المؤخرة مستديرة، الأذرع والأرداف ممتلئة قائمًا بين النساء”.
في حديثها مع منصة “هنَّ”، تؤكد أسماء، على أن مقولة، “تحكم لمرة من لخلاك اللي تحكم من لفراش” (تحتل المرأة من قلب الرجل نفس المساحة التي تحتلها من سريره)، لا تزال راسخة في العقليات، ومن أجل ذلك فالعديد من الشابات يسمن أنفسهن لتلبية معايير الجمال تلك.
ولـ”هنَّ”، تقول المامية، وهي في العشرينيات من عمرها، “عندما كنت في الخامسة عشرة من عمري، أخبرني الجميع أنني يجب أن أزيد وزني، وأن الرجال لن يهتموا بي لأنني نحيفة للغاية”.
الطريق الخطر لزيادة الوزن
لضمان تحقيق هدفهن، أصبحت الموريتانيات يتجهن إلى المتاجر المغربية في العاصمة نواكشوط، لشراء أدوية تفتح شهيتهن، وكذلك زيوت للتدليك من أجل تحسين منحنيات أجسادهن، وفي ظل غياب النتائج المنشودة، تتوجه الكثيرات الآن إلى الصيدليات، ليحصلن على شراب متعدد الفيتامينات، أو حبوب كورتيكوستيرويد، أو مضادات الهيستامين، التي تسبب زيادة سريعة في الوزن عند استخدامها لأغراض غير تلك التي أنتجت لها.
المامية، التي كشفت لـ”هنَّ” هذه التفاصيل، تناولت هذه الحبوب سرًا بناءً على نصيحة صديقتها، عندما كان عمرها 18 عامًا، بعدما تعرضت لضغوط من عائلتها، وفي أسبوعين اكتسبت الشابة 20 كيلوغراما… “عندما تغير شكلي، هنأني الجميع”.
والأسوأ من ذلك أنه منذ العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ظهرت أقراص جديدة بين شابات العاصمة الموريتانية، “أقراص الديكساميثازون”، وهي حبوب تسمى محليا “دردك”، ومصممة لتسمين المواشي، تباع في السوق السوداء على الرغم من قانون 2010 يحظر البيع غير القانوني للأدوية، ويمكن شراؤها بسعر يتراوح بين 150 و200 أوقية.
وقتلت حبوب “دردك” في الأسبوع الأول من يناير 2017، عروسًا بالعاصمة نواكشوط، في ليلة زفافها الأولى، بسبب تناولها أقراص “علاج البقر” تلك، والتي تناولتها من أجل زيادة وزنها، وأصيبت بالضغط وخفقان شديد، نقلت على إثره إلى المستشفى الذي لم تصل إليه، إذ توفيت في الطريق، بسبب سكتة قلبية.
آثار خطيرة على الصحة الجسدية والعقلية
آثار هذا الهوس بزيادة الوزن، سلبية على صحة الشابات، فـ”بهذه الأدوية، لن يتم التعرف على الفتاة خلال ثلاثة أسابيع، تصبح مشوهةً لأن الجزء العلوي فقط من الجسم هو الذي يتطور”، تشرح أسماء.
تورم الذراعين، مرض السكري، أمراض القلب والأوعية الدموية، وكذلك خطر العقم، وغيرها من العواقب الصحية العديدة، وفي بعض الحالات يمكن أن تصل إلى الوفاة.
“لقد حذرتني صديقتي من أن تناول هذه الحبوب يمكن أن يصيبني بالصداع أو ألاحظ أن قلبي يتسارع”، توضح المامية، مضيفةً أنها “طريقة سريعة وسهلة لزيادة الوزن، ولكن لها العديد من الآثار الجانبية الخطيرة”، ورغم أن الأقلية تتجاهل العواقب، فإن الأغلبية تعرف المخاطر، ولكنها على استعداد لفعل أي شيء من أجل الجسم المنشود.
وبالنسبة لهاته الشابات العالقات بين الرغبة في تلبية صورة المرأة في عيون المجتمع ورغباتهن العميقة، فإن الخطر نفسي أيضًا، “أرى أن بعض الفتيات يزدن من وزنهن فقط بسبب كلام الناس ولإرضاء الرجال… إنهن يتسببن بون في أضرار لأجسادهن وينتهي بهن الأمر بعدم الشعور بالراحة فيها” تقول أسماء بأسف.
وتكافح الكثيرات من أجل قبول أجسادهن الجديدة التي لم يعودن راضياتٍ عنها، الأمر الذي يسبب لهن نوعا من عدم الراحة النفسية، “بدأت أعاني من الكثير من علامات التمدد وبطني صار كبيرًا، إني أشعر بعدم الأمان، وإذا اضطررت إلى القيام بذلك مرة أخرى، فلن أتناول تلك الحبوب” تعترف الشابة، خاتمةً تصحريها لـ”هنَّ”، “أنا لست على ما يرام اليوم”.
هذا، وتقول مجلة “هارفرد” الدولية، أن “18.5 بالمائة من النساء الموريتانيات يعانين من السمنة”، مقارنة بـ”6.6 بالمائة فقط من الرجال”، وفق أرقام تعود إلى سنة 2016.
وكشفت دراسة سابقة أجرتها وزارة “الشؤون الاجتماعية والطفولة والأسرة” الموريتانية أن “عملية التسمين تنطلق مع سن العاشرة وأحيانًا منذ السادسة، ويتواصل ذلك بين سنة وأربع سنوات في غالب الأحيان وقد تطول المدة لأكثر من خمس سنوات”.
الدراسة ذاتها، تؤكد أن “60 في المائة من النساء اللواتي تم استطلاع آرائهن، أكدن اقتناعهن بفوائد السمنة ومزاياها”، مشيرة إلى أن “كل امرأتين من أصل خمس نساء موريتانيات، عبرن عن قناعتهن بأن السمنة تزيد المرأة جمالًا وتجعلها محط إعجاب الرجال والنساء، وأن المرأة السمينة أجمل بكثير من المرأة النحيفة”.